أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - ابراهيم البهرزي - في وداع محيي الدين ....الغالي في الزمن الرخيص















المزيد.....

في وداع محيي الدين ....الغالي في الزمن الرخيص


ابراهيم البهرزي

الحوار المتمدن-العدد: 3110 - 2010 / 8 / 30 - 12:59
المحور: الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
    


في وداع محيي الدين ....الغالي في الزمن الرخيص
رحل محيي الدين زه نكه نه (هكذا كان يحب رسم حروف لقبه )...بعد ان خانه قلبه الذي لم يخنه من قبل يوما , حين وصلت الرسالة المفجعه الى هاتفي من صديقنا المفجوع الاعلامي كريم الدهلكي ساعة الغروب ادركت انني لم اضع للموت حسابا حين كنت اؤجل زيارتي لمحيي الدين , صحيح انني الححت لمرتين على صديقنا الدهلكي لغرض ابلاغي بموعد زيارته السليمانية بغية مرافقته لارى محيي الدين , غير ان الالحاح لمرتين ليس بعذر كاف , كما ان الاعتماد على الاخرين ليس حجة للتكاسل عن الزيارة , لقد كان علي ان ابادر بالسفر لوحدي وتحت اي الظروف لرؤية محيي الدين ...ولكن الحق اقول انني كنت اؤجل الزيارة لانني لم اضع الموت بحسباني, وهذه الخطيئة البشرية التي تلازمنا –خطيئة التغاضي عن احتمال الموت – تجعل اعتذاراتنا عديمة الهيبة , للاسف ....
..........................
في اول معرفتي بمحيي الدين –معرفة التلميذ بالاستاذ- كان (الدون كيشوت ) حاضرا , والذي ظل بحضوره الساخر المتألم يزركش تلك المعرفة التي شرفتني لاكثر من ثلاثين عاما..
كنت اسعى في عهد الصبا لقراءة (الدون كيخوت ) لسرفانتس , وحين علمت ان بحوزة الاستاذ محيي الدين نسخة منها , تجرّات وطلبت استعارتها , واقول تجرّات , لان من اعلمني بوجود الرواية المذكورة عند محيي الدين , خوّفني من احتمال اعتذار (ابو آزاد) عن الاعارة , كونه يعتز كثيرا بمحتويات مكتبته , غير ان الامر لم يكن كذلك , فقد استضافني محيي الدين لمكتبته في منزله , واعارني الرواية مشكورا , بل واعارني الكثير سواها , والاهم من كل ذلك انه كان يناقشني في كل كتاب استعيره , ويضيف لي بالنقاش من رؤيته النفاذة الشيء الكثير , كان الرجل يحمل رؤية نقدية واسعة الافق , وكان يمتلك صفة (المفكر ) اضافة لصفة المبدع على حد وصف صديقنا الشاعر المبدع جلال زنكبادي....
اكتشفت فيما بعد ان لمحيي الدين بعض من اللمسات الدونكيشوتية النبيلة :
الايمان بالحق المطلق
عدم المجاملة على حساب الحقيقة
الاباء...
كان محيي الدين زه نكه نه من اكثر الناس اباءا وعنادا لاجل الحقيقة , كان واثقا ومعتدا بنفسه ,عزيز النفس جدا ..
وكانت ايام الحصار في التسعينات قاسية عليه هو المدرس المتقاعد الذي بالكاد كان الراتب التقاعدي الذي يتقاضاه يسد نفقات اولاده الجامعيين حينذاك , وكان يرفض اية هبة من احد , بل كان يتعب اصدقاءه جدا قبل ان يقبل (عزومة ) من احد , ولقد شهدته مرة وهو لا يحتسي الا الماء صرفا , يضعها كما نضع الشراب في كؤوسنا ويحتسيها رافضا استضافة المستضيفين وان كانوا من اصدقاءه المقربين
-الاستضافة قد تحدث في المناسبات , وليس مرارا ...
هكذا كان يعتذر بادب جم ....
في تلك السنين المرمدة حين اضطرتنا الحاجة لبيع اغلى ما نملك , مكتباتنا الشخصية , ذاكرة ارواحنا , في تلك الايام حيث كما في القيامة تحضر الملائكة , فان الشياطين تحضر ايضا ...
شيطان (الورق ) يحوم حول مكتباتنا الشخصية , بمبالغ بخسة تتحول كل تلك الاحلام الى (اكياس ورق ) ..
لقد بعنا كل حدائق ارواحنا لشيطان الورق الرجيم ...
حين بلغ احد كبار الاثرياء (وهو شاب طيب يميل الى رفقة المثقفين والكتاب ويتمنى مساعدتهم بلا منّة ٍ) حين بلغه ان محيي الدين بصدد ان يبيع بعضا من مكتبته لشيطان الورق , عرض عليه عرضا خرافيا :
ان يقيّم محيي الدين ايا من كتبه الفائضه عن الاحتياج باي سعر يروم , يكتبه بخط يده على ظهر الكتاب , ويدفع صاحبنا الموسر الثمن المطلوب مهما غلا....
لكن محيي الدين رفض بادب جم ..
لقد احس بان في الامر شيئا من الشفقة , فلاشيء يباع الا بسعره , والاستغلال حتى وان كان بعلم صديقنا (المسْتغَل) امرٌ مشين ..
في تلك السنوات المرمدة حيث شحبت مطابخ منازلنا وعضّ اطفالنا على النواجذ جوعا , لم يرضخ محيي الدين لجعل بضاعته الادبية (سلعة ) قابلة للبيع ...
