أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - وعندما يكبر الضَّجَر















المزيد.....

وعندما يكبر الضَّجَر


علي دريوسي

الحوار المتمدن-العدد: 4855 - 2015 / 7 / 3 - 14:31
المحور: الادب والفن
    


عندما كبر الضَّجَر وصار هزيمة يومية في حارات بسنادا لم تكن وسائل التواصل الإلكترونية قد دخلت حيز الاستخدام بعد، في موسم الضَّجَر هذا كان قد خسر حبيبته بعد أن عاد لتّوه من سفرةٍ غريبةٍ إلى شوارع دمشق، سفرة بحثٍ قوامها الصَدَف ، ظناً منه أنه سيجدها كما تعود أن يجدها دوماً حين يشتاقها في يوميات بحثه عنها في المقاصف الجامعية في اللاذقية ..

لم يكن قد زار العاصمة من قبل، لم يملك أجرة الطريق لزيارتها .. يومها، سأل صديقه الشَّاعِر النَّصَّاب عن تفاصيل مدينة الجوامع والزحمة، كان النَّصَّاب يعيشُ في إحدى قرى اللاذقية مع عائلته الكبيرة المؤلفة من الأم والأب وسبعة أولاد، أكبرهم عمراً قد بدأ لتّوه دراسته الجامعية، في غرفة عارية إلا من الفقر والعار عاشت العائلة، يقول صديقه النَّصَّاب عن نفسه: أنّه ورغم الفقر شاعر بوجه جميل، وذقن حليق، وثياب أنيقة أبداً، كيف اشتراها، متى اشتراها وأين؟ لم يُسئل ..

كانت أم الشَّاعِر قد باعت ابنتيها إلى دمشق، صبيتان جميلتان شهيتان في عمر المراهقة. ذات يوم دعته لزيارتهم بغرض مواساة ابنتها الكبرى الهاربة من بيت زوجها في دمشق والمساعدة في حل مشكلتها الزوجية، قالت أمها: ابنتي هربت اليوم، إنها حَرْدَانة. يومها توسلت إليه باعتباره الصديق المفترض لابنها النَّصَّاب، والشَّابّ، بحسب رأيها الناجح أبداً في تجاوز مصاعب حياته اليومية ..

توجهَ الشَّابُّ قليل الخبرة والراغب بمساعدة العائلة الفقيرة حتماً إلى أحد أصدقائه من أصحاب السوابق والخبرات، أخبره الحكاية وطلب منه مرافقته في الزيارة المسائية المخطط لها، وافق الرجل الكبير بطيب خاطر ..

وصلوا الغرفة اليتيمة مع غياب الشمس، شربوا الشاي، تحادثوا قليلاً، فجأة طلبت الزوجة الهاربة الأذن الكاذب من والدها الرجل البسيط السماح لها الانفراد بالضيف الشَّابّ الذي لم تره من قبل، تذرعت بالتفاصيل التي لابد أن ترويها عن زوجها، والتي من غير اللائق الحديث عنها أمام أخوتها الصغار المحشورين معهم في الغرفة نفسها، شرب الأب بقية كأس من عرق ووافق على طلبها ..

بعيداً عن الغرفة، في الكرم القريب، قرب شجرة زيتون وتحت ضوء القمر نظرت إليه بعينيها الواسعتين الحائرتين، شعر بوخز جميل أسفل بطنه، تمنى لحظتها لو أنه يرتدي بنطلونه دون حزام! .. سألته: ماذا تفعل هنا؟ لماذا جئت أصلاً تزورنا؟ ماذا تريد مني؟ هو الذي كان الضَّجَر قد هزمه مراراً، ارتجفت شفتاه اللتان رغبتا أن تقولا لها: أنا هنا لأني ضجر، قبل أن تنفرج شفتاه لترسم حرف الضاد والجيم والراء امسكته من قميصه بأصابع يدها اليسرى، حلت زر القميص، رفعت جسدها لتلتقط رجفات شفتيه، ارتجف جسده، أحسّ بالاختناق اللذيذ، شعر بغيبوبة .. انتهى المَشْهَد ..

بعد بضعة أيام، اشتاقت الهاربة إلى مهنتها بالرقص عاريةً مع أختها أمام زوجها الورقي وأصدقائه، وافقت أمها أيضاً بعد أن حشر ذلك القَوَّاد بضعة ألوف من الليرات في جيبها وأوصاها بإرسال بعض المُؤْنَة الشتوية ..

حين سأل صديقه النَّصَّاب: كيف لشاب مثله أن يزور المدينة العاصمة؟
أجابه: لا تقلق سنسافر سوية ذات يوم.

هكذا وفي إحدى المساءات الصيفية، تواعدا على السفر سويةً، كان النَّصَّاب قد أحضر معه تنكة زيت زيتون وقطرميز زيتون أخضر بناءً على رغبة الصهر القَوَّاد، في الساعة الحادية عشرة ليلاً، جلسا على مقاعد الانتظار في محطة قطار اللاذقية، في الساعة الثانية عشرة ليلاً انطلق القطار البطيء إلى دمشق ..

وصلا إلى دمشق في الساعة السادسة والنصف صباحاً، هناك في محطة القطار أوقف النَّصَّاب تاكسي وغادره إلى منزل الراقصة. أما هو فقد وقف في المحطة وحيداً، حائراً، يتحسّس الليرات القليلة في جيبه والتي بالكاد تكفي لدفع أجرة التاكسي السرفيس لثلاثة تنقلات، لم يأبه بوحدته وليراته القليلة، كان همه الأوحد رؤيتها واللقاء بها ..

