|
سمفونية العودة-الفصل السادس
ريتا عودة
الحوار المتمدن-العدد: 3134 - 2010 / 9 / 24 - 10:31
المحور:
الادب والفن
تخلصتُ من المنديل الذي حجبَ عني الرؤية لساعات. فتحتُ عينيّ فإذا بظلام ٍ دامس ٍ يكتنفني. أغلقتُ عينيّ وفتحتهما ثانية. كانَ النور ضئيلا واكتسحتْ أنفي رائحة ُعفونة. بحلقتُ في العتمة فإذا بي أرى أجسادًا منحنية تتحرك في كلّ اتجاه، ومنها من كاد انفه أن يلامسَ ترابَ الأرض. - أين أنا..؟! حشرجَ صوتي. لم يجبني أحد. _ أينَ أنا ..!! ارتفعَ صوتي بحدّة، فأجابني كهلٌ مرَّ وقرفصَ بالقرب منّي في تلكَ اللحظة: = أنت هنا في قبضة الشرير. -ماذا، لا أفهم..!! = هذي زنزانة كبيرة بحجم كوكب. -لا أفهم..!! = إبليس رئيس هذا العَالم. سيطرَ الرعبُ على نبرة ِ صوتي وأنا أقولُ: -كيف..؟! أليس سلطان الله أعلى من كلِّ سلطان..!! = بلى يا ابني. -إذن..؟! =الله محبّة. كما تحبُّ أنت ابنك، هكذا يحبُّ الخالقُ آدم ونسله. كما تشتهي أنت الأفضل لابنك، هكذا يريد الله الأفضلَ لكَ ولنسلك ، مع العلم أنّه لا مجال للمقارنة بين محبة الخالق للبشر ومحبة البشر للبشر. أحيانًا يخيَّلُ إليَّ أنّ الله قلبٌ كبيرٌ لا نهائيّ الحجم، يحوي كلَّ قلوب البشر منذ بداية الخليقة حتى المنتهى . سلطانُ الله أعلى من أيّ سلطان، لكنّ آدمَ تمردَّ فاستوجبَ العقابَ. -قلتَ إنَّ إبليس رئيس هذا العالم، كيف..؟! = وُضِـعَ العَالـَمُ في الشّرير حينَ وقعَ آدم في الخطيئة. -كيف، لا أفهم..!! = في البدءِ، لم يكن مرضٌ أو موتُ أو جوعُ أو أوجاع، حتّى أنّ طعامَ آدم كان من نبات الفردوس، كما جاء في سفر التكوين: " إنّي قد أعطيتـُكم كلَّ بَقل ٍ يُبْزرُ بزرًا على وجهِ كلِّ الأرض، وكلَّ شجر فيه ثمَرُ شجَر يُبْزرُ بزرًا لكم يكونُ طعامًا." وَضَعَ اللهُ آدمَ في جنـَّةِ عَدْن ٍ ليَعْمَلهَا ويحفظهَا. لفرطِ حبّهِ لآدم وهو الذي قالَ: " لذتي مع بني آدم"، سخرّ لهُ كلَّ ما فيها. قالَ الله:" نعملُ الإنسانَ على صورتنا كشبهِنا، فيتسلطونَ على سَمَكِ البحر وعلى طير السَّماءِ وعلى البهائِم، وعلى كلِّ الأرض وعلى جميع الدَّبـَّاباتِ التي تدبُّ على الأرض، ومنحه القدرة على تسمية كلّ ما في الطبيعة من حوله، فقد جبلَ الرّبُّ الإلهُ منَ الأرض ِ كلَّ حيواناتِ البريَّةِ وكلَّ طيور السَّماءِ، فأحضرَها إلى آدمَ ليرَى ماذا يدعوها، وكلُّ ما دَعَا بهِ آدمُ ذاتَ نَفْس ٍ حيَّةٍ فهوَ اسمُهُ. وحينَ رأى آدم أن كل ما في الخليقة اثنين اثنين، تملكته مشاعرُ الوحدة . لقد جعلَ اللهُ آدمَ يشعر بفيمة الاحتياج لأنثى تؤنسُ وحدته وتكونُ لهُ مَسْكنــًا: "فدعا آدمُ بأسماءٍ جميعَ البهائم وطيور السّماءِ وجميع حيوانات البريّة، وأمّا لنفسِهِ فلم يجد مُعينًا نظيرَهُ". أوقعَ الربُّ الإلهُ سباتًا على آدمَ فنامَ، فأخذَ واحدة ً من أضلاعهِ وملأَ مكانها لحمًا، وبنى الربُّ الإلهُ الضلعَ التي أخذها من آدم امرأة ً وأحضرها إلى آدم، فقالَ آدم:"هذه الآنَ عظمٌ من عظامي ولحمٌ من لحمي. هذه تـُدعَى امرأة ً لأنـَّها من امرءٍ أخِذتْ." لذلك يتركُ الرَّجُلُ أباهُ وأمَّهُ ويلتصِقُ بامرأتِهِ ويكونان ِ جسدًا