أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - اتجاه العنف في الاستراتيجية الامبريالية الامريكية















المزيد.....


اتجاه العنف في الاستراتيجية الامبريالية الامريكية


سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)


الحوار المتمدن-العدد: 3864 - 2012 / 9 / 28 - 21:19
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


من مكر الزمن ان يتحدث رئيس امريكي عن الديمقراطية وحقوق الانسان ، وهو يعلم ان هذه الديمقراطية وهذه الحقوق غير موجودة اصلا بالولايات المتحدة الامريكية التي تعيش على نظام عنصري يعيدنا الى ايام الحرب الاهلية بين الشمال والجنوب . لقد تفضل الرئيس اوباما في خطابه الموجه مؤخرا امام الجمعية العامة للأمم المتحدة بان ربط بين العنف وبين الديمقراطية حين اعتبر ان الاول يلغي الثانية بالمرة ، وهو ، اي الرئيس يوجه خطابه الى النظام السوري والإيراني وربما الى نظام كوريا الشمالية مادام ان واشنطن ومعها سيول لن تستطيعا القيام بشيء ازاء هذا المارد الجبار الذي لا يتردد كلما سنحت الفرصة بذلك وسمحت الفرصة في استفزاز الامريكان والكوريين الجنوبيين . فعن اي عنف يتحدث الرئيس الامريكي ؟
وهل هناك من عنف عبر التاريخ غير ذاك الذي مارسته الادارات الامريكية المتعاقبة من غير ان يربط احد بين هذا العنف الامريكي المسترسل وغير المنقطع ، وبين ممارسة الديمقراطية بالبلاد التي عرفت اطوار هذا العنف غير المبرر ؟ وهل العنف الممارس من قبل واشنطن عبر التاريخ كان اصلا من اجل الديمقراطية وحقوق الانسان ، ام انه كان عنفا ضد الديمقراطية وضد الحقوق المتغنى بها في الخطابات ، في حين انها معدومة ومنعدمة في الممارسة وفي الواقع ؟
واذا نحن اردنا التعليق على ( الديمقراطية ) المسماة امريكية ، فهل تعرف الولايات المتحدة الامريكية نظاما في الحكم يستحق ان يوصف بالديمقراطية المثالية والنموذجية كما يحلو لبعض سطحيي التحليل ترويجه .؟
ان ( الديمقراطية ) الجاري بها العمل في الولايات المتحدة الامريكية ، هي ديمقراطية النخبة المسيطر عليها من قبل اللوبي الصهيوني الذي يوجهها لخدمة اهداف لا علاقة لها بمصالح الشعب الامريكي العادي الذي يلعب دور الكمبراس في مسرحية متحكم فيها مسبقا . وإلا كيف نفسر نتائج الانتخابات بين الرئيس السابق المعتوه جورج بوش الابن عن الحزب الجمهوري ، وبين ألغور مرشح الحزب الديمقراطي ؟ ثم كيف يمكن ان نفسر ان الولايات المتحدة الامريكية كأكبر دولة في العالم يتنافس فيها في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية حزبان ( ثنائية حزبية محتكرة للحكم ) يتبادلان لعب الادوار في مسرحية تكون مخدومة مسبقا ومتحكم فيها مقدما ؟ ثم ما الفرق في القضايا الاستراتيجية التي تشغل بال اللوبي الصهيوني المسيطر على وسائل الاعلام المختلفة ، وعلى الصناعات العسكرية والالكترونية ، والمسيطر على الابناك ، ان لم نكاد نجزم ان نفس الاهتمام ونفس العناية تحظى بها هذه القضايا من قبل اللوبي المسيطر على الحزبين الجمهوري والديمقراطي ، حيث ان الفرق بينهما يكاد يكون طفيفا في المسائل الاجتماعية ، وفي بعض الاصلاحات التي يبقى نجاحها مرتبطا بالإمكانيات التي يهدرها الحزبان خارج التراب الامريكي ، والتي لا يستفيد منها المواطن الامريكي العادي المغلوب على امره .
