أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - قاسم حول: -المغني- فيلم متميز في مضمونه وشكله وقيمه الجمالية















المزيد.....


قاسم حول: -المغني- فيلم متميز في مضمونه وشكله وقيمه الجمالية


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 3434 - 2011 / 7 / 22 - 10:49
المحور: الادب والفن
    


ترسّخ اسم المخرج قاسم حول في المشهد السينمائي العراقي بعد إخراجه لفيلمه الوثائقي "الأهوار" الذي لاقى صدىً طيباً لدى النقاد والمتلقين على حد سواء، وحينما أنجز فيلم "بيوت في ذلك الزقاق" ترسّخت سمعته الفنية في مضمار الفيلم الروائي أيضاً، ثم توالت أفلامه الوثائقية والروائية حتى تجاوز رصيده العشرين فيلماً. يعتبر قاسم أحد مؤسسي تيار السينما العربية البديلة الذي تأسس في دمشق عام 1970 وأحد مؤسسي اتحاد السينمائيين التسجيليين العرب. شارك حَوَل في لجان التحكيم في عدد من المهرجانات العربية والعالمية من بينها مهرجان موسكو عام 1983، ومهرجان روتردام للفيلم العربي عام 2000، ومهرجان السينما العربية في باريس، كما رأس لجنة التحكيم في مهرجان أتيودا في كراكوف في بولونيا عام 2003. نالت أفلامه العديد من الجوائز من بينها جائزة ذهبية وجائزتين فضيتين. اشترك قاسم حول بفيلمه الروائي الأخير "المغني" في مهرجاني دبي والخليج السينمائيين، لكن فيلمه لم يحصد أية جائزة في المهرجانين المذكورين الأمر الذي جعله يشعر بالغبن حتماً، وحينما اشترك في مهرجان الرباط الدولي لسينما المؤلف نال الفيلم جائزة أحسن ممثل كما حصل الفيلم على تنويه خاص من لجنة التحكيم التي أعربت عن إعجابها بفيلمه الجميل الذي كان "قاب قوسين أو أدنى" من ذهبية المهرجان. وبغية تسليط الضوء على أهمية فيلم "المغني" وإشكالية تقييمه من الناحيتين الفنية التقيناه وكان لنا معه هذا الحوار:

