أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ريتا عودة - سيمفونية العودة- المشهد الثاني-8














المزيد.....

سيمفونية العودة- المشهد الثاني-8


ريتا عودة

الحوار المتمدن-العدد: 3143 - 2010 / 10 / 3 - 10:02
المحور: الادب والفن
    



هذا الجسدُ المُضْطـَهـَدُ الباحثُ عن فضائه الحر قررَ فجأة أن يخطوَ إلى جلاده بحركات ٍ راقصة كأنـّه نورس يحلّقُ صوب البحر. هذه الذات الثائرة المكبلة قررت فجأة أن تقوم باستدعاء الصورة المعروفة لـ "كارمن" برقصتها الغجرية لكي تنتفض معها على القيود وهي تخطو نحو جلاّدها.

*

لا شيء حقيقي سوى ما هو مرعب. هكذا كتبَ رولان بارت، وهكذا أشعر الآن. الحقائق ترعبنا، تهدد سلامنا ، قناعاتنا وموروثاتنا.
أنا أحبُّ شابًا مسلمًا وأسعى لارتباط مقدّس معه. هي حقيقة عمري، لكنها مرعبة بالنسبة لمن ترعرع على فكرة أنَّ الزواج المختلط: عار.
الناس سواسيّة. نقولها ولا نفكر في مضمونها ولا نحياها.
حين خلق الله عزَّ وجلَّ آدم لم يقل له أنت مسيحي أو أنت مسلم إنّما قال له أنا الله فاعبدني. نحن صنعنا الديانات وجعلناها تفرّق بيننا.


*


- ليس بالخبز وحده أحيا.
قلتُ لأبي. لم يفهم لأنه بالخبز وحده يحيا : يأكل ، يشرب، ينام، يقوم، يكدح ويعود فيأكل ويشرب وينام ويقوم...وتمضي الأيام.
- أنا كِيان. لي مشاعري، أفكاري، قناعاتي التي لا يمكن أن أحيا بدونها. لي إرادة خصّني الخالق بها منذ بداية الخليقة وإرادتي ترفض أن أكون سلعة تـُباع وتـُشترى. أنا أحبّ آدم وهو يحبّني وأرفض أن أتزوج من رجل آخر ما دامت مشاعري مع آدم. هذه خيانة عاطفيّة لا يرضاها لي الخالق ولا انتم .

*



حاولتُ أن أهبط من برج المثقف وأنا أتحدث مع أبّي كي نتفاهم. تملكتني مشاعر الشفقة عليه فهو في حالة لا يُحسد عليها. هو لا ينظر لسعادتي، فعيون "الخفافيش" وألسنتهم تتربص به. ماذا سيقولون عنه..؟! ابنته تزوجت مسلم..؟!
ابنة الجيران فرّت مع حبيبها المسلم منذ فترة. كان أبي مع صديقه على الرصيف حين التقيا بوالد البنت. مدَّ الصديقُ يده للأب " المنكوب"(حسب تعبير أبّي) وهو يقول بحسرة: " لا أعرف، أأبارك لكَ زواجَ ابنتك أم أقدّم لكَ التعزية..!" . أخبرنا أبي عمّا حصل والألم يعتصر قلبه. والآن، ها الخنجر ذاته يُدمي قلبه.
حاولتُ أن أجعل أبّي يفهم أنّني لا أتخلى عن موقفي حتّى لو كان في ذلك حتفي. كنتُ واثقة أنّ أحدًا من لائِميَّ لن يفهمني. كيف لجملة بسيطة أن تستوعب جملة مُرَكبَّة..؟!

*

انتفضَ الدمُّ في عروقِهِ.
انتصبتْ قامته. كجلياتِ الجبّار بدا ، كداود الصغير بدوتُ.
انهال باللكماتِ المُبرحة على صدري.
لن أبكي لأنّه سيستعذبُ بكائي.
أخذتُ أصرخُ بأعلى صوتي لعل الجيران يسمعون رفيفَ الفراشة فيهرعون لتحريرها من هذي الخيوط اللزجة للعنكبوت.
طرقتُ الخزان بقوّة.
لم يرعبني شبحُ الموت.
لم يأتِ أحدٌ من الجيران. لعلهم يفضلون عدم التدخل بين أبّ وابنته. فجأة، وصلَ صديقُ أبّي البيت. صديقٌ تخرّج من السجون وأيدي الزانيات. هرعَ إلى الطابق الثاني لنجدتي. كسَرَ البابَ ودخلَ. كيف له أن يترك الأنثى التي يعشق، والتي لا تبادله الحبّ بالحبّ، بين يديّ الجلاد..؟!

*

في المستشفى، لم أشأ أن أطعن أبّي بالضربة القاضية. ما زلتُ أشفق عليه من موقف لم أتمناهُ له.
قلتُ أنّني وقعتُ من على السلّم. حرروني مع بعض المُسكنات وأربطة قيّدت صدري لتمنع حركته التي تؤدي لآلام مُبرحة.
اعتكفتُ داخل غرفتي وامتنعتُ عن الطعام والشراب والتحدث إلى أحد.
- تشتهون موتي..؟!
دعوني أموت كما تشتهون وابقوا أبرياء من دمّي.

