أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد موسى - مكابدات الرحّال الرحلة الشاقة الجزء الثالث















المزيد.....

مكابدات الرحّال الرحلة الشاقة الجزء الثالث


سعد محمد موسى

الحوار المتمدن-العدد: 6561 - 2020 / 5 / 11 - 00:54
المحور: الادب والفن
    


حسناً يا صديقي إستعجل بتحضير نماذج النزول إذن وإستعد، يجب علينا النزول في بواكير الفجر بعجلة الحانوت الى الخطوط الخلفية، ومن هناك نستقل عجلة أخرى الى بلدة "حاج عمران" في مدينة اربيل، همس الرحّال بصوت خافت يشوبه الخوف.
سأذهب حالاً كي أملأ نماذج النزول بالمعلومات والأسماء، وعلينا أن نفاتح سائق حانوت عجلة "الإيفا" بأمر اصطحابنا، علينا الاسراع بمغادرة الوحدة العسكرية قبل وصول البريد الى إستخبارات اللواء، أجاب السالمي وهو يحاول إطفاء سيجارته قبل مغادرة الساتر.
أنتظر الرحال عودة السالمي وكان الوقت يمر ببطء وعقارب الساعة مثل مديّة تمزق جسد الانتظار والترقب.
إنتاب الرحّال هاجس الخوف والأمل أيضاً، وهو يشعر بأنه بات مثل عربة تجرّها خيول وحشية تلهث فوق لهيب الحرائق، وأوصال الجنود المتناثرة في الأرض الحرام، بحثاً عن وطن آخر خلف الحدود أو حدائق، تغفو فيها فراشات في حضرة زهور عباد الشمس.. أو أمنية للجلوس في مقهى خالي من مراقبة المخبرين السريين وارتشاف فنجان قهوة فوق طاولة يتثاءب فوقها الشعر والسلام.
جاء السالمي بعد ساعتين كأنها دهران من الانتظار ملوحاً بنماذج النزول الكاملة والمختومة، تعانقا بفرح يشوبه رغبة بالبكاء.
ثم أخبر كريم صاحبه عن كيفية اختراع وسيلة لإيصال البندقية الى مشجب سلاح الوحدة دون اثارة الريبة.
حَدَّقَ الرحّال في بندقية الكلاشنكوف ثم بصق عليها وركلها وهو يسب ويلعن صناع الأسلحة والموت والحروب وسماسرتهم السفلة.
مازال الجنود نائمين وراء السواتر وفي الخنادق، ما عدا الحراس المدججين بالأسلحة وكانوا في واجب حراسة الوحدة العسكرية ومقرات الضباط. انتظر الصديقان الوقت الذي يغادر به السائق فحَثا الخطى نحو موقع عجلة الحانوت، المغطاة برداء التمويه الجبلي وأيقظا السائق قي غبش الفجر الكسول.
أنتظر الرحال والسالمي سائق الحانوت حتى يغسل وجهه ويقضي حاجته، ثم يتناول قدح الشاي ويدخن سيجارته ويعتمر طاقيته ويلمع بسطاله.
بعدها قفز الرفيقان إلى حوض عجلة الايفا المغطاة بقماش عسكري ثقيل، مع صناديق فارغة تنبعث منها روائح خضار وفاكهة عفنة، ثم فاتح الرحال صديقه بخطته وعن ثقته بصديقة الكردي ذي الأفكار الماركسية "كاكه حمه"، الذي لن يبخل بمساعدتهم في تلك الرحلة وقد كانت تربط الرحال مع حمه صداقة منذ أيام الدراسة الجامعية. وسبق وأن زار الرحال صديقه كاكه حمه عدة مرات في داره كلما سنحت له الفرصة بالنزول الى بلدة حاج عمران، وقد وعد كاكه صاحبه اذا ضاقت به الأمور وأراد تسلل الحدود يوماً ما إلى تركيا، فسيكون في انتظاره ولن يتهاون في المساعدة. وكذلك كاكه حمه كان يزور صديقه الرحال لا سيما أثناء العطل الدراسية الى البصرة قبل بداية الحرب والتمتع بزيارة شط العرب والاهوار في العمارة والناصرية أيضاً.
أوقف سائق عجلة الايفا في أقصى خلفيات الجبهة ثم نزل من العجلة وأخبرهم اذا كانت وجهتهم الى مركز مدينة حاج عمران فهو بوسعه أن ينقلهم معه أيضاً :أجاب الرحال موافقاً وشاكراً ما أبداه السائق من خدمة!!
أنطلق سائق حانوت الايفا الى محلات البلدة وسط المدينة كي يتسوق من المواد الغذائية والسجائر واحتياجات الجنود الأخرى ، لا سيما المتواجدين في المواقع الخلفية وبعد أن توقفت عجلة الايفا ترجلا الصديقان من حوض العجلة وودعا سائق الحانوت ثم عرجا من الشارع الرئيسي نحو طريق ضيق أخر يؤدي بهما الى الدار المقصودة.
