أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جواد البشيتي - -الآلة- من وجهة نظر سوسيولوجية














المزيد.....

-الآلة- من وجهة نظر سوسيولوجية


جواد البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 4696 - 2015 / 1 / 21 - 14:01
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


جواد البشيتي
"الآلة"، وعلى أهميتها التي يدركها جيِّداً المشتغلون بالصناعة على وجه الخصوص، أي العمَّال وأرباب العمل، لم تحظَ بما تستحق من اهتمام المشتغلين بالعلوم الإنسانية، وفي مقدَّمهم المشتغلون بعلم الاجتماع.
"الآلة"، ولجهة العمل الذي تؤدِّي، إنَّما هي التطوير الاصطناعي لكل عمل، أو نشاط، يؤدِّيه، أو يمكن أن يؤدِّيه، الإنسان من تلقاء نفسه؛ ولكن ليس بالفاعلية نفسها.
إنَّها الامتداد الاصطناعي لكل ما هو طبيعي من القوى والأعضاء والحواس التي يملكها الإنسان، فليس من "أداة" صنعها الإنسان إلاَّ وتُشْبِه، لجهة عملها ووظيفتها، قوَّة ما من قواه الطبيعية، أو عضواً ما من أعضائه الطبيعية، أو حاسَّةً ما من حواسِّه الطبيعية.
بأدوات أو آلات كالمِقص أو السكِّين نَقُصُّ أو نَقْطَع أشياء يُمْكِننا قصها أو قطعها ببعضٍ من أعضائنا وقوانا الطبيعية (الأسنان واليدين والأصابع..) ولكن بفاعلية وجودة أقل.
وبـ "العين الاصطناعية"، أي الميكروسكوب، أو التلسكوب، نُوسِّع حدود رؤيتنا بالعين الطبيعية، فنرى أكثر وأوضح؛ ونرى ما لا يُمْكِننا رؤيته بالعين الطبيعية لضآلة حجمه أو لِعِظَم بُعْدِه.
وبـ "الذاكرة الاصطناعية" في جهاز الكمبيوتر، نتغلَّب على كثيرٍ من نقاط الضعف الطبيعية في ذاكرتنا الطبيعية.
و"الآلة" هي "أداة عمل" تَعْمَل بقوى غير القوى البدنية للإنسان، فهي "آلة بخارية" إذا عَمِلَت بقوَّة البخار، و"كهربائية" إذا عَمِلَت بالكهرباء؛ إنَّها "أداة عمل"؛ ولكن ليس كل "أداة عمل" يجب أن تكون "آلة"، فالمحراث، مثلاً، "أداة عمل"، وليس بـ "آلة"؛ لأنَّه يَعْمَل بالقوى البدنية (للإنسان) فحسب؛ وإنَّ أقْدَم وأبسط أدوات العمل التي استعملها البشر كانت من الشجر والحجر وأعضاء الحيوان.
و"أداة العمل" تتوسَّط دائماً بين الإنسان والطبيعة، فبواسطتها يؤثِّر الإنسان بالأشياء في بيئته الطبيعية، أو محيطه الطبيعي، أي يُغيِّر الطبيعة بما يسمح له بأن يُنْتِج منها ما يلبِّي حاجاته، وفي مقدَّمها حاجته إلى الغذاء.
وكلَّما تضاعف تأثير الإنسان بالطبيعة، بواسطة أدوات العمل والآلات، اتَّسَع وتنوَّع واغتنى مخزون مداركه الحسِّية، ومخزونه المعرفي والعلمي من ثمَّ، فرأى أكثر، وعرف أكثر؛ وكلَّما تضاعف هذا التأثير توسَّع المجتمع البشري في سيطرته على الطبيعة وقواها المختلفة؛ فإنَّ في "الآلة"، لجهة تطوُّرها، خير مقياس نقيس به درجة سيطرة الإنسان على الطبيعة.
وبفضل "أدوات العمل" و"الآلات"، اسْتَحْدَث الإنسان، وطوَّر، "بيئته الاصطناعية"، كالمدينة بكل ما تشتمل عليه من أشياء صنعها البشر من مواد "البيئة الطبيعية".
وإلى "البيئة الاصطناعية"، لجهة نشوئها وتطوُّرها، يعود الفضل في التقليل كثيراً من تأثير "قانون الانتخاب الطبيعي" بالبشر، فالإنسان لا يكافِح البرد بتطوير غطاء لجسده من الشعر الطبيعي، كالحيوان، وإنَّما بصُنْع وارتداء ثياب.
وأنتَ يكفي أن تقارِن بين "البيئة الاصطناعية" في أوروبا الغربية و"البيئة الاصطناعية" في إفريقيا حتى تَسْتَنْتِج أنَّ الإنسان الأوروبي يسيطر على الطبيعة أكثر كثيراً من الإنسان الإفريقي.
وإنَّ مزيداً من سيطرة الإنسان على الطبيعة، بفضل "الآلة" وتطوُّرها، لا بدَّ له من أنْ يُتَرْجَم بمزيد من سيطرته على ما يُضاد تطوُّره من الزمان والمكان، فـ "السرعة" في تأدية العمل، بأوجهه المختلفة، إنَّما تعني سيطرة أكثر للإنسان على الزمان والمكان.
والإنسان الذي، بفضل "الآلة"، سيطر على الطبيعة أكثر، وسيطر على الزمان والمكان أكثر، لا بدَّ له من أن يملك من القوى والوسائل ما يسمح له بجعل مجتمعه (ونفسه من ثمَّ) حُرَّاً أكثر.
بـ "أداة العمل"، أو "الآلة"، يُغيِّر الإنسان بيئته الطبيعية؛ ثمَّ يتغيَّر هو نفسه بتغيُّرها، فإنَّ التطوٌّر الاجتماعي والتاريخي للإنسان لا يمكن فهمه إلاَّ على أنَّه ثمرة هذا التفاعل، أو العلاقة الجدلية بين "الذات" و"الموضوع"؛ وإنَّ لكل "بيئة اصطناعية" إنسانها الذي يشبهها، فابن القرية يشبه "بيئته الاصطناعية"، وابن المدينة يشبه "بيئته الاصطناعية"؛ وكلاهما يختلف عن الآخر في خواصِّه وسماته الاجتماعية لكونه يختلف عنه في "بيئته الاصطناعية".
ونَقِفُ على بعضٍ آخر من أوجه الأهمية الاجتماعية والتاريخية لـ "الآلة" إذا ما سعينا في معرفة سبب الاختلاف والتباين بين العصور التاريخية؛ فهل تختلف هذه العصور، وتتباين، بسبب اختلافها وتباينها في ما تُنْتِج من أشياء أم في كيفية إنتاجها للأشياء نفسها؟
البشر في كل عصورهم التاريخية توفَّروا على إنتاج القمح، مثلاً؛ لكنَّهم اختلفوا، واختلفت عصورهم التاريخية من ثمَّ، في كيفية إنتاجهم له؛ وهذا الاختلاف في الكيفية إنَّما هو (في المقام الأوَّل) اختلاف في الأداة أو الآلة التي بها يُنْتِجون القمح.
ولعلَّ خير دليل على ما لـ "الآلة" من أهمية اجتماعية وتاريخية هو أنَّ فرانكلين وبرودون وبرجسون قد توافقوا على تعريف "الإنسان" على أنَّه "حيوان صانع للأدوات".
بـ "العبودية" بدأت "الحضارة"، وتطوَّرت؛ فلولا "الآلات الناطقة"، أي العبيد من البشر، وعملهم، في روما، مثلاً، وعلى وجه الخصوص، لَمَا نشأت "الحضارة"؛ وبـ "العبودية الجديدة المقبلة"، والتي يحلُّ فيها "البشر الآليون" محلَّ "الآلات الناطقة"، ستبلغ "الحضارة" الدرجة العليا من تطوُّرها.



