أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبري يوسف - [10]. العلّوكة والطَّبّكات، قصّة قصيرة















المزيد.....

[10]. العلّوكة والطَّبّكات، قصّة قصيرة


صبري يوسف

الحوار المتمدن-العدد: 6100 - 2018 / 12 / 31 - 07:11
المحور: الادب والفن
    


10. العلّوكة والطَّبّكات

كانَتْ للسليقةِ فوائد كثيرة، منها القدرة على كتابةِ القصصِ لمَنْ أكلَ منها كثيراً أيام كانَ طفلاً، اسألوني، فالكثيرُ من تحليقاتي الشِّعريّة والقصصيّة مستمدّة من لذائذِ دسْتِ السَّليقة، فلا أتذكّرُ دستاً مِنَ السَّليقةِ فَلِتَ منّي، لا في حارتِنا ولا في الحاراتِ المجاورة من حارتِنا ..
كنّا نهجمُ على دسْتِ السَّليقةِ وكأنّهُ من مخصَّصاتِنا، نحملُ طاساتِنا وابتساماتِنا مرسومة على وجوهِنا وقلوبِنا وأرواحِنا، كانت طاستي أكبر من بقيّةِ الطَّاساتِ، فكانَ صاحبُ السَّليقةِ يعلّقُ بدعابةٍ معهودةٍ، لماذا طاستُكَ أكبر من بقيّةِ الطَّاساتِ؟ كنتُ أجيبُهُ ببداهةٍ مدروسةٍ، لأنَّني أريدُ حصَّتي وحصّة أختي الصَّغيرة، فكانَ يقبِّبُها على التَّمامِ، يفوحُ منها البخارُ المعبّقُ بنكهةٍ الحنطةٍ، سليقة شهيّة ولذيذة، كنتُ أرشرشُ عليها قليلاً من الملحِ بدونِ سمنة، ما كنتُ أحبّ السَّمنةَ نهائيَّاً، ومعَ أنّني كنْتُ أركّزُ على تناولِ السَّليقةِ أكثر من بقيّةِ أقراني، لكنّي بقيْتُ نحيلاً، وكأنّ السَّليقةَ ما كانَتْ تأخذُ مفعولَها، طفولةٌ جميلةٌ، مطحونةٌ بعفويّةٍ رائعة!
تعانقُني الذّاكرة البعيدة، فيرنُّ في أذني صوتُ بائعِ العلّوكة مرنّماً: علّوكة يا أولااااااد، علّوكة يا أولااااااد! ..كانَ سعرُها آنذاك بفرنك سوري، أو بطبّكة: جلّة من القياسِ الكبيرِ، أنَّني نادراً ما كنْتُ أحصلُ على الفرنكِ كي أشتري بِهِ علّوكة من تلكَ العلّوكاتِ الشَّهيّة، لكنّي اِخترعْتُ طريقةً للحصولِ على العلّوكة من خلالِ أكوامِ الطبّكاتِ المتراكمة في كوخِنا الوسيعِ، وحالما كنتُ أسمعُ صوتُ بائعَ العلُّوكة من الحارةِ المتاخمة لحارتِنا كنْتُ أهيِّئُ طبّكة أو طبّكتَين بحسبِ سيطرتي على السَّطوِ عليها بعيداً عن أنظارِ أمِّي، لأنَّها على الأغلبِ ما كانَتْ توافقُ أنْ أشتري العلّوكة مقابل طبّكة بشكلٍ يومي، كانَتْ تغضُّ النَّظرَ لو اِشتريتُ علّوكة بطبّكة كلّ أسبوع مرَّةً واحدة، حفاظاً على طبّكاتِها، فكانَتْ تقولُ لي يا ابني، إذا كل يوم تشتري علّوكة بطبّكة راح تخلّص طبّكاتي، كيفَ سأشعلُ التنّورَ وأخبزُ لكم الخبز في الشِّتاءِ الطَّويل؟!
كنتُ أهزّ رأسي موافقاً ومؤكّداً لها أنَّني سأشتري علّوكة بطبّكة، فقط مرّة في الأسبوعِ، وكلَّما كانَتْ تمسكُني في الجّرمِ المشهودِ كنْتُ أدّعي على أنّها أوَّل مرّة أشتري فيها العلّوكة منذُ أسبوع، وأحياناً كنتُ أقولُ لها الأسبوع الماضي لم أشترِ نهائيّاً فأريدُ أنْ أشتري بطبّكتين! وهكذا كانَتْ الطبّكات سنداً رائعاً في تحقيقِ المزيد من العلّوكات! كانَتْ أمّي تلاحظُ أن عددَ الطبّكات يتقّلصُ كثيراً في كوخِنا الكبير، وكانَتْ تسألُني، طبكاتنا "كُقلُّو كتير"، كنتُ أقولُ لها: يا ماما كلّ واحد يأتي من الجِّيران ويطلبُ منكَ طبّكة، فتعطيه، وربَّما يأخذ طبّكتين ولا تحسّين به! لا ابني، لا تحطّها في رقبةِ الجِّيران، "يكونْ وما يكونْ"* ما في غيرِك "عم"* يأخذ الطّبّكات ويشتري فيها علّوكة؟
