أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - فواز فرحان - مختصرات في الماركسية .. 8















المزيد.....


مختصرات في الماركسية .. 8


فواز فرحان

الحوار المتمدن-العدد: 2919 - 2010 / 2 / 16 - 17:29
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


ميزة النزعة المادية الماركسية الاولى ...
الموقف المثالي ..
تقوم أقدم صورة للنزعة المثالية على شرح الظواهر الطبيعية بواسطة فعل قوى غير مادية ، وإعتبار الطبيعة مزوّدة بأرواح تسيّرها .. لقد أدى تقدم الإنتاج والوسائل التقنية وتقدم العلم الى القضاء على هذه الشروح ...
تشعر البرجوازية في رمقها الأخير أنها بحاجة لتضليل الجماهير وإبعادها عن التفسير المادي للعالم بجميع الطرق والوسائل ...
يُفسّر فرويد مثلاً الانسان وظواهر الحياة الإجتماعية بوجود قوى غير مادية في الانسان تظهر في نوازعهِ الخفيّة يسميها اللاوعي ، وهكذا يُتيح فرويد فرصة للمشعوذين لإستغلال السذج من الناس بحجة ذلك اللاوعي ...
وكذلك العلماء المثاليون الأمريكان يحاولون التدليل علمياً على خلق الكون وعلى عمر الكون والزمن الذي إستغرقهُ هذا الخلق وإعادة بناء النظرية القديمة حول موت العالم ..الخ
وإذا ما تنبهنا الى عودة العلوم الغيبية للظهور من جديد وتلك النزعة الروحانية التي شجعها برجسون وأنصار فرويد للحيلولة دون الجهلة والأغبياء والتفسير المادي للأمراض الإجتماعية التي يقاسونها ، أدركنا بوضوح أهمية النظرية الماركسية حول مادية العالم ...

النظرة الماركسية ...
تقوم النزعة المادية الفلسفية عند ماركس على المبدأ القائل بأن العالم بطبيعتهِ مادي ، وأن مختلف ظواهر الكون إنما هي جوانب مختلفة للمادة في حركتها ...
وإن العلاقات والشروط بين الظواهر التي يكشف عنها المنهج الجدلي هي القوانين الضرورية لنمو المادة المتحرّكة ، وإن العالم ينمو حسب قوانين حركة المادة وهو ليس بحاجة لأي روح شامل ...
أي أن مختلف ظواهر الكون لا تحدث بفضل تدخل أرواح وقوى لا مادية بل هي جوانب مختلفة من المادة المتحركة ، ووجود ضرورة طبيعية في المادة وهي أساس قواني الكون التي يُقيّمها المنهج الجدلي ...