الفيلم الجميل
* نال فيلم "المُغنّي" جائزة أفضل ممثل في مهرجان الرباط الدولي لسينما المؤلف في دورته السابعة عشر والتي أُسندت إلى الفنان مجيد عبد الواحد، كما حصل الفيلم على تنويه يشيد بأهمية الفيلم وجماله الفني. يا تُرى، ما سرّ هذا التناقض الذي يتراوح بين التعتيم المُطبق على الفيلم في مهرجاني دبي والخليج وبين الاحتفاء المبهج في مهرجان الرباط؟
- يتمتع مهرجانا دبي والخليج بأهمية بالغة على مستوى التنظيم والهدف النبيل في تحقيق سينما عربية أو خليجية وعالمية جادة، سينما متقدمة شكلاً ومضموناً وذلك نابع من مُؤسسي هذين المهرجانين الذين يتمتعون بمستوى ثقافي وأخلاقي رفيع حقاً متفاعلاً وحبهما الحقيقي للسينما. وهم أي المؤسسون والمنظمون يدخلون القلب بدون استئذان.
قبل أن أشارك في مهرجان دبي ومهرجان الخليج، فأنا وبشكل عام موقفي من عموم المهرجانات العربية يتمثل في عدم قدرتهم وإتنباههم إلى اختيار أعضاء لجان التحكيم. في مهرجان الرباط كان مستوى التحكيم أعلى بكثير صراحة. نصيحتي الأخوية أن لا يسقط منظمو المهرجان في بهرجة الأسماء.
محاكمة الأفلام السينمائية تحتاج إلى وعي شديد وثقافة نادرة ومتميزة، وكثير من وجهة نظري الشخصية من العاملين في السينما العربية لا يرتقون إلى المستوى الإبداعي الذي يؤهلهم لرئاسة أو عضوية لجان تحكيم سينمائية، والدليل هو ضعف الفيلم العربي وعدم تمتعه بالقياسية الفكرية والفنية الجمالية. هناك بعض الأسماء التي أخذت مكانها في السينما "عربيا" بدوافع غير إبداعية، ولذلك فإن العوامل الانطباعية المتدنية في فهم قيم السينما وجمالها تحكم مواقف هذا أو ذاك من العاملين في الوسط السينمائي ولا أقول السينمائيين، يضاف إليها عامل الحسد والغيرة الطفوليتين.
دعني أقيّم أنا أولاً فيلم "المُغني" وهو فيلمي وشهادتي ليست مجروحة كما يقال لأنني أعرف السينما حقاً وأفهم البناء السينمائي والتشكيل والحوار وتقنيات السينما التي تخرجت منها في كل تفاصيلها مذ كان اللون يتشكل بالفلاتر البلاستيكية مروراً بأحواض المخابر وصولاً إلى المونتاج. كما وإنني كاتب قصة ورواية وكاتب مسرح ودرست المسرح وأنا ممثل بطريقة علمية مثلت في الإذاعة والتلفزة، ومثلت في المسرح وفي السينما وكتبت عن السينما نقداً ودراسات ومؤلفات. عندما أنهي فيلمي السينمائي أخرج منه وأتحول إلى مشاهد حقيقي يتسم بوعي التلقي وأحاكم أفلامي بدون أنحياز. أعرف خلل أفلامي قبل أن أعرف ميزاتها. لا أنحاز ولا أدعي ولا أدافع عن الخلل، وأعرف لماذا هذا الخلل أو ذاك، لذلك ومن منطلق الموضوعية فعندي فيلم أنتجته وأخرجته قبل عشرين عاماً من تاريخ هذه المقابلة الصحفية، وفيه مشاهد سينمائية ساحرة، لكنني لم أعرض هذا الفيلم حتى الآن وأريد يوماً أن أعيد صياغته لأنني غير مقتنع بطبيعة البناء التي سرت عليها. كلفة هذا الفيلم قرابة نصف مليون دولاراً لا يزال مركوناً في أدراج مكتبتي السينمائية، وسوف أظهره يوماً ربما ليس ببعيد. هنا تأتي قراءتي الموضوعية لأفلامي. الفيلم العربي في أغلبه سوى استثناءات نادرة هو فيلم إذاعي تقريري. "ذهب وصل جاء احتسى القهوة أحب أخطأ ندم تزوج فشل ندم ذهب إلى ساحل البحر عاد تناول خمراً بكى.. ثم ترسم على الشاشة كلمة النهاية" كلام فائض كثير لا علاقة له بالبناء ولا بالفكرة، ممثلون جاهزون تراهم كما هم فقط في كل فيلم بملابس مختلفة، لا توجد دراسة للشخصيات، لا يوجد حس موسيقي، لا يوجد بناء. الحوار لا علاقة له لا بالبناء ولا بطبيعة الشخصيات. النكات محشورة لإضحاك المشاهد العربي فهي سينما لجمهور ساذج من الجمهور العربي. الموسيقى في الفيلم العربي ليست سوى ملء فراغ.