أنااااااااااااا؟ ثمَّ تظاهرْتُ بالبكاءِ والغضبِ وقلْتُ لها إذا أقبل أشتري في الأسبوع علّوكة واحدة بدكِ تشوفين، من الآن وصاعداً سأشتري علّوكتين كل أسبوع، فوافقَتْ بعد أن أصرّيتُ على موقفي على شرطِ أن أشتري فقط علّوكتين لا أكثر، مع أنّها كانت متأكِّدة أنّني يوميَّاً أشتري علّوكة مقابل طبّكة من طبّكاتها، وهكذا كنْتُ أخطّطُ للقضاءِ على طبّكاتِها لعدمِ قدرتي على مقاومةِ لذائذِ العلُّوكة الشَّهيّة، وفي إحدى مساءاتِ الصَّيفِ وفيما كنّا مسترخينَ فوقَ عرزيلتنا* الكبيرة قلْتُ لوالدي، بابا كوخُنا صغير ولا يتّسعُ للطبّكاتِ، إنَّنا نحتاجُ كوخاً أكبر كي يتّسعَ لأكبر عددٍ ممكن من الطَّبّكاتِ ولكي لا ننقطعُ منها في عزّ الشَّتاءِ، فأجابني يا ابني كوخنا أكبر كوخٍ في الحارةِ ويتّسعُ لشّتائين متواصلين فكيفَ خطرَ على بالِكَ أن تسألُني هذا السُّؤال؟
ربّما يكفي لشتاءٍ أو أكثر لكن أمّي أحياناً كثيرة تعطي طبّكة لهذا الجِّيران وطبّكتين لآخر.
يا ابني طبّكة وطبّكتان لا تؤثِّرُ على هذا الكوخِ الكبيرِ المملوء بالطَّبّكاتِ.
فقلْتُ لهُ، وأنا أحياناً أشتري مرّة في الأسبوع علّوكة مقابل طبّكة وفي الشَّهرِ حوالي أربع طبّكات..
ضحَكَ والدي وقالَ لي، قُلْ في الشَّهرِ تشتري "سيسينْ"* علّوكة مقابل "سيسينْ" طبّكة!
ارتبكْتُ ثمَّ قلْتُ لهُ كيفَ عرفْتَ هذا، ومَن قالَ لكَ هذا الكلام؟
ضحكَ ثمَّ همسَ إليّ قائلاً، يا اِبني أنا أراكَ يوميَّاً تسيرُ بحذرٍ، وتمشي "هيدي هيدي"*، وتروح إلى الكوخِ وتأخذ طبّكة ثمَّ تخرج بعيداً عن الأنظار، فأضحكُ في عبّي وأقول خلّي* يفرح الولد ويأكل علّوكة مقابل طبّكة، "أيْمَتْ"* ما يخلصوا طبّكاتنا خلّي يخلصوا، المهم ما نكسر قلب الولد؟
أوح*، معناها عم تعرف! طيّب أمّي عم تعرف؟ أي أمَّكَ عم تعرف بَسْ مو* تريد تكسر خاطرك.
همستُ، إهمممممممممم، إذاً كانوا يرونني ولا يتكلَّمون، وفي عصرِ اليوم التَّالي، فيما كان بائع العلّوكة يصيحُ بأعلى صوته، علّوكة يا أولااااااد، علّوكة يا أولااااااد! ظلَلْتُ في ركنٍ قصيٍّ من أركانِ الحوشِ الوسيعِ، أسمعُ إلى رنينِ البائعِ، تقدَّمَتْ أمّي نحوي ثمَّ قالَتْ: ليشْ مو* تروح تجيبلك طبّكة وتشتري فيها علّوكة؟ فقلتُ لها لكنّي لو اشتريْتُ كلّ يوم علّوكة بطبّكة راح تخلص طبّكاتنا قبل حلول الشِّتاء!
ضحكَتْ أمّي وقالتْ، لا لا مو تخلص، كيكون* طبّكات بيت أختك في قرية قزارجب* اشقد* ما تريد، بَسْ ما يلزمنا طبّكات، راح تجيبلنا في عربانتهم أشقد ما نريد.
ليش بيت أختي عندهم طبّكات كتير؟
كتير كتير!
هجمْتُ على أمّي وبستُها قائلاً أبوسُك وأبوسُ أختي، ثمَّ ركضْتُ باتجاهِ الطَّبّكاتِ، كانَ بائعُ العلوكة قدْ توغّلَ في الزُّقاقِ المتاخمِ لبيتِنا فركضْتُ نحوهُ، عندما شاهدَني، حاملاً طبّكة من الحجمِ الكبيرِ، ابتسمَ وقالَ، تفضّل هذه علّوكة وهذه أخرى أقدِّمُها هديّةً لكَ شريطةَ أن تزوِّدُني يوميَّاً بطبّكة من طبّكاتِكم الكبيرة، لأنّها من أفضلِ أنواعِ الطّبّكات وتنقذُنا في الشِّتاءِ الطَّويلِ عندما نتلملمُ حول المدفأةِ ونشعلُ طبكاتـكَ فتمنحُنا دفئاً ألذّ من علّوكتي بكثير!
كانَتِ العلوكة تذوبُ في فمي، همسْتُ لنفسي، بائع العلّوكة سعيد في الحصولِ على طبّكاتي وأنا سعيد في الحصولِ على علّوكاته، وتمرُّ السّنونُ، ويبقى صوتُ رنينِ بائعِ العلّوكة مرفرفاً بأذني مثلَ الغمامِ، عجباً أرى، علّوكة من علّوكاتِ أيَّام زمان كانَتْ ترسمُ البهجةَ على وجهِ الطُّفولةِ، وطبّكة واحدة من روثِ البقر، كانَتْ ترسمُ التَّفاؤلَ على وجْهِ بائعِ العلّوكة. الآن، آلافُ اللِّيراتِ والعملاتِ تتناثرُ فوقَ أيدي الأطفالِ والكبارِ، لكنّي لا أرى بسمةً عذبةً على وجوهِهِم مثلما كانَتْ مرسومةً على وجوهِنا أيّام زمان!

