أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ريتا عودة - سيمفونية العودة- المشهد الأخير















المزيد.....

سيمفونية العودة- المشهد الأخير


ريتا عودة

الحوار المتمدن-العدد: 3166 - 2010 / 10 / 26 - 10:01
المحور: الادب والفن
    


الطريقُ للحرية، طويلٌ طويل.
ها أنا أطلُّ على المدينة من قمة الجبل، حيث أيدي الراهبات تلوّح لي بالوداع الأخير، وعبراتهن ترافقني كالظلّ مع ابتهالاتهن .
كلّ شيء من هنا يبدو ضئيلا، ضئيلا: الناس، الأشجار، السيارات.
من أقصى أقطاب الشوق ِ، آتيك يا آدم.
من أقسى أشواكِ الفِراقِ، أتحررُ لآتيك أيّها الرجل الحلم الذي يملك " مفتاح الماستر" لأبوابِ قلبي.

*


سألتُ سائق سيارة الأجرة أن يقلّني إلى مركز المدينة. استوقفتنا شارةُ حمراء، فلفت انتباهي طفلٌ يمسك بيد أبيه ويده الثانية تمسك بإحكام بطائرة من ورق، تتمايل في الفضاء الرحب.
فجأة ارتفع صوتُ المذيع في النشرة الإخبارية:



يسود في المحافل الدبلوماسيّة في البلاد، الاعتقاد والقناعة بعدم وجود أدلّة ملموسة تربط آدم بلائحة الاتهام الموجـّهة ضدّه. هذا ما أفادت به إحدى المراقبات العاملات في الإتحاد الأوربيّ، والتي شاركت في العديد من وقائع جلسات محاكم آدم.
اتضح من الشهادات التي تمّ الاستماع إليها، بحضور محامي الدفاع، أنها تفنّد أقوال النيابة، وتؤكد موقف آدم الذي ينفي كافة التهم الأمنية المنسوبة إليه.
إفادات الشهود أمام المحكمة، وفحص الحواسيب الأرضية والنقالة والهواتف من قبل مختصين،
زعزعت ادعاءات مركزيّة في لائحة الاتهام وعمّقت علامات السؤال حول اتهامات محوريّة كانت موجهة ضد آدم، بحيث أنّ إفادات الشهود جاءت لتبطل بشكل قاطع ادّعاءات النيابة والتهم المنسوبة لآدم، كما بيّنت أنَّ النيابة لا تملك أي دليل ملموس قادر على توريط آدم في التهم الموجهة إليه.
أكدّ محامي الدفاع أنّ كلّ هذا جاء ليعزز القناعة بانّ المحاكمة ليست إلا محاكمة سياسيّة.
هذا وسيتواجد في الجلسة الأخيرة للمحكمة، والتي ستعقد في تمام الساعة العاشرة اليوم في محكمة الصلح في حيفا، مراقبتان من الاتحاد الأوربيّ ومندوبة عن السفارة الهولندية في البلاد ، وسيرافق جلسة المحكمة العديد من الشخصيات الشعبية والناشطين في العمل السياسي والاجتماعي، وأعضاء كنيست عرب.

قام المذيع بالاتصال بأحد الشخصيات للتعقيب على الموضوع فقال:



لست خائفا ولكنني قلق .
ما يجري اليوم يؤكد الجملة التي ارددها دائما أمام أولادي وأمام أحفادي وأمام طلابي وأمام أصدقائي وهي : ما زلنا نخوض معركة البقاء !
اثنان وستون عاما وما زلنا نخوض المعركة نفسها .
المؤامرات ما زالت تحاك والأحلام السيئة ما زالت تراود العنصريين.
بناة دولة إسرائيل ومؤسسوها غرسوا فكرة الترانسفير وأورثوها للقادة السياسيين وللقادة العسكريين جيلاً أثر جيل .
نحن سكان البلاد الأصليين ما زلنا شوكة في حلوقهم، وقطعة زجاج في حناجرهم ولن نكون الهنود الحمر .
ما زلنا نعيش التحدي الكبير وأمامنا أيام صعبة وقاسية وشديدة .علمتنا التجربة بل التجارب أن نتحدّى ونصمد و نكتب ملحمة البقاء كما فعل آباؤنا. هذه المعركة لا نقودها وحدنا، فهناك قوى يهودية عقلانية تخوض وإيانا المعركة ضد الفاشية . هذه المعركة سنخوضها في الكنيست ، وفي الجامعات ،وفي أماكن العمل، وفي الشوارع ، وفي الساحات .. وفي كل مكان سنبقى في هذا الوطن الصغير . سنبقى منغرسين فيه ، فترابه يعرفنا و أشجاره تعرفنا وصخوره كذلك . نحن نحبه . ونحن حجارة الوادي . وهل في هذا شك ؟ وهل في هذا عيب..؟! نحن هنا . نحن هنا باقون .. باقون . باقون ..