لقد ظل وحتى رحيله يكتب ما يقتنع به لا ما يقنع الاخرين , وليس بين ابطال اعماله الروائية او المسرحية او القصصية طاغية او ظالما او جلادا ...لقد ظل الكادحون المستلبون الحالمون ابطاله , وظل هو بطلا ابيا يرسم احلامهم ..
(لقد ولدت لعائلة لم تنجب احدا يمتهن اذى الناس..
فليس في عائلتنا شرطي او تاجر ..ابدا )...
هكذا قال لي مرة,
و
سالت محيي الدين في اشد ايام الفاقة والجوع :
اصدقاؤك المهاجرون , ابناء جيلك , امورهم المادية جيدة , الا ...
لقد ظل يرفض الاعلان عن حاجته , كما ان الاخرون ممن اتاح لهم المنفى شيئا من اليسر (يعد ُّيسرا كل دولار مفرد بالنسبة لعراقيي الداخل تلك الايام ) الاخرون لم يتذكروا محيي الدين في تلك الايام السود
(مرة وحيدة قال لي ساخرا :
انظر ...(فلان الفلاني ) ارسل هاتين الورقتين ) 200 $ واحدة لي والاخرى لجليل (يقصد الراحل جليل القيسي ) ...وجليل ربما احوج مني ...سارسلهما له...
وارسلها للراحل الكبير الذي رحل مقهورا معوزا هو الاخر ....جليل القيسي )
كان احد المتادبين المتبجحين يمتلك ما يسميه (معملا للورق ) ..وهو في الحقيقة مجرد (مكان وهمي ) يستخدم للحفلات والشراب وما الى ذلك ... بعد الحاح ٍذهبنا وجمع ٌمن الاصدقاء في مناسبة ما لحضور جلسة في ذلك (المعمل –المشرب –الخدعة ) وبعد ان اوشكت الجلسة على الختام ...جاء صاحبنا المتبجح بصينية عامرة بلحوم الدجاج النادرة في تلك الايام
وحين هممنا بتناول العشاء رفض محيي الدين مد يده ...
-انا لا اتناول طعاما لا استطيع اطعام عائلتي بمثله ..
وخرج مودعا !!
ومرة وفي منزل الصديق (طالب عبود ) قرب سراي بعقوبة القديم اراد هذا المتبجح مقاربة راسه براس محيي الدين من حيث انه شاعر معروف ..
ساله محيي الدين :
من تكون ؟..انا لا اعرفك !ّ
فما كان من هذا الدعي الا ان قام –وبحركة تعبر عن الحطة والجبن- بلبس حذاءه والوقوف على عتبة الباب وهو يقول :
ومن انت ..ومن يكون محيي الدين زنكنه ؟!
ثم ولى هاربا ...
تبعه كريم الدهلكي , وعبد الامير,ومصعب... كانوا منفعلين جدا للاذى الذي اصاب محيي الدين , داروا ركضا في ازقة بعقوبة بحثا عن المتطاول الهارب , ولو امسكوه !!( هذا المتبجح المتطاول قدمه الحزب الشيوعي للاسف كقائد ثقافي بعد الاحتلال.....من قلة الخيل !! )
كانت اياما مضنية عاشها محيي الدين ايام الحصار ...ولم يغادر بعقوبة مطلقا ظل بين اناسها واهلها يحيا معهم نوائب الايام..
صديقه المخرج المسرحي التونسي المنصف السويسي , حاول تقديم شيء من التكريم لهذه القامة الشامخة فوجد لاجله وظيفة مدير عام في وزارة الثقافة التونسية .. وكانت ستكون انقاذا له من ضنك العيش انذاك ...
كان السفر لم يكن هينا بعد وكان يحتاج الى موافقة وزارة الاعلام العراقية ...التي سيرفض مسؤولوها بالطبع منحه التسهيلات اللازمة ...فلا يرحمون ولا يدعون الاخرين يرحموا ..
عاش محيي الدين كبيرا وابيا ..فلم ينحني للطغاة رغم قسوة الحياة التي عاشها
كان السكري يسرق الضوء من عينيه شيئا فشيئا ولا احد من ائمة الثقافة (لا وزارة ثقافة ولا اتحاد ادباء ) يعلمون شيئا عن صرح كبير اسمه محيي الدين زه نكه نه ...
بعد ان كانت (ثقافة البلاد ) بايدي الزيتونيين الطبالين ....صارت بايدي المتبجحين الوصوليين ..
ويرحل محيي الدين زه نكه نه ...واحد من افضل خمسة كتاب في تاريخ الادب المسرحي في الوطن العربي ...يرحل بهدوء خبرا صغيرا في فضائية مشغولة بمعارك الديكة ..
كما رحل جليل القيسي قبله نسيا منسيا ..وبعد عام ولاجل رفع العتب ستقام امسية استذكار لا اكثر , في الحين الذي سيحرم الناس من قراءة عشرات المخطوطات التي تحفل بها ادراج مكتبة محيي الدين , لان لا احد بعد امسية الاستذكار سيبحث عن الاثار الابداعية التي تركها ..فالرجل لم يكن من (طائفة ) ولا (حزب ) ولا( عشيرة ) طبّل َ لها لترعاه ...لقد كان صوت الكادحين الذي لم يزل لا اهل له ولا سميع ...
الكاتب الذي (من المؤكد ) انه كان يكتب حتى ساعة رحيله المفاجيء عن حياة العراقيين المرة ..
وداعا محيي الدين ...ضحكتك الساخرة تقول للعراق القتيل شيئا ربما سيوقظ فيك الحياة ذات يوم بعيد..



