رزكار نوري شاويس
كاتب
(Rizgar Nuri Shawais)
الحوار المتمدن-العدد: 4505 - 2014 / 7 / 7 - 23:40
المحور:
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
ماهو الحل ..؟ هذا هو السؤال الذي يفرضه الحال العراقي اليوم محليا و اقليميا و دوليا , فالمشهد العراقي بكل ألوانه امام ابصار على الجميع ، و ماهو مرسوم على خارطة العالم باسم العراق لا يمثل الان سوى اطار وهمى يحيط بمجموعات بشرية تختلف عن بعضها البعض عرقيا و مذهبيا بل و حتى فكريا حضاريا ، ناهيك عن الاختلافات الجغرافية التاريخية ..
فبعد تأسيس دولة بأسم العراق قبل اكثر من تسعة عقود بدمج قسري لأعراق و اثنيات وعقائد مذهبية و دينية في بيئة مشبعة منذ القدم بروح التنافر و محاطة بمحرضات الخلاف ، عول مؤسسوا هذه الدولة غير المتجانسة على عناصر الشقاق تلك ضمانة تضمن لهم المصالح و المنافع التي أملوا في جنيها من تأسيس هذه الدولة و ذلك بأمتلاك حرية خلط أوراق لعبة اللاتجانس و اللاتوافق العراقية هذه كلما تطلبت مصالحهم ذلك ، فكانوا الرابحين دائما و الخاسرين كانوا دائما المكونات المتناحرة التي سميت بالشعب العراقي .
ان العراق منذ تأسيسه كدولة ، لم يكن متماسكا او موحدا بل وحتى قبل قيامه كدولة ضمن مساحات دول المنطقة كان عبارة عن ثلاث ولايات ( ألموصل – بغداد – و ولاية البصرة ) يحكم كل منها وال بإدارة و حكم مستقل عن الاخر و يرتبط برأس الامبراطورية العثمانية مباشرة ..
نعم ، ان حالة اللااستقرار و الاضطراب العنيف كانت دائما السمة المميزة لهذه البقعة من شرق المتوسط كدولة تحمل اسم العراق ، كون هذا الكيان لم يقام على اسس عادلة و منصفة بالنسبة للمجتمعات التي حشرت في اطاره ، و لم تضمن لهم حقوق الاحتفاظ بجذور انتمائاتهم التاريخية و الجغرافية و احترام خصوصياتهم القومية و المذهبية و تحترم طموحاتهم المشروعة مع تقدم مسارات الحياة .. فالتجميع القسري لأثنيات و انتمائات قومية و مذهبية متنوعة و تسليم ادارة شؤونها و مصالحها الحيوية بيد سلطات و حكومات استبدادية تحمل افكارا ومناهجا قومية و مذهبية طائفية عنصرية و متشددة ؛ كان دائما عنصر التفتيت و انفراط عقد وحدة اطياف و مكونات المجتمع الذي سمي ( بالعراقي ) ..
ان شعب كوردستان العراق ( كوردستان الجنوبية ) الذي علق و بثقة امالا كبار على وعود الحلفاء في الحرب العظمى و التزاماتهم المعلنة بحق الشعوب في تقرير مصائرها ، تعرض فور تأسيس الدولة العراقية لأبشع و اقبح حملات الانكار و الرفض المسلحة و غير المسلحة لوجوده و حقوقه التأريخية كشعب اصيل من شعوب المنطقة ، فأضطر هذا الشعب اضطرار المدافع عن النفس ان يلجأ لشتى سبل الدفاع عن وجوده و التي بدأها بمطاليب و أحتجاجات سلمية قمعت بالحديد و النار لتتحول الى انتفاضات و ثورات متوالية بدءا من ثورات الشيخ محمود الحفيد و مرورا بثورات بارزان و ثورة ايلول التي قادها الحزب الديمقراطي الكوردستاني بزعامة القائد القومي الراحل مصطفى البارزاني ، و من ثم ثورة (گولان) التحررية الرافضة لأتفاقية الحكومة العنصرية العراقية و الشاهانشاهية الايرانية المعروفة بأتفاقية الجزائر عام 1974و التي جلبت المزيد من الخراب و الدمار و الانقسام على البلد ... و الى ان توج الشعب الكوردي في كوردستان العراق ثوراته و انتفاضاته بأنتفاضته الكبرى ربيع عام 1991لينصرفوا ( برغم الاشكال المنوعة من التآمر ) من بعدها الى بناء المجتمع الكوردستاني العراقي على أسس ديمقراطية حرة تتوائم مع روح العصر و قد حققوا فعلا انجازات حضارية مهمة لفتت اليها انتباه العديد من الاطراف الدولية و اشادوا بها و بقدرة شعب كوردستان العراق على ادارة شؤونه بنفسه برغم المصاعب الجمة التي كانت تحيط به ..