عندما أتيحت لي فرصة عمل فيلم "المغني" لم أتمكن أنا من تحقيق بعض المشاهد كما رسمتها، لأن ظروف الإنتاج والتصوير السينمائي في العراق غير نظامية وقاسية سيما لموضوع مثل المغني عن حياة دكتاتور غبي وعلاقته بمغن يحيي حفل ذكرى ميلاده " الكومبارس ومتطلبات حفل باذخ ومشروبات كحولية وبذخ طعام وملابس نسائية ورجالية تليق بالمدعويين والسفراء. لا المواد متوفرة ولا المال متوفر. كان علي أن أعيد تصميم المشاهد على وفق متطلبات المكان وأجري تغييرات لأضفاء قناعة ضمن المتوفر، وأظن وهذا ما لمسته بعد عرض الفيلم بأنني نجحت بقدر كبير لتحقيق أجواء الرعب والكوميديا المرة داخل قصر الدكتاتور.
وهذه الظروف، المشاهد ليس مسؤولاً عنها ولا يريد أن يعرفها. وهذا المشاهد يحاكم الفيلم كما هو على الشاشة.
فيلم "المغني" وأستطيع القول بأنه فيلم متميز في مضمونه وشكله وقيمه الجمالية، مبني بناء محكماً، حواره مكتوب بطريقة مختلفة تماماً عن صيغ حوار الفيلم العربي. حوار خال من الثرثرة أنيق مفهوم ومعبِّر عن مضمون المشهد وطبيعة الشخصية المتحدثة ومستواها الاجتماعي والثقافي. الموسيقى موضوعة في مكانها والموسيقار والمغني بشار البصري مبدع وموهوب وأنا ممتن منه وسعيد بإبداعه.
عندما عرض فيلم "المغني" في دبي في مهرجاني دبي والخليج تفاعل الجمهور مع الفيلم كثيراً بشكل إيجابي لكن اثنين من عشاق الدكتاتور صدام حسين سرقا النقاش لتحويله إلى نقاش سياسي وليس سينمائياً ونجحا في ذلك في العرض الأول. البعض يتعامل مع الفيلم حسب موقفه من الدكتاتور، ومع إنني إستفدت من غباء الدكتاتور العراقي في بناء شخصية الدكتاتور في السينما وفي فيلم "المغني" لكنني لم أكن أريد تصفية حسابات شخصية مع دكتاتور معين فهذه ليست مهمة الثقافة والثقافة السينمائية.
جمهور المغرب العربي وبسبب غياب الإعلام الحر والموضوعي كان ينظر للدكتاتور العراقي كبطل قومي، وقد بذخ هو المال العراقي في ساحات الدول المغاربية في التعليم والصحافة والإعلام، لذلك من الصعب أن تقنع حتى سائق التاكسي في تونس أو الجزائر أو ليبيا أو المغرب أن الدكتاتور العراقي هو أهوج وغير وطني وسخيف .. قد يبادر إلى ضربك أو إنزالك من سيارته. وعندما عرض فيلم "المغني" وهو عن دكتاتور عربي، ولأن الفيلم مصور في العراق، كنت أتوقع أن تهب صالة السينما في مجابهتي وتوجيه الإتهامات لي. لكن الصالة هبت بالتصفيق والوقوف وجلسوا يحاورون وأشعر بالإحراج أن أعيد كلمات الأطراء التي قدمت لي، ولم يذكر أحد منهم عن علاقة دكتاتور الفيلم بدكتاتور العراق فتأكد لي نجاحي أني تمكنت من تحقيق فكرة الدكتاتورية ولم أسقط في تصفية الحسابات الشخصية. كان الفيلم حديث المهرجان اليومي وبامتياز. لم أحصد الذهبية التي كانت متوقعة ليس مني فقط بل من كل المشاركين في المهرجان، لكنني لم أشعر بوجود مؤامرة ضد الفيلم من قبل لجنة التحكيم ولم أشعر بأن ثمة حسد أو غيره ساذجة لأن المحكمين كانوا سينمائيين حقيقيين. حاز فيلم "سارق الضوء" على الذهبية وحصل على أصوات أكثر من فيلمي "المغني"، الذي حصل على تنويه بجائزة خاصة من لجنة التحكيم ووصف الفيلم في البيان الختامي وحده بـ"الفيلم الجميل" وأنا متأكد بأن الفيلم سينصف وهو لما يزل في أول طرق المنافسة. الجائزة حصلت عليها من جمهور واسع في المغرب بشكل غير عادي أبداً.
أذكر هنا شيئاً عن الأفلام وأهمية قراءتها بتأن من قبل لجان التحكيم، فأشير إلى فيلم "الباحات السبع" للمخرج التركي – سوري الأصل "سمير أسلانيورك" فإنه فيلم جميل حقاً وفيه ممثلون مبدعون، وفكرته ساحرة وتصويره ممتاز وهو يحتوي كل مواصفات الفيلم الناجح. لم يحصل ولا على جائزة واحدة. دائما ثمة مفاجآت لا تفهم أسبابها أحياناً.

