أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - نصية عرق بسندلية














المزيد.....

نصية عرق بسندلية


علي دريوسي

الحوار المتمدن-العدد: 4894 - 2015 / 8 / 12 - 13:39
المحور: الادب والفن
    


كان يوم الثلاثاء الواقع في شهر ديسمبر لعام 1986 .. الساعة هي العاشرة وخمسين دقيقة .. بعد دقائق تبدأ حصة التربية الإسلامية للصف الثالث الثانوي / الفرع العلمي .. إنه الدرس الأخير في ذاك اليوم ..

المعلمة حلوة جداً، محترمة ومحتشمة .. التلاميذ غير معنيين بالدين وتربيته .. جميعهم ما عدا معلمة التربية وُلدوا لعائلات وُلدت في بيئات علوية .. لم يتعلموا شرب الماء أو تناول الفطور مثل كل تلاميذ سوريا .. المدرسة تتبع نظام التدريس المختلط ..
كان أحمد عريف الصف .. هو من يحضر الطباشير ويمسح اللوح ويأخذ التفقد ويجلب العَصَا للمعلم لمعاقبة من عَصَى .. باختصار كان قدوة للصف .. ومع هذا يقفز أحمد عن سور المدرسة رغم عدم رشاقته .. يمشي إلى دكان أبو زاهي .. يشتري نصية عرق ويعود للصف ..

تلتفُ حوله بضعة تلميذات وتلاميذ .. إنها جوقة المميزات والمميزين .. المدرسة والمدرسون والقرية عقدوا الأمل عليهم هذا العام .. تفرح إحدى التلميذات من رائحة العرق .. تطلب الثانية أن تشرب ملء الطبّة .. يأخذ عريف الصف قرفة، يحمر وجهه المدوّر وينتشي .. يُمسك أحدهم النصية، يكرع منها جرعة ويضحك كالذئب .. تدور النصية بين أعضاء الجوقة وتدور معها الرؤوس الصائمة عن الماء والطعام .. إنهم يشربون على لحم بطونهم .. إنهم سكارى .. تختفي النصية الفارغة في شنطة إحداهن .. بقية التلاميذ تعيش الدهشة والإعجاب .. أصبحت رائحة غرفة الصف عرق .. عرق ممزوج بعرق المراهقين والمراهقات ..

تدخل المعلمة بقامتها الحلوة .. تتنفس عرق .. تشم عرق .. تتأفف عرق .. ضحكات التلاميذ صارت من عرق .. تطلب المعلمة من عريف الصف إحضار الموجه .. يأتي الموجه العاقل .. يرى قطرات من عرق .. يهز رأسه من رائحة العرق .. عرق، عرق، عرق .. يأمر العريف السكران إحضار المدير .. يأتي المدير مع العَصَا .. المدير لا يحتاج للعَصَا .. ذراعاه كالمرواط، يداه قرويتان قويتان بكساويتان .. يقول المدير: هناك عرق .. يأمر العريف بإحضار نائبه الدبلوماسي .. يأتي البلوماسي، الذي بالكاد يفتح فمه .. يقول النائب: عذراً منكِ يالمعلمة .. إنها فعلاً رائحة عرق! ..

يسأل المدير بكامل التهذيب: من شرب منكم عرق؟ .. وأشار للعريف أحمد أن يقف .. قل لي يا أحمد: من منكم اشترى عرق؟ .. الاستعمار؟

أخيراً ضحك العريف .. من فمه خرج عرق .. من شفتيه نزّ عرق .. من صوته فاحت رائحة عرق .. أجاب: لا أعرف يا أستاذ .. لا يوجد في الصف عرق .. نظر المدير إليه مُطَمْئناً .. اقترب منه أكثر وأهداه على وجهه الأحمر كفاً من عرق يساوي كل ما ستشربه الضيعة في رأس السنة من عرق ..

سأل المدير التلميذ الآخر الجالس في المقعد الثاني: وأنتَ! هل شربت عرق؟ من أحضر إلى الصف عرق؟ .. أجاب الآخر: لقد قاما التلميذان "قازان" و"مرسي" بإحضار زجاجة عطر من عرق .. نثروها في أرجاء الصف .. ورحلوا إلى بيوتهم .. لعلّه صدّق الحكاية .. رفع صوته منادياً: "قازان" و"مرسي" تعالا إليّ .. ساد الصمت أكثر .. ما من مجيب .. خذ التفقد من جديد يا عريف! ..

العريف أحمد يقرأ الأسماء .. "قازان" و"مرسي" غائبان طيلة اليوم يا أستاذ! .. قال المدير: تعال أيها الآخر .. سَأُشرِّبك اليوم كفوفاً من عرق .. إنك تكذب .. رنّ جرس المدرسة .. انتهى الدوام وبقي العرق .. قال النائب: أنتَ وأنتَ وأنتَ وأنتَ .. وأنتِ وأنتِ وأنتِ .. تعالوا إلى مكتبي غداً برفقة أولياء الأمور ..

في الأيام اللاحقة اجتمعت إدارة المدرسة مع ممثلين عن فروع الحزب والشبيبة وأجهزة الأمن في المحافظة وأعلنوا ما يلي:
قررت إدارة مدرسة بسنادا القضاء على مستقبل النخبة لهذا العام .. وعليه يتم طرد التلاميذ والتلميذات السبعة من كل مدارس سوريا .. انتهى القرار ..

في الأيام اللاحقة اجتمع مدرسو الفلسفة والرياضيات والعلوم الطبيعية وقرروا التوقف عن التعليم إذا ما تم طرد النخبة .. وافقت الإدارة .. تغير الموقف .. تم تعديل الحكم إلى:
يُحكم على التلاميذ والتلميذات السبعة بحلاقة الشعر على الصفر والطرد من المدرسة لمدة ثلاثة أسابيع .. رُفعت الجلسة.



#علي_دريوسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -38-
- فول مالح .. مالح يا فول
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -37-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -36-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -35-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -34-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -33-
- غري إكسيت و غري إمبو
- الغَضَارَة البسندلية
- جنزير من ذهب
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -32-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -31-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -30-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -29-
- أيكون اسمها العنقاء؟
- وعندما يكبر الضَّجَر
- سيدة محلات ألدي
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -28-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -27-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -26-


المزيد.....




- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - نصية عرق بسندلية