أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله خليفة - لماذا يموتُ الشعرُ؟!














المزيد.....

لماذا يموتُ الشعرُ؟!


عبدالله خليفة

الحوار المتمدن-العدد: 4271 - 2013 / 11 / 10 - 10:30
المحور: الادب والفن
    


حين تكف النساءُ عن ولادةِ الأبطال، ويتشاجر الرعيانُ الرواةُ على أثمانِ الأحمال فوق ظهورِهم، ويتوارى منشدو العرضاتِ والأغنياتِ والقصائد وراء مساومات وبنادق وبضائع رخيصة في جبال القرى والأرياف والبوادي، تعقرُّ النسوةُ عن الخصب والحناجرُ عن صوغِ الملاحم!
يعسسُّ الشاعرُ في الظلماتِ مستأجراً قارباً من بَحارٍ فقير يحملٌ آلةً طابعةً كتبتْ منشورات وطنية وأعمالاً أدبية، وكلما أوغلَّ البحارُ في التيه البحري طالب الشاعر الشاب المتدفق بالعواطف الفياضة بالمزيد، حتى أستوى البحرُ تلالاً وهضاباً، ولم يعد ثمة نسمة، أو بصيص من عود كبريت مشتعل، حينئذٍ أنزلَ الشاعرُ الآلةَ الطابعةَ في جوف المياه، والبحارُ يقول له: أليس من الأفضل أن أحتفظ بها في بيتي حتى تكتب عليها أعمالك العظيمة أو يوصل المناضلون الكلمةَ بها إلى الشعب؟ فيرد لا!
حين تتحول الآلةُ الكاتبة وهي المشتراة براتب موظف فقير في أزمنة الشظف في السبعينيات إلى سمٍّ للسمك، يتحول الشاعر إلى مخربٍ للبيئة، وللشجاعة في الحي الشعبي الذي عبدَ بطولات المبدعين الخياليين.
ذهب الشاعر إلى السجن بعد صرخة أطلقها في الشارع وقد انتفخ انتفاخاً عظيماً، وحصل على بضعة أكف بين الجدران فتاب، وزاد وزنه الكثير من الأرطال، ثم خرج وقد أمحت من ذاكرته صور ما قبل السجن ولكنه لم يترك الشعر الذي صارت فيه الكلمات مثل النمل، الصغير، الدقيق، المنفصل عن البشر والحرائق الاجتماعية.
(غنمي غنمي ما أجملها في موكبِها نحو المسلخ!).
ملأ الشاعرُ السجنَ ضجيجاً، وحولَّ الأعشابَ إلى سجائر، وقراطيسَ السجائر إلى نصوص تمتدُّ من السقف إلى الأرض، وبدا أنه عملاق يصلُ إلى الجبال وهو يمشي على السطح البشري المثقوب، لكنه حمل الزنزانةَ داخله، فلا يظهر فيها ثائر ولا رغيف محروق، ولا زقاق بائس.
حين يُضربُ الشاعرُ على رأسه الطفولي ويفقدُ شبابَه الثقافي وتعليمه الروحي ويجثمُّ في الزنزانة مثل الصخور، ولا يبكي، ولا يفجع، ولا ينقد، ولا يَدخلُ أعماقَه ليقرأ روحَه ويمزق وينشر خيباته ويجسدُ ضياع زوجته وأطفاله ورفاقه ويرفع أصابعه بعلامة التغيير والصمود البلاستيكية الدائمة، يتحول الشعرُ إلى رماد مستمر تذروه الرياح.
حين يصير الشاعرُ مطرقةً تردد الهتافات في المناسبات فلا تظهر زوجة جريحة له، ولا ابنة ثائرة، ولا رفاق خونة، تتساقط المرئياتُ والملصقاتُ من على جدار البطولة الزائف.