#ابراهيم_البهرزي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نقد النبي الشيوعي..
- عن انعدام الوفاء الشيوعي...واخلاقيات ما بعد الاحتلال
- في ذكرى انسانٍ نبيل...سلاماً اديبُ صديقي
- أطياف ُ ناباكوف
- ايها الامريكيُّ لست َ صديقي
- اضحكُ من طفلي...طفلي يبكي منّي!
- ألبُستانيُّ في أيّامه وأعماله ِ
- المنفى ليس هنا....المنفى ليس هناك
- بَغْدَدَه
- خُذ ْ حكمة َ الافيالِ..
- (الولدُ الحافي على درب التبّانة )
- كدرويشٍ ينْقر ُ دَفًّا ً
- جثّة ُ حنّا
- شظايا مِن حياة ٍ مَشروطة
- وردةُ المرتقى
- دَعْه ُ يَعْلو...
- ميراث الغربان
- حركات ٌ وهوامش
- لمنْ سيُغنّي ؟
- قطرةُ مطر


المزيد.....




- ضغوط أميركية لتغيير نظام جنوب أفريقيا… فما مصير الدعوى في ال ...
- الشرطة الإسرائيلية تفرق متظاهرين عند معبر -إيرز- شمال غزة يط ...
- وزير الخارجية البولندي: كالينينغراد هي -طراد صواريخ روسي غير ...
- “الفراخ والبيض بكام النهاردة؟” .. أسعار بورصة الدواجن اليوم ...
- مصدر التهديد بحرب شاملة: سياسة إسرائيل الإجرامية وإفلاتها من ...
- م.م.ن.ص// تصريح بنشوة الفرح
- م.م.ن.ص// طبول الحرب العالمية تتصاعد، امريكا تزيد الزيت في ...
- ضد تصعيد القمع، وتضامناً مع فلسطين، دعونا نقف معاً الآن!
- التضامن مع الشعب الفلسطيني، وضد التطبيع بالمغرب
- شاهد.. مبادرة طبية لمعالجة الفقراء في جنوب غرب إيران


المزيد.....

- سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول / ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
- سلام عادل -سیرة مناضل- / ثمینة یوسف
- سلام عادل- سيرة مناضل / ثمينة ناجي يوسف
- قناديل مندائية / فائز الحيدر
- قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني / خالد حسين سلطان
- الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين ... / نعيم ناصر
- حياة شرارة الثائرة الصامتة / خالد حسين سلطان
- ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري ... / خالد حسين سلطان
- قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول / خالد حسين سلطان
- نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - ابراهيم البهرزي - في وداع محيي الدين ....الغالي في الزمن الرخيص