ثم هل بالولايات المتحدة الامريكية رئيسا للوزراء ووزراء ( المجلس الوزاري ) ام انه يوجد فقط كتاب للدولة مرتبطين بشخص الرئيس الذي هو رئيسهم الفعلي ، وليسوا مرتبطين بالمؤسسات كما يجري به العمل في بعض الديمقراطيات الغربية مثل الفرنسية والانجليزية ؟
وإذا تمكن حزب من الاحزاب ( الجمهوري او الديمقراطي ) من اكتساح البرلمان بمجلسيه اضافة الى السيطرة على السلطة التنفيذية ، ألا يمكن القول بوجود نظام منغلق في الشمولية ، حيث ستجبر وستضطر السلطة القضائية على تطبيق مشاريع القوانين التي سيشرعها البرلمان بمجلسيه ، وتطبيق اقتراحات القوانين التي ستصدرها الحكومة المتحكم فيها من قبل الرئيس ؟ ومرة اخرى . ألا تؤدي الديمقراطيات التحتية الشعبية الى خلق انماط من الحكم غاية في الشمولية تطبق باسم الديمقراطية الانتخابوية التي تفتقد الى المسؤولية السياسية ؟ انها نفس الديمقراطية الانتخابوية الجماهيرية التحتية التي مكنت الحزب النازي والفاشي من الوصول الى الحكم في المانيا وايطاليا ، وهي نفس الديمقراطية الانتخابوية التي تسببت في مآسي الحرب العالمية الثانية . كذلك انها نفس الديمقراطية الانتخابوية غير المسئولة التي جاءت بجماعات فاشية اسلاموية في مصر ، تونس ، ليبيا ، اليمن وسورية على الابواب . اما وصول حزب العدالة والتنمية المغربي للحكومة وليس للحكم فلا يمكن مقارنته بما يجري في البلاد العربية باسم الربيع ( العربي ) الصهيو – امريكي ، لان للمغرب موروثا ايديولوجيا لن يسمح ابدا باستنساخ ( النعجة دولي ) وإلا لن تكون هناك دولة علوية ضاربة في عرض التاريخ لمآت السنين .
واذا كانت ( الديمقراطية الامريكية ) مبنية على المقاص الصهيوني ، فهل مقارنة اوباما في خطابه الاخير امام الجمعية العامة للأمم المتحدة التي اعتبر فيه العنف مناقض للديمقراطية ، هو شهادة براء على نقاوة اليانكي الامريكي من ممارسة العنف عبر التاريخ ضد الديمقراطية وحقوق الانسان في العالم ؟ .
بالرجوع الى التاريخ الامريكي الاسود ضد الديمقراطية وحقوق الانسان ، يمكن ان نسرد بعض الاحداث على سبيل الامثلة لا الحصر :
1 ) كم هو عدد الهنود الحمر الذين ابادهم البيض عندما غزوا اراضيهم ؟
2 ) كم عدد السود تمت ابادتهم عند الحرب بين الشمال والجنوب ؟
3 ) من قتل مارتن لوتر وغيره من الزنوج الثوريين الذين كانوا يطالبون بالديمقراطية وحقوق الانسان وبالمساواة مع الغزاة البيض ؟
4 ) كم عدد حيوان البيزون تم قتله وإبادته بدعوى انه يقتات العشب الذي تتغذى عليه الابقار الاوربية المستوردة من خارج امريكا ؟ وحسب الاحصائيات الاكيدة بلغ عدد البيزون المباد اكثر من ستة مليون حيوان ، وهي نفس الابادة قام بها الرجل الابيض في استراليا ضد السكان الاصليين وضد حيوان الكنغر ؟
5 ) اذا كانت الولايات المتحدة الامريكية تحترم ارادة الشعوب واختياراتها ، وتدافع عن الديمقراطية ، لماذا اجهضت اختيار الشعب الشيلي عندما نظمت انقلابا عسكريا برئاسة عميلها بينوتشي التي تخلت عنه كما تخلت عن الشاه وعن السادات عندما اكفهرت سمائهم بالغيوم ؟
6 ) لماذا تدخلت واشنطن في غرينادا ، ولماذا جوعت الشعب الكوبي لأكثر من ستين سنة خلت بسبب مجيء حكومات شعبية رفضت الخضوع للامتلاءات والأوامر الامريكية ؟