سألتُ سائق السيارة إن كان يعرف مكان المحكمة التي تمّ ذكرها في النشرة الإخبارية، فأجابني بالإيجاب. هكذا، بدأتْ السيارة تسير بنا إلى المحكمة وقلبي يتدحرجُ ككرة مطاطيّة خارج جسدي والعرق يتفصد من كل خلية من خلاياي، ودماغي يعملُ بنشاط مفرط ولسانُ حالي يقول:
كل إنسان يتعذب في هذه اللحظة في أي مكان هو صديقي...(1)

*


كانت باحة المحكمة فارغة حين وصلت. تأكدتُ أنّ الجلسة ابتدأت. على باب المحكمة سألتني الجندية :
- إلى أين.
لفتَ انتباهي ملصق على زجاج الباب خلفها عليه صورة كلب مع إشارة ممنوع الدخول.
أجبتها باقتضاب:
= محكمة آدم.
طلبتْ منّي وضع جميع حاجياتي في سلة صغيرة مرَّرَتها داخل جهاز أمني ، وأشارت لي أن ألحق بها جانبا. راحت تمرر أناملها فوق جسدي . حينَ حررتني تناولتُ صليبي وأقراطي ومضيتُ إلى قاعة المحكمة.
بحثتُ عن آدم.
داخل قضبان خلية صغيرة كان جالسًا ، يحيط به ثلاثة من الجنود.
تسمرتُ مكاني.
قفز للذاكرة مشهد الفراق المصيري بيننا، حين عصبوا عينيّ وألقوا بي في شاحنة قذفتني بعيدا عن آدم.
قفز للذاكرة كلّ ذلك العذاب الذي عانيتُ وأنا غريبة هائمة في شوارع لا تعرفني، أبحث عن أثر قد يوصلني لآدم.
قفز للذاكرة ذلك الدير الذي آواني وكان الملجأ الآمن لي ولأحلامي الشريدة.
فجأة، التقت العينُ بالعين.
تلاقتْ الروحان في فضاء المحكمة.
رفرف القلبان.
تعانقتْ النظراتُ طويلا إلى أن أشاح آدم وجهه عنّي ليرد على سؤال وجهه له قاضي المحكمة.
أخذتُ أتفحصّ من حولي.
أبصرتُ السيدة حياة وابنتيها . بدت وجوههم مطابقة لما رأيت في الملفات الصوتية في الحاسوب.
كان التوتر بادٍ على ملامح كلّ الوجوه.
غبتُ في دوامة من الذكريات وعيناي تتتبعان كلّ حركة يأتي بها آدم، وهو يلقي عليّ نظرة بين الفترة والأخرى.

*


أعلن القاضي قراره بالسجن المؤبد على آدم.
تجمدّت الدموع في عينيّ.
وقف آدم والأصفادُ في يديه، وهتفَ:
- لا يأس ولا إحباط ولا تراجع عن الصّمود والإصرار والتحدّي والإرادة الحُرَّة.
غابَ صوته خلفَ الباب الذي أ ُغلق بعدما اقتاده جنديان خارج المحكمة.
سارعَ الصحفيون بتسجيل رد فعل حياة، التي وقفتْ شامخة كما شجرة السنديان وهي تقول:

- القرار كان متوقعا على خلفية العنصرية المتفشية في إسرائيل. لكن، السجن ليس نهاية الحياة. لن يحدد لنا أحد معنى حياتنا. وظيفة التاريخ أن يمشي كما نـُملي. قوّة الحياة حاسمة دائمًا وتشدّنا، كذلك النضال من أجل الحرية والتحرر.

*


مضيتُ إليها، وإلى صدري ضممتها. دون أن تنبس إحدانا ببنت شفة، عرفتني.
ها نحن، موجتان متجانستان في بحر حياة صاخب.
آدم، القاسم المشترك بيننا، غائب عن كلتينا، حاضر بكثافة في القلب.
حضنتُ أمل وأحلام، واحدة عن يميني والأخرى عن يساري ورحنا نسيرُ خارج أروقة المحكمة، وحياة تلحق بنا بخطوات ثابتة.

