أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الحركة العمالية والنقابية - خالد منصور - العمال الزراعيين في فلسطين والاستغلال الفظيع















المزيد.....

العمال الزراعيين في فلسطين والاستغلال الفظيع


خالد منصور
عضو المكتب السياسي لحزب الشعب الفلسطيني


الحوار المتمدن-العدد: 1923 - 2007 / 5 / 22 - 11:20
المحور: الحركة العمالية والنقابية
    


لم يخطر بباله يوما انه لن يعود للعمل داخل إسرائيل .. فقد خطط حياته بناء على ما كان يتلقاه من أجور لقاء عمله في سوق الخضار بمدينة نتانيا الإسرائيلية.. بنا منزلا جميلا وأثثه بأثاث راق استنفذ كل مدخراته.. اعتاد أن يأكل ويلبس ويتصرف بمستوى جيد جدا- إن لم يكن ممتازا.. وفجأة وبدون سابق إنذار ومع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية، وجد أبو سليم نفسه ممنوعا من العودة إلى مكان عمله، وأقفلت جميع أبواب العودة بوجهه، حيث أغلقت إسرائيل سوق العمل بوجه مئات آلاف العمال الفلسطينيين، كوسيلة وسلاح للضغط على الشعب الفلسطيني لدفعه للاستسلام والخضوع، والتوقف عن نضاله في سبيل حريته وخلاصه من استعمارها الاستيطاني واحتلالها لأرضه.. في البداية اعتقد أبو سليم أن الأمر لن يستمر أكثر من عدة أسابيع أو حتى بضعة أشهر، وقال في نفسه-- يمكنني تحمل البطالة وعدم العمل ما دام بجيبي بعضا مما وفرته من قروش بيضاء لأيامي السوداء-- ولكن الأمر طال أكثر، وامتدت الانتفاضة وتصاعدت، وزادت إسرائيل من وتيرة قمعها للشعب الفلسطيني، وفاقمت من صعوبة حياة السكان، وفرضت الاغلاقات الداخلية، وأقامت مئات الحواجز لتفصل المدن عن القرى والقرى عن بعضها البعض... وبدا حلم أبو سليم بالعودة للعمل داخل إسرائيل بالتلاشي.. وبدا الجوع يقرص أمعاء أطفاله، ففكر وأمعن التفكير في ماذا يفعل، وهل يتجه للعمل داخل الوطن المحاصر..؟؟ أم ينتظر مزيدا من الوقت..؟؟ وهل يمكن له القبول بالعمل في بلده براتب لا يزيد عن الخمسين شيقلا بالحد الأقصى، بعد أن كان يتلقى أجرا أسبوعيا يتجاوز الألف شيقل..!! لقد كانت مفاضلة صعبة للغاية، فهل يقبل بها..؟؟ لكن الحاجة جعلت أبو سليم أن يقرر في النهاية القبول بالخمسين شيقلا في بلاده، لأنه ليس أمامه من بديل..
ولان العمل في قطاع البناء الفلسطيني كان في ذلك الوقت شبه مشلول، وكذلك المؤسسات الصناعية أيضا شبه مقفلة .. والاهم لان التنقل بين مكان سكنه في مخيم الفارعة ومدينة نابلس كان صعبا جدا .. فقد قرر أبو سليم أن يبحث عن فرصة عمل له في القطاع الزراعي.. ومن حسن حظه أن مكان سكنه يقع في منطقة زراعية تعتبر من أجود وأخصب الأراضي الزراعية الفلسطينية، كما وان المزارعين وأصحاب الأراضي فيها هم من أنشط المزارعين وأكثرهم خبرة بالأساليب الزراعية الحديثة، وهم يمارسون الزراعة كأحد أشكال الاستثمار الاقتصادي..وقد أتاح كل ذلك لابو سليم وللعشرات من العمال أمثاله فرصة كبيرة لاستيعابهم في العمل بالقرب من أماكن سكنهم.. وبالفعل فقد اتجه أبو سليم للعمل في احد المزارع-- لقاء اجر يساوي خمسين شيقلا في كل يوم.. وبدا أبو سليم العمل، وكان يبدأ يومه عند الساعة السادسة والنصف صباحا، وينهيه عند الساعة الثالثة والنصف بعد الظهر، يقطف طوال النهار ثمار البندورة آو الخيار، ويقلع البطاطا أو البصل، أو يقوم بتعبئة المنتوجات في الصناديق أو الأكياس أو يضعها في الشاحنات.. في ظروف جوية غاية في الصعوبة-- تحت أشعة الشمس الحارة، أو البرد القارص، وكان يستمر بالعمل بشكل متواصل ودون أي وقت للراحة—إلا ذلك الوقت المخصص لوجبة الطعام الوحيدة وهي الإفطار التي يجب أن لا تتجاوز النصف ساعة..