المادية .. والحركة
إن مسألة علاقة المادية بالحركة مسألة خطيرة في تحديد كل من النزعة المثالية والنزعة المادية ..
وذلك لأن النزعة المثالية تعتقد أن الحركة والنشاط والقدرة الخلاقة إنما هي من مميزات الروح فقط ، وهي تعتقد أيضاً أن المادة عبارة عن كتلة جامدة سلبية لاصورة لها ، وهي بحاجة الى ميسم الروح الذي يُحييها كي تتخذ صورة معيّنة ، وهكذا ترى النزعة المثالية أن المادة لا يمكنها أن تنتج شئ وهي إذا ما تحرّكت فإن ذلك بفضل الله أو الروح ...
لهذا ... فإن فصل المادة عن الحركة طابع مميز للفكر الميتافيزيقي ..
أما النزعة المادية .. فهي تقول بأن الحركة صفة أساسية في المادة وأن المادة هي حركة ، وأدى تطوّر العلوم الى تقدم النزعة المادية وظهور فلاسفة أمثال ديكارت الذي قال .. بأن كل شئ في الطبيعة تفسّرهُ قوانين حركة الأجسام ..
أي أن ... الحركة صفة كامنة في المادة
لقد استطاعت المادية الجدلية تفسير الظواهر تفسيراً دقيقاً فدلت على أن الظواهر إنما هي صورة لحركة المادة ، وإن المادة لا تستطيع فقط إحداث الحركة بل تستطيع أيضاً إحداث تغييرات نوعية ، وانها تمتلك ديناميكية داخلية نشيطة وقدرة على الخلق تعتمد على وجود الأشياء داخل التناقضات ذاتها ...
إن الإكتشافات العلمية الكبرى هي التي أظهرت بوضوح جدلية الطبيعة وأتاحت تجاوز النزعة المادية الآلية وهذهِ الإكتشافات هي ...
أولاً ... إكتشاف تحول الطاقة الذي أوجد فكرة التغيير النوعي وأظهرت مختلف القوى الفيزيائية على أنها مظاهر لحركة المادة ...
ثانياً ... إكتشاف الخلية الحيّة الذي كشف سر تكوّن الأجسام الحية وأتاح التصور للإنتقال من الجسم الكيميائي الى الجسم الحيوي وإدراك نمو الكائنات الحية ...
ثالثاً ... إكتشاف تطوّر الأنواع الحية الذي قضى على الحاجز الميتافيزيقي بين مختلف الأنواع وكذلك إكتشاف نظرية التطور وأصل الأنواع لتشارلس داروين ..
وهكذا يبدو أن النزعة الجدلية هي الوحيدة التي إستطاعت أن تفسّر الظواهر العليا كالحياة والفكر تفسيراً طبيعياً دون أن تنتزع من هذه الظواهر أية ميزة خاصة ...
يجب أن لا نخلط بين الأفكار العلمية المثالية عن المادة والتي تعبّر عن حالة معلوماتنا في فترة معينة من الزمن ، وبين الفكرة الفلسفية عن المادة والتي تقوم عليها الأبحاث العلمية ...
يقول انجلز ...
( يجب على النزعة المادية أن تتخذ طابعاً جديداً مع كل إكتشاف كبير جديد ، أي أن الحركة هي صورة الوجود للمادة وإن منبع الحركة والديناميكية قائم في المادة نفسها) ..

الضرورة الطبيعية ...
ترى النزعة المادية الجدلية أن الصورة تتعين بواسطة المحتوى الحالي ، أي بواسطة العلاقات والظروف المتبادلة بين الظواهر بواسطة الحالة الراهنة للمادة ، وحالة التناقضات التي تنمو بداخلها والتي ترتبط بظروف البيئة المحيطة بها ، وأبسط دليل على ذلك أنه يمكننا أن نتدخل في نمو صورة معينة ...
لقد برهن علماء الحياة البيولوجيون بواسطة التجربة على العلاقة بين الصورة والمحتوى وهكذا نرى أن نمو المحتوى يسبق نمو الصورة وليس هناك أي تصوير سابق مثالي ، أي ليست هناك أية صورة بذاتها مباشرة ...
أما النزعة المادية الجدلية فهي ترى أن الصورة لا يمكن أن توجد بدون محتوى معين ، كما أن المحتوى لا يمكن أن يوجد بدون صورة معينة ...
ولا يعني القول بأن المحتوى يوجد بدون الصورة ، إن الصورة هي التي تحدده وتعيّنه بل هو الذي يعيّنها ويحدّدها .. ذلك يعني أن الصورة ليست سابقة في الوجود ، ولا هي أزلية بل تتغير حسب التغييرات التي تطرأ على المحتوى ، وكذلك نمو التناقضات الداخلية في المحتوى ...
كما لا يمكن وجود المحتوى دون الصورة ، مع ذلك فإن الصورة لا تتفق تماماً مع المحتوى لتأخرها عنه ...
والشي الثابت عن تأخر الصورة عن المحتوى يُحدِث عدم الإنسجام في الطبيعة ...
تحمل النزعة المادية الماركسية الى العلم عقيدة مثمرة تقوم على القول بأن القوانين التي تكتشفها والعلاقات التي تقيمها بواسطة المنهج الجدلي ليست علاقة إعتباطية بل هي قوانين ضرورية للمادية في حركتها ...
يعتمد العلم المادي على الفكرة القائلة ...
إن القانون العلمي يعبّر عن ميزة موضوعية للمادة ، كما يُعبّر عن حتمية ظهور ظاهرة معيّنة خلال تطور ظروف معيّنة ..
وأشار أنجلز ...
الى حتمية ظهور الحياة فوق كوكب معيّن حينما تجتمع الظروف الموضوعية لذلك ..
وهذا ما يجب فهمهِ من الضرورة الطبيعية ، ومن وحدة الكون وشمول قوانين المادة ..
ينتج عن ذلك أنه لا يمكننا خلق قوانين الطبيعة أو المجتمع أو القضاء عليهما ، بل كل ما يمكننا هو إكتشافهما ... فالنزعة المادية الجدلية إذاً هي وحدها التي تمدنا بالسلوك بأساس نظري متين للتنبؤ العلمي بظواهر الطبيعة والمجتمع ، وتقضي على الشك بنتائج عمل نقوم به على أساس معرفة علمية للواقع ...

