أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيرَة حارَة 26















المزيد.....

سيرَة حارَة 26


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 4612 - 2014 / 10 / 23 - 08:57
المحور: الادب والفن
    


1
المقامرة؛ كانت من تقاليد العيد عند بعض فتية حيّ الأكراد. هناك في البقعة المعلومة، التي تضمّ عدّة العيد وآلاته وبسطاته ورواده، كان من الممكن للمرء أن يعثر على أولئك المقامرين. هذه البقعة، لم تكن سوى " خرابة أبو رسلان "، وكانت تقع قديماً في مكان الملجأ الحالي، المشرف على موقف الكيكية....!
ولأنّ أولاد الحارة، كما هو معروف عنهم، يجيدون التملّص من الشرطة، فإنهم اختاروا مكاناً نائياً في شرق الخرابة يقوم مباشرةً عند الجدار الترابي، الذي يفصلها عن " رزي آني "؛ وهو الكرم الرائع، المحتوي على الصبّار والتين والجوز والميس والسماق وغير ذلك من الأشجار. فلو أنّ الشرطة دهمت تلك المقمرة الاعتباطية، فإن الشباب كانوا سيقفزون بسهولة ورشاقة من فوق الجدار ويختفون بلمح البصر....!
" جينكو "، شقيقي الكبير، كان أحد أولئك الشبان. عندما كان جيبي يفرغ من نقود المعايدة، فإنني كنت أتوجه إليه في الحال لينجدني بأريحيته وكرمه. من ناحية أخرى، كانت عادة بعض المقامرين أن يتطيّروا من وقوف أحد الأولاد خلف ظهرهم ويعدّون ذلك نحساً. ها هو أحد المقامرين، " خلّو كحلة "، يتحوّل نحوي فجأة ليأمرني أن أغادر المكان. هنا، يقوم جاره فوراً بالهمس في أذنه، فلا يلبث هو أن يعتذر من شقيقي " الزكَرت " ملتفتاً من ثمّ نحوي ليخاطبني بكلمات ممازحة. في مرة أخرى، شهدتُ كيف تجرأ ابن كحلة على تحدّي الرجل العتيّ، " البرزاوي "، عندما رفض هذا الأخير رمية الزهر ( النرد ) الرابحة وطلب اعادتها. عند ذلك، مد خلّو يده بلمحة فاختطف النقود الموجودة على الأرض ثمّ بادر للفرار لا يلوي على شيء. ما أدهشني، أن البرزاوي لم يتحرك أو ينبس حتى بنأمة، بل تابع اللعب وكأن شيئاً لم يحصل. بعد قليل، عاد ابن كحلة فجأة لكي يعتذر من الرجل العتيّ ويقبّل رأسه وسَط ضحك الآخرين وتعليقاتهم الساخرة........!

