أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الجزء الثاني من الرواية: الفاء















المزيد.....

الجزء الثاني من الرواية: الفاء


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5367 - 2016 / 12 / 10 - 16:18
المحور: الادب والفن
    


الأيام الأربعة، التي كانت تفصلني عن لقاء " سفيتا "، حفلت إذاً بجدلٍ محتدمٍ داخل نفسي على خلفية وقائع تلك السهرة الأخيرة في منزل أسرتها. ذلك، تخلله ما كان من أمر عودتي إلى صديقتها " أولغا "، علّني أتمكن من الحصول على معلوماتٍ تخفف من هواجسي أو تفاقمها. ما لم أكن لأتوقعه بحال، أن ينقلبَ تقصيّ الجديّ إلى مجرد نزوةٍ، شاذة، بفعل ضعفي المعتاد أمام إغواء الجسد المتفجّر بالفتنة والمتأجج بالرغبة.
آنذاك، لم أدرك سبباً واضحاً لتجشمي عناءَ التوغل في أدغال ماضٍ لا صلة لي به، خصوصاً وأنني لم أكن على يقينٍ من حقيقة مشاعري تجاه " سفيتا ". على أن الأمر ما كان بهذه المساهلة، طالما أنه مرتبطٌ بماضٍ آخر يخصّني شخصياً. فإنّ من كنتُ أظنها نسخة معاصرة، واقعية، للبنت المسكينة " سونيا "ـ لثمرة المخيلة العبقرية لدستويفسكي ـ إذا بها تغدو بنظري على شاكلة " القرين " لإمرأة أخرى تمتّ إليّ بشكل مباشر: إنها تلك المرأة الماكرة، " الشريفة "، ذات الماضي الملوّث بالرزايا؛ مَن خلّفتها خلفي، ثمة في مراكش، بعدما حوّلت حياتي من فردوسٍ مقيم إلى سعيرٍ متنقل. على أنني أدرك أيضاً، بأنّ وجه الشبه بين المرأتين، المُفترَض، ما كان ليتعدى الماضي المَوصوف آنفاً. ولكن لم يُتح لي الجزمُ بذلك، قبل شهود شقتي الموسكوفية آخر فصلٍ ميلودراميّ في حياة الحبيبة.
عندئذٍ، عليّ كان أن أعود بذاكرتي عامين على الأقل.. عودة، من الربيع الروسيّ البارد إلى قرينه الحار، هناك في مراكش.. ثمة، أين تركتُ القسمَ الأهم من قصة حياتي بعدما أعطى ثمرة وحيدة، غضّة.. قصة، أستهلّت في قلب المدينة، الحمراء كلون دم الجريمة، لتتلاشى في إحدى ضواحيها المزدهرة والمغمورة في آنٍ واحد.. دم الجريمة، من كان عليه أن يُضيء ذاكرتي مجدداً في أوان إقامتي بمدينةٍ رايتها حمراءٌ، منكّسة ومهزومة.. ذلك الربيع، جازَ له أن يكون أشبه بملحمة أتت على بقايا النظام الإشتراكيّ العالميّ، لكي تدشّن نقيضه القائم على إقتصاد السوق، المنتصر في قلب عاصمة البلاشفة!
كنتُ إذاك موزّعَ الهوى فكرياً، حدّ التناقض. إذ وجدتني أتألم على إنهيار قناعاتي، وفي مقابل ذلك، على أملٍ بكونه نافلاً وجود الإستبداد الشرقيّ في ظل النظام العالميّ الجديد. هذا الأمل، أشرقَ كشمس الربيع مع بدء الحرب على أحد أعتى الأنظمة الديكتاتورية في المنطقة. على أنّ داخلي كان مكسوراً، كون أغلبية المغاربة قد ظهروا على تعاطفٍ بيّن مع ذلك النظام الهمجيّ، الموغل في دم العراقيين وأبناء قومي الكرد. وهذا هوَ أحد أبناء الرافدين، يلقاني ذات عصرٍ آنَ عودتي من العمل. " رفيق "، بدا كأنه كان بانتظاري في لهفة، ثمة على رصيف المقهى الأقرب إلى عمارتنا. وقد أعتدتُ على المرور من أمام المقهى، فيما لو كنتُ عائداً مشياً من مقر خدمتي عن طريق شارع فرنسا.