الماركسية ... والدين

تقوم النزعة المثالية على الشروط التالية ...
أولاً .. المادة جامدة ولهذا وجب أن تتلقى حركتها عن الروح ..
ثانياً .. إن المادة لا تمتلك بنفسها أية ضرورة طبيعية أو أية وحدة ، لهذا وجب أن تقوم روح أخرى بالمحافظة على قوانين المادة ..
ثالثاً .. المادة لا تمر بتطور تاريخي في نموها ، لهذا وجب أن تكون قد خلقت على يد كائن أبدي ..
أما النزعة المادية فإن نظرتها الى المادة ونموها الداخلي الضروري يؤدي بها الى النظرية القائلة بخلود الكون ولا نهائيتهِ في تحولهِ المستمر ، والقول بأن المادة لا تفنى وليست مخلوقة ..
لقد إمتدت النظرية التاريخية بفضل إكتشافات ماركس وإنجلز الى ميدان العلوم الإجتماعية ، الى جميع ظواهر الحياة الإجتماعية وقضت على النقض الثالث في المادية القديمة التي لم تكن تعتبر المجتمع كتطور طبيعي ( تاريخ طبيعي ) ...
يجب القول أن الله والديانات ظاهرتان إنسانيتان لأن العنصر الإلهي هو من إبداع الإنسان وليس الإنسان من إبداع الله ...
وجاءت الماركسية بالعناصر النهائية لتفسير الدين ومبادئ هذا التفسير تقوم على ...
أولاً ... الصورة البدائية للديانة وغيرها تعبّر عن معطى معيّن حقيقي عن الفعل الانساني ، وهو عجز أمام الطبيعة ، وذلك العجز الذي يتعلق بنمو الانتاج الضعيف ، وهو عجز أيضاً أمام الظواهر الإجتماعية الذي يتعلق بالإضطهاد الطبقي وفقدان الأمل وضعف الوعي الإجتماعي ...
فالديانة إذاً هي نقيض العلم المادي الجدلي الذي يعكس لنا تناقضات الواقع بإخلاص دون إضافات خيالية ...
ثانياً ... بما أن الديانة تتولد من الجهل ، فإنها تضع تفسيرات خيالية محل تفسيرات علمية ، فتعمل بذلك على ستر الواقع وإسدال الستار على التفسير الموضوعي للظواهر ..
لهذا كان رجل الدين مناوئ لمبادئ العلم التي هي من عمل الشيطان كما يعتقد ، لذلك هو حريص على أوهامهِ ..
عجز رجل الدين يدفعه لتوجيه الجماهير وآمالها نحو العالم الآخر ..
لقد وضع إنتصار الإشتراكية التاريخي حد لسيطرة الطبقات الرجعية ...
لهذا يستمر النضال في النظام الإشتراكي بين العلم والدين وبين الجهل والمعرفة ، لأن المعرفة تقوم بواسطة النضال وذلك هو مضمون مبدأ حرية الوعي ..
نخرج من هذا الدرس بفكرة عن مادية العالم ، فالنزعة المادية الجدلية في أيامنا هذهِ هي النزعة الثورية الوحيدة ..
النزعة المادية .. تعلمنا أن نرى العالم كما هو في وضعهِ الصحيح دون إضافات خيالية ..
وبدلاً من أن تقضي النزعة المادية على الإنسان فإنها تظهر له أنهُ ليس هناك مصير أو قدر وأنه يستطيع بواسطة المعرفة العلمية للواقع أن يتمتع بحياة جديدة وأن يتعرف على السعادة في الحياة ، وتؤدي كما قال ماركس الى الاشتراكية ...

