|
أوسَعتُهم سبا وأودوا بالابل ..!!
قاسم حسن محاجنة
مترجم ومدرب شخصي ، كاتب وشاعر أحيانا
الحوار المتمدن-العدد: 4377 - 2014 / 2 / 26 - 10:12
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
أوسَعتُهم سبا وأودوا بالابل ..!! أصبحت الموضة "الابداعية " الراهنة ، تتميز بالرفض التام لاستعمال مُفردات تتعلق بالابل والبداوة ، بل وأصبحت هذه المُفردات مسبة وشتيمة ، ويتم ربطها بشكل مُباشر مع التخلف ، الجهل ، الأُمية والتطرف . لذا ، فحين فكرت باختيار عنوان لمقالي ترددتُ قليلا في هذا الاختيار ، خاصة وأنني أُفضل في العادة اختيار عناوين مقالاتي لتحمل معنى مجازيا وليس حرفيا ، كهذا العنوان الذي يحمل رمزية معينة لواقع اليسار العربي المُعاصر . والقصة وراء هذا المثل ، لمن لا يعرفها ، هي أن لصوصا قاموا بالسطو على قطيع من الابل لأعرابي، وحينما عاد الى مضارب قبيلته وحيدا ، سأله القوم ، بعد أن سرد عليهم قصته ،وماذا فعلت ؟؟ أجابهم بالقول الذي ذهب مثلا ، وهو عنوان مقالي هذا ، فقد قام الرجل بالسب وشتيمة اللصوص ، لكنهم لم يرتدعوا وسرقوا الابل ...!! وهذا هو حال القوى والحركات التي ترى في توجيه الشتائم للديانات ، وسيلة للحد من تأثير الأديان بل وتتوهم بأنها وبواسطة اتباع تكتيك الشتائم تستطيع القضاء على الدين ، فلم تنفع هذه الشتائم في القضاء على الاديان ، بل نحن شهود على ظاهرة تَمسُك العامة بمُعتقداتها الدينية ، الدفاع عنها والترويج لها مستعينة بالتكنولوجيا المُتقدمة . وتماشيا مع القانون القائل ، بأن لكل فعل رد فعل ، مساو له في القوة ومُعاكس له في الاتجاه ، فالجماهير التي تقرأ وتسمع شتيمة مُعتقداتها الدينية من القُوى التي تحسبُ نفسها على اليسار ، تتخذُ موقفا مُتشددا في الدفاع عن هذه المُعتقدات ، وتزداد تمسكا بها ، وبالمُقابل تُعادي اليسار كذلك . وكان لنا نحن ،الذين عاشوا فترة من حياتهم في الدول الاشتراكية ، سنحت لنا الفُرصة للتعرف على هذا التكتيك بشكل مُباشر . فقد قررت الدول الاشتراكية أن يشمل منهاجها التعليمي موضوعا أسمته " الالحاد العلمي " ، والذي كان موضوعا علميا بحق وحقيق ، شملت مواده التعليمية تاريخ الاديان ، الفلسفة وتاريخ العلوم ، وتناقضات الاديان مع الحقائق العلمية . لكن وللمفاجأة ، لم ينشأ جيل "مُلحد " ، بل على العكس ، فشعوب شرق أوروبا من أكثر الشعوب الاوروبية تدينا ، والبولنديون على سبيل المثال ، كان مصدر فخر لهم أن يكون البابا منهم . والكنيسة الارثوذكسية الروسية تحظى بفترتها الذهبية ، والتي لا تُوازيها ( هذه الفترة الذهبية ) سوى أيام القياصرة . أما بعض اليسار العربي ، والذي وضع له هدفا واحدا وهو محاربة الدين ، مُنطلقا بأن "زوال " الدين من النفوس هو الضمانة الوحيدة للتقدم والتطور ، فأنهم بهذا يُجافون الحقيقة ، التي تنطلق من أن المُحَرك الاساسي للتغيير هو الاقتصاد وليس المُعتقد . فالصراعات في جوهرها صراعات اقتصادية وأتفق مع البعض الذي يقول بأن هذه الصراعات هي اقتصادية – طبقية ، تلبس أحيانا لبوسا دينيا ، عندما يُريد أحد طرفي الصراع ذلك . فالصراع في افغانستان كان صراعا على النفوذ ، بما في ذلك السياسي – الاقتصادي ، لكن حشد القوى في الجانب الامريكي ، كان يتطلب غطاء دينيا ، وهذا ما حصل . فإعلاميا تم الترويج لهذه الحرب في افغانستان وكأنها حرب بين أرض الكفر ممثلا بالاتحاد السوفياتي وبين أرض الاسلام والايمان بقيادة أمير المؤمنين (رونالد