رزكار نوري شاويس
كاتب
(Rizgar Nuri Shawais)
الحوار المتمدن-العدد: 4425 - 2014 / 4 / 15 - 01:26
المحور:
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
على مر الزمان ، وفي مناطق تماس و تعايش ابناء الامتين الكوردية و العربية ، لا ينكر اصحاب الراي المحايد ما كان للعلاقات بين ابناء الامتين ( في جانبها الايجابي) من تأثير مباشر على الاستقرار و بالتالي النماء و التقدم مع مسارات الحياة و الحضارة . و بمراجعة سريعة لتاريخ هذه العلاقة الموغلة في القدم ، تبرز الكثير من الاسماء الكوردية من علماء و فقهاء و قادة و مفكرين و زعماء كانت لهم ادوار و مواقف مشهودة في اسناد و دعم القضايا العربية ، من الروحية المعنوية و الاجتماعية الاصلاحية والى السياسية التحررية و الثقافية الحضارية . و ليس الهدف من هذا الكلام بيان فضل هذا على ذاك ، بل هو توضيح و تاكيد للروح الانسانية المسالمة لابناء هذه الامة العريقة و مواقفهم التعايشية البنائة ليس مع العرب فقط بل مع غيرهم ايضا من شعوب و اقوام ، وبحكم موقعهم الجغرافي كانوا يؤدون دور جسور امنة للاتصال و التواصل الودي بين مختلف المكونات العرقية في المنطقة .. بمعنى ان الكورد لم يتعاملوا بروح او نوايا و مواقف عدائية و عدوانية مع الاخرين ، كانوا عنصر تعايش و تعاون ، اثمر في الكثير من جوانبه ثمارا نعم بها الجميع ..
اما مارافق تاريخ هذه الامة من ثورات و انتفاضات فهي و بدراسة انسانية منصفة و قانونية عادلة ، لم تكن الا مواقف دفاع عن النفس و المصير ازاء اشكال ظالمة لا مشروعة من الانتهاكات و الاعتداءات الصارخة لحقوق اساسية في الحياة ، و هذا الدفاع حق مشروع على المستوى الفردي و الجماعي للانسان . فالكوردي لم يحمل السلاح لتجاوز و انتهاك اسوار و حرمات غيره ، او لقهر الاخرين و استعبادهم و سلب حقوقهم ، لم يحمل السلاح حبا به ، بل حملها اضطرارا كاخر وسيلة يدافع بها عن حياته و كرامته وخبزه و بيته و ثقافته .
اذن من حق الكوردي ان يدافع عن وجوده القومي الذي يستند الى اسس و ثوابت تاريخية و جغرافية و لا يحق لاي كان الغاؤها و شطبها من تاريخ و جغرافية المنطقة .
ان الدفاع عن الوجود القومي و مقوماته لاية امة من الامم ، حق مشروع ، و هو حق لا يمنح صاحبه حق التجاوز (مهما كانت الاسباب ) على حقوق الاخرين و اغتصابها .. و بهذا المبدا النابع من ( روح القومية الانسانية ) احترمت الثورات الكوردية بقادتها و احزابها و ساستها و مثقفيها (الروح القومية و حقوقها ) للاخرين و نادت بالتعامل بالمثل كقيمة حضارية راقية و رؤية صائبة لما يجب ان تكون عليها انماط التعامل بين الامم و الاقوام المنتشرة على كوكب الارض كون صفة الانسان تجمع بين الجميع .
ومشكلة الكورد كانت دائما مع الاتجاه السلبي لهذه الروح لدى الاخرين و هو اتجاه ( القومية المشبعة تعصبا مقيتا و عنصرية بغيضة ) التي ترفض للاخرين وجودا وحقوقا و تسعى لشطبها بكل الوسائل القمعية من فكر مضلل شريرو ديماغوغية عمياء وبل و بالاستعانة باسلحة مدمرة و فتاكة ايضا ، و التي اكدت كل وقائع الصراعات و نتائجها بطلانها و انحدارها امام الروح الانسانية التواقة للتعايش و السلام . ان الزعماء و المنظرين الذين تبنوا ( القومية العنصرية المتعصبة ) مذهبا ، لم يلحقوا بتطبيقات منهجهم هذا الاذى بغير اقوامهم من امم الارض فقط ، بل جلبوا بها الخراب و التخلف و اكبر الفواجع على شعوبهم .