الشعرُ ذروة البلاغة السحرية المتغلغلة في عظام الناس، والتحليل الضوئي للشر والخير، للبطولة والهزيمة، هو مرايا الضوء وهي تكشفُ جراح البشر، يدٌ رفيقة تنتشل ضحايا الغواصين من بين الأجداث والزجاجات الفارغة للسفن وعلب المراكب الأجنبية التي تسكر فوق الموج والزيت والدم والأشرعة ومن بين المجاديف التي قاومت قنابل الاحتلال، فيعثر على خيط من المقاومة عبر الجثث المتحللة.
الشاعر الكبير يُلقى في الزنزانة سنيناً ويقوم السجانون بمحو ذاكرته والصور من عينيه وروحه، ويُغرق في براميل من المرتجعات والمخلفات البشرية والقيء لكن صور الناس وتجارب البشر تزدهرُ في أعماقه وتزهو عبر السنين وتتطور في خروجه وبكشفه ونقده لما يحيطُ به وتتجسد في عروض مسرحية وملاحم مكثفة. وتصبح علاقته بزوجته مرئية بتفاصيلها ونضبها ثم ببرودها، فلا يخشى الشاعر من عرض عواطفه المتبدلة، وعرض البلد التي استضافته مُنتقَّدة، ناقصة. فلماذا بقي الشاعرُ التركي الأسطورة يفيضُّ من مادة النور والنار؟
الشاعر الصغير يتحلل، ويتحول إلى فسيفساء من أشياء، لا رابط لها في معاناة، الأفكارُ الكبرى تصيرُ حشراتٍ زاحفةً في تضاريس يومية مقطوعة الصلات والحياة بالنار الاجتماعية التي تسري لدى البنائين.
كثيرا ما يموت الشعر العربي لأنه شعر حضري سريع التكون، معانيه مرتبطة بمعاناة سريعة قليلة ضحلة، لا تصل إلى فلسفة، ويبقى على سطح عاطفة يومية، يصعب عليه أن يقيم علاقات مع رموز تراثية وصراعات اجتماعية، ويغدو فردياً محضاً بلا اشتغالات الفرد العميقة من وجود ومجتمع وكفاح.
حين تتجمد يد الطليعة الشاعر عن الاتصال بالألم البشري ينطفئ ذلك التنور مصدر العلاقة بالانتاج الخصب.
حين يقطع الشعرُ علاقاته بالتناقض الاجتماعي الروحي الفلسفي يلغي القطبيةَ الكهربائية مشعلة الصور ويصير فحماً، لكنه لا يصلح لبرد الشتاء ولا لحر الصيف.
يعيشُ الشعر على الخصال العالية، على التضحيات الجسام، على البطولات الملحمية، وحين نفتقده نتأسى على حال الأمة.
(نثرٌ يعوي في وادينا أسرعْ أسرعْ يا راعينا)!



#عبدالله_خليفة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جرائمُ أميل زولا
- أبطالُ(الماو ماو) يتسولون في الشوارع!
- الباديةُ تصنعُ الروايةَ
- مغامراتُ الثقافةِ الكبيرة
- أزمةٌ عربيةٌ إسلامية عامة
- الراقصُ في الرياحِ السياسيةِ
- يمينٌ متخثرٌ
- المحافظةُ والحرياتُ
- النبلاءُ والبذخُ
- تحدياتُ اليمينِ المعتدل
- من اليسارِ المتطرفِ إلى اليمين المتطرف
- نقابيةُ رأسماليةِ الدولةِ الوطنية
- بؤرةُ الوهمِ حديثاً
- الأزمةُ والعقلُ
- بؤرةُ الوهمِ قديماً
- سحرُ البيانِ
- القمة المضطربة لأمريكا
- مصطلحُ (الحرة) الاقتصادي الاجتماعي
- المعتزلةُ برؤيةِ إسحاق الشيخ يعقوب(2-2)
- المعتزلةُ برؤيةِ إسحاق الشيخ يعقوب (1-2)


المزيد.....




- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله خليفة - لماذا يموتُ الشعرُ؟!