|
رسالة فاتَ أوانها !
يحيى علوان
الحوار المتمدن-العدد: 6366 - 2019 / 10 / 1 - 10:16
المحور:
الادب والفن
بهجةُ أبيها ، وبهجتنا مَضَت في " درب الصد ما رَدّْ " ! دخَلَتْ نفَقَ الغيابِ ، مُثقَلَة بغصّة .. لم تَرَ بِكرَها الطاعِن في "العقوق " منذ أربعينَ حولاً .. .................... سيحمل هو الآخرَ جُرح غَصّة ، حتى يلحَقَ بها .. كونه لم يَرَها ، يقبّلُ جبينها ويديها ، يسألها المغفرَةَ لطول الغياب .. فالمكتب(1) لا يعرف الحنين ، ولا يصرفُ بطاقةً لإطفاءِ حُرقةَ الحنين ..! * * * حاولَ ترتيب فوضى طاولته الغارقة بالورقيات ، عثَرَ على رسالةٍ كانَ كَتَبها لأمه ولم يرسلها ، راح يقرأها متهدجاً ، بشفتين مُرتجفتين :
يُمَّه (2) تعبتُ من الغربة والترحال ، تَعِبتُ من صَدَأ الزمان ، تَعبتُ من نشَرات الأخبار وتوقعاتِ الطقس المُتقلِّب ، تَعبتُ من المجاملات ، وإحتساب مصروف البيت لما بعد منتصف الشهر ، تَعبتُ من النقّ والتقريع لشِحَّةِ ذات اليد ..! تَعبتُ من التفكيرِ بما بعدَ السطرِ ، الذي أُنهيه ، تَعِبتُ ، تعبتُ .. من التعبِ نفسه !! * * * حكيتُ لك عن نفسي ، جاء الآنَ دوركِ ... يُمّه إحكِ لي عن عمركِ قبل ولادتي ، هل كنتِ تُحبينني آنذاك ، كما أحببتني العمرَ كلّه ؟ وهل ما زِلتِ تُحبينني حيث أنت هناك في " وادي السلام "(3)؟! إحكِ لي ، هل كانَ والدي يحبني ؟! ولماذا كان غليظاً .. عادلاً في غِلظته مع الجميع ! حتى معك .. ؟! أم تراه كان يعتبر الودَّ واللطافةَ ما يُضعفُ هيبة الأب؟! بالله عليكِ ، إحكِ لي عن شقاوات الطفولة ، وكيدِ الجيران ، شظايا بسمات صفراءَ ، مُشفَّرّة .. يُمَّه إحكِ لي عن شقاواتي ، يوم نَهَرتني وصَفعتِني لأنني كنتُ أتلصَّصُ على سطحِ بيت أم شاكر، مُلّه سليمة، تُحمِّمُ بناتها بطستٍ تحت شمسٍ مأسورة بفنتتهنَّ .. وإحكِ لي عن أيّامِ العيد ، يوم كنا نلبسُ ثياباً لم تكنْ قد تعرّفَتْ على أجسادنا بعد ! كنّا نخرج مع الناس فيما يُشبه التظاهرةَ ، نحو البساتين ، نقضي النهارَ ونعود عند الغروب ، تعبانين ، كأن أرواحنا إغتسلَت من صدأِ الأيام .. ......................... أتدرينَ ، يا جُمّار مُهجتي ، حين تقومين فجراً للصلاة والدعاء ، يَنهضُ بِكرُكِ ، يتسلَّقُ هودجَ الحرفِ ليلحقَ بقافلة المستور من المعاني ، يلحسُ أثَرَ كل نسمةٍ ، بحثاً عنْ سُمّارِ هواءٍ نَديٍّ .. حينَ يَبردُ الجمرُ، وتقشَعرُّ الأبدانُ .. حتى يتَفَتَّت السكونُ ، تصحو الشوارعُ وتتسارعُ الخطى .. تُعلنُ ولادةَ صبحٍ جديد ، تنزعُ فيه الناسُ الوقتَ المشنوقَ ، مُتمرجحاً بعقاربِ الساعات !
إلزمي الدار ولا تخرجي ، فقد تكون في إنتظارك مُفخّخةٌ ، في أي منعطفٍ أو شارعٍ .. أريدكِ أنْ تظلّي على قيد الحياة فلديَّ الكثير مما لم أقله لك ... دمت بخير وسلام إبنك
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) مكتب الشؤون الإجتماعية المختص بشؤون العوائل وإعانتها ، دفعاً ومنعا لتدحرجها إلى هاوية الفقر المُحدّد قانونياً ! (2) يُمّه بضم الياء كما في الدارجة العراقية ، أو بفتحها( يَمَّه) كما في فلسطين والأردن وبلاد الشام ، هو تصحيف لـ( يا أمّاه). (3) أكبر مقبرة في العراق ، تقع في النجف وتمتد في الصحراء ، جهة السعودية .
#يحيى_علوان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شذراتٌ متناثرة
-
أينَ ذَهَبَ الغَجَر.. ؟!
-
شمهودة
-
عبد الرزاق الصافي* رحلَ في الزمن الخطأ ...
-
ومضات 2
-
تنويعاتٌ في الحصافة
-
يا الله .. يا بيروت ! مَحلاكِ ، شو حِلوي !!
-
أ-تنظير- أم -خَزمَجة- جديدة ؟!
-
قصاصات من المستشفى (2)
-
قُصاصاتٌ من المستشفى (1)
-
مُتفرّقات
-
.. هيَ الرؤيا !
-
-معضلتي- مع الكتابة ! (2)
-
معضلتي مع الكتابة (1)
-
وَجعُ الماء ..!
-
المَتنُ هو العنوان !!
-
طيف
-
-جلالة- النسيان
-
الواشمات
-
لهفَة ديست فوق الرصيف
المزيد.....
-
إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر
...
-
مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز
...
-
الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
-
اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
-
نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم
...
-
هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية
...
-
بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن
...
-
العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
-
-من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
-
فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|