مثال ...
علم الأمراض يساعد على محاربة هذه الأمراض بمحاربة أسبابها ، وكذلك معرفة أسباب الحرب تساعد على محاربة الحرب نفسها ، وكلما زادت معرفتنا بالأسباب التي تؤدي الى الحروب كلما إزداد تسلحنا لمحاربتها بصورة فعالة ..
الحرب إذاً ... لا يمكن أن تكون قضاءاً أو قدراً لايمكن الهروب منه !!
إن الدعوة للعمل تتيح لنا معرفة ما هو ممكن ، كما تتيح لنا تحديد مقدرة الإنسان الفعلية ، هذه هي الحرية فليست إعلاناً أجوفاً ... بل هي قدرة فعالة ..

ميزة النزعة المادية الماركسية الثانية ...
المادة تسبق الوعي ...
حيلة مثالية جديدة ..
إن نزعة الدين المثالية حاربها تطور العلوم منذ عصر النهضة ، لقد هاجم باركلي بتأثير جنونهِ المثالي جميع الإكتشافات العلمية الحديثة ، لا سيما الحساب المتناهي في الصغر في علم الرياضيات قائلاً أنها عبث وغير منطقية ومتناقضة ...
ودراسة نظرية باركلي مهمة للغاية لأنها تعبّر جيداً عن جوهر النزعة المثالية الحديثة ، ولم يُخطئ ديدرو عندما وصفه بلطخة عار الفكر الإنساني والفلسفة ...
يقول باركلي ..
الأشياء موجودة لأننا نراها ونلمسها ونحن نعتقد بأنها موجودة لأنها تمدنا بالأحاسيس ..
النظرية الماركسية ...
تعتمد النزعة المادية الفلسفية الماركسية على المبدأ القائل ...
( إن المادة والطبيعة والكينونة هي وقائع مادية موجودة خارج الوعي ومستقلة عنه ) ..
وهي بذلك تعارض النزعة المثالية التي تؤكد بأن الوعي وحده موجود حقاً وإن العالم والطبيعة والكينونة موجودة فقط في وعينا وأحاسيسنا وتصوّراتنا ...
كما تقول النزعة المادية ...
بأن المادة مُعطى أول لأنها مصدر أحاسيسنا والتصوّرات والوعي ، بينما الوعي هو مُعطى ثانٍ لأنه إنعكاس المادة والكينونة ، وأن الفكر نتاج المادة مهما بلغت هذه المادة في تطوّرها درجة عالية من الكمال ...
وأن الفكر بصورة أدق هو ثمرة الدماغ ...
يقول ستالين ...
( الكينونة واقع موضوعي ، والوعي هو إنعكاس ذاتي لهذا الواقع ) ...
موضوعية الكينونة ...
لا يجب الخلط بين النظريات العلمية عن المادة ، تلك النظريات التي تتطور وتتعمق ويزداد غناها كلما زادت جدليتها ، لأن مميزات المادة لا تنضب ... وبين الفكرة الفلسفية عن المادة التي هي أساس كل عمل فلسفي وكل معرفة والتي لا يمكن أن تعتليها الشيخوخة ..
لتحديد المفهوم الفلسفي للمادة نقول ...
المادة هي مقولة فلسفية تستخدم للدلالة على الواقع الموضوعي الذي يجدهُ الانسان في أحاسيسهِ التي تنسخه وتصوره وتعكسه دون أن يكون وجوده معلقاً بوجودها ...
يقول لينين ...
( يوجد الواقع الموضوعي مستقلاً عن الوعي الإنساني الذي يعكسه ) ...
فإذا كان العلم يكشف بإستمرار ميزات جديدة للمادة فما ذلك إلاّ لأن المادة لا توجد في داخلنا بل في الخارج ..
وليس هناك من يشك بأن حياة المجتمع المادية توجد مستقلة عن وعي الناس لأنه لا الرأسمالي ولا العامل سيتمنيان حدوث الأزمة الإقتصادية التي لا بد من حدوثها ...
تعريف قانون القيمة ...
هي كمية العمل التي تحتوي عليها بضاعة معينة ...
حين نتكلم عن السيطرة على قوى الطبيعة والقوى الإقتصادية لا يعني ذلك أنه يمكن إزالة القوانين العلمية أو تكوينها ... بل يعني ذلك على العكس أنه يمكن إكتشاف القوانين ومعرفتها وتمثيلها وتعلم تطبيقها على ضوء معرفة الأسباب ، وإستخدامها لمصلحة المجتمع والحصول عليها بهذه الوسيلة وإخضاعها لسيطرتنا ...
يقول ستالين ...
( تنظر الماركسية لقوانين العلم سواء أكانت قوانين الطبيعة أم قوانين الإقتصاد السياسي على أنها إنعكاس لعمليات موضوعية تجري مستقلة عن الإرادة الإنسانية ) ...
الوعي إنعكاس للكينونة ...
ماذا يعني ذلك ؟؟
يعني أن الثنائية قد زالت وأن الفكر لا يمكن فصلهِ عن المادة المتحرّكة ، فلا يوجد الوعي خارج المادة ومستقلاً عنه ...
تقول النزعة المادية الفلسفية عند ماركس ...
إن الوعي والكينونة والفكرة والمادة إنما هما صورتان مختلفتان لظاهرة واحدة تحمل اسم عام هو الطبيعة أو المجتمع ، فالواحد منهما ليس نفياً للآخر وكذلك هما لا يكوّنان نفس الظاهرة ..
وتعني الفرضية الماركسية
أن لا مصدر لمضمون وعيناإلاّ الخواص الموضوعية التي تبدو في الظروف الخارجية التي نعيش فيها والتي نشعر بها في أحاسيسنا ...
فالوعي ... هو إنعكاس لحركة المادة في دماغ الإنسان
وتعني الفرضية الماركسية أيضاً ... أن الوعي سواء من وجهة نظر الطبيعة أو المجتمع أم من وجهة نظر تاريخ الفرد وشخصيّتهِ إنما هو نتاج تطوّر تاريخي ...
يسبق الوعي .... هو عبارة عما يجري في دماغنا خلال تطور الطبيعة تغيير مادي مماثل ، وهو عبارة عما يجري خارجنا وسوف يتبع هذا التغيير المادي تغيير فكري مماثل ...
ويسبق التطور الفكري من ناحية الوعي تطور للظروف الخارجية من الناحية المادية ، فتتغير أولاً الظروف الخارجية التي تمثل الناحية المادية ، ثم يتغير الوعي الذي يمثل الناحية الفكرية ...