فكرة العسف
*هل يعتقد المخرج قاسم حول أن شخصية الدكتاتور الافتراضية في فيلم "المغني" هي التي أفضت إلى الارتباك في فهمها من قبل بعض النقاد والشخصيات السينمائية التي قرأت الفيلم من زاوية واحدة، ولم تعِر إهتماماً للبنية المركّبة للفيلم بصورة عامة؟

- نعم قد يحصل مثل هذا التصور وهو تصور ساذج فالفيلم ينبغي محاكمته سينمائياً وفكرياً، وفكرة الدكتاتور في فيلم "المغني" يمكن إسقاطها على أي دكتاتور في أية حقبة وفي أي مكان، فهو ليس فيلما بيوغرافياً ولا تسجيلياً. هي فكرة العسف الذي قال عنها إبن خلدون في مقدمته "العسف يفسد النوع ويؤدي إلى تهديم بنية المجتمع". الفيلم واضح الرؤية تماماً في تجسيد فكرة العسف ورعونة الدكتاتورية وتصرفاتها الغرائبية. أعتقد أن فيلم "المغني" هو الفيلم العربي النادر الذي يفهم عالمياً ولا يخلق أي لبس لدى تلقيه، لأنه يعتمد القياسية في العمل السينمائي كتابة وإخراجاً. أقول هذا وهذا لا يعني الحلم فهو بعيد جداً لا يزال بعيداً عن حلمي في تحقيق الفيلم الذي أطلق عليه الفيلم السمفوني الذي لا يقبل النشاز.

الممثلة التي سلبت الألباب
* تناهى إلى سمعنا أن الفنانة كاترين الخطيب كانت على وشك الحصول على جائزة أفضل ممثلة في المهرجان ذاته، ما الذي حالَ دون ذلك على الرغم من أن "المُغني" قد حاز جائزة أفضل ممثل إضافة إلى التنويه المُشار إليه سلفاً؟

- نعم وكاترين الخطيب هي ليست ممثلة وهذه تجربتها الأولى، لكنها تجاوزت كل ممثلات الشاشة العربية في السينما والتلفزة. وقد أدهشت الجمهور مثل ما أدهشت لجنة التحكيم في قدرة أدائها. يندر في تصوري كمخرج أن ترتقي ممثلة عربية إلى قدرات كاترين الخطيب وكانت مرشحة لجائزة أفضل ممثلة، لكن لجنة التحكيم إستكثرت أن تكون جوائز المهرجان في أغلبها للمغني، وهذا ليس صحيحاً، لأن كاترين الخطيب في الفيلم سلبت الألباب. لقد عرفت ذلك بعد نهاية المهرجان أنها كانت مرشحة لجائزة أفضل ممثلة، وكان لها الحق في ذلك. أظن أن كاترين الخطيب لو عرفت نفسها جيداً فانها سوف تتألق.

مصادر الدعم
* حصلتَ على أكثر من دعوة بعد عرض فيلم "المُغنّي" في مهرجان الرباط لسينما المؤلف، هل تعتبر هذه الدعوات اعترافاً صريحاً بنجاح الفيلم من الناحية الفنية، وتعزيزاً لتجربتك السينمائية الطويلة التي إنطلقت من فيلمك ذائع الصيت "الأهوار" إلى فيلم "المُغنّي" مدارَ حوارنا الحالي، وما بينهما من أفلام روائية ووثائقية عديدة؟

