أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رزكار نوري شاويس - مزار على ناصية زقاق















المزيد.....

مزار على ناصية زقاق


رزكار نوري شاويس
كاتب

(Rizgar Nuri Shawais)


الحوار المتمدن-العدد: 4643 - 2014 / 11 / 25 - 00:41
المحور: الادب والفن
    



هناك في الزاوية الضيقة التي يشكلها الزقاق مع الشارع العام .. ليس بعيدا جدا عن بنايةالمحكمة ، تقدم رجل معه طفل يمسك بباقة من الازهار من المنضدة الخشبية التي نخرها السوس و المظللة بمظلة واقية من الشمس و المطر مشدودة باحكام الى الكرسي العتيق خلفها ..
قال للصغير :
- ياللا ابني ، حط الورد عالميز .. (1)
قطع من حلوى الحامض حلو و مكعبات سكر مصفرة و بقايا شموع و ازهار منوعة ، طبيعية و اصطناعية ، يابسة أو ذابلة باهتة ؛ تغطي المساحة الأكبر من سطح المنضدة ، لترسم برغم شحوب الوانها لوحة وفاء و استذكار لحكاية شخص ما يأبى ان ينساها البعض من الناس ...

***** ***** *****

ربت على رأس ابنة بلطف و حنان ..
فجأة ترائت له صورته وهو طفل من أطفال بؤساء بغداد ثمانينات القرن الماضي .. حافي القدمين , تغطي دشداشة رثة جسده النحيل ، انزاحت عن كتفه و لا تستر صدره العاري .. التفت اصابع يديه بقوة بطرف عبائة أمه ، محتميا بها من خطر مجهول ، يحدق بين فينة واخرى في وجهها حائرا مستفسرا و يشرب من دموعها حزنها المالح و المر ..
كانت في انتظار انتهاء كاتب العرائض من كتابة طلب إعادتها لعملها كعاملة تنظيف في واحدة من مؤسسات الدولة بعد ان فصلت بسبب اعتقال زوجها و اعدامه بتهمة معارضته للنظام و انتقاده للدكتاتور .. ربما كان ضحية وشاية كيدية و ربما لا .
انتهى ( عبود العرضحالچي ) (2) من كتابة العريضة بعد ان حرص على كتابة كل حرف و كلمة بخطه الانيق و هو يتأوه و يئن مع كل جملة يسطرها مشاركة منه لأحزان و هموم الام و ابنها للام و ابنها..
طلب منها ان تبصم بأبهامها اسفل الورقة حيث رسم علامة (×)، ساعدها في ذلك ثم تناولت منه الورقة و حاولت ان تمنحه اجره ، فرفض بأباء و أصرار ..
قالت :
- الله يجازي كاظم الچای-;-چي (3) بكل خير ، هو اللي دلاني عليك ( التفتت صوب بناية المحكمة ) العرضحالچية هناك ماقبلوا يكتبولي العريضة ، گالولي اشطحي (4) و لا تورطينا ببلاويكم ..قال و هو يهز رأسه مستنكرا :
- حبربش حياسز (5) .. مايدرون اذا الحال بقى على هالحال كلياتنا راح نتورط .. ياللا باجي (6) روحي الله وياچ و يوفقچ ..

( عبود ) هذا ، انحدر من أسرة ريفية جنوبية نزحت الى العاصمة بغداد في ثلاثينات القرن العشرين فرارا من قسوة الملاكين و بحثا عن لقمة عيش .. تربى كغيره من بؤساء المدينة متنقلا من صريفة (7) لأخرى و من حي شعبي لآخر و ترعرع بين اناس من طبقته و يتفاعل و يندمج ببطيء مع مجتمع هذه المدينة الظالمة – الحنون , المتناقضة الألوان و الطباع ..دخل المدرسة ليتركها و هو لم يكمل الثالث متوسط , فالأهم كان الحصول على عمل يساعد به اهله على مواجهة متطلبات حياتهم القاسية ، و بعد جهد جهيد و واسطات كثيرة و تقديم الهدايا و تدخل احد كبار العشيرة عين في واحدة من المحاكم كحاجب ينادي على المتهمين..
مضت السنين و أشتهر ( عبود ) بين معارفه و جيرانه بـ ( عبود القاضي ) و الشهرة هذه جاءت بغتة بعد مشادة كلامية بينه و بين ( مختار المحلة ) بخصوص قضية قانونية تخص أحد ابناء الحي ، حاول عبود تصحيح رأي المختار بصدد القضية الامر الذي اعتبره المختار اهانة لمكانته و هيبته و جعله يرد بغضب و نبرة تهكمية ساخطة على عبود أمام كل رواد مقهى الطرف ( 8 ) حلبة السجال بينهما ، قال و هو يؤرجح يده يمينا و يسارا :
- واي واي ، خوش خوش .. عبود أفندي صاير قاضي و يحچي بالقانون .. !!
ومن ساعتها لقب بعبود القاضي ..

