أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عباس علي العلي - فلسفة الثورة والدين ومنطق الحرية _ح2















المزيد.....

فلسفة الثورة والدين ومنطق الحرية _ح2


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 5304 - 2016 / 10 / 4 - 14:19
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


تجلت هذه الصورة المثالية مع نبي الله عيسى بن مريم والمسيحية الأخلاقية بتعاليمها المثالية وقيمها الراقية التي أكدت على المحبة والسلام كعنوانين بارزين للحرية، كان عيسى في نظر البعض مجرد نبي مثالي قدم الأخلاق على الواقع دون أن يستخدم القوة في تحقيق مجتمع أفلاطون ونظريته، وفي البعض الأخر من الأفكار صورت عيسى كيان أراد به الرب فقط تخليص الإنسان من ذنوبه ليكون قريبا من الرب، هاتين الصورتين لا تمثلان بأي حال عيسى الثورة عيسى الذي حاول أن يقلع من الذات الإنسانية العميقة الإحساس بالفرادة ويقلع جذور الغرور من خلال دعوته للحب والمحبة وأشاعة السلام، لقد كان دعوة عيسى دعوة للإنسان لأن يقتل الكراهية داخل نفسه ويمنحها فرصة النظر للأخر بمنظار واقع حر خال من الطغيان والفساد والأنحراف.
كل الأديان مارست ثورة القيم ولم تمارس العنف والتطرف والقسوة التي هي من أساسيات بناء الظلم والكراهية في المجتمع الإنساني، الديانات البوذية والهندوسية والمجوسية وديانات العراق القديمة التي قبل إبراهيم الخليل لم تكن تدعوا للعنف ولكنها تدعوا الإنسان للخلاص من شعوره بالتعالي، لقد أعاد الدين بثوراته الأعتبار للذات الإنسانية وحض على فكرة أن الإنسان واحد لا يختلف فيه الجوهر باللون أو الشكل أو حتى في علاقته مع الديان، هذه هي فلسفة الإسلام كثورة وكفكرة أنطلقت من مقولة كلكم من آدم وآدم من تراب، هذه الثورة التي جمعت كل تجارب التحرر التاريخية وصاغتها في منظومة فكرية ترى في الإنسان محور الوجود الذي يجب أن يكون مؤمنا بحقه في الحياة دون حتى من تدخل الرب إذا أيقن وتعقل أن خياره أفضل من خيار الرب.
قد يرى البعض أن هذا الطرح لا يمثل حقيقة الدين من وجهة نظر واقعية، الواقع الديني شيء مختلف تماما عن فكرة الدين وفلسفته ورؤيته، قد نفهم أحيانا النظرية العلمية بشكل أخر ولكن هذا لا يلغي كونية الحقيقة العملية المجردة، هذا في القضية التي تعتمد المنطق الرياضي المجرد والجاف والذي لا يمكن أن يعط إلا صورة واحدة، عندما أكتشف العلن نظرياته لم يخطر في باله مثلا أن تسخر بعضها لصنع القنبلة النووية لقتل الإنسان بالجملة ولا من أخترع الكهرباء مثلا أن تستخدم هذه المنجزة الرهيبة لتعذيب الإنسان، ولكن هذا لا يعني أن من الواجب علينا أدانة العلم وأدانة المنجز العلمي، الدين عندما يطرح شعار أدخلوا في السلم كافة وأن الإنسان أخو الإنسان ونظيره في الخلق وأن الإنسان مرتبط بوجوده بوظيفة التعارف والأعمار، غير مسئول عن يحور الإنسان المعنى ويخرجه من دائرة الفكرة الإنسانية ليخضعها إلى حسه الحيواني التسلطي الأناني.