الفكر ... والدماغ
يقول ماركس ..
( لا يمكن فصل الفكر عن المادة المفكرة ، لأن المادة هي أساس جميع التغييرات التي تحدث ) ..
أما انجلز فيقول ...
( مهما بدا لنا وعينا وتفكيرنا أنهما متعاليان فهما ليسا سوى ثمرة عضو مادي الا وهو الدماغ ) ...
تدل العلوم الطبيعية على أن عدم إكتمال نمو الدماغ عند شخص من الأشخاص يكون عائقاً أمام نمو الوعي والفكر ...
لأن الفكر نتاج تاريخي لتطور الطبيعة ، وبلوغها درجة سامية من الكمال ...
فالدماغ يعكس الظروف التي تحيط بالجسم ، كما يعكس الظروف الخارجية ...
فمن أين يبدأ الوعي والفكر ؟؟؟
يبدأ من الإحساس بتأثير حاجاته الطبيعية ، فالعمل والتجربة والانتاج هي التي تثير اولى حركات الفكر في بداية الجنس البشري ...
ومصدر الأحاسيس هو في المادة التي يشتغل بها الانسان وليس العمل ، فالعمل هو إتحاد جوهري بين الانسان والطبيعة وهو نضال الانسان ضد الطبيعة في سبيل العيش كما أنه مصدر كل تفكير ...
إن الخطأ الأساسي لكل نزعة مادية في الماضي هو أن الشئ والواقع والعالم الحسّي لم يكن ينظر إليها كنشاط إنساني ملموس في ميدان العمل ...
تعلمنا العلوم ... أنه إذا ما إبتعد فرد من الأفراد عن الحياة الإجتماعية تعطل تفكيره وتداعت ذاكرتهِ وتخاذلت إرادتهِ وتصبح لا شئ ..
يلاحظ انجلز ...
( إن كل عمل إنساني كان ولا يزال منذ البداية عملاً ضمن المجتمع ، وإلاّ لما استطاع الانسان أن ينجو من الأخطار الطبيعية ، هذه الملاحظة مهمة جداً لفهم إصول الفكر والتأمل ) ...
لأن العمل يوضح جوانب عديدة للواقع ، كما أنه يثير مشاكل جديدة ، فهو يكشف عن علاقات موضوعية جديدة ، لا تكفي الأحاسيس للتعبير عنها ...
فالعمل إذاً هو الذي أثار الحاجة للإتصال فتولد عن ذلك اللغة التي هي عبارة عن إتصال بلآخرين قبل أن تكون تعبيراً ... ويزداد في نفس الوقت غنى دماغ الانسان بعلاقات جديدة ..
ويعني ظهور الفلسفة ظهور الفكر الصرف والتأمّل ، فلا لغة ولا فكر بدون العمل الذي هو نشاط إجتماعي ...
إذاً اللغة كما يقول ماركس .. هي واقع الفكر المباشر ، ويظهر واقع الفكر في اللغة ..
اللغة ... هي التي تتيح للإنسان أن يعكس الواقع بأكبر قدر من الدقة ، إن ما يحدد وعي الانسان هو المجتمع الذي يعيش فيه ومعرفتهِ لهذا المجتمع ...
وهكذا تتعلق الناحية البيولوجية عند الانسان بالناحية الإجتماعية ، لأن الظروف الإجتماعية للحياة هي التي تحدد الحياة العضوية والحياة الذهنية فالفكر بطبيعتهِ ظاهرة إجتماعية ...
يحق لنا القول إذاً بأن الدماغ هو عضو الفكر فقط ولا يخالف أبداً قول الماركسية الأساسي ..
وليس وعي الناس هو الذي يحدد وجودهم ، بل وجودهم الإجتماعي هو الذي يحدد وعيهم ...