وهنا لابد من التأمل و التفكير بأعداد الضحايا و الخسائر المادية و المعنوية التي لحقت بجميع الاطراف عبر كل تلك العقود الطويلة من الثورات و الانتفاضات التي استغرقت كامل الزمن العراقي كدولة .. هذا فقط ضمن مساحة الصراع الكوردي مع الانظمة التي تعاقبت على حكم العراق يضاف عليها الخسائر و الضحايا التي لايمكن حصرها بسبب سياسات القمع المتعصبة التي انتهجتها تلك الحكومات التي كانت بمجملها تمثل (أقلية سنية بالغة التعصب في نزعاتها العنصرية القومية و المذهبية الطائفية ) ضد الاثنيات العرقية و اتباع المذاهب و الاديان الاخرى في البلد من التركمان و الاشوريين و الكلدان و الصابئة و اتباع المذهب الشيعي و غيرهم من الاطياف القومية و المذهبية ، بل و حتى ابناء المذهب السني انفسهم لم يسلموا من سياسات البطش والتنكيل الوحشية التي مارستها حكومات الدكتاتوريات السنية المتطرفة بحقهم بما فيها الانقلابات العسكرية لتلك الحكومات على بعضها البعض و ما رافقها من تصفيات و مجازر دموية ..
و بالعودة للسؤال الذي طرحناه في بداية هذا الموضوع ..( ما هو الحل ؟) ، أقول ان واقع العراق اليوم ليس بالحالة التي انفتقت فجأة من العدم او بين ليلة و ضحاها ، بل هي مسالة ترتبط بجذورها بواقع مر و مأساوي بمساحة تأريخ العراق قبل و بعد تأسيسه كدولة ( هجينة ) و الى يومنا هذا .. واذا كان الحل هو في التقسيم الذي يستغربه البعض و يستنكره بعض اخر تظاهرا او نفاقا ؛ اؤكد القول ( ان كيان الدولة العراقية )منذ تاسيه كان مقسما بالاساس ( روحيا و فكريا ) و ان الاحداث التي صاغت تأريخ هذا الكيان الهش عززت بقوة هذا التقسيم و كل ما يتطلبه الامر الان هو الجرأة على اعلان هذا الواقع ، فمشروع الدولة العراقية القومية ، او المذهبية المتطرفة سنيا كان او شيعيا ، ثبت فشله و ان تطورات الاحداث تؤكد على ان استمرار العراق كدولة موحدة ، او انعاش هذه الفكرة حالة مئيوس منها و لا تجدي نفعا ، اما الاستمرار
على هذا الوضع و المنوال البشع فمعناه ازهاق المزيد من الارواح و اسالة المزيد من الدماء و المزيد المزيد من الخراب و الدمار و التخلف الحضاري الانساني و بالتالي المزيد من الحقد و اليأس اللذان يجران الى المزيد من العنف و الارهاب و اتساع رقعتهما في عموم المنطقة ..
ان معالجة الحال بات لاينفع معه لا الوعظ و لا النصيحة ، فالامر صار يتطلب بحدة و الحاح الى مواقف و اجراءات واضحة و حاسمة ، و فكرة التقسيم هو الحل الامثل لأنهاء صراعات و خلافات دموية استغرقت عقودا طوال و تفاقمت و تعاظمت نحو الاسوأيوما بعد آخر . انها فكرة الحل التي يجب ان يفكر فيها و يتبناها الجميع ، قد يكون الامر مؤلما و مفجعا للبعض ، لكن العلاج الفاعل و المؤثر لهذا الداء العراقي العضال يستوجب هكذا جراحة مؤلمة .
و عليه فإن المجتمع الدولي برمته و القوى العظمى بالذات مطالبة بتدخل جدي و حاسم نحو تثبيت و ترسيخ فكرة هذا الحل .. ان يتدخلوا كحكام منصفين و يحكموا بعدل و يحددوا لكل ذي حق حقه ، بمشروع حل ترعاه الامم المتحدة و بشكل يضمن المصالح الانية و المستقبلية للجميع دوليا و اقليميا و محليا ..
#رزكار_نوري_شاويس (هاشتاغ)
Rizgar_Nuri_Shawais#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