خالد عبد القادر احمد
الحوار المتمدن-العدد: 3176 - 2010 / 11 / 5 - 18:51
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الجزء الثاني: سعة نطاق المواجهة مع الصهيونية:
لا يجب ان يبدوا في نظر البعض الاستنتاج الذي استعرضه الجزء الاول, على قدر من التناقض, خاصة اؤلئك الذين يرون الامور باستقامة حادة, وان تحليلها يجب ان ينتهي الى استنتاج ذي لون واحد, متناسين ان:
اولا الاستنتاجات دائما احتمالية,
وثانيا انها تعكس في تناقضاتها, تناقضات حركة الجوانب المختلفة للواقع الذي يعالجه التحليل. لكن ذلك لا يخفي ان العام الابرز من مظاهر الواقع يشير عادة الى الاستنتاج الرئيسي,
وللتاكد من سلامة استنتاجنا بهذا الصدد, يمكن الرجوع الى الدراسات الاستراتيجية الاسرائيلية الكثيرة المتوافرة على متصفح النت, والتي تعرض معالجات برنامجية صهيونية للوضع الفلسطيني في سياق التطلعات الاستراتيجية الصهيونية نحو دور عالمي, نرى لها في الواقع مؤشرات تحقق. كما اننا عرضنا بعض مظاهرها ومؤشراتها في الجزء الاول, ولهذا يجب على الصعيد الفلسطيني تحديدا قراءة هذا المقال ليس باعتباره مؤيد او رافض لفكرة الخيار الواحد في نهج المناورة الفلسطيني, اكان المقاومة او التفاوض, ولا يجب ايضا ان ينظر اليه اللقاريء من منظور تاييد الخيار الواحد, اكان التفاوض او المقاومة, بل
اولا من منظور تقرير الواقع كما هو في موضوعيته.
وثانيا من اجل الاستجابة حين يتطلب ذلك تعديل برنامجي في استراتيجية المقاومة الفلسطيني في مختلف المجالات, بما ينتهي الى عرقلة هذا الاتجاه الصهيوني, كاحد متطلبات هزيمة الصهيونية التي تقتضي اولا اضعافها.
ان المشكلة الرئيسية في مواجهة هذا التحدي الصهيوني, في ان علينا ادراك انها لا تتعلق بمناورة استراتيجية فلسطينية منفردة لوحدها, بل في ادراك ووعي الخصوصيةالنوعية والحركة الخاصة المطلوبة من التمثيل السياسي الفلسطيني ان يصيغ مناورته على اساسها, باتجاه الدفع نحو اطار مواجهة اوسع متعدد الاطراف والمناورات وفي وضع تناقض مصالح هذه الاطراف وتفاوت شروطها, وهي حالة لا تعيشها ولا تعاني منها المناورة الصهيونية, التي باتت في العام 2010 تتمتع بدرجة من الاستقلالية وامكانيات النفوذ الجيوسياسي والاقتصادي اكبر مما بدأت به عام 1948م. في حين ان المعسكر الذي يتعرض للهجوم الصهيوني, مضطر الى حركة جماعية لاطراف متعددة متنوعة الظروف والشروط متفاوتة في برامجها ومناوراتها السياسية واستعداداتها التحالفية, الامر الذي يجعل حركتها اثقل وابطأ واقل تنظيما وانسجاما وتناغما من الحركة الفردية الصهيونية المستقلة اثناء المناورة,
ان كون مواجهة الصهيونية ليس مهمة فلسطينية منفردة, وان كان يقع على عاتقه اثقل مهامها وزنا وتكلفة, فان نطاق هذه المواجهة تحدده ذات طبيعة الصهيونية وبرنامجها نفسهما كما يلي
الاول منها يحدده طبيعة الصهيونية ككيان في فكره وماديته رجعي استعماري, يرفض اتجاهات التحرر الوطني والديموقراطي عالميا, وإن فرضت الضرورة عليه التعرج في حركة مناورته, بان تبدو وكانها تساند اتجاه التحرر كما هي نشاطات وتدخلات الصهيونية الان في بعض المواقع مثل كردستان وجنوب السودان وبعض المواقع الاخرى, وهي تعرجات لا تعبر عن مبدئية ثقافية سياسية تحررية, بل تاتي في سياق مناورة ثانوية استثنائية هدفها محاولة اضعاف اطراف من معسكر اعداء الصهيونية لهم حال ووضع الاكثر مباشرة والحاحا, مثل اتجاه اضعاف وحدة العراق والسودان وسوريا وتركيا وايران, وتعقيد مشاكلهم, كما ان نجاحاتها بهذا الصدد لا تعود الى مبدئية في سلوكها بل الى قصور في الحالة الديموقراطية اصلا في هذه المواقع, وفي ان سعتها الجيوسياسية لا تعبر عن احجام قومية اصيلة بل عن احجام قومية توسعت بصورة عدوانية, كمثال حالة التوسع على حساب اقتسام كردستان.