7 ) لماذا التدخل في نيكاراغوا وفي باناما ؟
8 ) هل هناك من عنف اكثر من امطار المدينتين اليابانيتين ، هيروشيما وناكازاكي بالقنابل النووية ؟ كم ضحايا هذا الجرائم الامريكية ؟
9 ) من كان يمطر الفيتنام الشمالية بقنابل النابالم والأسلحة الفتاكة ، فيحرق الاخضر واليابس ويدمر الحجر والشجر ؟
10 ) من قدم التغطية والمساندة للعدو الصهيوني في غزو لبنان في سنة 1982 وضربه في 2006 وضرب غزة في 2009 ؟ ثم من دمر ليبيا مؤخرا ويبحث جاهدا لتدمير سورية المدمرة اصلا ؟
11 ) كم عدد العراقيين وهم يعدون بالآلاف تم قتلهم ، وكم عدد الافغان وهم يعدون كذلك بالآلاف تمت ابادتهم ؟
12 ) بما ان الشعب الامريكي شعب لقيط غير اصيل ، فمن المفروغ ان تكون ( ثقافته ) مسكونة بالعنف بمختلف اشكاله وأساليبه ، بدءا من المصارعة الحرة الى كرة القدم الامريكية ( البيزبول ) الى افلام الرعب والعنف المختلفة من ( رامبو ) الى ( الاليكاليبسنو ) الى العنف الذي تتحفنا به وسائل الاعلام الامريكية المختلفة من قيام شخص بإطلاق النار من بندقية اومسدس على طلاب بالجامعة او تلاميذ بإحدى المدارس او بأحد الشوارع او بمراكز التسوق ، فتكون النتيجة سقوط اعداد من الضحايا يرتفع رقمهم في كل مرة يحصل فيها حدث مماثل ، الى العنف المستعمل في السجون بين عصابات ومافيات يتنازعون احتلال المواقع والمحلات ، او يعمدون داخل السجن لتصفية حسابات بين زعمائهم خارج اصوار السجون وهكذا
اذن فعن اي عنف وعن اية ديمقراطية يتحدث الرئيس الامريكي ؟ اللهم الديمقراطية المستجيبة للتصورات الامريكية التي لا علاقة لها بالديمقراطية في حدودها النسبية المتعارف عليها دوليا ، و( العنف ) المقاومة الرافضة للاحتلال .
يعيش النظام الامبريالي الامريكي والعالمي صعوبات متنامية ومشاكل متفاقمة في محاولاته اليائسة لإطالة عمر هيمنته المطلقة على الشعوب وشعوب العالم الثالث وعلى رأسه الشعب العربي والشعوب الاسلامية على وجه التحديد . وإذا كان النضال الوطني التحرري لهذه الاخيرة قد تمكن بعد كفاح مرير ، وتضحيات جسام ، من انهاء عهد الاستعمار والاحتلال الامبريالي المباشر ، فان كفاحها الراهن من اجل تحرر حقيقي ، اقتصادي واجتماعي وسياسي ، يتجه بخطوات حثيثة نحو كبح الاشكال الاستعمارية الجديدة وإنهاء الهيمنة الامبريالية المتعددة الاوجه والصيغ ، وبالتالي ، فرض تغيير جذري في العلاقات الاقتصادية الدولية في اتجاه علاقات مبنية على اسس من العدل والمساواة . وهذا ما سيترتب عنه حتما تقلص هام في الارباح المفرطة التي يحققها الرأسمال العالمي ، الشيء الذي تعتبره الامبريالية بمثابة تهديد مباشر ل " مصالحها الحيوية " . وهذا ما دفع المنظر الامريكي المعروف بريجنسكي الى القول بان الصراع الاقوى الذي ستشهده الساحة الدولية سوف لن يكون بين الشرق والغرب ، وإنما بين الدول المصنعة من جهة ، والدول النامية من جهة اخرى ، ذلك ان " الطموحات الجديدة للبلدان السائرة في طريق النمو تشكل خطرا على النظام الدولي ، وتهديدا مباشرا في وجه البلدان الغربية " ( ليبيا ، الجزائر البومديانية ، العراق ، ايران ، السعودية ، الامارات ، قطر ، مصر ، تركيا ... ) .
