أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد موسى - أرصفة الشعر والجنون














المزيد.....

أرصفة الشعر والجنون


سعد محمد موسى

الحوار المتمدن-العدد: 3622 - 2012 / 1 / 29 - 17:56
المحور: الادب والفن
    


أرصفة الشعر والجنون
سعد محمد موسى
في هذا المساء الجميل كان حذائي الكسول يتثائب فوق سرير الرصيف، حين توقفت خطواتي قرب نصبٍ للشاعر
الاسترالي ( أدريان راولينز)،
شاعر العبث والتسكع والفضاءات، درويش الارصفة في شارع (برانزويك) في مدينة ملبورن الاسترالية.
كان إدريان يرسم خرائط الضياع على الارصفة ويغني أمام بوابات الحانات ويهذي
بالشعر مدمدماً مع ظله الراقص ، بموسيقى "الجاز والبلوز" وهو يبحث عن أسرارالغابات وأحلام الابورجنيز وسواحل الجزر الوحشية النائية.
كانت ليلة أدريان الآخيرة والتي أمضاها بين حواريه الصعاليك في حانات "فتزروي" بعدما ودع ظله الذي عشق الليل والمدينة ووصايا البوهيميّن كقمرٍ أدمن على "هروين الليل"

ليلتحق الى حانة أخرى في الآقاصي البعيدة حيث كان أصدقاؤه الصعاليك بإنتظاره وليلتحق معهم أيضاَ عراب الارصفة المتوّج بأخر أسمال الملك الآشوري جان دمو.

غادر جان دمو ضفاف بغداد النازفة وبرح آخر حانةٍ في شارع أبو نؤاس مع قوافل الخيبات الاخيرة الى أرصفة عمان بعد أن ترك وجدانه في غرين ضفاف دجلة, ونقش بذاكرته على جمار نخلة غادرتها أعثاقها.
لطالما سخر جان دمو من السلطة والمرابد وبصق على موائد الفتات والتهافت الشعري في بغداد .

وبعد أن غادر ثكنات الرعب والمقاهي التي يترصدها المخبرون السريوّن في الشرق الاوسط... حطّ هذا المطارد الابديّ رحاله في جزيرة مسترخية عمدتها الغابات والسواحل تدعى "استراليا".
حينها بدأت رحلات دمو مع فراديس الخمر وأرصفة أكثر أماناً من أمكنة الشرق، وتسكع الشاعر بسلام في حدائق وفضاءات ملبورن وسدني دون رعب المفارز البوليسية والسيطرات العسكرية التي كانت تعترض خطواته
تعاطى "دمو" الارصفة التي تنام في أحضان القصائد وأدمن التسكع والترنح حتى أخر تراتيله التي أباحها فوق آخر أرصفة "مدينة سدني".
وذات ليلة حين شعر دمو بقساوة الاغتراب دثرّ عراب الارصفة والتسكع وجهه المتعب، بين أثداء الاسترالية الشقراء "ليندا".
وحين خذله الشبق، نام كطفلٍ يحلم بانهارٍ الحليب وأراجيح الصباح، وحلم بأن ظل الله كان يستلقي بين المطر والحقيقة.
• جان دمو وأدريان إبتعدا عن إثم الانجاب، حيث أوقفا جريمة التناسل، وكانت فكرة حضور الاطفال على هذه الارض تمثل لهم خطيئة قبيحة..حين يكون الاطفال هم ضحايا لرغبات جنسية مابين الرجل والمرأة فأرادا أن يوقفوا هذا النزيف وهذا العذاب الوجودي بعدم إنجابهما لعذابات أخرى فوق هذه الارض، فأكتفيا بمشاهدة ظلال أجسادهما وعذاباتهم الآبدية على أرصفة عارية وأحلام مؤجلة.
• عادة ماتكون أسمال دمو معبأة بزجاجات النبيذ والتبغ كدرويشٍ مدمن على تعاويذه وتهويماته .
• وكان يفترش العشب والمحطات ويدلق نبيذه الاحمر القاني كدم المسيح فوق طاولةعشائه الاخير،كان دمو يحمل روحه وجراحات الوطن المنفيّ بين اسماله وارتحالاته وترنحاته التي تحط كعصفورٍ متعب تمنح الرصيف والخطوات توازن أخر.



مات جان دمو وحيداً وبعيداً ومنسياً مثل (أبي ذر الغفاري).
تخلى الجميع عن إبداء معرفتهم بملامح الجثة وطمروا رؤوسهم في الرمل كالنعام تجنباً من أن يضطروا للمشاركة في دفع مراسيم العزاء أو جباية دفن الموتى في إحدى مقابر سدني.
• دفن الشاعر بشكل أفقي كموت الاشجار، وكأن هنالك لم يكن متسعاً في هذه الارض لامتداد جسد جان دمو النحيل... فكم انت جشعة وقبيحة ياأرض المقابر حين ترفضين إستقبال جسد متعب أراد أن ياخذ قيلولة قبل ذهابه الى أرصفة الله الاخرى.
حتى في دفن الموتى كان هنالك تفاضل حين رفضت أرض المقبرة ان يستلقي بجسده أفقياً، مثلما تستلقي الجثث الاخرى فوق أسرتها الترابية فمات الشاعر صامتاً كالزجاج وبارداً كالظل وحزيناً كسرير يتيم.
ملبورن
يناير 2012



#سعد_محمد_موسى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وداعاً أيها الكلب النبيل
- حكايات الماء والضفاف
- مرجان وفضّة عذابات القفص.. والدم المسفوك على ضفاف الفجيعة
- أساطير التراب والفضاء
- أساطير التراب
- عربات وذاكرة
- الابحار نحو فضاءات الخلاص
- نذور لعودة الغائب
- البحث عن الماء
- احتراق الخطى مابين الرمال والمدن
- النزوج بعيداً
- اغتيال الجسر الاخير
- مزامير الشمس وينابيع الياسمين
- تراتيل تحت نصب الحريه
- مابين نايّ تومان.. وعازف ساكسفون سوهو
- رأس ومنفى وقمر
- الحلم العاري يغادر الخيمة
- مابين وشاية القمر.... وعبور الحدود
- الله والمطر
- التوحد في حضرة النخلة


المزيد.....




- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد موسى - أرصفة الشعر والجنون