-نعم تلقيت دعوات كثيرة من مهرجانات عالمية وعربية للمشاركة في فيلم "المغني"، مع أن الفيلم تنتظره خطوات جديدة فالصوت لم يجسد بعد وفق نظام "الدولبي" وثمة مؤثرات بصرية لا تزال تحتاج إلى جهد والفيلم لم يتحول بعد إلى سليلود 35 ملمتراً بسبب الظروف الاقتصادية للشركة المنتجة. وهنا لا بد من الحديث بأن نظام دعم الأفلام أوروبياً يشبه الهدية المسمومة أحياناً، فالدعم لا يغطي الكلفة الإنتاجية وعلى المخرج أن يبحث عن مصادر دعم فيقضي حياته شحاذاً سينمائياً بإمتياز. شروط الدعم قاسية سيما الجانب غير المعلن منها .. وهو الجانب الفكري والإيديولوجي، ذلك يذكرني بمقولة قرأتها في إسطورة سيزيف "آه يا روحي العظيمة لا تطمحي إلى الخلود ولكن إستنفذي حدود الممكن"!

مسؤولية ثقافية
*اشتركتَ في العديد من لجان التحكيم في مهرجانات عربية وعالمية، ما الأسس والمعايير التي يعتمدها المخرج قاسم حول في تقيَّيمه للأفلام المتبارية على الجوائز، خصوصاً وأنك تجمع بين الإخراج وكتابة السيناريو ومزاولة النقد السينمائي في آنٍ معاً؟

-نعم شاركت عضواً في لجان تحكيم وترأست مرتين لجنتي تحكيم. دعني أقول لك ماذا يحصل في لجنة التحكيم وماذا أفعل أنا عندما أكون رئيساً. ثمة أمر غريب في لجان التحكيم، فلجنة التحكيم عند مشاهدتها للأفلام تعمل ما يشبه الدردشة وأحياناً في لقاء غداء أو عشاء. لا أحد يكتب لا أحد يقوم بالتقييم العلمي والموضوعي لا وثائق تشكل مرجعاً، لا رأي للجمهور.
في المهرجانات الدولية الكبرى أكيد الوضع مختلف وثمة عامل سياسي وإيديولوجي يلعب دوره دائماً. الصهيونية وما يسمى بالعنصرية ومشاعر الشخصية اليهودية ماثلة دائماً في المهرجانات الكبرى. المخرج الذي ينصف فلسطين في حياته هو مخرج غير مرغوب في أفلامه. المخرج المنحاز لليهود والذي يدين ممارسات النازية دائماً له مكانة مرموقة في المهرجانات الدولية ذلك بسبب هيمنة الحركة الصهيونية على وسائل الإعلام والثقافة في العالم منذ مؤتمر بال 1897 وحتى الوقت الحاضر. الأوسكارات مثلاً محجوزة باستمرار للفنانين اليهود وأصدقائهم مسبقاً، ولكن .. دعني أوضح لك بعض الأمور. اليهود لا شك وأنصارهم يتمتعون بقسط كبير من الذكاء فهم عندما ينحازون من خلال هيمنتهم على وسائل الثقافة والإعلام للفنانين من اليهود أو من أصدقائهم فإن شرط الإبداع يبقى قائماً إلى جانب الإنحياز، ولكن الانحياز موجود لا يخرج من النظام غير المدون للمهرجانات، أما المهرجانات غير الدولية المعروفة فإن عوامل كثيرة غير موضوعية تلعب دورها وهي رهينة مستوى لجان التحكيم. وما يؤسف له أن المسئولين عن تلك المهرجانات لا يعتمدون مواصفات عالية المستوى في إختيارهم لجان التحكيم. ينظرون إلى الأسماء المتداولة والمتكررة ويختارون منها رئيساً أو أعضاء في لجان التحكيم تلك. وهذا ينسف كل ما يبنيه المهرجان من قيم وما يريده من الأهداف في إقامة المهرجان السينمائي.
عندما أتيحت لي فرصة رئاسة لجنة تحكيم في مهرجان أتيودا السينمائي في كراكوف ببولندا مثلا، التقيت لجنة التحكيم وكلهم من بلدان أوروبا ووضعنا الأسس التي بموجبها تتم محاكمة الأفلام، وكان شرطي الأول أن نشاهد الأفلام في صالة السينما مع الجمهور وأن نعقد اجتماعاً أولياً مدوناً في كل ليلة بعد إنتهاء عروض الأفلام. ووضعت جداول بالأفلام وموقف كل عضو لجنة تحكيم في درجة معينة يضعها للفيلم آخذاً بنظر الإعتبار الجانب الفكري والجانب الفني والجانب التقني. وضعت لنا طاولات صغيرة بأضوية خافتة على دفاتر الملاحظات داخل صالة العرض. وكنا نلمس ردود فعل الجمهور على كل فيلم ونسجل انطباعنا بصددها. كان المهرجان خاصاً بتجارب أكاديميات السينما في العالم وهي تجارب سينمائية تخضع لإشراف أساتذة وسينمائيين كبار الذين حضروا المهرجان. وعلى ضوء الجداول والدرجات قمنا بتصفية الأفلام ومستواها. والفيلم الذي أجد فيه تفاوتاً في التقييم أطلب عرضه ثانية وأحيانا ثالثة لنشاهده وحدنا والتوصل إلى موقف بشأنه. فجاءت النتائج عادلة والتقييم موضوعياً وفيه جهد كبير، لأن ترأس لجنة التحكيم أو الحصول على عضوية هذه اللجنة أو تلك هي مسؤولية ثقافية وأخلاقية لا يجوز اللعب فيها، فإذا لم يدرك المؤسسون للمهرجانات العربية هذه الحقيقة فإنهم يهدمون كل ما يستهدفونه من البناء لصالح السينما في المهرجان.