وان مجمل هذه الآفاق المظلمة التي يشكلها بالنسبة للامبريالية ، التحرر الاقتصادي والسياسي لمزيد من الشعوب ، هي التي دفعت بدوائرها وهيآتها المختصة في البحث والتخطيط مثل " مجلس العلاقات الدولية " بنيويورك ، و " اللجنة الثلاثية " ، الى اجراء عدة بحوث ودراسات معمقة حول هذه الآفاق . وتدل نتائج هذه الدراسات على ان الدوائر الامبريالية تخشى " تغييرا هيكليا في الاقتصاد العالمي اذا ما تمكنت البلدان النامية من بناء صناعات خاصة بها ." ، كما تؤكد ان التحولات الصناعية المرتقبة ، والتي ستكون في صالح الدول النامية ، " ستطرح على البلدان المصنعة مشاكل لم يسبق لها مثيل ، سيستمر مفعولها خلال عقود قادمة " . اما بالنسبة للتوصيات التي الحّت عليها هذه الدراسات ، فتتعلق اساسا بضرورة حفظ مصالح الرأسمال الغربي من خلال " التحكم في مسلسل التصنيع " في بلدان العالم الثالث و " الحد من سرعة هذا المسلسل " او من خلال " وضع قائمة الصناعات التي يجب اقامتها ، وتلك التي لا يجوز اقامتها في هذه البلدان " . وإذا ما تم الحديث عن ضرورة نمو بلدان الجنوب ، فيتم التركيز ايضا على ان هذا النمو يجب ان لا يمس بمصالح الشمال ، وبعبارة اوضح فان البلدان الامبريالية يجب ان تحافظ باستمرار على مواقع الهيمنة والسيطرة على الاقتصاد العالمي .
ومجمل هذا التنظير والدراسات يشير بوضوح الى ان الامبريالية مصممة العزم على الحيلولة دون نمو اقتصاد بلدان العالم الثالث ، خاصة اقتصاديات الدول العربية ، بهدف اخضاعه باستمرار لهيمنتها واستغلالها . ومن اجل ذلك ، فإنها تمارس مختلف الضغوط على تلك البلدان ، ليس فقط على المستوى الاقتصادي والسياسي ، بل باللجوء الى اسلوب العنف والتدخل العسكري ، كأسلوب مفضل لديها لضمان حماية مصالحها في المدى القريب كما في المدى البعيد ، محاولة بذلك الوقوف امام التحولات التقدمية التي يشهدها العالم . واذا كانت محاولتها هاته لا يمكنها تاريخيا إلا ان تتعرض للفشل ، فان هذا لا ينقص من خطورة المخططات والمغامرات التي تقوم بها الامبريالية العالمية برئاسة الولايات المتحدة الامريكية وهي تسعى يائسة الى محاولة " استعمار " البلدان النامية من جديد .
اسلوب العنف
ان اللجوء الى اسلوب العنف كان ولا يزال ، الاتجاه الاساسي في الاستراتيجية الامريكية العالمية بشكل عام ، واتجاه بلدان العالم الثالث والعالم العربي بشكل خاص .