قاضي ..!!
عبود القاضي ..!! ما أحلاها من كنية .. كان سعيدا ، بل فخورا بهذا اللقب الذي خلع عليه بغتة في لحظة استهزاء و تصغير .. كنية رسمية و ممهورة بختم المختار ..

و دارت الأيام و تفاقمت معها الأزمات و الازمنة الصعبة ، و اشتد الظلم و الظلام و صارا السيادة و القانون ، توالت الكوارث ..استمرار الحرب في كوردستان ، ثم الحرب مع ايران و انقلب البلد سجنا محاطا باسوار الكآبة و أبراج القلق و الخوف .. مات من مات و فقد من فقد .. تشرد من تشرد و اختفى من اختفى ، و من رحل لم يعد و من عاد لم يعد كما كان ..

أحيل عبود على المعاش ، فأتخذ مهنة ( كاتب العرائض ) مهنة حرة له عساه يتمكن عبرها تأمين قوت أسرته و يرفع خلالها مظالم الناس و مطاليب استرداد حقوقهم .. اختار موقعا قرب احدى المحاكم و بغية التعريف بمهنته و كسب الزبائن ، كتب اعلانا بخط عريض و علقه في مكان بارز على الجدار خلفه موضحا فيه استعداده بكل رحابة صدر إعادة المصاريف في حال فشل ( العريضة ) في تحقيق الغرض منها .. و لهذا السبب بدلا من أن يكحل حاله ، ( عماها ) ! و أفلس عبود العرضحالچي بعد ان تحول كل رأسماله مظالما و طلبات خرساء ابتلعتها بنهم سلال المهملات.. أدرك الحقيقة بعد فوات الأوان ، فالظلم كان عماد الحكم و سنده ، القوة التي لابد أن تستمر ليستمر النظام ضمن منهاج قهر شمولي يكبل جميع الاطراف و يكمم كل الافواه في البلد .. تأكد تماما من انه ضيع الأول و التالي ، لذا قرر الاعتزال بكتابة اخر عريضة له , العريضة التي تخصه ..!
نزع اعلانه القديم من على الجدار و هو يطلق لعنات غير مفهومة ، قلب قطعة الورق المقوى و بدأ يكتب على وجهها الخشن :
إلى – محكمة العدل الدولية
الموضوع – احتجاج
و لم تتجاوز المقدمة اكثر من كلمة ( وبعد ) ليدخل في صلب الموضوع مطالبا بالتعويض عن خسائره وادراجها ضمن التعويضات المفروضة على البلد و النظام الحاكم الذي هو أصل كل علة و داء .. و في فقرة أخرى مقتضبة طالب بأعادة مسلة (حامورابي ) الى موطنه نظرا لحاجة الشعب الماسة اليها و بغية مراجعة نصوصها و الالتزام بالقوانين التي سنها المرحوم حامورابي قبل ميلاد المسيح بآلاف السنين ..
وقع عريضته بلقبه السابق – عبود القاضي –
راجع ما دونه بعناية ثم علقها في واجهة مكتبه البائس ..!!