درجتا المعرفة ...
تتيح لنا أبحاث الفيزيولوجي بافلوف وإكتشافاتهِ أن نحدد بدقة الطريقة التي يتكوّن بها الوعيإنعكاس الواقع والكينونة أي تكوّن المعرفة ..
هناك درجتان للمعرفة ...
أولاً ... الإحساس المباشر ..
ثانياً ... الفكرة المجرّدة ..
والإحساس بمفردهِ أقل كمالاً من الفكرة ..
وهكذا نرى أن الفكرة المجرّدة هي التي تعكس بدقة الواقع ..
أما فيما يتعلق بالأشياء المجرّدة بذاتها كفكرة القرابة مثلاً فإن الطفل لا يمكنه تلقيها إلاّ بواسطة الإستعمال الإجتماعي ...
تنتقل المعرفة من الحسّي الى العقلاني في جميع الميادين ..
يرى باركلي أن رؤيتنا للشمس مسطحة حمراء دليل على أنها لا توجد إلاّ في وعينا ، أما الماركسية فهي ترى أن ذلك ليس سوى دليل على أن المعرفة الحسّية غير كافية لأنها إذا كانت تصلنا بالواقع فإنها لا تجعلنا نفهم ما هو الواقع ..
علمتنا الجدلية ...
كي نفهم ظاهرة ما أن نربطها بظواهر أخرى هي أصلها وأن ندرك تناقضاتها الداخلية ، لأن العلم والمعرفة بواسطة الأفكار لا يجعلاننا نعرف كيف تكون الشمس حقيقة بل لماذا نراها مسطحة حمراء فالعلم يُطلعنا على جوهر الظواهر ...
وتختلف المعرفة المنطقية عن المعرفة الحسّية ...
ذلك لأن المعرفة الحسّية تحيط بجوانب الظاهرة الخاصة وعلاقاتها الخارجية ، بينما المعرفة المنطقية تحيط بالأمور المشتركة بين الأشياء وجوهرها وعلاقاتها الداخلية ، فتؤدي الى إكتشاف التناقضات الداخلية في العالم الذي يحيط بنا ...
والإنتقال من الدرجة الاولى للمعرفة وهي درجة الإحساس والتأثرات والإنفعالات الى الدرجة الثانية وهي درجة المفاهيم ، إنما هو مثال رائع على الجدلية ، لأن تجمع الإحساسات الكمي هو الذي يُحدِث الظاهرة النوعية الجديدة ألا وهو المفهوم ...

