أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - هيثم بن محمد شطورو - رؤية في تحديد مسار الثورة















المزيد.....

رؤية في تحديد مسار الثورة


هيثم بن محمد شطورو

الحوار المتمدن-العدد: 4885 - 2015 / 8 / 2 - 09:13
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


.. الموت كـنهـايـة فـكـرة غـبـيـة و محـدودة. ما رأيك لو تعلم أن الموتى يكلمون الأحياء أحيانا. هناك أناس لديهم قـدرة روحية على التواصل مع الأموات. حدث هذا فعلا في ايطاليا مع شخص سجل حديثه مع الأموات عبر موجات الإذاعة الايطالية. المهم في المسالة أن الميت تـنمحي عنده فـواصل اللغـات البشرية فهو يعرفها و يتكلم بها جميعا. أي أن عالم الأموات هو عالم الجنس البشري الموحد. انه عودة إلى الأصل. تـذوب كل الفواصل و الفوارق و اللغات و العادات و التمايزات التي يخلقها البشر بعضهم لبعض.
لا شأن لنا في التعمق في المبحث الميتافيزيقي و لكن ما يهمنا الآن هو حياتنا هنا و الآن أي في الأرض. هذه الحياة التي لا تستمد جوهـريتها و أصالتها و عمقها إلا إذا اتصلت بإنسانـيـتها العالمية. أي انه لا يمكن أن ينبني أي بناء حضاري داخل قـوقعة محدودة و إنما عبر الانـفـتاح على الإنسانية جمعاء. جاء الإسلام للناس أجمعين و ليس للعرب فـقـط، و الدعـوة إلى الاه واحد مجرد هي دعوة للإنسانية جمعاء. جميع الثورات العظيمة في التاريخ توجهت للإنسانية جمعاء، لان الخلق الجديد للذات لا يكون إلا من خلال العالم و إليه. يتسرب العالم إلينا و نـنـفـتح عليه بكل حرية. هـذا شأن الثورة الأوربية العـظيمة في الانـتـقال من العصور الوسطى إلى الحداثة. الانـتـقال من تغيـيب الفرد الإنساني إلى حضوره المعترف به في العالم. ثورة العلم ضد الجهل و ثورة الصدق ضد الكذب و ثورة الجسد الذي هو ذات ضد قمع الجسد بما هو بدن ذاتي.. إنها ثورة الوعي الإنساني بكل تعرجاته و آماله و احباطاته و انتصاراته و هزائمه. إنها ثورة الإرادة الإنسانية.. إرادة القوة.. إرادة الحياة..
هنا و الآن يجب أن نطرح على أنـفـسنا الأسئلة الجـوهـرية، لتكون ثـورتنا حقيقية و لتكون ثورة. إذا أردنا أن نخلق منها ثورة عالمية فلا مناص لنا إلا بجعـلها ثورة المحبة. المحبة التي تـنصهر فيها كل الفوارق لتـتـحد في كائن جـديد أسمى. انظر إلى الشجرة العظيمة ذات الأغصان العـديدة و الأوراق الكـثـيفة كيف تـتـصاعد من تحت الأرض لتعانق وجه السماء. أغصان متـشابكة و متـناسقة و احدها يعانق الآخر و بعـضها يسنـد الآخر و تغلف الأوراق جميع تـلك التعرجات لتـنظر أنت أيها الكائن الإنساني إلى الشجرة بانبهار و إعجاب لتصفها ككل موحد متصاعـد إلى السماء. من الأرض إلى السماء و من السماء إلى الأرض. و نـتعبد الله في صلواتنا و لحظة السجود حيث يلتصق الجبـين بالأرض تكون في أعمق تواصل مع الله و مع السماء. تبدو الأرض وجها آخر للسماء و هذه هي الحياة..
و ينبلج فجر جديد يوحي بشمس دافئة و يوم رائق جميل و لكن كل ما يحدث من آلام بقياس الغـد ما هو إلا وجه آخر للحرية. فلولا التيار الإسلامي لما تـسـربت الحرية إلى العـمق في عملية مقاومة مشروع التهامه للحرية و للغـد و الحاضر و الماضي و للوطن و الشعب بواقعياته الرمزية و الملموسة. و ها هي جحافـل الظـلاميـين بدأت تحـرقها أولى سناءات الشمس، و غـدت المرحلة على المستوى العربي مرحلة طوي صفحة الاخونة الإسلامية بمختـلف تجلياتها.
و لكن لـنتعـلق بالمستـقبل و لنعمق جراحات الخـفـافـيش بعـدم الالتـفات إليها كثيرا. ما هي في نهاية الأمر إلا رمز الظلمة و نحن مقبلون على أجمل نهار. مهما صنعـوا فهم عـبثا يصنعـون، و ما المخاوف الباقية إلا نـتـاج التعـلق بما حـدث أكثر من التعـلق بما سيحـدث. لـنـتـسلق الجـدار نحو الغـد جميعا. لنـتـسلق الجـدار خارج العناوين الضيقة كذلك. أي طوي الفكرة البائسة أكثر من طوي الأشخاص. لنتحد في إنسانية جامعة تـذوب اختلافـاتـنا و تصهـرنا جميعا نحو خلق جديد..