تجمهر حوله خلق كثير بين خائف و ساخط , فضولي و مستطلع ، ضاحك و عابس .. وعندما حذره صديقه ( كاظم الجايجي ) قائلا ؛
- لك عبود .. اشبيك ، اتخبلت ؟
رد عليه برصانة و وقار :
- وانت ليش مبرطم (9) و خايف ..
- يرحم والدينك جوز من هالعنتگة (10) ..
- لا تسويها قارش وارش (11) .. روح الله يرضى عليك عوفني بدردي (12) ..
واستمر كاظم الچايچي يتوسل اليه ان يتراجع عن عناده ..
ابتسم عبود وقال :
- راح تضل طول عمرك اثول (13) و ما تفتهم .. روح ، روح غير ( بثل ) (14) الچاي و نظف القوري (15) و خدر چاي تازة و جيبلي منه استكان (سنگين ) (16) ، أسود سواد القهر و الضيم بگلبي ...

و أختفى ( عبود ) ..
و ضاعت العشرات من عرائض أم عياله في سلال المهملات ..

***** ***** *****

أعاده لحاضره صوت عميق أجش ..
- استاد (17) .. اتفضل استاد اشرب چاي
التفت ليتعرف على مضيفه .. كان رجلا طاعنا في السن ، يحدق فيه بعيون غائرة ذابلة و على وجهه المليء بأخاديد و تجاعيد عجنتها هموم و احزان الأيام ، إبتسامة حزينة . كان يتوكأ بيد على عصا و بيده المرتعشة الاخرى يقدم اليه قدح من الشاي ..
تناول القدح :
- عاشت ايديك .. أشكرك عمو كاظم ..
- تتدلل ابني و آني الممنون ..
_ اشلونك عمو كاظم ؟
- مثل ماداتشوف .. خربت مكينتي و ماكو موادي احتياطية بالسوگ .. ( اختفت ابتسامته و حلت محلها تكشيرة غاضبة ) اي كل شي اتغير و ما بقى شي على حاله الا العرايض بعدها على حالها ..


معاني المفردات العامية :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- الميز - المنضدة
2- عرضحالچی-;- – كاتب العرائض – من ی-;-عرض الحال
3- چای-;-چی-;- – بائع او صاحب مقهی-;- الشاي
4- اشطحي – ابتعدي
5- حبربش حی-;-ا سز - جماعة‌ بلا حی-;-اء
6- باجی-;- - اخت – الاخت
7- صری-;-فة‌ - كوخ طی-;-نی-;- بائس من غرفة واحدة‌
8- مقهى الطرف – مقهى المحلة – مقهى الحي
9- مبرطم – عابس
10- عنتگة – عناد
11- قارش وارش – فوضى و ارتباك
12- عوفني بدردي – اتركني مع علتي او دائي او حزني و قهري
13- أثول – أبله
14- بثل الچاي – مخلفات الشاي – تفل
15- القوري – ابريق الشاي
16- چاي سنگی-;-ن – شاي ثخين و اسود
17- استاد - استاذ



#رزكار_نوري_شاويس (هاشتاغ)       Rizgar_Nuri_Shawais#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ألأخوة العربية الكوردية ..!!!
- تصريحات العامري و المطلوب من الحكومة العراقية المرتقبة ..
- شيء عن ذكرى تأسيس البارتي ( الحزب الديمقراطي الكوردستاني )
- المالكي و المطلوب بعد تنحيته ..
- أراجيح الدكتاتور ..!!
- شيريد المالكي .. يخربها بعد أكثر ؟!!
- ألمزار ..!
- ألمعضلة العراقية مرة أخرى .. ما ألحل ؟!
- حرب . حرب .. حرب
- ألجنون و شيء عن النرجسية و الدكتاتورية ..!!
- شيء عن الانتهازية و الانتهازيين
- شيء عن العيون
- قصة قصيرة .. و هطل المطر ..!
- سنة أولى ابتدائي
- شيء عن العدل .. و الروح الرياضة
- ما (الجدوى ) من الكتابة ؟.. و لماذا نكتب ؟!
- (ليلى قاسم ) *
- القوى العظمى و مسؤوليتها ازاء الجرائم التي ارتكبت بحق الكورد
- المتوقع و غير المتوقع في فوضى عالم القرن 21
- مراجعة لموعظة قديمة ..


المزيد.....




- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رزكار نوري شاويس - مزار على ناصية زقاق