أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - سيدة محلات ألدي














المزيد.....

سيدة محلات ألدي


علي دريوسي

الحوار المتمدن-العدد: 4852 - 2015 / 6 / 30 - 13:13
المحور: الادب والفن
    


وصلا صباحاً إلى إحدى محلات "ألدي" لشراء ما يلزمهما لتناول الفطور في مكتب العمل، ولأنهما محكومان بالوقت، وبسبب نزقها الصباحي غريب الأطوار، فضّلت انتظاره قرب المخرج، دخل مسرعاً، اشترى ما أحتاجاه، وضع حاجياته التي تسوّقها في السوبر ماركت "ألدي" على البساط المتحرك ووقف ينتظر دوره كي تقرأ محاسبة الصندوق أسعار ما اشتراه ليدفع الفاتورة ..

خلفه ازداد عدد المنتظرين، أمامه وقفت إمرأة ألمانية ستينية مضطّربة، تبدو عليها معالم العَوَز واختلال الحالِ، في يدها اليسرى المفتوحة ثَمّة قليل من نقود معدنية، يقترب رأسها من كفها المفتوحة وبأصابع يدها اليمنى تُجري عملية العَدّ، كانت قد اشترت أكثر مما احتاجت، بالأحرى أكثر من قدرتها الشرائية ..

طلبت المحاسبة المُهَذَّبة منها بلطفٍ أنْ تعيد بعض ما اشترت كي يصبح بإمكانها دفع نقود فاتورتها دون زيادة أو نقصان .. وافقت المرأة الشارية على إعادة علبتين من الشوكولا، وعلبة مربى صغيرة، اكتشفت المحاسبة أنّ الفاتورة مازالت ناقصة .. تماماً خمسين سنتاً، زاد اللَّغَطُ بين المنتظرين، المحاسبة تضغط على زر صوبها تطلب به من زميلتها فتح صندوق محاسبة إضافي كي تخفف من ضغط الانتظار..

اِمتَعَضَ الشاب المنتظر لدفع فاتورته ، نظر إلى ساعته، الوقت يمضي، اقترب موعده، رفع صوته قائلاً: ألا يستطيع السيد "ألبريشت" مالك شركات "ألدي"، الرجل اليهودي الأغنى في ألمانيا أن يهدي السيدة الخمسين سنتاً المتبقية من الحساب؟، لماذا لم يخصص هذا السيد في كل فرع من فروعه المنتشرة في كل قرى ومدن العالم والبالغ عددها أكثر من 10000 .. صندوقاً للتبرع في مثل هذه الحالات؟ ..

ساد الصمت بين المشترين المنتظرين، احمرّت وجتنا الشابة المحاسبة، توقفت السيدة الستينية عن عَدّ نقودها، خفّف الشاب المنتظر لهجته قائلاً للمحاسبة: عذراً أنا لا أقصدكِ شخصياً بل أقصدُ هذا الرجل العجوز "ألدي"، عليه أن يستحي ..
هنا ودون سابق إنذار ودون مبرر غادرت صديقته السوبرماركت ..

في هذه الأثناء حاولت الستينية إعادة ربطة خبز رخيصة، أوقفها الشاب، مد يده لجيبه، دفع عنها السنتات المتبقية، نظر إليه المنتظرون والمنتظرات بدهشة، وَضَّبَتْ الستينية حاجياتها في عربةِ الشراء وتمتّمت بكلمات لم يفهمها، ودعت وذهبت ..

حَضَّرت المحاسبة فاتورته، وضع ما اشتراه في كيس، دفع الحساب ومضى باتجاه سيارته، هناك انتظرته صديقته الشابة، كانت تراقب ما حدث، نظر إليها آملاً سماع كلمة اطراء، تفأجى بتقاسيم وجهها الغاضبة، فتح باب السيارة وسألها عن سر امتعاضها: نظرت إليه ولم تجب، كرّر سؤاله فأجابت: ما فعلته لا يفعله رجل ينتمي لهذا المجتمع، لا تملك الحق بالتدخل والاعتراض، ما حدث ليس من شأنك ..