وأبو سليم رب أسرة تعداد أفرادها عشرة، ومن البديهي أن لا يتمكن أبو سليم من تغطية كافة احتياجات أسرته من ذلك الأجر المساوي لخمسين شيقلا، ولذلك اضطر أبو سليم لإخراج اثنين من أبنائه من المدارس ويحرمهم من حقهم الطبيعي بالتعليم ليأخذهم معه إلى العمل .. ولأنهم فتيان فقد كان أجرهم لا يتجاوز الأربعين شيقلا... وصبر أبو سليم على هذا الظلم والتمييز، ونظر حوله فوجد أن الظلم الذي يطاله هو اقل بكثير مما يطال غيره من العمال، حيث هناك النساء اللواتي يعملن معه وبنفس القدر وبنفس الظروف-- لا يتجاوز اجر الواحدة منهن ثلاثين شيقلا.. وواصل أبو سليم العمل حتى جاء موسم الربيع، حيث فيه تتم زراعة الخيار الربيعي، وقرر أبو سليم أن بأخذ ثلاثة دونمات من الأرض المزروعة بالخيار من مالك الأرض، على أن يأخذ حصة من مبيعاتها تساوي 40% ، مقابل عملية القطف والتعبئة، وفي العام الأول حقق أبو سليم دخلا لا باس به، لكن وعندما جاء موسم الخيار الربيعي في العام الذي تلاه، أعاد صاحب الأرض النظر بالاتفاق، وفرض على أبو سليم أن تكون حصته فقط 30% ، وفرض أن تزيد مسئوليات أبو سليم أكثر فأكثر.. ومع ذلك قبل أبو سليم الاتفاق الجديد، لأنه لا يستطيع فرض شروطه على المالك، وكان يمكن للمالك في حالة رفض أبو سليم للاتفاق أن يجد وبسهولة العشرات من العمال البديلين، والذين هم على استعداد للقبول بالعرض الجديد وبأقل منه.. وهكذا أصبح الدخل اقل بكثير من العام الذي سبقه، وأصبح تعب وعرق أبو سليم وأبناؤه جميعا-- وحتى زوجته وباقي أطفاله-- لا يحقق لكل واحد منهم ما يساوي الأربعين شيقلا باليوم الواحد.. وبدا أبو سليم بالتذمر والتحدث مع أمثاله من العمال، وخصوصا انه وأثناء عمله في إسرائيل احتك مع عمال آخرين من يهودا وعربا من مواطني دولة إسرائيل، وتعرف على بعض قوانين العمل، ولمس أهمية التنظيم النقابي، والفوائد التي يحققها للعمال.
لكن أبو سليم اكتشف انه ليس هناك في بلادنا تنظيم نقابي للعمال الزراعيين، وان الأجسام النقابية القائمة ما هي إلا هياكل ورقية بعيدة كل البعد عن آلام ومعاناة العمال، وما متفرغيها إلا بيروقراطيين أدمنوا الجلوس على الكراسي والعمل المكتبي، ولا يتابعون قضايا العمال، ولا يساعدون على حل مشاكلهم، بل وهم في أحيان كثيرة، يغلبون علاقاتهم بأصحاب العمل، على مصالح العمال، ولم يخوضوا طيلة حياتهم النقابية نضالا واحدا-- رغم ما يتبجحون به من وجود آلاف العمال المسددين لاشتراكاتهم ( وهي الاشتراكات المجبية من العمال قسرا، من وراء بطاقات التامين الصحية، أو من وراء إطلاق الشائعات عن وجود مشاريع تموين أو مساعدات ).. وقد لمس أبو سليم كل هذه الأمور بسهولة وذلك أثناء زياراته المتكررة لمقر اتحاد النقابات، وأثناء تقديمه لشكواه وشكوى كل العاملين الزراعيين-- الذين يتم استغلالهم بصمت وبشكل فظيع، ويعيشون ظروف عمل قاسية جدا، حيث أن أصحاب المزارع الذين يشغل الواحد منهم أعدادا كبيرة من العمال، لا يتقيدون بساعات عمل محددة، ولا يعطون العمال إجازات أسبوعية مدفوعة الأجر، ولا حتى إجازات مرضية، ولا بدل إصابات عمل... ويروي أبو سليم كيف أن احد العمال لدغته عقرب، فما كان من صاحب المزرعة إلا أن أرسله إلى البيت، ولم يدفع له حتى ثمن العلاج الذي تلقاه عند الطبيب، بل وأعطاه فقط أجرة نصف يوم العمل..
ويتساءل أبو سليم ومثله اليوم آلاف العمال الزراعيين، الذين عادوا مع اندلاع الانتفاضة الثانية للعمل في الزراعة والأرض، بعد أن أغلقت إسرائيل وكوسيلة عقاب جماعي سوق العمل المتواجد عندها.. يتساءلون عن دور الاتحاد العام لنقابات العمال في رفع الظلم عنهم، ومتى يصبح لهم نقابة خاصة-- تتولى شئونهم وترعاهم، وتقف معهم في وجه أصحاب العمل الذين يستغلونهم، ويتعاملون معهم في أحيان كثيرة كالعبيد.. يتساءلون عن التمييز في الأجور بين النساء والرجال الذين يقومون بنفس العمل.. يتساءلون عن تشغيل الأطفال، وعن حرمانهم من الإجازات الأسبوعية والمرضية، وعن حقوقهم التي يكفلها لهم قانون العمل الفلسطيني.. يتساءلون عن دور وزارة العمل ومفتشيها.. ويقولون: أليس من واجب هؤلاء المفتشون زيارة مواقع عمل العمال الزراعيين..؟؟ كي يكتشفوا الظلم الشنيع هناك، حيث لا حمامات ولا وحدات صحية، ولا تامين ولا تقيد بساعات العمل..ولا ولا ولا .. الخ
ومن المؤكد انه ستبقى أوضاع العمال الزراعيين تسير من سيئ إلى أسوا.. بانتظار نشوء تنظيم نقابي حقيقي لهؤلاء العمال.. يساعد في بنائه اتحاد نقابات حقيقي للعمال..