طرق الرحال باب منزل كاكه حمه ففتحت الباب الخشبي القديم العجوز أم حمه بوجه يشع ابتسامة وترحاب عانقت الرحال مسرورة بمجيئه، وتكلمت معه بعبارات عربية ركيكة مع عبارات كردية للترحيب، سمع كاكه حمه صوت أمه وصوت الرحال فجاء مسرعاً وسعيداً وهو يعانق صديقه ثم قدم كاكه حمه الى صديقه كريم السالمي. وقد رغب الرحال ان يطمّن حمه من وجود السالمي في الرحلة فربت على كتفه وأخبره بان السالمي صديق مخلص بوسعه أن يثق به تماماً، فابتسم حمه بعد أن سمع كلام صديقه الرحال.
أستضاف كاكه حمه الضيفين في منزله في جبل حاج عمران، منتظرين أن يتوقف نزول الثلج الذي كان يغلق المسالك الجبلية، وكذلك كي ينسق مع المهرب بختيار الذي أتفق معه كاكه حمه حول إيصال الصديقين الى قرية حدودية تركية، وأن يطمأن على سلامة وصولهم قبل رجوعه مرة أخرى الى مدينة دهوك.
إستبشر بالخير كاكه حمه أيضا حين عرف أن السالمي جلب معه نماذج أضافية من الاجازات العسكرية، كي تمنحهم شرعية عبور السيطرات.
وبعد تناول العشاء في دار حمه اتفق الرحال والسالمي أن يستغلا الوقت وأن يرحلا جنوباً الى البصرة على وجه السرعة هذه الليلة، لجلب بعض المستلزمات والنقود للرحلة المصيرية وكذلك لتوديع الاهل والعودة خلال ثلاثة أيام الى حاج عمران مرة أخرى.
ثم اتفقا بعد أن يكملا زيارتهم للأهل أن يلتقيا في ساحة سعد في مدينتهم البصرة، ثم يرجعان بعد الزيارة سوية، لكن كانت في حساباتهم كيفية تجاوز "سيطرة القادسية" سيئة الصيت والتي كانت من أصعب السيطرات في الجنوب بالتدقيق والاستفسارات حد الاستهتار والاستفزاز التي يقوم بها حرس الانضباط العسكري في موقع التفتيش شمال البصرة مع المسافرين، التي اقلقتهم نوعا ما رغم انهم يمتلكون ورقة الاجازة الأسبوعية المسوح بها للتنقل في أنحاء العراق.
في الفترة التي سافرا بها الصديقان للجنوب إتصل كاكه حمه بالمهرب "بختيار" والتقى به، ثم أبرم اتفاقاً معه حول موعد ومكان اللقاء وكذلك مقدار المبلغ الذي سيطلبه مقابل مهمة التهريب. بعد ثلاثة أيام وصل الرحال والسالمي في ليلة شتائية قارصة البرودة الى كراج ركاب حاج عمران ثم ترجلا من الحافلة وعرجا الى دار كاكه حمه.
مكث الضيفان ليلتين في بيت كاكه حمه حتى توقفت العاصفة الثلجية، ثم غادرا المنزل بعد أن ودعا الأم الطيبة وهي تتلو بدعاء السلامة، بعينين دامعتين وترش الماء من فوق عتبة الدار بطاسة نحاسية وراء خطواتهم.
بدأت الرحلة بسيارة أستاجرها كاكه حمه بالتوجه نحو شمال بلدة حاج عمران وبعد أن تجاوزا ثلاثة سيطرات كان السائق يخفف بها من سرعة السيارة أمام كل عارضة دخول لسيطرة، حتى يتم التفتيش بواسطة رجال صارمين من الانضباط العسكري وهم يوجهون أسئلتهم عن نماذج النزول والجهة المقصودة للسفر ويحملقون بالركاب بنظرات مليئة بالريبة أثناء تفتيش الحقائب والحوض الخلفي للسيارة أيضاً. ولكن قبل سيطرة التفتيش الأخيرة طلب كاكه حمه من السائق أن يتوقف فاعطاه أجرته، ثم ترجلا من السيارة وحثا الخطى نحو شعاب وطرق وعرة تجنبهم المرور من رصد خفارة الجنود الذين يتناوبون واجب الحراسة على سفح جبل كردمند.
"يتبع"



#سعد_محمد_موسى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مكابدات الرحّال
- مكابدات الرحال
- حقائب مهجورة في قطار قديم
- بائع الثلج
- حكايات عجلات الزمن والعربات
- عودة البطاريق للجزيرة
- غواية القمر المحتال
- السلوك المتناقض في العقل البشري
- أرصفة الرسام وخيالات العاشق
- حوار مع ماركو
- المهرج والشاعر
- تأملات في آثار بابل
- وحشة المدن المهجورة
- تقاسيم الظّل
- مفارقات ما بين النبل والانحطاط
- هلع الوباء والموت
- موروث الشجن السومري
- آش ماخ كوديا
- وحشة الظّل
- محنة النخيل والوطن


المزيد.....




- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد موسى - مكابدات الرحّال الرحلة الشاقة الجزء الثالث