ومن امثلة ما تسببت به هذه الروح المتعصبة من صراعات الماضي القريب ، التجربة النازية الهتلرية و العنصرية الطورانية و صراعات شبه القارة الهندية و ماساة اقليم بيافرا في افريقيا و مجازر رواندا و اهوال التطهير العرقي في البوسنة و الهرسك .. الخ
اما ما ازيح عنه الستار من الماسى و الفواجع التي تعرض لها الكورد جراء هذه السياسات و تطبيقاتها العنصرية ، فهو الموجز لقصة الجرائم العنصرية التي ارتكبت بحقهم على مدى اكثر من قرن .. } فجرائم و حملات ( المصير المجهول ) لنحو (7) من الكورد الفيليين عام 1988و ابادة نحو (10) الاف من البارزانيين عام 1983 و اعدام (5) الاف مواطن من سكان مدينة حلبجة دفعة واحدة بالغازات السامة و حملات ما سميت بالانفالات التي راح ضحية لها اكثر من (183) الف كوردي عام 1988 و تدمير ( 4500) قرية و بلدة كوردية وحرق مزارعها و بساتينها و تدمير مصادر المياه فيها و حرق مساحات شاسعة من المراعي و الغابات الطبيعية ، و تواصل المنهاج العنصري الاسود بالطرد و التهجير القسري للسكان الكرد الاصليين من مدن كركوك و اطرافها و خانقين و اقتطاع مناطق سنجار و الشيخان و مخمور و غيرها من جغرافية كوردستان العراق ..{ مثلت النتائج النهائية لممارسات العقليات الشوفينية العنصرية التي تعاقبت على مدى قرن من الزمان على كراسي حكم الدولة العراقية منذ تاسيسها و الى ايام العهد البعثي – الصدامي الذي جر الاحتلال و الخراب و نقمة المجتمع الدولي التي دفع ضريبتها المرة الشديدة القسوة عموم ابناء الشعب العراقي من دمائهم و اموالهم ناهيك عن تنامي روح الخلاف و الشقاق و انحسار الثقة بين الاثنيات و الطوائف التي يتشكل منها نسيج المجتمع العراقي بشكل لايمكن ( ان لم يكن مستحيلا ) اعادة نسجه او رتقه على نمطه غير المتين الذي تأسست عليه الدولة العراقية .
ان المنهج القومي المتعصب ( الذي اقتبسه الفكر العروبي بالكامل من مدارس الفاشية الايطالية و النازية الهتلرية ) يضاف عليها ثقافات السلاطين وخلفاء بني امية و بني عباس الطاغوتية و معها روح التعصب المذهبي و قيم الثارات القبلية و غزوات السلب و النهب البدوية .. كانت في الواقع نهج كل الحكومات التي توالت على حكم العراق ، فكانت الفئات و التيارات و الاحزاب الحاكمة تتعامل وفق هذا المنهج و قوانينه الاستبدادية المتخلفة مع شرائح المجتمع العراقي التي تخالفها انتماءا قوميا او دينيا و مذهبيا و كانت تتهم كل اتجاه معارض او حتى مناقش مصلح لمنهجها هذا بالخيانة و العمالة او بالشعوبية و الزندقة و الالحاد ..!! فتضعهم تحت طائلة قوانين جائرة لتعاقبهم بابشع العقوبات و اقساها .
و(برغم كونه كان يمثل القومية الرئيسية الثانية في البلاد ) فان اقصى ما كان يتمتع به الكوردي العراقي من حقوق لم تكن تتجاوز حقوق المواطنة من الدرجة الثانية بل وا قل من ذلك مرتبة ايضا ، برغم ان قيمة وجوده ( القومي و المذهبي ) كان من اهم اسس بناء الدولة العراقية . وفي بعض الحالات الاضطرارية التي كانت فيها الحكومات تلك تلجأ الى الاعلان عن تعامل مرن نسبيا ( وهو الشاذ و المخالف لطباعها العنصرية اللئيمة ) فانها كانت تضمر في باطنها موقفا نقيضا و تخطط بخبث لسبل و حجج التراجع عن ماهو معلن .