#خالد_منصور (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في الحنين للديار الفلسطينية الاولى - ليلة من ليالي ام الزينا ...
- في ذكرى النكبة الكبرى للشعب الفلسطيني - مخاوف وثوابت اللاجئي ...
- في ذكرى النكبة الفلسطينية - من مفكرة لاجئ - يوم صمتت مدافع ا ...
- قصة كفاح ومعاناة عامل فلسطيني - من اجل لقمة عيش
- وزير يحترم نفسه
- حكومة للوحدة ام حكومة للفلتان
- في عيد الام - اه يا امي .. ما احوجني اليك
- لا صوت يعلو فوق صوت المحاصصة
- ليسمح لنا الاستاذ حافظ البرغوثي
- لا بد من إسماع رايس كلمة لا كبيرة
- الرفاق حائرون
- الشعب يتهم
- أشكال الاحتجاج الحالية ضد الاقتتال الداخلي لم تعد كافية
- سبل الخروج من المازق الفلسطيني
- مسيرة التنمية تتواصل رغم التحديات
- باي حال عدت يا عيد
- بدنا حل
- يا هيك النساء يا بلاش - حانونيات فلسطينيات
- المتمردون
- - شهداء وضحايا


المزيد.....




- الطلاب المؤيدون للفلسطينيين يواصلون اعتصامهم في جامعة كولومب ...
- لو الفلوس مش بتكمل معاك اعرف موعد زيادة المرتبات الجديدة 202 ...
- المكتب الإقليمي للجامعة الوطنية للصحة ببني ملال يندد بالتجاو ...
- استقالة المتحدثة الناطقة بالعربية في الخارجية الأمريكية احتج ...
- استقالة متحدثة من الخارجية الأميركية احتجاجا على حرب غزة
- سلم رواتب المتقاعدين في الجزائر بعد التعديل 2024 | كم هي زيا ...
- الصين تفرض حياة تقشف على الموظفين العموميين
- “زيادة 2 مليون و400 ألف دينار”.. “وزارة المالية” تُعلن بُشرى ...
- أطباء مستشفى -شاريتيه- في برلين يعلنون الإضراب ليوم واحد احت ...
- طلبات إعانة البطالة بأميركا تتراجع في أسبوع على غير المتوقع ...


المزيد.....

- تاريخ الحركة النّقابيّة التّونسيّة تاريخ أزمات / جيلاني الهمامي
- دليل العمل النقابي / مارية شرف
- الحركة النقابيّة التونسيّة وثورة 14 جانفي 2011 تجربة «اللّقا ... / خميس بن محمد عرفاوي
- مجلة التحالف - العدد الثالث- عدد تذكاري بمناسبة عيد العمال / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- نقابات تحمي عمالها ونقابات تحتمي بحكوماتها / جهاد عقل
- نظرية الطبقة في عصرنا / دلير زنكنة
- ماذا يختار العمال وباقي الأجراء وسائر الكادحين؟ / محمد الحنفي
- نضالات مناجم جبل عوام في أواخر القرن العشرين / عذري مازغ
- نهاية الطبقة العاملة؟ / دلير زنكنة
- الكلمة الافتتاحية للأمين العام للاتحاد الدولي للنقابات جورج ... / جورج مافريكوس


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الحركة العمالية والنقابية - خالد منصور - العمال الزراعيين في فلسطين والاستغلال الفظيع