ففي يناير 1980 ، عقد " مجلس العلاقات الدولية " ، الذي تشغل عناصره مناصب حساسة في الادارة الامريكية ، اجتماعا مغلقا لتدارس موضوع " التدخل العسكري في العالم الثالث ، وسياسة الولايات المتحدة الامريكية " . ولقد نشر نائب مدير المخابرات الامريكية ومقرر الاجتماع ، راينولد كلاين ، كتابا تحت عنوان : " اتجاه العنف في العالم الثالث وفي السياسة الخارجية الامريكية في الثمانينات " ، يشرح فيه الافكار والخلاصات الاساسية التي تداولها المجلس المذكور .
ويعتبر كلاين في كتابه هذا ، " ان آفاقا مشرقة ستفتح للولايات المتحدة الامريكية مع تكوين حلف عسكري عبر البحار ، يضم الحلف الاطلسي وإسرائيل " . وتكون المهمة الاساسية المنوطة بهذا الحلف الغربي الكبير ، هي القيام بالعمليات التأديبية ضد بلدان العالم الثالث . ويؤكد الكاتب على ضرورة تواجد البحرية الامريكية بشكل مكثف في المحيط الهندي لضمان نجاح انزال عسكري في الخليج العربي ، او افريقيا الشرقية عند الضرورة . كما يعتبر ان الصراع من اجل التمكن من الخيرات الطبيعية ، هو صراع حتمي ، وان من مهام الغرب التحكم في اوضاع البلدان التي تمتلك هذه الخيرات ... " .
وتجدر الاشارة الى ان كلاين كان مستشارا للرئيس الجمهوري ريغان في شؤون السياسة الخارجية خلال حملة الانتخابات الرئاسية لسنة 1980 . وبمناسبة نفس الحملة ، صرّح جورج كامب ، وهو مستشار من معهد جورج تاون " ان استمرار احتلال اسرائيل لأراضي عربية يشكل بالنسبة للولايات المتحدة الامريكية رصيدا تنمو قيمته يوما بعد يوم " . اما فونتان المستشار في نفس المعهد ، فلقد ساهم بدوره في رسم معالم استراتيجية العنف المعلن هذه ، بقوله " ان المساعدة الاقتصادية لا تؤدي دائما الى نتيجة ، واستعمال التدخل العسكري يعتبر من ضمن الاحتمالات الواردة في سياسة الرئيس "
وهؤلاء الرجال ، وغيرهم اليوم كثيرون يشغلون مناصب هامة في الادارة الامريكية ، ويتحكمون بشكل اساسي ، في مقاليد سياستها الخارجية ، وهم لن يعبروا في الحقيقة ، من خلال اقوالهم السالفة الذكر ، سوى عن الاتجاه السياسي العام الذي اختاره الرأسمال الاحتكاري الامريكي ، وهو يعمل جاهدا على احياء وإدامة العلاقات الاستعمارية التي ما فتئت الشعوب تناضل وتكافح من اجل تكسيرها منذ ازيد من ستين سنة مضت .
وهذا الاتجاه في اعتماد العنف والقوة كأسلوب لفرض الهيمنة والسيطرة ، لا يشكل في حقيقة الامر ، عنصرا جديدا ضمن الاستراتيجية العدوانية الدائمة للولايات المتحدة الامريكية . ويكفينا على سبيل المثال ، قلب النظام الديمقراطي في الشيلي وقلب عدة انظمة ديمقراطية في امريكا اللاتينية خلال الخمسينات والستينات والسبعينات من القرن الماضي ، او اغتيال القادة التقدميين كمثل اغتيال المناضل التقدمي الافريقي باتريس لومامبا في بداية الستينات بأمر من الرئيس ايزنهاور نفسه . .. وكلها وقائع وأعمال تم الكشف عنها في واضحة النهار ، ولم يكلف الامبريالية الامريكية نفسها عناء التغطية عنها او اخفاء دسائسها . والحقيقة ان الجديد في الموضوع ، هو الرغبة المعلنة ، والاستعدادات العملية المكشوفة التي ابدتها الامبريالية مع ريغان وبوش وبوش الاب ومع ميت رومني بشكل اكثر تطرفا ، ولتجعل من اسلوب العنف والتدخل العسكري اسلوبا قارا ومعلنا ، وعمودا فقريا في استراتيجيتها الدولية ، وفي العلاقات مع الشعوب المستضعفة على وجه التحديد .