كتابة انطباعية
*أتعتقد أن "نظرية المؤامرة" لا تزال تستوطن أذهان بعض السينمائيين والنقاد العرب الذين يتسمون بالمحاباة ولا ينتصفون للقيمة الفنية للأفلام المتنافسة في المهرجانات العربية، وما السبيل للخلاص من هذا المرض العُضال؟

-أولا، كلمة "نقد" هي كلمة كبيرة جداً وتعني النظرة النقدية التقييمية بشقيها الإيجابي والسلبي، والناقد الذي لا يعتمد المنهج الأكاديمي ولا يملك القدرة المعرفية يصعب عليه تقييم العمل الإبداعي، وهو بالتالي ليس ناقداً ولا يستحق أن يحمل هذا الإسم. ومثل هؤلاء كثر في الوطن العربي. كثيرون منهم انطباعيو الموقف. يرى الفيلم يحبه أو لا يحبه انطباعياً بما يتساوى وححم المعرفة وحجم القيم الجمالية التي تكون شخصيته. لم أقرأ بحثاً نقدياً سواء كان البحث مسهباً أو حتى نقداً صحفياً بحجم عمود صحيفة كما يحصل في الغرب، لم أقرأ لناقد عربي ينطلق من منهج علمي ومعرفي. الناقد يطلق أحكاماً ومواصفات عن الفيلم ليس غير وقد يعكر منامات المخرج. نحتاج إلى زمن حتى يتبلور المنهج النقدي. أعطني ناقداً سينمائياً واحداً يدرك معنى بناء الفيلم والأسس العلمية التي يبنى فيها الفيلم. أعطني ناقداً واحداً يدرك معنى التوليف في السينما. أعطني ناقداً عربياً واحداً يدرك طرائق استخدام الموسيقى في السينما ومدى جدلية هذه الموسيقى مع طبيعة المشاهد.
الناقد والناقد السينمائي شيء نادر. هؤلاء الذين يكتبون عن الأفلام صراحة مقالاتهم عندي لا تندرج تحت مفهوم النقد .. هي كتابة صحفية انطباعية عن الأفلام ليس غير، وهي تخضع للمزاج والذوق والحس ولا تبنى على أسس منهجية.
السينما فن متكامل في الإنتاج والتلقي. وعي التلقي يشكل جانباً هاماً في العملية الإبداعية، نحن متأخرون في العمل السينمائي، وسائل إنتاجنا غير نظامية. أوضاعنا السياسية وحريات التعبير مرتبكة وظالمة، الفنان مهدد، النظم الإيديولوجية أما شمولية أو دينية سلفية وكل ذلك يتقاطع مع العملية الإبداعية.