2
" تربة النقشيندي "؛ تستلقي على أعلى تلّ في حيّ الأكراد، حيث ينبسط من هناك لعينيّ المرء مشهدُ دمشق الرائع وغوطتها الساحرة. هذه التربة، يرتبط وجودها ولا ريب بمقام قطب الطريقة النقشبندية، مولانا خالد، المتوفي في عام 1826، والذي تحوّل بعد ذلك بعقدين من الزمن إلى تكية كبرى بأمر من السلطان العثماني عبد المجيد. في أماسي الأعياد، والمناسبات الدينية الأخرى، كانت تتسلل إلى أسماع الناس الأناشيدُ الصوفية الغامضة، المتلوة على لسان المريدين بالعربية والكردية والفارسية والتركية....!
أما في زمن طفولتنا، فكنا نحرص منذ الفجر على مرافقة الأهل إلى تلك المقبرة. الوالد، كان ينهمك قبل المسير بجمع باقاتٍ من ورود حديقته؛ وخصوصاً أزهار الشاشات الصفراء، التي كانت والدتنا تتطيّر من منظرها عادةً وتدعوها بـ " أزهار الميتين ". هناك، في تربة مولانا، كنا أقل وَعياً من أن ندرك رهبة الموت. فنجلس فوق هذا القبر أو ذاك، مرسلين الطرف إلى الأسفل، مبهورين بمنظر الشفق، المخيّم على مدينتنا وغوطتها وجبلها....!
هذه التربة لا تضمّ، حَسْب، تجاليدَ الأجداد والأسلاف، بل أيضاً نعوشَ أتراب الطفولة والفتوّة: مثل صديقنا الجميل " أبو كَامة "، الذي فجعنا برحيله وهوَ في ميعة الصّبا إثر حادث سيارة، وكنا معتادين في الأعياد على زيارة قبره الرخاميّ، المحوّط بما يُشبه القفص الحديديّ؛ وصديقنا البطل " أبو صارم "، المُستشهد في جبل لبنان جراء قصف احدى البوارج العسكرية الأمريكية على معاقل الحركة الوطنية. ولكن، ها قد مرّ ما يزيد عن الربع قرن على هجرتي، والتربة كانت خلالها ما تفتأ تستقبل الراحلين من الأهل والأقارب والجيران؛ ومنهم من كان أسطورة حقيقية في حياته: كجدّتي الحنونة، " ريما "، وشقيقي الكبير، " جينكو "، وعمّنا " فؤاد حج حسين "، وابن خالتنا " صلاح بيروزا "، وجارنا العجوز " بدوي كرّي عيشة "، وابن حارتنا الضابط " صلاح آله رشي ". أستعيدُ وجوهَ كل من رحلوا، مثلما فعلتُ دوماً في غربتي، مُستعيناً بالذاكرة؛ ومن خلالها، أحاول كلّ مرةٍ تسجيل سيَرهم الطريفة والمأسوية على حدّ سواء.

3
" المسراب "؛ كان في الزمن الغابر نفقاً ينفتح على نهر يزيد، فيَغرِفُ منه الماءَ ويوزعه على بيوت الحارة. هذا النهر ذو المياه النقية والعذبة، لا بدّ أنه ينعي زمننا الحاضر، الذي جعله مجرّد حفرة انهدامية منذورة للقمامة والطين الآسن....!
كان لكل بيت بئره، القائم فوق أحد تفرعات ذلك المسراب. هذه الطريقة الهندسية، المبتكرة من قبل أسلافنا، كانت تعتمد على مبدأ ضغط الماء الجاري، الذي يندفع بقوة عبرَ فتحة المسراب الرئيسة، الموجودة في البقعة المشجرة " رزي آني "؛ وتعني بالعربية " كرمُ الأم ": هذه الأم، كانت الجدّة الأولى لآل " ديركي " في حارتنا، وقد خلّدت اسمها أيضاً في المسبح العشوائي، ( جورة عيشوكي )، وهوَ المكان الأكثر عمقاً في النهر والمظلل بالأشجار الكثيفة. في طفولتنا، فإن أحد أحفاد " عيشوكي "، وكان من زكَرتية زقاقنا، طغى اسمه على المكان فصار يُعرف بـ ( جورة ناصر )....!
في الأربعينات، تمّ انشاء مخزن هائل لمياه عين الفيجة، عُرِفَ بالحاؤوظ، وكان يقع فوق التلة الجرداء، التي تعلو مباشرةً غابة الصنوبر الصغيرة المحيطة بمشفى ابن النفيس. هناك، كان أحد زكَرتية الحارة، " علي نورية "، يعمل ناطوراً لمبنى مجاور للحاؤوظ. ذات ليلة، كان عمي الكبير يسهر مع أصدقائه في حجرة بستانه، الواقع أسفل موقف الجوزة ( ابن العميد ). وقد اقترح بعضهم أن يُكسر العرقُ بماء عين الفيجة الشديد البرودة، فما كان من العم إلا أن أرسل ابن أخته إلى علي نورية. هذا الأخير، ما لبث أن استقبل الفتى وطلب منه أن يرافقه. دُهِشَ ابن عمتنا، عندما رأى ذلك الناطور وهوَ يتسلق بحذر جدار الحاؤؤظ. ما أن عاد علي نورية وبيده الجرة المملوءة بالمياه الباردة والعذبة، حتى سأله قريبنا: " هل كنت تسرق الماء من الحاؤوظ؟ ". فأجابه هذا ساخراً: " وهل سأجلبه إذاً من بيت أبي؟ "........!