الدرجة الاولى للمعرفة ...
هي ما يسمى بالدرجة الانفعالية للمعرفة ، أي درجة الإحساسات والتأثرات ...
ويؤدي إستمرار الاستعمال الإجتماعي في تجربة الناس الى تكرار الأشياء التي يدركونها بحواسهم والتي تؤثر فيهم ، فيحدث في دماغ الانسان قفزة في عملية المعرفة إذ يظهر المفهوم ...
ويمثل المفهوم بطبيعتهِ طبيعة الأشياء وما بينها من عناصر مشتركة وعلاقاتها الداخلية ..
هناك إختلاف بين المفهوم والإحساس وهو ليس إختلافاً كمياً فحسب ، إختلافاً نوعياً ...
يقول لينين ...
( إن المفاهيم هي أسمى ما ينتجهُ الدماغ ، والدماغ نفسهُ أسمى ما تنتجهُ المادة ) ..
فإذا كان هناك تناقض في أفكار الناس ، فذلك لأن هناك تناقض في الواقع الذي يعكسه تفكيرنا ...
يقول ماركس ..
( ليست حركة الفكر سوى إنعكاس لحركة الواقع بعد أن إنتقلت لدماغ الإنسان ) ..

الخلاصة ...
ندرك الآن أهمية النظرية الماركسية من الناحية العلمية ، فيما يتعلق بأسبقية المادة على الوعي ..
أولاً ... إذا كانت الظروف هي التي تتغيّر أولاً ، ثم يتغيّر وعي الناس ، فلا يجب البحث عن سبب ( أية نظرية أو عقيدة أو مثالية في أدمغة الناس ومخيلاتهم ) بل في تطور الظروف المادية ، لأن الفكرة التي تقوم على دراسة هذه الظروف هي الفكرة الصائبة المقبولة ...
ثانياً ... إذا كان وعي الناس وعواطفهم تحدد الظروف الخارجية ، فإنه يصبح من البديهي أن تغيير هذه الظروف وحدهُ يمكن أن يُغيّر وعي الناس ...
ــ إذا كانت الظروف تكوّن الانسان ، فيجب تكوين هذهِ الظروف بصورة إنسانية ..
ــ إن النزعة المادية تفتح أمام البروليتاريا والإنسانية طريق تحرّرها المادي والثقافي ألا وهو الطريق الثوري ...
ملخص لكتاب اصول الفلسفة الماركسية
جورج بوليتزر



#فواز_فرحان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مختصرات في الماركسية .. 7
- مختصرات في الماركسية ...6
- مختصرات في الماركسية ... 5
- مختصرات في الماركسية 4
- مختصرات في الماركسية 3
- مختصرات في الماركسية 2
- مختصرات في الماركسية 1
- أغصان الشر 1
- أشباح إنسانية تائهة ...
- اليسار العالمي ... وقمة كوبنهاجن
- جائزة نوبل ... وتجّار الحروب
- شعاع رقيق من النور ...
- جدار برلين .. بين ترميم وتهديم الحقائق التاريخية
- السياسة الأمريكية ... وأزمة الأفكار العظمى 3
- متى يكون الأديب ضميراً للأمة ..؟
- السياسة الأمريكية ... وأزمة الأفكار العظمى 2
- السياسة الأمريكية ... وأزمة الأفكار العظمى 1
- العراق والطريق للتخلص من دولة الفشل ...
- وجهة نظر في الأحداث الايرانية ...
- الصراع بين الدين والعلمانية في الولايات المتحدة ..


المزيد.....




- الشرطة الإسرائيلية تفرق متظاهرين عند معبر -إيرز- شمال غزة يط ...
- وزير الخارجية البولندي: كالينينغراد هي -طراد صواريخ روسي غير ...
- “الفراخ والبيض بكام النهاردة؟” .. أسعار بورصة الدواجن اليوم ...
- مصدر التهديد بحرب شاملة: سياسة إسرائيل الإجرامية وإفلاتها من ...
- م.م.ن.ص// تصريح بنشوة الفرح
- م.م.ن.ص// طبول الحرب العالمية تتصاعد، امريكا تزيد الزيت في ...
- ضد تصعيد القمع، وتضامناً مع فلسطين، دعونا نقف معاً الآن!
- التضامن مع الشعب الفلسطيني، وضد التطبيع بالمغرب
- شاهد.. مبادرة طبية لمعالجة الفقراء في جنوب غرب إيران
- بالفيديو.. اتساع نطاق التظاهرات المطالبة بوقف العدوان على غز ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - فواز فرحان - مختصرات في الماركسية .. 8