*


أبصرتُ أيدٍ تقرع الخزان بإصرار.
أبصرتُ مثلثًا قاعدته فلسطينيو الـداخل.
أحدُ ضلعيه المتساويين فلسطينيو الشتات والثاني فلسطينيو الضفة.
أبصرتُ أربعَ يرقاتٍ تتخبط داخل شرنقةٍ واحدة، كلّ تتحولُ إلى كائن ٍ آخر، قادر على أن يحدّق في وجه النكبة.
ها الفراشاتُ الأربعة لا تسيرُ على رؤوس اليأس، إنـّما تنطلقُ حُرَّة ً في الفضاء الرّحب .

*


ليس الآتي أشبه بالماضي من القطرة بالقطرة، كما قال ابن خلدون.

*



حين لمحتنا العيون المحتشدة في ساحة المحكمة، والتي كانت ترفع الشعار ذاته:

"تستطيعُ العيش معي، يا ابن عمي ، لكن لا تستطيع العيش مكاني". (2)

ارتفع صوتٌ واحدٌ كما الرّعدِ من كل الحناجر:


كأننا عشرون مستحيل
في اللد والرملة والجليل
هنا ..
على صدوركم باقون كالجدار
وفي حلوقكم
كقطعة الزجاج
كالصبار
وفي عيونكم
زوبعة من نار
هنا ..
على صدوركم باقون كالجدار
ننظف الصّحونَ في الحانات
ونملأ الكؤوس للسادات
ونمسح البلاط في المطابخ السوداء
حتى نسلّ لقمة الصغار
من بين أنيابكم الزرقاء
هنا..
على صدوركم باقون كالجدار
نجوع .. نعرى .. نتحدى
ننشد الأشعار
ونملأ الشوارع الغضاب بالمظاهرات
ونملأ السجون كبرياء
ونصنع الأطفال .. جيلا ثائرا .. وراء جيل
كأننا عشرون مستحيل
في اللد والرملة والجليل
إنـَّا هنا باقون
فلتشربوا البحرَ
نحرسُ ظلَّ التين والزيتون
ونزرعُ الأفكارَ كالخمير في العجين
برودة الجليد في أعصابنا
وفي قلوبنا جهنم حمرا
إذا عطشنا نعصرُ الصخرا
ونأكل التراب إن جعنا ..
ولا نرحل
وبالدم الزكي لا نبخل .. لا نبخل .. لا نبخل
هنا ..
لنا ماض ٍ .. وحاضر .. ومستقبل
كأننا عشرون مستحيل
في اللد والرملة والجليل
يا جذرنا الحيّ
تشبث
واضربي في القاع يا أصول
أفضل أن يراجعَ المضطهـِدُ الحساب
من قبل أن ينفتل الدولاب
لكلِّ فعل ٍ :- …
إقرأوا
ما جاء في الكتاب





--------------------
1- الأديبة غادة السمّان
2- الشاعر سميح القاسم


•تنويه لا بدّ منه:

لقد قدّمت لي الحياة أغلب أحداث هذه الرواية، فهي أحداثٌ حقيقيّة من واقعنا كفلسطيني الداخل.
مع هذا، لا يمكن الإشارة للشخصيات على أنها شخصياتٌ معينة،
فهي خليطٌ من هذا وذاك وتلك، أتت لتخدم حبكة الرواية.

ريتا عودة
26تشرين الأول 2010



#ريتا_عودة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سيمفونية العودة- المشهد الثالث-6
- سيمفونية العودة- المشهد الثالث-5
- سيمفونية العودة- المشهد الثالث-4
- سيمفونية العودة- المشهد الثالث-3
- سيمفونية العودة- المشهد الثالث-2
- سيمفونية العودة- المشهد الثالث-1
- سيمفونية العودة- المشهد الثاني-16
- سيمفونية العودة- المشهد الثاني-15
- سيمفونية العودة- المشهد الثاني-14
- سيمفونية العودة- المشهد الثاني-13
- سيمفونية العودة- المشهد الثاني-12
- سيمفونية العودة- المشهد الثاني-11
- سيمفونية العودة- المشهد الثاني-10
- سيمفونية العودة- المشهد الثاني- 9
- سيمفونية العودة- المشهد الثاني-8
- سيمفونية العودة- المشهد الثاني- 7
- سمفونية العودة-المشهد الثاني-6
- سمفونية العودة-المشهد الثاني-5
- سمفونية العودة-المشهد الثاني-4
- سمفونية العودة-المشهد الثاني-3


المزيد.....




- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ريتا عودة - سيمفونية العودة- المشهد الأخير