ولو اخذنا الشوفينية القومية التي يقوم عليها سلوك بعض المركزيات السياسية في ادارة الشأن القومي مثل السوري والعراقي والايراني والتركي, وعدم معالجتها القضية الكردية كقضية اثنية في مجتمعاتها بمنحى ديموقراطي مبدئي, يقوم اولا على الاعتراف بحق تقرير المصير السياسي القومي للاكراد مثلا وحقهم في دولة مستقلة خاصة بهم, وثانيا عدم طرحها عليهم خيار الوحدة الديموقراطي كضرورة لتوحيد القوى في مواجهة الاستعمار, عوضا عن استمرارها في قمع مجتمعاتها وانكار حقوقها القومية لوجدنا ان هذا السبب هو الذي يهيء الفرص لاختراقات صهيونية في مثل هذه المواقع بما يتيح للاستعمار والصهيونية العبث بامنها وسلامها الاجتماعي وباوضاعها الداخلية واخذها الى مزيد من حالة الضعف والانهاك. في مقابل وضع التماسك والانسجام والتناغم الصهيوني,
الثاني منها؛ الماهية الاحلالية للبرنامج الصهيوني الخاص بفلسطين والتي تطرح على المجتمع الفلسطيني مهام مركزية وخاصة ومباشرة ومحورية في سياق المواجهة العامة مع الصهيونية. باعتبارهم الاكثر تضررا من نجاح البرنامج الصهيوني
الثالث هو الماهية التوسعية في البرنامج الصهيوني والتي بدورها تنقسم الى مستويين هما
أ) المدى التوسعي الذي يعكسه شعار اسرائيل الكبرى, والذي يعني توسع جيوسياسي عسكري سعته هي سعة الخارطة للدولة اليهودية التاريخية والتي تنطوي على هدف السيطرة على جزء من مصر وكامل سوريا ولبنان والاردن واجزاء من العراق والسعودية
ب) المدى التوسعي الذي يحدث في حال نجاح الصهيونية في التوسع الى نطاق شعار اسرائيل الكبرى والذي بموجبه تصبح مركزا استعماريا عالميا له سوقه ونطاقه العالمي الاوسع, والذي سيكشف بسفور كامل ونهائي الطبيعة العالمية للنهج الرجعي القومي الشوفيني الصهيوني المعادي للتحرر الوطني والديموقراطي للشعوب.
ان هذه الكتابة تحاول تحديد المناورة العامة المطلوبة محليا واقليميا وعالميا, التي يجب ان تعمل على قطع هذا الاتجاه الصهيوني, وفي القلب من ذلك تحديد دور ومهمات المناورة السياسية الفلسطينية, في تاسيس برنامج مواجهة استراتيجي عام, ومن اجل رفع مستوىفاعليتها ومشاركتها في تنفيذها, من وضع وحالة تناغم وانسجام واستقلال لا من وضع وحالة تنافر ووصاية وتبعية كما هو الحال الراهن. لذلك كان علينا البدء من نقطة تحديد ملامح المنحى العدواني التوسعي للهجوم الصهيوني, ومقدار انعكاسه المتباين المستويات على اطراف نطاق واسع من الاحجام القومية التي بات مطلوب منها تبعا لذلك مواجهة التحدي الصهيوني.
ان هذا التحديد لسعة النطاق الذي يشمله الهجوم الصهيوني, والذي يستدعي من هذا النطاق مواجهة هذا الهجوم, لم يكن تحديدا مزاجيا بل هو قراءة للانعكاس الموضوعي في لواقع لطبيعة الصهيونية كحركة , وايضا لقراءة المكون الفكري الثقافي السياسي الصهيوني الذي يرواح بين ادعاء وجود حالة العداء العرقي وجود حالة العداء الديني من قبلها ضد اطراف هم على حدود اسرائيل مباشرة او على بعد الاف الاميال عنها, فاسرائيل هي تجسيد عملي لتفاعل الطبيعة الاستعمارية والمكون الفكري الرجعي في الحركة الصهيونية,
ان الخصوصية العدوانية الاستعمارية التوسعية في الحركة الصهيونية بكل طيفها وشرائحها السياسية, هي انعكاس طبيعي لتكاملها اليميني الذي يحمل العداء ليس لنهج وقوى التقدم عالميا فحسب بل وحتى للاتجاهات الرجعية اليمينية في القوميات الاخرى طالما انها تزاوج بين مقولتي خصوصيةالعرق ووخصوصية الثقافة الروحية وتجعل منها المرشد الاخلاقي الروحي لهذه الحركة حين تحديد موقعها من المجتمع الانساني وهي مرشدها في ادارة علاقاتها بالمجتمعات الاخرى, وتخلو علاقتها بالمجتمعات الاخرى صلة عرقية او ثقافية مشتركة.
ان عنصرية اليمينية الصهيونية هي اعمق بكثير من عنصرية الابادة النازية, والفصل العنصري الاستيطاني الجنوب افريقي, والرجعي الفاشستي الايطالي, بل ويبدو انها التطور الخاص الوراثي الجيني الذي حمل من كل هؤلاء اسوأ صفات. وهو الامر الذي يدل على مقدار الخطأ الذي ارتكبته هيئة الامم المتحدة حين تراجعت عن قرار تصنيف الصهيونية كحركة عنصرية.
#خالد_عبد_القادر_احمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