الحنين الى عهد الاستعمار و " الحماية "
وهكذا ، فان ما تحن اليه الدوائر الامبريالية اليوم ، وتسعى الى انجازه ، هو نفس الاساليب الاستعمارية التي كانت سائدة في علاقاتها مع الشعوب منذ ازيد من سبعين عقدا خلت .فخلافا للتوجه العام الذي بدا في الاستراتيجية الامريكية حتى وقت قريب ، على اثر صدمة الهند الصينية والعراق وأفغانستان ، والقاضي بالتخفيف من تدخلاتها العسكرية المباشرة ، واعتماد اساليب متنوعة ومتعددة للتحكم والهيمنة ، فان المنظرين الامبرياليين يظهرون اليوم اجماعهم على ان التدخل العسكري والشامل ، اصبح ضرورة ملحة في غير ما منطقة من العالم التي تعتبر مناطق نفوذ خاصة ومرتبطة ب " المصالح الحيوية للغرب " . ومن اجل ذلك ، فان الفرق العسكرية الخاصة ( المارينز ) التي ’تتمّم تدريباتها واستعداداتها للتدخل السريع في بلدان العالم الثالث خاصة بالبلاد العربية والإسلامية ، يجب ان تحظى بدعم وسند عملي من طرف قوات الحلف الاطلسي في اوربة ( ليبيا ، العراق ، افغانستان وسورية التي يحظرون لغزوها بدعى جلب الديمقراطية للشعب وإنهاء الدكتاتورية ) . وبعبارة اخرى ، فان المطروح هو الرجوع من جديد ، الى الاسلوب الاستعماري الممنهج والمنسق بين مختلف الاجنحة الامبريالية على الصعيدين الامريكي و الاوربي ، باستعمال ادوات محلية وبمباركة دول اقليمية لتبرير الغزو والتدمير .
وهذا ما شرحه وأكد عليه تقرير تحت عنوان : " امن الغرب " ساهم في اعداده " المجلس الامريكي للعلاقات الدولية " وهيئات اخرى مماثلة في كل من بريطانيا وألمانيا وفرنسا . ان اول اجراء يوصي به التقرير هو تكوين " هيأة تضم مسئولين من البلدان الغربية الاساسية " وهي الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا وفرنسا وألمانيا واليابان ، تكون مهمتها هي " التوصل الى تقييم مشترك للأوضاع السياسية والعسكرية التي تبرز في المناطق الحساسة من العالم الثالث ، والاعتناء بشكل خاص ، بالتطورات التي تشهدها منطقة الخليج باعتبارها تحتوي على اكبر خزان للنفط في العالم .. " .
ويضيف التقرير ان القوات المسلحة الغربية وإسرائيل ( اضحت الآن مسنودة من قبل آل سعود بالمملكة العربية السعودية ومن قطر والإمارات والبحرين ) يمكنها ان تلعب دورا اساسيا لمواجهة اخطار عدة تهدد المنطقة ، ويقترح تحديدا : " استعمال القوات البحرية الغربية لحماية الملاحة في مضيق هرمز في حالة نشوب حرب في منطقة الخليج " ، وكذلك الشأن بالنسبة " لحالة الاضطراب الداخلية التي تهدد مصالح الغرب ، ففي مثل هذه الحالة يجب علينا ان نكون مستعدين لحماية اي بلد صديق يطلب منا ذلك " . وهناك ايضا " عدة حالات اخرى قد تبرز فجأة ، وتستدعي انتشارا سريعا لقواتنا المسلحة من اجل حماية منابع النفط بالمنطقة " .