بدأت محاولات اقناعي بمغادرة غرفتي من شتى أفراد الأسرة الذين أعرفهم والذين لم أعرفهم من قبل إنّما أتت بهم حالة الطوارئ في بيتنا فهرعوا لنجدة والدي وتهديدي أو اقناعي بالعزوف عن موقفي.
- لمَ ترفضون المسلم..؟! ما العيب فيه..؟!
= لا عيب فيه.
قالَ خالي المُقرّب جدا من قلبي ومبادئي.ثمّ، أكملَ:
= البيئة مختلفة ، لهذا السبب يكون التفاهم بينكما مستحيلا.


*

وصلتْ عمّتي من خارج البلاد وهي مثقلة بمشاعر الغضب التي صبّتها فوقَ رأسي.
- كيف تفعلين ذلك وأنتِ المثقفة..؟!
أجبتُ:
= تحدثي مع آدم، وإن وجدتِ فيهِ عيبًا ، أعدك أن أبتعد عنه.

دعته لبيتها. تحدثت معه. فــُــتِنـــَتْ بشخصيته. حاولت أن تــُقنع أبّي بالسماح لنا أن نتكلل في الكنيسة، فرفض. حاولتْ أن تقنع أبّي بالسماح لنا بمغادرة البلاد والعيش بعيدًا عن الوطن، فرفضَ.
مرَّ شهرٌ وأنا سجينة غرفتي أنتظرُ منفذًا.
حانَ موعدُ السنة الدراسيّة الجامعيّة. بعد جهدِ ساعة ، نجحت عمّتي في اقناع أبّي بالسماح لي بالعودة للجامعة لكي أنهي السنة الأخيرة وأحصل على شهادة تكفل لي الحياة بكرامة.

*

لم يغمضَ لي جفن.
أطلّ الفجر.
تناهى لسمعي صوت أغنية تسللتْ عبرَ النافذة:

أنا مش إلك
في قفص صغير بدك اياني أكون
أنا بدي طير
وجناحاتي تكون ع وسع الفلك
أنا مش إلك
ولا قلبي إلك

كانوا لا زالوا نيامًا.
ألقيتُ نظرة أخيرة على صورة أبّي المُعلقة على حائط غرفة الاستقبال.
ألقيتُ نظرة على وجهِ أمي الذي أطلّ عليّ من الصورة المصلوبة قرب صورة أبّي.
لأول مرّة، أشعرُ أنّها امرأة ذابلة ، وردة دونما قطرة ندى.
ألقيتُ نظرة على كلّ ما في البيت من حاجيات.
خزنتُ كل الصور في قرص الذاكرة.
تناولتُ كتاب:" أنا أحيا".
فتحتُ باب المنزل.
نسيمُ الصّباح راح ينعشُ قلبي.
أخذتُ قسطًا من الهواء وخبأتُه داخل رئتيّ.
رحتُ أسيرُ بخطواتٍ واثقة نحو الشمس...



#ريتا_عودة (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سيمفونية العودة- المشهد الثاني- 7
- سمفونية العودة-المشهد الثاني-6
- سمفونية العودة-المشهد الثاني-5
- سمفونية العودة-المشهد الثاني-4
- سمفونية العودة-المشهد الثاني-3
- سمفونية العودة-المشهد الثاني- 2
- سمفونية العودة-المشهد الثاني- 1
- سمفونية العودة-الفصل السادس
- سمفونية العودة-الفصل الخامس
- سمفونية العودة-الفصل الرابع
- سمفونية العودة-الفصل الثالث
- سمفونية العودة-الفصل الثاني
- سمفونية العودة-الفصل الأول
- وأنَا أبحَثُ عنِّي.. وَجَدْتُكَ
- مذكراتُ أنثى عاطلة عن الأمل
- ومن لا يعرف ريتا ..!؟- عرض الأديب السيد حافظ
- الطَّريقُ هيَ الطَّريق
- ليسَ بالخُبْز وَحْدَهُ أحْيَا- ومضة قصصيّة
- قَانُونُ الجَاذبيَّةِ العِشْقِيَّة
- فَرَاشَة ُ الحُلُم


المزيد.....




- -الحب والخبز- لآسيا عبد الهادي.. مرآة لحياة الفلسطينيين بعد ...
- بريطانيا تحقق في تصريحات فرقة -راب- ايرلندية حيّت حماس وحزب ...
- كيف مات هتلر فعلاً؟ روسيا تنشر وثائق -اللحظات الأخيرة-: ما ا ...
- إرث لا يقدر بثمن.. نهب المتحف الجيولوجي السوداني
- سمر دويدار: أرشفة يوميات غزة فعل مقاومة يحميها من محاولات ال ...
- الفن والقضية الفلسطينية مع الفنانة ميس أبو صاع (2)
- من -الست- إلى -روكي الغلابة-.. هيمنة نسائية على بطولات أفلام ...
- دواين جونسون بشكل جديد كليًا في فيلم -The Smashing Machine-. ...
- -سماء بلا أرض-.. حكاية إنسانية تفتتح مسابقة -نظرة ما- في مهر ...
- البابا فرنسيس سيظهر في فيلم وثائقي لمخرج أمريكي شهير (صورة) ...


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ريتا عودة - سيمفونية العودة- المشهد الثاني-8