أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نعيم حيماد - أي مجتمع مدني بعد الربيع العربي؟














المزيد.....

أي مجتمع مدني بعد الربيع العربي؟


نعيم حيماد

الحوار المتمدن-العدد: 5269 - 2016 / 8 / 29 - 18:09
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    





إذا سألت أحدا من الناس بعد تجربة الربيع العربي، عن صفة للمجتمع الذي يحلم بأن يكون ثمرة لثورته المظفرة، لوجدته يقول إنه مجتمع مدني. و لا يهمه إذاك أن يستحضر النضال التاريخي العريق الذي شهدته العديد من المجتمعات، لأجل إرساء أركان المجتمع المدني، لأنه مجرد فكرة المدنية، تخلق لديه الاطمئنان على نظام الحكم السياسي في دولته، و ما يتْبعه من ضمان لحقوقه و حريته. و بالمقابل، فإن فكرة الدولة الدينية، و لأنها – واقعيا - تنظر إلى كل شيء من وجهة نظر دينية نصية، دون اعتبار للمتغيرات، فإنها تخلق النفور لدى الناس، لأن ما نعيشه في مثل هذا النمط من الدول، ما هو إلا تستر وراء الدين و استغلال لقوته في إخضاع العوام. و بالمثل، ينفرُ الناس من الدولة العسكرية، لأن العسكر من شروط بقائها و تسلطها، حتى إذا أراد الشعب إسقاطها، لو توفرت له الفرصة لذلك، حكم على أفراده بالموت الجماعي.

إن المجتمع المدني ليس وليد ميدان التحرير، و لم يُوحِ به احتراق البوعزيزي، و إنما هو وليد فكرة الحرية. لكننا لن نتوقف عند هذه النقطة، فالسؤال حول معنى المجتمع المدني و أصوله و مظاهره، صار ملحا، خصوصا، و أن مجتمعات الربيع العربي لم ترسُ بعد على أرض صلبة سياسيا و حقوقيا و اقتصاديا. فما جدوى المجتمع المدني؟

لا يثور شعب من الشعوب بلا مبررات، و لا تكون له الرغبة في إسقاط النظام السياسي الذي يحكمه، دون أن يكون هذا النظام قد انتهك كل الحقوق التي بها يكون الشعب شعبا. هكذا نفهم أن ما يسمى بالربيع العربي، هو فرصة نادرة لإعادة صياغة أنظمة الحكم، وفق مبدأ الحرية الإنسانية، و ما تقتضيه من حرية سياسية و اقتصادية و دينية. لقد كانت الدعوة إلى ما يسمى بالدولة المدنية، رفضا صارخا لكل النزعات التحكمية، العسكرية و الدينية، التي تنزع إلى تنميط سلوك الأفراد. و قد كان نموذج المجتمع المدني في أوروبا أساسا للمدينة الفاضلة، المبنية على العقل و أخلاقياته، فهو ضرورة مرحلية أخرجت الناس من الحالة الطبيعية إلى الحالة المدنية، المؤسَّسَة على التعاقد الاجتماعي بين الأفراد، الذين كان هاجسهم الوحيد، ضمان حقوقهم و حريتهم. فالمجتمع كما تصورته الكنيسة في المجتمع الديني الأوروبي – في القرون الوسطى - هو مخطط إلهي يديره رجل الدين، ممثل الإله على الأرض، و لرجل الدين هذا، فيزياؤه و رياضياته و فنه ...، و مَن أنكر التعاليم الدينية مهما بلغ علمه، يكون في عداد الأموات. لكن المجتمع المدني كما تأصل مع جون جاك روسو - على سبيل المثال- الحكم فيه للشعب، و هو من يمنح السلطة السيادية للهيئة السياسية، بموجب التعاقد الاجتماعي. و ما على الحكومة سوى تطبيق القوانين التي صادق عليها الشعب. لقد تحولت قوة الأفراد إلى قوة القانون، كما تحولت حريتهم من طبيعية إلى مدنية، و صارت الأفعال محكومة بالقوانين التي اتفق عليها المجموع.

إن تطبيق القانون و ضمان الحريات من أهم ركائز المجتمع المدني، ينضاف إليهما مبدأ التسامح الذي يجب أن يضعه الناس نصب أعينهم، فلا أحد يرغب في أن تصادَر حريته، أو أن يوَجَّه في أسلوب حياته، فالمسؤولية كفيلة بأن تجعل الناس يختارون حياتهم و يقررون وجودهم، و ينتقون مصادر معرفتهم، و سبل حل مشاكلهم. و ما دام الأمر على هذا النحو، فالاتفاق على القوانين، يجب أن يأخذ بالاعتبار أولا و أخيرا، اختلاف الناس و تعدديتهم الفكرية، و يسمح لهم، ببسط وجودهم.