4
في سالف الزمن، قرر والد " قربينة " أن يفتح محلاً للسمانة لصق جامع سعيد باشا. هناك، على جادة أسد الدين، كان السوق الرئيس للحارة بمحلات السمانة والبقالة والخضرة والعطارة والحدادة والنجارة والملابس وغيرها. علاوة على وجود صالونات الحلاقة والبوظة والمخابز والمطاعم والمقاهي وخلافها....!
ولكن، من سوء حظ والد قربينة أن المحل أفلس بعد ثلاثة أشهر أو نحوها. كان الرجل منهكاً من الربو، فيضطر لترك الرزق في عهدة ولديه. كلاهما كان بَطِناً، ضعيف الارادة أمام مطربانات السكاكر والموالح وحاويات العجوة وما الى ذلك من أطايب....!
أما صاحبنا " أبو حمو "، فإن محله بقيَ مفتوحاً على الرغم من كونه مقفراً من الزبائن تقريباً. وأتذكر عندما كنا أطفالاً، ما كان يساورنا من ضيق ورهبة في هذا المحل المعتم، الرطب، والذي لم يكن فيه منفذ للخارج سوى الباب. وكنا نادراً ما نشتري السكاكر والموالح من هذا المحل، نظراً لحالتها السيئة. بل انني، ذات يوم، شهدت بعيني كيف اندفع أبو حمو وبيده السنكة ( الحربة ) لقتل فأر كان يلهو في جوال السكر. كان الرجل متجهماً دوماً، لا يكف عن مراقبة الناس بعينه السليمة ( كانت الأخرى مجلله بغشاء أبيض ) وخصوصاً النساء. ذات مرة، مرت بالقرب من المحل إحدى الجارات المعرّفات بالحسن. خطرت المرأة بفستان ضيق، مثيرٍ، وكانت بصحبة ابنها الصغير. هذا الأخير، انتبه غلى نداء أبو حمو. فتوقفت المرأة منتظرة ابنها، الذي بدأ أبو حمو بمخاطبته في لهجة صارمة: " قل لوالدتك، أن جانباً من شعرها مكشوفٌ من تحت المنديل! ". هنا، انفعلت الجارة الجميلة فصرخت غاضبةً بالبائع الفضوليّ وهيَ تشد ابنها: " العمى! أعور واستطاع رؤية خصلة صغيرة من الشعر؟! ".



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نساء و أدباء
- سيرَة حارَة 25
- سيرَة حارَة 24
- سيرَة حارَة 23
- سيرَة حارَة 22
- سيرَة حارَة 21
- سيرَة حارَة 20
- الرواية: الفصل الرابع / 2
- الرواية: مستهل الفصل الرابع
- سيرَة حارَة 19
- تاجرُ موغادور: الفصل الثالث / 7
- تاجرُ موغادور: الفصل الثالث / 6
- تاجرُ موغادور: الفصل الثالث / 5
- سيرَة حارَة 17
- تاجرُ موغادور: الفصل الثالث / 4
- تاجرُ موغادور: الفصل الثالث / 3
- تاجرُ موغادور: الفصل الثالث / 2
- تاجرُ موغادور: مستهل الفصل الثالث
- تاجرُ موغادور: الفصل الثاني / 6
- تاجرُ موغادور: الفصل الثاني / 5


المزيد.....




- القضاء العراقي يوقف عرض مسلسل -عالم الست وهيبة- المثير للجدل ...
- “اعتمد رسميا”… جدول امتحانات الثانوية الأزهرية 2024/1445 للش ...
- كونشيرتو الكَمان لمَندِلسون الذي ألهَم الرَحابِنة
- التهافت على الضلال
- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- الإيطالي جوسيبي كونتي يدعو إلى وقف إطلاق النار في كل مكان في ...
- جوامع العراق ومساجده التاريخية.. صروح علمية ومراكز إشعاع حضا ...
- مصر.. الفنان أحمد حلمي يكشف معلومات عن الراحل علاء ولي الدين ...
- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- شجرة غير مورقة في لندن يبعث فيها الفنان بانكسي -الحياة- من خ ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيرَة حارَة 26