" هل تابعتَ الأخبار الأخيرة..؟ الوضعُ رائعٌ..! لقد أنهارَ جيشُ الطاغية في الكويت منذ الأيام الأولى للهجوم البريّ، وهوَ يجرّ الآن أذيال الهزيمة منسحباً إلى داخل الحدود. ويقال أن قادة المعارضة العراقية، قد تسللوا إلى كردستان عن طريق إيران وسورية بغية الإشراف على الأمور فيما لو أندلعت الإنتفاضة المأمولة "، قال لي مشرق الوجه. حماسته المندفعة، كانت متناقضة مع مسلكه المعتاد، البارد، والملائم لشخصيته المتّسمة بالتحفّظ. هكذا أردفَ بنفس النبرة وهوَ يحدّق بعينيّ: " إنني سعيدٌ برؤيتك، إذ قد أسافر على غرّة دون أن أحظى بفرصة توديعك! لا أدري تماماً أين ستكون وجهتي المقبلة، فإنّ الأمرَ رهنٌ بالتطورات المتسارعة بشكلٍ دراماتيكيّ.. قد أعود إلى باريس، أو ربما إلى دمشق.. ومن الممكن أيضاً أن أطير إلى طهران، كي أواكب الزحف الشعبيّ الساعي إلى تحرير بغداد من الطاغية! فبوادر عصيان الأوامر صارت جلية في العديد من القطع العسكرية، سواءً في الكويت أو الجنوب. وربما تتكرر حالة ثورة قاسم، الذي سار بألوية الجيش إلى العاصمة لينهي الحكمَ الملكيّ "
" نعم، لقد سمعتُ بأنك بعتَ حصتك في الرياض لشريكك إريك. إلا أنك أخبرتني مؤخراً بعزمك على مشاركة غوستاف في مشروعٍ ما، ثمة في مدينة أغادير؟ "، سألته بغير إكتراث. سرعان ما خبا بريقُ الحماس في سحنته، وربما كوني لم أتفاعل مع حديث الحرب. فيما كان متردداً بالجواب، أقترب نادلٌ من طاولتنا ليتوجّه إليّ متسائلاً ما إذا كنتُ أودّ أن أشرب شيئاً. طلبتُ شاياً بالنعناع، إذ سبقَ وأن تناولت الغداء على مائدة مخدومتي. وهوَ ذا إسمها يجري إتفاقاً على لسان رفيق الجلسة، حالما غادرنا النادل: " لقد سبقَ وأخبرتك، أيضاً، بأنّ سوسن خانم كانت تقف بالمرصاد لذلك المشروع. وأقرّ لمكرها النسويّ في تمكنها من إفشال المشروع، أكثر منه ذكائها! "، قالها مُطلقاً ضحكة عصبية مقتضبة. اسمُ مخدومتي، شاءَ أن يُسمم وجه الرجل لينقلب بعدئذٍ إلى التجهّم والإظلام. مضى بنظره إلى الناحية الأخرى من الشارع، حيث تتراصف الأبنية الحديثة، المزهوّة بتساميها على أشجار النخيل المذكّرة الأكثر علواً.
" كأني على وشك سمع خبرٍ مفرحٍ، يخصّ علاقتك مع خدّوج؟ "، توجّه إليّ فجأة بسؤاله متكلفاً إبتسامة ودودة. رمقته بنظرة عابرة، قبل أن أجيب متخذاً هيئة اللا مبالاة ذاتها: " لا شيء من ذلك، إطلاقاً. لا تنسَ، إننا نعيشُ في مجتمعٍ شرقيّ تسوده الإشاعات والأقاويل... "
" أعذرني، كوني أثرتُ هذا الموضوع لغاية وحيدة؛ وهيَ أن أسمعك الآن تؤكّد وجهة نظري في هذا المجتمع، الموبوء! فإنني كنتُ ضحية لهكذا أقاويل، مسّتني شخصياً وآذت كرامتي "، قال لي مقاطعاً وقد عادت الحيوية إلى نبرته وهيئته سواءً بسواء. لم أعلّق على كلامه، ففي الأثناء كان النادلُ قد آب ليضع قدحَ الشاي المنعنع أمامي على المنضدة. فما لبث " رفيق " أن أردفَ، متصنّعاً الرصانة هذه المرة: " ولكي تعرف مدى ذلك الإنحطاط واللهاث على المادة، فإنني سأعلمك بمصدر الخبر.. أعني، الإشاعة المتعلقة بشأن نيتك خطبة خدّوج: إنه أخوها سيمو نفسه، مَن باحَ لي بالأمر. إلا أنني لا أستبعدُ أن تكون سُميّة مصدَرَه الأساس؛ هيَ من كانت تسعى لتحقيق مصلحتها الشخصية عن طريق زواج شقيقتها، كائناً من كان الرجل! ".



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجزء الثاني من الرواية: العين 3
- الجزء الثاني من الرواية: العين 2
- الجزء الثاني من الرواية: العين
- الجزء الثاني من الرواية: السين 3
- الجزء الثاني من الرواية: السين 2
- الجزء الثاني من الرواية: السين
- الفردوسُ الخلفيّ: النون 3
- الفردوسُ الخلفيّ: النون 2
- الفردوسُ الخلفيّ: النون
- الفردوسُ الخلفيّ: الميم 3
- الفردوسُ الخلفيّ: الميم 2
- الفردوسُ الخلفيّ: الميم
- الفردوسُ الخلفيّ: اللام 3
- الفردوسُ الخلفيّ: اللام 2
- الفردوسُ الخلفيّ: اللام
- الفردوسُ الخلفيّ: الكاف 3
- الفردوسُ الخلفيّ: الكاف 2
- الفردوسُ الخلفيّ: الكاف
- الفردوسُ الخلفيّ: الياء 3
- الفردوسُ الخلفيّ: الياء 2


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الجزء الثاني من الرواية: الفاء