فلسفة الدين كما هي فلسفة الثورة تقوم على ركن أساسي تتفرع منه شبكة من المثاليات الأفكار اللاحقة، الإنسان هدف الدين الإنسان المجرد من عناوين فرعية، الدين يرى أن هذا المخلوق مهيأ بالقوة لأن يكون محرك الوجود والخلاق الثاني بعد الله بشرط أن يتجدد بوعيه وبحسه وبقدرته على أن يخضع الفكر والمنتج المعرفي للمنطق، لذا فحرض الدين الإنسان دوما على مقابلة الشيطان في إشارة منه على أهمية أن لا ينصاع لمنجزه الفردي وأن يعتمد على قدرة التحدي والمقاومة بدل فكرة أستسهال الوظيفة وأحتقار النتائج، فكرة الشيطان العدو المبين أذن فكرة تحريضية أكثر منها فكرة واقعية تريد من الإنسان أن يكون أحادي الجانب بمعنى أنه يقترب كثيرا من الله خوفا من الشيطان وهذا ما هو سائد في الفكر الديني الكهنوتي، الله تعالى لم يكن طرف في معادلة الوجود في عقل الإنسان بل هو راسم الفكرة وتارك الإنسان ليواجه تجربة الأرتقاء بوجود كائن أخر يحال أن يعيد به الواقع الساكن اللا منتج لأنه يوعده بالخيارات السهلة والمبسطة والساذجة، الدين هنا ثورة على السكون وثورة ضد الانصياع للسذاجة وعبودية الواقع.
عندما يفهم الإنسان أن الدين لا يمنحه صك على بياض لمجرد الإيمان به وعليه أن يسعى ليطور وجوده إنما يمنحه الدافع الذاتي الأخلاقي الإنساني ليكون كائن منتج للثورة الدائمة، الثورة بمعناها الحرية وبمعناها التطور وبمعناها الإثراء بلا حدود أثراء في القيم والمثل والعمل المادي وفي كل جوانب تجديد الوجود، هذا الدين لم ينجح في إشعال فتيل ثورة الحرية في واقع الإنسان ليس لأن فكرته غير قابلة للتفعيل وغير قابلة للتحقق، ولكن لأن الإنسان لم يلتفت إلى محور فلسفة التحرر وخضع لمتطلبات النفس وشروط الأنا وترك الدين وجوهره ليتشبت بقشور خالية من فوائد فصار طقوسيا فارغا من عنوان الدين الأساس.
هكذا وجد الحسين بن علي ع أمة الإسلام وقد نزعت عنها الدين وأرتدت التدين الفضفاض القابل لأن يجمع داخل هذه الفضاضة كل دواع الأنحراف والتزييف والدس، فلم يكن بالإمكان الأستسلام والقبول بالواقع وخرج شاهرا هدف الدين الأساس وهو الإصلاح وتخليص الأمة من الفساد قبل أن يشهر سيفه في وجه الظلم، لم يكن الحسين ثوريا عنفيا ولم يكن خارج نطاق فلسفة الثورة والحرية وفلسفة الدين، دعا الأمة للأنتباه من أنها تسير منحرفة وتسير خارج منطق السنة التاريخية وخارج كل العناوين التي تضمنتها رسالة محمد ص للناس، لقد ركنت الأمة للمغنم المادي وخضعت للخوف والأبتزاز ورأت أن الدعوة للتحرر لا تتوافق مع مصالح الغالبية المنتفعة والتي كان ينظر لها أنها قيادة الشق الديني في الأمة.
لم يكن أمام الحسين بد من أعلان الثورة بشكلها الأخلاقي وبروحها المسالمة، خرج لينطق كلمة حق بوجه الظلم والطغيان وهو لا يملك إلا نفسه ومتعلقيه أمام سلطان جور وانحراف ومجتمع نامت فيه روح الحماسة والأنتماء للرسالة، هكذا بدأت ثورة الحسن بإعادة بناء الإنسان الحر الإنسان الذي يعي أن العبودية والحرية لا يجتمعان في سطح واحد في وقت واحد، فصنع بهذه الفكرة النواة الأساسية لما يسمى بالعامل النضالي القادر على مواصلة العمل بروح الثورة ومنهجها التحرري، الحسن ع أمن بالإنسان الوجودي أكثر من إيمانه بالغيب والخوارق وإن كان واقعا قادر على استحضارها وتسخيرها ولكنها بالنتيجة لا تنفع قضية الإصلاح ولا تنتج إنسان حر بل إنسان إتكالي فاشل.