يحتاج تجسيد المجتمع المدني على أرض الواقع في دول الربيع العربي، إلى مراجعة البنى السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية، و تهييئها لتلائم التصور العام للمجتمع المدني، الذي لا يمكن تشييده دون تحقيق الديمقراطية و النهضة الاقتصادية و العدالة الاجتماعية و حقوق المواطنين و استقلال القضاء و حرية التعبير و تمكين المرأة. و أي خلل في تفعيل هذه الأركان، يولَِّد الاستبداد و يؤبده، لأنه يعمل تحت غطاء مدني. لذلك، تشهد الدول العربية أزمة تفعيل شروط المجتمع المدني. و يزداد الأمر سوءا، في غياب التوزيع المتكافئ للثروة بين الأفراد، و التأهيل الثقافي لهم، و هما عنصران، ما لم يتم الاعتناء بهما و بمقتضياتهما، فستظل الرغبة بالعيش في المجتمع المدني رغبة فئوية، ما يحول دون التحقق الفعلي لهذا النوع من المجتمع.

لقد أبانت الثورات الشعبية في دول الربيع العربي، أن إرادة الشعب لا تُقهَر، و أن عمر الديكتاتوريات قصير جدا، و أن الناس هم الذين يصنعون نمط الحكم السياسي لبلدهم. بقي أن مجتمع الحريات، لا يولد من إسقاط النظام فحسب، بل هو بناء مستمر، تشارك فيه كل مكونات المجتمع و أطيافه، على أن يُؤهَّل كل الأفراد للمساهمة في تدبير الشأن العام، عبر مؤسسات و منظمات مدنية. و كل إقصاء تحت الذريعة الطائفية أو العرقية أو اللغوية أو الجنسية، يجب أن يُقابَل بقوة القوانين، تلك التي نتجت عن تصويت الشعب في انتخابات حرة و مسؤولة.

و أخيرا، فبالرغم من اختلاف العوامل التي أنتجت المجتمع المدني في أوروبا، عن واقع دول العالم العربي، إلا أنه في القرن الواحد و العشرين، و في ظل العولمة، صار ممكنا تهييئ المجتمعات بنيويا. فحتى أوروبا ذاتها لم تشهد الديمقراطية إلا في العصر الحديث، و لم تكن في بدايتها إلا استلهاما للتجربة اليونانية، التي أنهت عصر حكم الآلهة المتعددة، و شيدت مؤسسات سياسية تبث في قضايا الشأن العام بشكل عقلاني. حصل هذا الأمر في القرن الخامس قبل الميلاد، ما يدل على أن نجاح الحوار الحضاري و الثقافي أهم سبل تجاوز الأزمات التي تعيق اكتمال المجتمعات المدنية.



#نعيم_حيماد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التعليم في حالة الطوارئ
- -5- في الجمهوريات الحرة احترام القوانين ضمان للحقوق
- -6- في الجمهوريات الحرة القانون يطبق على الجميع
- -7- في الجمهوريات الحرة المشرع يكتب للشعب أفضل القوانين
- -8- في الجهوريات الحرة الحرية و المساواة فوق كل اعتبار
- -4- في الجمهوريات الحرة الارادة العامة أساس السيادة
- -2- في الجمهوريات الحرة لا مكان للعبودية
- -3- في الجمهوريات الحرة لا يطيع الشعب إلا نفسه
- في الجمهوريات الحرة
- الحظ الماكيافيلي يبتسم للشعب و يتجهم للأمير
- المعاني في طريقها للتحقق فالحرب لم تنته بعد
- ماذا لو تحالفت الكلمة مع السلاح ؟!
- هل وقعنا سلاما انفصاليا مع الامبريالية ؟؟؟
- مصير الدين بعد سقوط الميتافيزيقا
- التربية بين السياسة و الفلسفة
- تأمل في المقاومة
- قصيدة - يكفينا -
- قصيدة - غضب -
- الفلسفة التي تقدم الأمل


المزيد.....




- قتلى وجرحى في غارة إسرائيلية على مدينة غزة
- انتقادات دولية لإسرائيل عقب استهداف رفح وواشنطن تتحدث عن -عم ...
- واشنطن تعلق على تقارير بشأن تعليق إرسال أسلحة لإسرائيل
- بايدن يحذر من تنامي -معاداة السامية- في الجامعات الأميركية
- دراسة تحذر: الحرّ يزيد انتشار مادة سامة خطيرة داخل السيارات ...
- إدارة بايدن تتخلف عن موعد تقرير -إسرائيل والأسلحة الأميركية- ...
- ملك الأردن: سيطرة إسرائيل على معبر رفح ستفاقم الكارثة في غزة ...
- لأجل غير مسمى.. إرجاء محاكمة ترامب بقضية -الوثائق السرية-
- قتلى وجرحى في قصف إسرائيلي على غزة وجنوب رفح
- أسترازينيكا تسحب لقاحها المضاد لكورونا من جميع أنحاء العالم ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نعيم حيماد - أي مجتمع مدني بعد الربيع العربي؟