هذه اذن ، تحاليل ونوايا معلنة تكشف بكل وضوح عن الاهداف الاستعمارية والاستعمارية الجديدة التي تسعى اليها الامبريالية الامريكية بالمنطقة العربية وبإيران التي تبدو الآن جد مستعصية عليهم ، بسبب الحرب على العراق وأفغانستان ، وبسبب الجوار الذي يشكل قطبه الاساسي روسيا الاتحادية ، وبسبب الترسانة العسكرية الايرانية القادرة على خلق الرعب المضاد في الطرف الاخر . وتبقى الحلقة الاضعف هنا هي الدول العربية التي تعتمد في حماية حدودها على الغرب غير الموثوق به .
وليس من غريب الصدفة ان نرى الصحافة الامريكية والغربية ، تصف استراتيجية الولايات المتحدة الامريكية الراهنة على انها محاولة " للرجوع الى عهد الخمسينات " و " احياء لعقيدة ايزنهاور الاستعمارية " . وأي تعبير آخر يمكن ان نصف به المخطط الامبريالي في المشرق العربي سوى انه فعلا ، رجوع الى عهد " الحماية " ومحاولة استعمارية من طراز متجدد .واي مثال نسوقه على ذلك ، افضل من التدخل العسكري الصهيوني في لبنان ، تحت المظلة الامريكية وبتزكية منها ، لكل ما ارتكب هناك من اعتداء غاشم ، ومجازر همجية ، وانتهاك لحرمة الاوطان والشعوب . كذلك ان احسن مثال عن المخطط الاستعماري الامريكي الغربي ، غزو العراق وأفغانستان وإبادة شعبيهما ، ثم ضرب ليبيا وتدميرها وقتل مواطنيها بحجة تطبيق الديمقراطية وإنهاء الدكتاتورية وحماية الشعب الليبي التي تعرض للقنابل الامريكية والغربية مرارا عبر التاريخ . والسؤال لماذا يدمر العالم العربي ويخرب من دون الدولة الصهيونية والدول الاوربية ؟
إلا ان هذا المخطط لا يقتصر على المشرق العربي ، بل انه يندرج ضمن الاستراتيجية العدوانية الامبريالية الامريكية الشاملة ، كما نشاهد تطبيقاتها سواء في افريقيا ، من خلال المحاولات المتكررة لقلب الانظمة الوطنية المعادية ، وتقديم الدعم المرحلي للأنظمة التي ترتمي في المخططات المملاة من قبل واشنطن والعواصم الاوربية ضمن حماية ( العالم الحر ) ، او امريكا اللاتينية ، حيث التحالف المكشوف مع الانظمة الدكتاتورية والبوليسية ضد الانظمة المتصادمة مثل بوليفيا وفنزويلا ، والتهديد بالتدخل المباشر والعنيف في شؤون الشعوب ، ومحاولة خنق النظام في كوبا وفنزويلا كما حدث سابقا مع الشيلي و نيكاراغوا ، او في بقية اطراف الوطن العربي التي تريدها الامبريالية كلها محطات وقواعد لخدمة وحماية مصالحها ( مصر مبارك ومرسي ، السعودية وقطر ، الصومال وتونس وليبيا ... ) .
هكذا يتجلى ان العنف والتدخل العسكري اتجاه بارز في الاستراتيجية الامبريالية الامريكية الراهنة ، قوامه مواجهة طموحات الشعوب بالقوة ، تماما كما الشأن بالنسبة لعهود الحماية والاستعمار ... ولا غرابة في ذلك ، فأي مخرج للرأسمال العالمي لتأجيل تناقضاته المميتة التي تنخره اليوم من الداخل ( ازمة الاورو والدولار ) ، وتدفع به الى الاندحار النهائي ، سوى اللجوء الى اساليب الاستعمار والاحتكار ، واستلاب الاوطان والشعوب ، والضغط عليها بشتى الاساليب سعيا وراء اطالة عمره ، والتنفيس عن تناقضاته .