و يبق الموت فكرة نهاية بائسة و ما هو بنهاية و إنما فـقط انتـقـال إلى عالم آخر. و العالم الآخر أجمل بـقـدر جمال الوجود الذي نـصنعه هنا و الآن و غـدا. و يـبـق الأمل معـقـودا على التغيـير الدائم و الثورة الدائمة نحو وجود أفضل نمحو فيه كل فـساد و تـوحـش و أنانية ضيقة و قمع للجسد و الروح و انفتاح الإنسان على الإنسان بنحو الصدق في المشاعر و القول و العمل. ثورة على كل واقع التـشرذم بين الأنا و الآخر و بين الأنا و نـفسه و على كل أدبيات حجب الذات عن الأنا و حجبها عن الآخر الإنساني الذي هو أنا في جسد و كائن آخر..
و هنا يتـضح المسار العام لثـورتـنا التي لن يكـتب لها النجاح إلا في سجودها و معانـقـتها للسماء من خلال ملامسة الأرض. الواقع الحي الملموس بكل تـضاريسه و جغرافياته و تبا لكل منحط فكري يسترجع مقالات العنعنة ليكبل به الحركة و ليعمي به الأبصار عن رؤية الواقع الحي الملموس. من هنا ننطلـق و نـقـفـز حول الكرة كـلها ككائنات مسافـرة في الوجود الرحب بروحها و قيمها الإنسانية الجديدة..
و تـتضح معالم الطريق أكثر حين نعـرج إلى المستوى السياسي المطلوب في هذا الإطار. اللون السياسي الإنساني بكل انتـفاضة الوعي المرجوة.. و هنا لا تـلمح إلا وجه اليساري، الذي تحدث عنه الفيلسوف الفرنسي “جان بول سارتر” قائلا:
” الإنساني الذي يوصف باليساري همه الرئيسي الحفاظ على القيم الإنسانية، عاطفته تتجه إلى الوضعاء، و هو يكرس للوضعاء ثـقـافـته”.
و لا يعجبني وصف الوضعاء و لكن القصد هو الوصف الاجتماعي الطبقي للفئات الفقيرة من الشعب. لن تجد أكثر من اليساري من كرس نـفـسه و عـقـله من اجل رفع البؤس عن الفـقراء المستـضعـفين. يكون اليساري هنا في عمق العاطفة الإنسانية الموحدة لجميع البشر، و في عمق الثورات العظيمة على مدى التاريخ. و اليساري العـربي المسلم تجده يتعلق بسورة “الماعون” التي ربطت بين عـدم السهو عن الصلاة بعدم السهو عن تـقـديم العون إلى المستـضعـفين في الأرض. فأي صلاة هي لمنـتـفخي البطون الذين لا يسهرون إلا على سرقـة الفـقراء و الزيادة في فـقرهم و هم ينهبون بطمأنينة الواثق من انتمائه للمسجد أو للجماعة الإسلامية أو لمنطق الأجور البائس و الملائكة الموظفون في الحسابات للحسنات و السيئات..
و يمكرون و لكن الله اشد الماكرين، أما نحن البشر و هنا و الآن، فلنا معارك رائعة خضناها لاستئصال السرطان و المعـركة لازالت قائمة، و لكن المعـركة في عمقها ضد رمزية الظلامية و ضد إمكان قضائهم على الثورة الرائعة الجميلة. أما الأفـراد و الأشخاص و الأناس الأحياء فهم أناس يتغيرون بتغير الواقع. يجب أن نتجه إلى تغيـير الواقع البائس سياسيا و اقـتصاديا و ثـقـافيا بدل التركيز على شخصنة الصراع. الوجود يفيض دوما بالكائنات و لا يمكنك حصرها أبدا. المعـركة ضد الحالة الواقعية التي تـشكل رحم الوجود الكينوني للأشخاص. إذن المعـركة الحـقيقية تكون لأجل واقع جديد خال من الظلم و الفوارق الاجتماعية و التمايزات الرخيصة القائمة على العرق و اللون و الجهة و الطبقة و الفئة و غيرها من المفككات للوحدة الوطنية و الإنسانية..لنكن شجرة تـتطلع إلى السماء. لـتكن لدينا جميعا إنسانية اليساري التي وحـدها يمكـنها أن تجـسد فعلا معنى الثورة و تـوهجها و انـفـتاحها على العالم العربي و على الإنسانية جمعاء..
لتكن حفلة دفـن الموت و ليس الموتى. تـنبـثـق الأرواح بين المرايا و ينصهر الفؤاد عبر تموجات الأجداد و أحفاد الأحفاد، و من السند إلى بغـداد إلى باريس إلى موسكو و انغولا و نواق الشط و كل أرجاء الأرض إلى السماء حيث تـنبلج أعمالنا لدى الأرواح و العالم الآخر كأنه هنا و الآن، ليكون هو فيما بعد كأننا هنا خالدين أبدا