واحدًا. -والشرير،كيفَ أصبحنا في قبضتِهِ..؟! = كانت الحيَّة ُ أحيَلَ جميع حيواناتِ البريّة التي عملها الرّبُُ الإلهُ، فقالتْ للمرأة:"أحقـًا قالَ اللهُ لا تأكلا من كلِّ شجر الجنة" فقالتِ المرأة ُ للحَيَّةِ: "من ثمر شجر الجَنـَّةِ نأكلُ، وأمَّا ثمرُ الشَّجرة التي في وسطِ الجنـَّة فقالَ اللهُ: لا تأكلا منهُ ولا تمسَّاهُ لئَلا تموتا". فقالتِ الحيَّة ُ للمرأةِ: "لن تموتا!" بل اللهُ عالِمٌ أنـَّهُ يومَ تأكلان منهُ تنفتحُ أعيُنـُكـُمَا وتكونان كالله عارفـَيْن ِ الخيرَ والشَّرَّ". رأتِ المرأة ُ أنَّ الشّجرة َ جيِّدَة ٌ للأكل ِ، وأنـَّها بهجة ٌ للعيون ِ، وأنَّ الشَّجرة َ شهيَّةٌ للنظر، فأخذتْ من ثمرها وأكلت، وأعطتْ رَجُلهَا أيضًا معَهَا فأكلَ. فانفتحتْ أعيُنـُهُمَا وعلما أنـَّهما عُريانان، فخاطـَا أوراقَ تين ٍ وصنعا لأنفسِهمَا مَآزرَ. -كيف يعقل أن نتوارث نحن خطيئة لم نقترفها..!؟ = نحن نتوارث نتائج الخطيئة الأولى. ألا تـُوْرثُ المرأة ُالحاملُ لجنينها أمراضها..؟ أن كانت تعاني مثلا من الايدز، ألا يَرثُ الجنينُ الايدز أيضًا..؟! -لكنَّ رحمة َالخالق وسعُ السَّماواتِ والأرض، فلماذا لم يسامحْ آدم وحواء على تلكَ الخطيئة.؟! = لأنَّ العقابَ لم يكنْ مفاجئـًا فقد أنذرهما: "لا تأكلا منه ولا تمسَّاهُ لئلا موتـًا تموتـَا". ومع هذا أعلنا العصيان َعلى مشيئته، فوقع عليهما العقاب. أليسَ هو الإله العادل المستقيم الذي ليس فيه لفٌّ ولا دَوَرَانْ..؟. -كان بإمكانه أن يغفر .. = عندما يخطئ ابنك ألا تعاقبه.؟! أنت تؤدبه لأنك تحبُّهُ لا لأنك تكرهه..!! تخيّل أنّك تنذر ابنك بعقاب ٍ إن سرقَ مثلا، فيسرق. ألا تترك المحكمة تأخذ مجراها فتحكم عليه وتزجَّ به في السجن..؟! بل، قد تسلّمهُ بنفسكَ للعدالة الأرضيّة بدافع تقويمِهِ. العقاب ليس تعبيرًا عن الكراهية إنما عن المحبَّة. أنت تعاقبُ ابنـَكَ لتأديبهِ وتقويم ِ سلوكِهِ. لو افترضنا أنـّكَ أنذرتَ ابنـَكَ بعقاب ٍ ولم تعاقبه، ستفقد هيبتك أمامه كأبٍّ عادل ٍ جدير ٍ بالثقة. -أيعقل أن يتركَ الأبُّ المحبُّ ابنـَهُ في السِّجن دونما رحمة.؟! = من قالَ أنـَّهُ أهمله أو تخلـَّى عنه..؟! لقد أعدَّ الله خطة َ الفداء قبل تأسيس العالم لأنـّهُ كلّي المعرفة. عرفَ أنّ آدم سيقعُ في التجربة وكانَ الفداءُ الكفاريُّ مُعدًّا مُسبقـًا. -كيف، لا أفهم.!! = يا ابني، نحنُ هنا في سجن ٍ كبير ٍ بوسع الكـُرة ِ الأرضيّة، ورئيسُ هذا العَالم هو الشرير، لكنـّنا ننتظرُ المخلّصَ، وهو وحدهُ من يملكُ مفتاحَ هذا السِّجن. قريبًَا سيأتي ليحررنا، يفـُكَّ أسرَنا ويُعتقنا من العبوديّة ويسمينا أولادًا.. -أولادٌ..؟! حاشا لله أن يكونَ له أولادٌ. = بنيَّ، حين تقولُ أنا ابن القاهرة ، هل معنى ذلك انَّ القاهرة أنجبتكَ. لا..! هذا يعني أنـّك من القاهرة أو تنتمي للقاهرة. هذه ليست علاقة بيولوجيّة إنما علاقة انتماء. هكذا نحن: سنكونُ أولادَ الله أي المنتمون له بالإيمان. *