عندما راح الضَّجَر ينهش عظامه الشابة، صعد إلى السرفيس التاكسي الأول الذي وجده في المحطة، دون تفكير ودون معرفة السبب قرر النزول في المحطة الأخيرة ، كانت المحطة الأخيرة كراجاً كبيراً لتجمع تكاسي الأجرة، عشرات التكاسي، عشرات السائقين وكل يغني أغنية خط سيره وخيباته، أسماء محطات غريبة لم يسمع بها من قبل، لعل كلمتا مهاجرين ومزة جبل كانتا مألوفتين في ذهنه، دون أي هدف صعد إلى تكسي المهاجرين، جمع السائق الأجرة، توكل على الله وانطلق ..

سمع في التكسي لهجات وكلمات لم يعتدها من قبل .. شم رائحة خبز طري، شعر بالجوع .. لم يعرف معنى الازدحام، لم يكن يدر ماذا تعني دمشق و شوارعها، ظن أنها أشبه بشوارع ضيعة، لذا كان على يقين بأنه لن يلتقيها إلا صدفة ..

راح يرسم في رأسه لوحة اللقاء، سينظر إليها، سيعانقها، سيشم رائحة أنفها، ستصطحبه إلى مطعم صغير ليتناولا فطورهما، ستروي له أشياء كثيرة عن عملها الجديد، عن مغامراتها، لعلها ستقدم له بعض النقود وستصحبه إلى بيتها الجديد .. من نافذة السيارة بدأ بمراقبة كل وجوه المارة في الشوارع، كل الوجوه والقامات التي تهم بالخروج من المنازل، كل الوجوه الجالسة في تكاسي الأجرة، كل الوجوه ..

عندما صار الضَّجَر مثل كأس شاي مطبوخاً بالماء المحرورِ "الكَدِر/العَكِرِ"، هل تذكرون؟ .. كانت دمشق قد سرقت كل نساء الساحل! علم أنها تعمل في فندق "برج الجنة"، عندما زارته في المرة الأخيرة ضحكت وقالت: بأنها تعمل في البار وأنها تلتقي شخصيات كثيرة وبأنها ربحت إحدى الجوائز التلفزيونية، كانت الجائزة عبارة عن جهاز تسجيل، حدث هذا في أحد البرامج، حيث دعاها مقدم البرنامج للحضور بعد أن اتفقا على الأسئلة والأجوبة أيضاً ..

ضحكت وقالت أيضاً: أن ضابط الأمن الكبير أحمد يأتي يومياً إلى البار ليتناول كأس ويسكي وفنجان قهوة، أضافت: تكلفة شفة القهوة 125 ليرة!

كاد السائق يفقد أعصابه بعد أن نزل كل ركاب التكسي إلا هو، خجل من نفسه وقرر النزول من التكسي في المحطة القادمة، عن بعد لمح بناء جامع كبير ولمح وجهها في تكسي أجرة، لم يصدق نفسه، لعله خيَّل إليه أنّه رآها، لعله خيَّل إليها أنّها رأته، تبادلا نظرات سريعة، صرخ في وجه سائقه: هنا من فضلك، لعلها صرخت في وجه سائقها: من فضلك هنا، نزل من السيارة، نزلت من السيارة، خاطب نفسه: إنها فعلاً هي، لعلها خاطبت نفسها: إنه فعلاً هو!

تألقت الابتسامة على وجهيهما، هو ينتظر على الرصيف الأيمن وهي على الأيسر الذاهب باتجاه المدينة، السيارات تمر، السائقون في دمشق لا يأبهون ببريق الابتسامات، غمرتهما شمس الصباح، أشعة لقائهما حجبت الرؤية، توقفت السيارات وغابت تفاصيل المدينة ..

عبر الشارع إليها حيث وقفت تستند إلى قدمها اليسرى بقوة بينما اليمنى كعادتها تسترخي على أرض الرصيف، حقيبتها في كتفها الأيسر بينما راحت يدها اليمنى تبحث عن علبة السجائر، ضمها لصدره، قبل وجنتيها وحين اقترب من زاوية الشفتين أبعدته بلطف عنها، سألها بصوت متهدج: أذاهبة إلى العمل؟ أجابت: لا، كنت في الطريق إلى محطة الباص، كنت في طريقي إليك .. أردفت: أنت، ما الذي تفعله هنا؟ أجاب: جئت أبحث عنك!

في ذلك اليوم أمطرت السماء حبالاً من شوق وحجارة من غضب، في ذلك اليوم عرف أن دمشق قد ابتلعت حبيبته، وعرف أيضاً أنه قد خسرها للأبد .. -;-



#علي_دريوسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سيدة محلات ألدي
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -28-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -27-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -26-
- حين يعانقك الكر في بسنادا
- الهِجْرَة مَرّة ثانية يا مَنْتورة
- سينما في بسنادا
- صباحك جميل أيها الرجل الأسود
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -25-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -24-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -23-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -22-
- جميلة هي أمي
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -21-
- موعد مع السيد الرئيس
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -20-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -19-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -18-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -17-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -16-


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - وعندما يكبر الضَّجَر