إلا ان الامبريالية ومنظريها ، وهم يسلكون هذا السلوك ، يتعامون في الحقيقة عن التبدل الملموس الحاصل في ميزان القوى لصالح الشعوب المناضلة من اجل تحررها و انعتاقها ، والذي يحكم على المغامرات الاستعمارية والاستعمارية الجديدة بالفشل الذريع ان آجلا ام عاجلا ، ويحول دون رجوع عجلة التاريخ الى الوراء .
وذلك هو المغزى الاساسي للدروس السابقة التي تلقّنتها الامبريالية – دونما استفادة – على يد الشعوب ، سواء بالنسبة لمرحلة كفاح هذه الاخيرة البطولي من اجل انهاء سيطرة الاستعمار المباشر ، او في مرحلة تحطيم صنائعه ومخلفاته في كل من فيتنام وانغولا ونيكاراغوا وإيران والعراق وأفغانستان ... وهو نفس المغزى الذي سوف تتضمنه ولا شك ، الدروس اللاحقة في زمن تتكتل في قوى العدل والسلام ، لتحرير الانسانية من عدوها الاساسي في عصرنا اراهن : الرأسمال الاحتكاري الامبريالي الذي تقوده الولايات المتحدة الامريكية وحلفائها من الدول الاوربية التي تحن الى الماضي الاستعماري البائد .



#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)       Oujjani_Said#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البنك العالمي للانشاء والتعمير في خدمة الادارة الامريكية
- ( الدولة اليهودية ) ومفهوم الحدود الآمنة
- حركة التحرر العربية : ازمة عارضة او بنيوية ؟ الربيع ( العربي ...
- الصهيونية العالمية والنازية وجهان للصهيونية الاخوانية
- ميكانيزمات التحكم في القرار السياسي بالبلاد العربية
- في بناء الحزب العمالي الثوري (منظمة الى الامام) ( وجهة نظر )
- الطائفية الورم الخبيث بالوطن العربي
- ازمة منظمة ( التحرير ) الفلسطينية -- دراسة تحليلية ونقدية لم ...
- البومديانية وتجربة التنمية الجزائرية المعاقة
- المثقفون والصراع ( الطبقي )
- (الايديولوجية العربية المعاصرة )
- انقلابيو فتح وراء مقتل ياسر عرفات
- انصاف الحلول : الارث الاتحادي الراديكالي ( 5/5)
- انصاف الحلول : الارث الاتحادي الراديكالي ( 4/5 )
- انصاف الحلول : المؤتمر الاستثنائي ( 3/5 )
- انصاف الحلول 2/5
- انصاف الحلول 1 / 5
- يونيو شهر النكبات والنكسات المصرية
- الانتظاريون ليسوا بمرجئة
- ملف - المتغيرات في تركيبة الطبقة العاملة ودورها ،والعلاقات م ...


المزيد.....




- غانتس يعلن أن إسرائيل لم تتلق ردا عن موافقة حماس على الصفقة ...
- باكستان تتعرض في أبريل لأعلى منسوب أمطار موسمية منذ عام 1961 ...
- شاهد: دمار مروع يلحق بقرية أوكرانية بعد أسابيع من الغارات ال ...
- خطة ألمانية مبتكرة لتمويل مشاريع الهيدروجين الأخضر!
- بوندسليغا: بايرن يتعثر أمام شتوتغارت ودورتموند يضرب بقوة
- الداخلية الألمانية تحذر من هجوم خطير
- روسيا.. 100 متطوع يشاركون في اختبارات دواء العلاج الجيني للس ...
- ملك المغرب يدعو إلى اليقظة والحزم في مواجهة إحراق نسخ من الق ...
- تأهب مصري.. الدفع بهدنة في غزة رغم تمسك إسرائيل باجتياح رفح ...
- تونس.. وزارة الداخلية تخلي مقر المركب الشبابي بالمرسى بعد ال ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - اتجاه العنف في الاستراتيجية الامبريالية الامريكية