#هيثم_بن_محمد_شطورو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إنتصار الموت في تطاحن الأموات
- المفكر التونسي -يوسف صديق- يدعو الى الغاء وزارة الشئون الدين ...
- حديث الباب
- مقهى الشعب
- في ذكرى اغتيال الحاج -محمد البراهمي-
- المنبتون يهددون الثورة
- السؤال النووي
- الله و الانسان
- الموت المعقول
- شكري حي
- من الفن ينبثق العالم
- إمرأة -المترو-
- فضيحة العرب
- أزمة المثقف
- التفاحة الساقطة
- الاعلام التونسي الناقص
- سوريا في مواجهة الصحراء
- القراصنة
- التنورة المتمردة
- محاولة الاستئناس في تونس بحزب -سيريزا-


المزيد.....




- مصدر إسرائيلي يعلق لـCNN على بيان -حماس- بشأن مفاوضات وقف إط ...
- الجنائية الدولية: ضغوط سياسية وتهديدات ترفضها المحكمة بشأن ق ...
- أمطار طوفانية في العراق تقتل 4 من فريق لتسلق الجبال
- تتويج صحفيي غزة بجائزة اليونسكو العالمية لحرية الصحافة
- غزة.. 86 نائبا ديمقراطيا يقولون لبايدن إن ثمة أدلة على انتها ...
- هل تنجح إدارة بايدن في تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل ...
- -ديلي تلغراف-: ترامب وضع خطة لتسوية سلمية للنزاع في أوكرانيا ...
- صحيفة أمريكية: المسؤولون الإسرائيليون يدرسون تقاسم السلطة في ...
- رسالة هامة من الداخلية المصرية للأجانب الموجودين بالبلاد
- صحيفة: الولايات المتحدة دعت قطر لطرد -حماس- إن رفضت الصفقة م ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - هيثم بن محمد شطورو - رؤية في تحديد مسار الثورة