انتظارًا انتظرتُ المخلصَ أن يأتي ويحررُني من هذا السَّجن ِ البغيض. انتظرتهُ وصبرتُ له. رحتُ أهيمُ في الشوارع بحثـًا عن حبيبتي حواء وأنا أداري عن العيون الفضوليّة أوجاعَ الفقد. كانَت اللوعة ُ تغمرُ روحي وأنا أجتهدُ أن أخفي دموعًا ظلـَّتْ على مدَى الأيام تنسكبُ بحرقة ٍ لاذعة. أحيانا، كنتُ أقرفصُ تحت شجرة من أشجار الزيتون شاخصًا في اللاشئ ، يحاصرني طيفُ حواء ويـُثـْمِلـُني عطرُهَا. فجأة، تستيقظ ُ الكلماتُ، تنفضُ عنها الغبار وتتجسد، فأناجي حبيبتي الحاضرة الغائبة: - أين أنتِ أيتـُّها الأنثى الاستثنائية..؟! تراكِ قريبة منـِّي أم بعيدة..؟! تراكِ في هذا الكوكبِ أم في كوكب ٍ آخر..؟! تراكِ على قيدِ الحياة ِ أم ..!! آهٍ يا غالية، كما أنَّ الطفلَ بعيدًا عن ثدي أمِّهِ لا يهدَأ أو يستريح وأيضًا لا يقنع أو يشبع أو حتـَّى يعيش، هكذا نفسي نحوكِ حبيبتي. بقربكِ راحتي، فأنتِ حياتي غذائي وقوّتي فلا تتأخري في العودةِ إلى صدري.
#ريتا_عودة (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سمفونية العودة-الفصل الخامس
-
سمفونية العودة-الفصل الرابع
-
سمفونية العودة-الفصل الثالث
-
سمفونية العودة-الفصل الثاني
-
سمفونية العودة-الفصل الأول
-
وأنَا أبحَثُ عنِّي.. وَجَدْتُكَ
-
مذكراتُ أنثى عاطلة عن الأمل
-
ومن لا يعرف ريتا ..!؟- عرض الأديب السيد حافظ
-
الطَّريقُ هيَ الطَّريق
-
ليسَ بالخُبْز وَحْدَهُ أحْيَا- ومضة قصصيّة
-
قَانُونُ الجَاذبيَّةِ العِشْقِيَّة
-
فَرَاشَة ُ الحُلُم
-
موجة من كل بحر
-
شاعِرَة ٌ مَاكِرَة ٌ مَنْ يَجدُهَا..؟!
-
أريدُ أنْ أحيَا
-
ليسَ الشَّاعرُ ههُنَا
-
عالم ريتا عودة الإبداعي..بقلم عدنان كنفاني
-
ريتا عودة.. أَمِيرَةُ حِبْرٍ نَظِيف بقلم تركي عامر
-
الحلم في ديوان يوميات غجرية عاشقة - عرض زيد عمري
-
ديوان - يوميات غجريّة عاشقة- لريتا عودة، عرض د. حسن السوداني
المزيد.....
-
عزف الموسيقى في سن متأخرة يعزز صحة الدماغ
-
درويش والشعر العربي ما بعد الرحيل
-
-غزة صوت الحياة والموت-.. وثيقة سينمائية من قلب الكارثة
-
-غزة صوت الحياة والموت-.. وثيقة سينمائية من قلب الكارثة
-
بائع الصحف الباريسي علي أكبر.. صفحة أخيرة من زمن المناداة عل
...
-
لماذا انتظر محافظون على -تيك توك- تحقق نبوءة -الاختطاف- قبل
...
-
فاضل العزاوي: ستون عامًا من الإبداع في الشعر والرواية
-
موسم أصيلة الثقافي 46 يقدم شهادات للتاريخ ووفاء لـ -رجل الدو
...
-
وزير الاقتصاد السعودي: كل دولار يستثمر في الثقافة يحقق عائدا
...
-
بالفيديو.. قلعة حلب تستقبل الزوار مجددا بعد الترميم
المزيد.....
-
سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي
/ أبو الحسن سلام
-
الرملة 4000
/ رانية مرجية
-
هبنّقة
/ كمال التاغوتي
-
يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025
/ السيد حافظ
-
للجرح شكل الوتر
/ د. خالد زغريت
-
الثريا في ليالينا نائمة
/ د. خالد زغريت
-
حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول
/ السيد حافظ
-
يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر
/ السيد حافظ
-
نقوش على الجدار الحزين
/ مأمون أحمد مصطفى زيدان
-
مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس
...
/ ريمة بن عيسى
المزيد.....
|