#جواد_البشيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في نسبية -الآن-
- عندما يصبح اللجوء إلى المجتمع الدولي إرهاباً!
- هكذا تكلَّم أوباما!
- هل تورَّط الأردن؟
- سياسة بعيون ميثولوجية!
- انتهازية أخلاقية!
- -يهودية الدولة-.. مشروع نتنياهو الانتخابي!
- نهاية ثورة!
- دولة لليهود فقط!
- هكذا قد يختفي العرب!
- المعاني الاستراتيجية لهبوط سعر النفط!
- إفراغ القدس من الحرم القدسي!
- الإنسان -مُمَثِّلٌ-.. هذه هي -حقيقته التاريخية-!
- -الربيع العربي- بميزان -التجربة العملية-!
- مَيْل عالمي إلى -القُوَّة الناعمة-!
- مواطنو -اللادولة-!
- عندما يُنْكِر السيِّد حسن نصر الله -مَذْهَبِيَّة- الصراع!
- بروزور مُزَوِّراً للحقائق!
- هكذا تكلَّم أوغلو!
- -النهضة- إذْ خَرَجَت من حيث دَخَلَت!


المزيد.....




- كيف تمكنّت -الجدة جوي- ذات الـ 94 عامًا من السفر حول العالم ...
- طالب ينقذ حافلة مدرسية من حادث مروري بعد تعرض السائقة لوعكة ...
- مصر.. اللواء عباس كامل في إسرائيل ومسؤول يوضح لـCNN السبب
- الرئيس الصيني يدعو الولايات المتحدة للشراكة لا الخصومة
- ألمانيا: -الكشف عن حالات التجسس الأخيرة بفضل تعزيز الحماية ا ...
- بلينكن: الولايات المتحدة لا تدعم استقلال تايوان
- انفجار هائل يكشف عن نوع نادر من النجوم لم يسبق له مثيل خارج ...
- مجموعة قوات -شمال- الروسية ستحرّر خاركوف. ما الخطة؟
- غضب الشباب المناهض لإسرائيل يعصف بجامعات أميركا
- ما مصير الجولة الثانية من اللعبة البريطانية الكبيرة؟


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جواد البشيتي - -الآلة- من وجهة نظر سوسيولوجية