هذه السياسات بعدائيتها العنصرية السافرة و المعلنة و مداهناتها الخبيثة المنافقة و على مدى زمن القرن العشرين ، منحت المطلب الكوردي و قضيته في كوردستان العراق حججها كقضية و مطاليب مشروعة . لكن و مع توفر كل شروط الرد عليها بردود افعال قاسية مشروعة ، لم يفرط الجانب الكوردي باية فرصة من فرص التحاور و التفاهم السلمي لازالة اسباب الصراع و السعي لبناء حالة تعايش و شراكة حقيقية راسخة و عادلة في البلاد .. و دائما كان الجانب المتراجع و المخل بالتزاماته هو الجانب الحكومي الذي كان يرى في فرص السلام المتاحة هدنة يستجمع بها قواه و يخطط لخطط اكثر شرا من سابقاتها استعدادا لحملات اكثر شراسة ضد الشعب الكوردي و التي كان الهدف منها جميعا القضاء على الحركة التحررية الكوردية و اسكات صوتها . و هكذا فان تلك التجارب المريرة بين الكورد و انظمة الحكم العراقية ضعضعت مع الايام الثقة الكوردية و الى درجة الصفر بالتزامات و وعود الحكومات العراقية قصيرة الحبال . فكيف تتعزز الثقة و كل حكومة تلت حكومة بزت سابقتها باجرائاتها الاجرامية التعسفية الظالمة بحق الكورد و اقليم كوردستان العراق ، فمع تولي كل حكومة جديدة الحكم في العراق تصاعدت اساليب القمع و الاجراءات العنصرية لمستويات اشدو بابشع صورها التي اخذت طابع التطهير العرقي وحملات الابادة الجماعية المكشوفة امام انظار العالم ..
ان السؤال الذي يطرحه الكوردي دائما هو كيف تتعزز الثقة بمواقف و وعودحكومة تاتي على انقاض غيرها و تتبنى كل مافي جعب سابقتها من فكر و سلوك ونهج عنصري و لا تبادر الى ادانتها وتجريمها بالكامل و لاتعتذر لكل من تضرر جرائها ولاتسعى باخلاص الى معالجة اثارها و التعويض عن اضرارها ..؟
ان الخلل الذي عانت منه عقلية الحكم لكل النظم الحاكمة في العراق كان في عدم امتلاكها القدرة و الجرأة العادلة لفهم جوهر و طبيعة المطلب الكوردي و الذي هو كمطلب تحرري مشروع مطلب شعب و ليس مطلب حزب او طائفة او مسالة اجتهاد و تفسير لخلاف مذهبي ..
المطلب الكوردي كان واضحا منذ البداية .. و عبر كل المراحل الذي مر به النضال الكوردي و مواجهاته مع انظمة الحكم في العراق .. و ماهو مطلوب في عهد ما بعد سقوط الدكتاتورية الظالمة هو السعي الجاد الواضح و المقرون باجراءات عملية لاعادة ثقة المواطن الكردي بالحكومة العراقية و موقفها من الكثير من المطاليب العالقة بين اقليم كوردستان و بغداد .. هذه الثقة لا يمكن ان تبنى و تتعزز مالم تبادر الحكومة العراقية الحالية او التي تليها الى ازالة اثار كل السياسات الظالمة التي مورست ضد كوردستان العراق و شعبها و معالجة و تصفية كل تراكمات التخلف الاقتصادي و الاجتماعي التي خلفتها عقود الابادة و التدمير الطويلة و التعويض عن كل الخسائر التي لحقت بالمواطنين و المنطقة جرائها ..
و لا تبنى الثقة هذه الا بالتزام بغداد بكل وعودها و اتفاقاتها و التزاماتها القانونية و الدستورية ذات الصلة بتنظيم العلاقة بينها و بين اربيل . هذه الثقة لايمكن تعزيزها ابدا بانتهاج سياسات الضغط الجماعية على شعب اقليم كوردستان العراق جراء كل خلاف بين بغداد و اربيل و لا يمكن لهذه الثقة ان تبنى مع انتهاج الحكومة العراقية لسلوكيات من نمط سلوكيات و سياسات النظام الدكتاتوري البعثي ازاء المناطق المقططعة من اقليم كوردستان العراق و تكريس و استثمار سياسات التعريب العنصرية فيها .
ان المطلوب اليوم كوردستانيا و عراقيا هو بناء تكوين و مضمون حكم عراقي جديد يختلف بكل محتواه السياسي و الفكري و في كل تفاصيل علاقاته و تعامله مع الاخرين ، عن كل انظمة الحكم السابقة ، نظام لا يلوثه لوثة من لوثات واثار الماضي البغيض و الا فالثقة بها و ليس الثقة الكوردية فقط ، بل ثقة باقي مكونات المجتمع العراقي بها ، تبقى معدومة ، ومن غير هذه الثقة فالافضل ان يختار كل الدرب الذي يراه الانسب و الاريح له ..
#رزكار_نوري_شاويس (هاشتاغ)
Rizgar_Nuri_Shawais#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