ريغان ) ، وسأترك الاجابة عمن انتصر في هذه الحرب ، أتركها لكم ..!! وما التباكي على الربيع العربي القصير جدا ، والهجوم على الاسلام السياسي الذي تقوم به قوى اليسار ، إلا عارضا مرضيا يساريا . فكلنا نعلم بأن الجماهير لم تخرج من أجل تنصيب الاسلام السياسي على عرش السُلطة ، بل أرادت تغيير أوضاعها الاجتماعية والاقتصادية نحو الاحسن ، لكن قوى اليسار ولأنها لم تكن مع الجماهير في هذه اللحظات الحاسمة ، خسرت لمن "غرر" بالجماهير المتدينة بغالبيتها ، وحول الصراع بين الكفر والايمان ، وهو تكتيك اثبت نجاحا في السابق . يجب التوقف عن "مُهاجمة "الاديان والتركيز على من يستغل هذه الاديان ، لتصُب في صالحه . والامر المؤكد بأن الاديان لن تختفي بمجرد الهجوم عليها وشتمها ، بل يحتاج اختفاؤها الى نقلة نوعية حضارية على مُستوى البشرية جمعاء . وأصبح حال بعض اليسار كحال ذلك الاعرابي الذي لم يجد سوى السباب ، بعد أن سرق اللصوص كل ما يملك ..!!
#قاسم_حسن_محاجنة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أنا وساعي البريد ..!!
-
ما هو مسرح البلاي –باك ؟
-
الروبوتيكا ، الماركسية وعلاقات الانتاج ..!!
-
قصص نساء عربيات ويهوديات على مسرح -البلاي باك-.
-
في مديح الظل المُتواري .
-
مفاوضات ..؟؟!!
-
الاستاذة خديجة صفوت ،ودس السم في الدسم ..!!
-
المخاوف الحقيقية...من إلغاء بند الدين في بطاقة الهوية!!
-
الوجود : بين الفردي والمُطلق ..
-
الماركسية والمشاعر ..
-
هل يحق لي -الاختلاف- مع لينين ..؟!
-
- نصائح أخلاقية -بالألمانية ..!!
-
عبودية مُعولمة حداثية ..
-
نور السلف المنير في تحويل البشر إلى حمير
-
-اكسترا هيوج -...
-
أين هم العقلاء من العرب والمسلمين ..؟؟
-
ربيع المرأة الفلسطينية ..؟؟!
-
أرفع الاوسمة ... وحصلتُ عليه ..!!
-
وهمَت به وهَم بها ..الاستعلاء الثوري .
-
شرعية النص وشرعية فرض الامر الواقع ..
المزيد.....
-
الشرطة الإسرائيلية تفرق متظاهرين عند معبر -إيرز- شمال غزة يط
...
-
وزير الخارجية البولندي: كالينينغراد هي -طراد صواريخ روسي غير
...
-
“الفراخ والبيض بكام النهاردة؟” .. أسعار بورصة الدواجن اليوم
...
-
مصدر التهديد بحرب شاملة: سياسة إسرائيل الإجرامية وإفلاتها من
...
-
م.م.ن.ص// تصريح بنشوة الفرح
-
م.م.ن.ص// طبول الحرب العالمية تتصاعد، امريكا تزيد الزيت في
...
-
ضد تصعيد القمع، وتضامناً مع فلسطين، دعونا نقف معاً الآن!
-
التضامن مع الشعب الفلسطيني، وضد التطبيع بالمغرب
-
شاهد.. مبادرة طبية لمعالجة الفقراء في جنوب غرب إيران
-
بالفيديو.. اتساع نطاق التظاهرات المطالبة بوقف العدوان على غز
...
المزيد.....
-
مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا
...
/ جيلاني الهمامي
-
كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع
...
/ شادي الشماوي
-
حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين
/ مالك ابوعليا
-
بيان الأممية الشيوعية الثورية
/ التيار الماركسي الأممي
-
بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا)
/ مرتضى العبيدي
-
من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا
...
/ غازي الصوراني
-
لينين، الشيوعية وتحرر النساء
/ ماري فريدريكسن
-
تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية
/ تشي-تشي شي
-
مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب
...
/ شادي الشماوي
المزيد.....
|