سفينة نوح
*ماذا بعد المغني؟!
- أكتب في سيناريو جديد لفيلم جديد أتمنى أن أكمله كتابة أولاً كما ينبغي ثم أبحث عن وسائل تحقيقه، أعمل بهدوء وبإسترخاء، وفي أوقات الفراغ وحيثما تتوفر إمكانية مادية أقوم بترميم أفلامي السابقة وتصحيح أخطائها لأرشفتها من جديد.
نحن وبسبب الإحتلال الأمريكي للعراق وبسبب الاحتلال الإيديولوجي السلفي للعراق المتناغم مع طبيعة الإحتلال السياسي والإقتصادي نعيش مرحلة صعبة. لا توجد لدينا مكتبة إرشيفية ولا مكتبة سينمائية. صالات السينما مهدمة في العراق والفكر الحر والمتقدم مهدم والفنان مهدد بالتصفيات الجسدية والسيد الرئيس في البيت الأبيض يبارك الديمقراطية في العراق.
سوف أكمل سيناريو فيلمي الجديد .. ولا أدري أين أصور ذلك الفيلم لو تنامت الفوضى الخلاقة وسارت سفينة نوح في خضم أمواج الحياة حيث الطوفان .. من يدري .. سوف ينسانا الغراب وتنبئنا الحمامة عن وجود أرض يمكن أن ننزل فيها من كل زوجين اثنين، ونقيم عليها مهرجاناً سينمائياً جديداً.




#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خالد القشطيني يقرأ بعض حكاياته ويوقّع كتابه الجديد -أيام عرا ...
- الواقعية الجديدة في -زهرة- بارني بلاتس
- -حديث الكمأة- لصبري هاشم أنموذج للرواية الشعرية
- أسرار فرقة الدونمه ودورها في المجتمع التركي الحديث (3-3)
- الدونمه بين اليهودية والإسلام . . . مسوّغات العقيدة المُزدوج ...
- الدونمه بين اليهوديّة والإسلام (1-3)
- (اسأل قلبك) للمخرج التركي يوسف كيرجنلي
- مهرجان بغداد السينمائي الدولي مُلتقى لشاشات العالم
- قبل رحيل الذكريات إلى الأبد (3-3)
- السينما الطلابية في العراق. . محاولة لصياغة مشهد سينمائي مخت ...
- (قبل رحيل الذكريات إلى الأبد) لفلاح حسن ومناف شاكر (1-3)
- -فرقةُ القرّائين اليهود- للدكتور جعفر هادي حسن (الجزء الثاني ...
- -فرقةُ القرّائين اليهود- للدكتور جعفر هادي حسن (الجزء الأول)
- فيلم (كولا) ومضة تنويريّة تسحر المتلقي وتمَّس عاطفته الإنسان ...
- الرحيل من بغداد وهاجس المطاردة الأبديّة
- قراءة نقدية في ستة أفلام روائية ووثائقية وقصيرة في مهرجان ال ...
- فيلم (إيران، الجنوب الغربي) للفرطوسي يرصد أكبر كارثة بيئية و ...
- (وداعاً بابل) لعامر علوان . . الحجر يتكلّم والمدينة تتقمّص د ...
- التغريب والصورة الافتراضية للدكتاتور في فيلم (المُغنّي) لقاس ...
- حيّ الفزّاعات لحسن علي محمود وتعدد القراءات النقدية


المزيد.....




- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - قاسم حول: -المغني- فيلم متميز في مضمونه وشكله وقيمه الجمالية