أشعل سيكارةً ليأخذ وقته بالتفكير، كان حزيناً لردة فعلها، فجأة تقترب السيدة الستينية منهما مترددة بعض الشيء، ذراعها اليمنى ممدودة إلى الأمام وأصابعها مغلقة بإحكام كأنها تقبض على شيء ثمين، خاف الشاب من حركتها المفاجئة، ابتعدت صديقته خطوتين إلى الوراء، خاطبها دون أن يسمع منها شيئاً، أرجوكِ يا سيدتي امضي في سبيلك، أنا لا أحتاج ما دفعته لك، فعلتُ ذلك بطيبةِ خاطرٍ ..

نظرتْ إليه بعيونِ راجيةٍ قولَ شيءٍ، سكت، تمتمت شيئاً جميلاً، دعت له بالخير، صديقته الشابة تراقب المشهد المسرحي بحذر، فتحت السيدة أصابع يدها، استراح في كفها شيء أحمر قانئ يشبه القلب، بل كان فعلاً قلباً بلون أحمر، أمام دهشته تراجع خطوة إلى الوراء، حسبها مجنونة تريد عرض نفسها للزواج .. كما هي العادة في تلك البلاد ..

قالت: هذا القلب يرافقني منذ بضعة سنين وقد نذرته هبةً لمن يفعل شيئاً كريماً لي، هو عزيزٌ على قلبي، إنْه جالبٌ للحظ، أرجو أن تقبله هديةً مني، وإذا ما أصابك حدث ما، أنظر فقط إليه، ليزول عنك الحُزْن والغمّ .. تراجع عن الخطوة التي تراجع بها بل زاد عليها خطوةً إلى الأمام فتح يده اليمنى، انسكب قلبها الخشبي الصغير في يده، اقتربت منه بحذر، ضمّها إليه، وودعها ..

نظرَ إلى عينيّ صديقته الدامعة بعتبٍ .. أحسّ بندمها، اقتربت منه، عانقته، اعتذرت منه هامسةً في أذنه: أعجبني موقفكَ أمام صندوق المحاسبة، حسدتك في سري، تمنيت لو كنت مكانك، لم أرغب أن تكون بسلوكك أفضل منا، لكن هذه هي تربيتنا ..



#علي_دريوسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -28-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -27-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -26-
- حين يعانقك الكر في بسنادا
- الهِجْرَة مَرّة ثانية يا مَنْتورة
- سينما في بسنادا
- صباحك جميل أيها الرجل الأسود
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -25-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -24-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -23-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -22-
- جميلة هي أمي
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -21-
- موعد مع السيد الرئيس
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -20-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -19-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -18-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -17-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -16-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -15-


المزيد.....




- فرصة -تاريخية- لخريجي اللغة العربية في السنغال
- الشريط الإعلاني لجهاز -آيباد برو- يثير سخط الفنانين
- التضحية بالمريض والمعالج لأجل الحبكة.. كيف خذلت السينما الطب ...
- السويد.. سفينة -حنظلة- ترسو في مالمو عشية الاحتجاج على مشارك ...
- تابعها من بيتك بالمجان.. موعد عرض مسلسل المؤسس عثمان الحلقة ...
- ليبيا.. إطلاق فعاليات بنغازي -عاصمة الثقافة الإسلامية- عام 2 ...
- حقق إيرادات عالية… مشاهدة فيلم السرب 2024 كامل بطولة أحمد ال ...
- بالكوفية.. مغن سويدي يتحدى قوانين أشهر مسابقة غناء
- الحكم بالسجن على المخرج الإيراني محمد رسولوف
- نقيب صحفيي مصر: حرية الصحافة هي المخرج من الأزمة التي نعيشها ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - سيدة محلات ألدي