لقد منح الحسين الحياة قيمة حقيقية حينما لم يبادر إلى تجييش الناس أستنفارهم تحت ضغط عوامل مثيرات العاطفة الخالية من العقل والقادرة على تحريك الساكن لكنها في الأخير لا تنتج ثورة عقل، كان مثلا بقاء الحسين في المدينة وبين أهله وعشيرته وأنصاره وما تمثل المدينة من رمز ديني وعاطفي عند المسلمين يستغله لأثارة مشاعر الكراهية ضد الحكم والسلطة الغاشمة، ولم يختر اليمن الموالية لأبيه ولفكره ولا مصر المعادية لسلطة بني أمية وشعورها بالأضطهاد والتعالي من قبل سلطة الشام.
لقد أختار الحسين كربلاء العراق لأنها بيئة أكثر عقلانية من سواها من أمصار الدولة ولديها عمق تاريخي يمثل أولى الثورات التحررية في تاريخ الأديان ثورة إبراهيم الخليل، في مقاربة بين رفض الذل والهوان والتمرد على الكفر وأختيار قيم السلام والمحبة بين رسالة الخليل إبراهيم ع وبين هدفية ثورة الحسين، التي حركت وجه التاريخ كما حركة مواقف إبراهيم الخليل في تغير وجه التاريخ الديني للإنسان، هذه الرمزية لم يقرأها جيش السلطة كما لم يقرأها المؤرخ الذي سطر الثورة على أنها خروج على إرادة الحاكم الشرعي في تنازع من أجل السلطة لا أكثر ولم يدركها الكثير ممن تعاطف مع الحسين وثورته دون أن يعي لماذا العراق ولماذا كربلاء ولماذا ثار الحسين من دون سيف حاسم.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شروط الثورة ومسيرة التجسيد _ ح2
- هذيان عاشق مغرور
- الحاجة للفن حاجة للحرية _ قراءة أنطباعية في لوحات الفنانة ما ...
- هذيان ميت
- شروط الثورة ومسيرة التجسيد _ ح1
- هل كان الحسين مظلوما في ملحمة الثورة وقضية التحرير؟ ح2
- هل كان الحسين مظلوما في ملحمة الثورة وقضية التحرير؟ ح1
- الصوت والصدى وأنحياز المشاعر.
- نحن والحسين الرمز والقضية. إستيعاب أم أستلاب
- موعد مجهول على أبواب مغلقة
- الدين ومستقبل البشرية.ح 1
- الدين ومستقبل البشرية.ح 2
- مزادات فكرية
- شوكولاتة بطعم النفط.
- مشاكل التأقلم مع الهوية الفردية والجمعية في الفكر الديني
- حديث سري جدا مع قطرات الندى
- أعترافات ملحد
- لماذا نتخوف من الغد
- متى تنتهي جدلية الدين والدنيا
- على نية الرحيل أحمل همي


المزيد.....




- قصر باكنغهام: الملك تشارلز الثالث يستأنف واجباته العامة الأس ...
- جُرفت وتحولت إلى حطام.. شاهد ما حدث للبيوت في كينيا بسبب فيض ...
- في اليوم العالمي لحقوق الملكية الفكرية: كيف ننتهكها في حياتن ...
- فضّ الاحتجاجات الطلابية المنتقدة لإسرائيل في الجامعات الأمري ...
- حريق يأتي على رصيف أوشنسايد في سان دييغو
- التسلُّح في أوروبا.. ألمانيا وفرنسا توقِّعان لأجل تصنيع دباب ...
- إصابة بن غفير بحادث سير بعد اجتيازه الإشارة الحمراء في الرمل ...
- انقلبت سيارته - إصابة الوزير الإسرائيلي بن غفير في حادث سير ...
- بلجيكا: سنزود أوكرانيا بطائرات -إف-16- وأنظمة الدفاع الجوي ب ...
- بايدن يبدى استعدادا لمناظرة ترامب


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عباس علي العلي - فلسفة الثورة والدين ومنطق الحرية _ح2