ستوكهولم: 1 . 10 . 2005

هوامش:
كلمات ومفردات عامّية،
طبّكة: جلّة، مصنوعة من روث البقر، تُستخدم كحطب للتنّور والموقد والمدفأة في الشِّتاء الطَّويل.
علّوكة: حلوى شهيّة ولذيذة، تُصنَع محلّيا من السكّر، يحبّها الأطفال!
راح تخلص: ستخلص.
كُقلُّو كتير: أصبح عددهم قليلاً.
يْكونْ وما يْكونْ: على الأغلب.
عَمْ يأخد: يأخذ.
بِدْكِ تشوفين: سترين.
عرزيلة: سرير كبير تنام عليه العائلة كلَّها خلال الصَّيف، مصنوع من الكرسبان، (أغصان الكرمة المجفّفة) والقرّام، والقصب وإلخ من الأعشاب والنَّباتات البرّيّة.
سيْسيْنْ: تعني ثلاثين/ ثلاثون، ساسِهْ: ثلاثة، ساسه وسيسينْ بيظة: ثلاث وثلاثون بيضة!
هيدِيْ هيدِيْ: بهدوء تام.
أيْمَتْ: متى.
خلّي يفرح: ليفرح.
أوحْ: للدهشة والمفاجأة، آها!
بَسْ مو تريد: لكن لا تريد.
ليشْ لا: لِمَ لا.
كيكونْ: يوجد.
قزارجب: قرية قضاء رجب.
أشْقَدْ ما تريد: بقدر ما تريد.



#صبري_يوسف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- [9]. رحيل امرأة من فصيلةِ البحر، قصّة قصيرة
- [8]. يذكِّرني يوسف، ابن كابي القسّ بالخبز المقمّر، قصّة قصير ...
- [7] . الشّروال، قصّة قصيرة
- [6]. خوصة وخلّوصة، قصَّة قصيرة
- [5]. إيقاعاتُ الشَّخير، قصّة قصيرة
- [4]. الطُّفل والأفعى، قصّة قصيرة
- [3]. نوال ودلال وعيدانيّة بالدَّين، قصّة قصيرة
- [2]. تسطعُ ديريك فوقَ خميلةِ الرُّوح، قصّة قصيرة
- [1]. حيصة وسلال العنب، قصّة قصيرة
- [10]. ترتيلة الرّحيل، قصَّة قصيرة
- [9]. حنين إلى تلاوين الأمكنة والأصدقاء، قصَّة قصيرة
- [8] عمّتي تشتري عظامها من الله، قصّة قصيرة
- [7]. اللّحية واللّحاف، قصّة قصيرة
- [6]. الذَّبذبات المتوغِّلة عبر الجدار، قصَّة قصيرة
- [5]. حنين إلى ديريك بعقلائها ومجانينها، قصّة قصيرة
- [4]. أنا والرَّاعي ومهارتي بِبَيعِ العدس، قصّة قصيرة
- [3]. الكرافيتة والقنّب، قصّة قصيرة
- [2]. الّذكرى السَّنويّة، قصّة قصيرة
- [1]. فراخ العصافير، قصّة قصيرة
- [10]. استمراريّة القهقهات الصَّاخبة، قصَّة قصيرة


المزيد.....




- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبري يوسف - [10]. العلّوكة والطَّبّكات، قصّة قصيرة