أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - عروسة لطفلة السماء














المزيد.....

عروسة لطفلة السماء


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 4422 - 2014 / 4 / 12 - 14:14
المحور: حقوق الانسان
    


"طفلٌ/ لا يعبأ بانهدام العالم/ ولا يخافُ الأضرحة/ لا يرهبُ سقوطَ المآذنِ والأبراجْ/ في الليلِ/ يعيدُ رفعَها بعيدانِ ثقابٍ/ وقطعةِ صلصالْ.”
كنتُ أتجوّلُ في المتجر حينما شاهدتُ الكاشير يردُّ لولد صغير، في الخامسة أو السادسة، نقودهَ، قائلا: "آسف، نقودك لا تكفي شراء الدُّمية." استدار الولدُ لعجوز جواره، وسألها بحزن: "جدّتي، نقودي لا تكفي؟" أجابته العجوز: "أنت تعلم هذا يا حبيبي." ثم سألته أن ينتظر خمس دقائق، وغادرت سريعًا. وقف الولد قابضًا بقوة على العروسة. ذهبتُ إليه وسألتُه: "لمن تريد أن تهدي هذه الدُّمية؟" فقال: "إنها العروسة التي أعجبت شقيقتي وتمنّت أن يجلبها لها بابا نويل في الكريسماس." قلتُ له: "ربما يفعل، فلا تقلق." لكنه أجاب بحزن: "لا، ليس بوسع بابا نويل أن يعطيها العروسة الآن حيث هي. لابد أن أعطي أنا العروسةَ لأمي لكي تعطيها لأختي حينما تذهب إليها." كانت عيناه مطفئتين بالدموع وهو يقول: "أختي ذهبت عند الله. وأبي قال إن أمي أيضًا سوف تذهب لترى الله قريبًا. لهذ الابد أن تأخذ العروسةَ معها لتعطيها لأختي." كاد قلبي يتوقّف من الهلع. نظر الولد لأعلى في عينيّ وقال: "أخبرتُ أبي ألا يجعل أمي ألا تذهب حتى أعود من المتجر." ثم أراني صورة جميلة له وهو يضحك: "سأعطي ماما صورتي أيضًا، حتى لا تنساني. أنا أحبُّ ماما وأتمنى ألا تتركني، لكن أبي أخبرني أن عليها أن ترحل لكي تكون مع شقيقتي الصغيرة." ثم راح من جديد ينظر إلى الدُّمية بعينين حزينتين. مددتُ يدي بهدوء إلى محفظتي وقلتُ للصبي: "دعنا نرى مرة أخرى، ربما معك ما يكفي ثمن العروسة؟" "أوكي،" قال الولد، وناولني ما معه من نقود، وهو يتمتم: "أرجو أن يكون معي ثمنها." أضفتُ بعض النقود إلى ما معه دون أن يراني، ثم بدأت أحصي النقود. كان هناك ما يكفي، مع بعض النقود الإضافية. قال الولد: "شكرًا يا ربُّ لأنك أعطيتني ما يكفي من نقود!" ثم نظر إليّ قائلا: "سألتُ اللهَ قبل أن أنام أن يتأكد أن معي ما يكفي شراء العروسة، واستمع اللهُ إليّ! تمنيتُ أيضًا أن يكون معي ما يكفي شراء وردة بيضاء لأمي، ولكنني لم أجرؤ أن أطلب من الله كل هذا. لكنه أعطاني ما يكفي شراء العروسة والوردة البيضاء. ماما تحبُّ الزهورَ البيضاء." بعد عدّة دقائق، عادت العجوز، فأخذتُ سلّة مشترياتي ومضيتُ. غادرتُ المتجر وأنا في حال مختلفة كليًّا عما دخلته. لم أستطع أن أُقصي الصبيّ عن عقلي. ثم تذكّرتُ خبرًا كنتُ قرأته في الصحيفة قبل يومين عن رجل ثمل كان يقود شاحنةً، وصدم سيارةً كان بها سيدةٌ شابة وطفلتها. ماتت الطفلةُ في الحال، والأم ترقدُ في حال خطرة. وكان على الأسرة أن تقرر ما إذا كانت ستنزعُ خرطوم التنفس الاصطناعيّ أم لا، لأن المرأة لن تنجو من الغيبوبة. هل كانت تلك عائلة الولدُ الصغير؟ بعد يومين من واقعتي مع الولد الصغير، قرأتُ في الصحيفة ذاتها أن الأم قد رحلت. لم أستطع أن أمنع نفسي من شراء باقة زهور بيضاء وذهبتُ إلى الجنازة. رأيتُ الولد الصغير واقفًا بين المعزّين ليلقي النظرة الأخيرة على أمه في النعش قبل الدفن.
كانت هناك، في كفنها، تمسك بين يديها وردةُ بيضاء مع صورة الولد، والعروسة موضوعة فوق صدرها.
غادرتُ المكان، والدموع تملأ عيني، وأنا أشعرُ أن حياتي للأبد قد تغيّرت. الحبُّ الذي حمله الولد لأمه ولشقيقته، سيبقى أبدًا عصيًّا على التصوّر. وفي لحظة، أطاح مخمورٌ بكل هذا الدفء، ليترك طفلاً يتيمًا.
ليست قصة من خيال الروائيين، بل حكاية واقعية سردها شخصٌ في إحدى المجلات الأجنبية، فآثرتُ أن أنقلها لقرائي بالعربية. لنتعلم معًا كيف بوسعنا أن نمنح السعادة للآخرين، بقروش قليلة.

***
* من قصيدة "طفل" | من ديوان "قارورة صمع" | فاطمة ناعوت | دار "ميريت" 2007



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لن أعزّيك يا صديقي ..
- شهيدتا الحق والحب
- النبلاء ينقذون رعايانا في ليبيا
- الصورة الحقيقية لمصر
- صانع العرائس قاتل ماري
- اسمك إيه يا أم محمد؟
- الباليه... فوق كفّ مصر
- ابحثوا عن قاتل -ماري- الحقيقي.
- معندناش كتب خيالية
- مليون إنسان في بيتي
- رسالة إلى حابي
- الشاعرة اللبنانية زينب عساف تكتب عن ديوان الشاعرة المصرية فا ...
- وجدى الحكيم أيام زمان
- 13 مارس 1950
- أغلى سيارة في العالم
- أمي، و-أحمد رشدي-
- هنا كردستان
- القتل على العقيدة
- تُرى كيف يقرأ هؤلاء؟!
- متى يطمئن مرسي؟


المزيد.....




- مسؤول في برنامج الأغذية: شمال غزة يتجه نحو المجاعة
- بعد حملة اعتقالات.. مظاهرات جامعة تكساس المؤيدة لفلسطين تستم ...
- طلاب يتظاهرون أمام جامعة السوربون بباريس ضد الحرب على غزة
- تعرف على أبرز مصادر تمويل الأونروا ومجالات إنفاقها في 2023
- مدون فرنسي: الغرب يسعى للحصول على رخصة لـ-تصدير المهاجرين-
- نادي الأسير الفلسطيني: الإفراج المحدود عن مجموعة من المعتقلي ...
- أمريكا.. اعتقال أستاذتين جامعيتين في احتجاجات مؤيدة للفلسطين ...
- التعاون الإسلامي ترحب بتقرير لجنة المراجعة المستقلة بشأن الأ ...
- العفو الدولية تطالب بتحقيقات دولية مستقلة حول المقابر الجما ...
- قصف موقع في غزة أثناء زيارة فريق من الأمم المتحدة


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - عروسة لطفلة السماء