أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - فواز فرحان - السياسة الأمريكية ... وأزمة الأفكار العظمى 3















المزيد.....


السياسة الأمريكية ... وأزمة الأفكار العظمى 3


فواز فرحان

الحوار المتمدن-العدد: 2825 - 2009 / 11 / 10 - 21:58
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


تولدت الرغبة لدى الادارة الأمريكية في نشر الديمقراطية في العالم العربي من خلال تصدير أفكار العولمة والطرح اللبرالي لقضايا الشعوب لكن هذه الرغبة كانت في معظم الأحيان تصطدم بالرؤية الإسرائيلية لأوضاع المنطقة ، فوجود دولاً ديمقراطية لا يتناسب مع هذه الرؤية على الأقل لانه سيجعل من طروحات الأخيرة عديمة الجدوى وهنا حل صراع فكري بين الولايات المتحدة واسرائيل حول طبيعة الخطوات التي يجب تحقيقها قبل فرض الديمقراطية على هذه البلدان فالتحول الديمقراطي في البلدان العربية ليس سهلاً كما تتوقع الادارة الامريكية التي تجهل تماماً التركيبة النفسية والإجتماعية لهذه الشعوب والتي تعتمد كما ذكرت على التحليلات الاسرائيلية في هذا المجال بالتحديد ..
ان أحد أبرز العوامل التي تقف حائلاً أمام السياسة الأمريكية لتحقيق إختراق في مجال التحوّل الديمقراطي هو الفساد في الأجهزة الحكومية لهذه البلدان وهذا الفساد ينعكس سلباً على إحراز تقدم في مجال الاقتصاد ومجالات أخرى كالسياسة والثقافة والحريّات العامة والحقوق وهو ما يتطلب إجراء تغيير جذري في تلك الأنظمة إذا ما تولدت الرغبة الحقيقية لتحقيق هذا التحوّل الديمقراطي الذي تنشده الولايات المتحدة والذي يبدو مستحيلاً في ظل إنعدام البديل لها في أغلب الحالات ...
كما ان الخوف من نتائج ذلك التحوّل هو الآخر دفع الولايات المتحدة الى التراجع فهذه النتائج قد تقود الى وصول أنظمة معادية للمصالح الأمريكية وحتى الغربية وعند هذه النقطة بالتحديد وقفت السياسة الامريكية عاجزة عن الإستمرار في تقييم واقع الدعم الذي كانت تقدمه للمنظمات والاحزاب التي كانت ترغب في إحداث التغيير في الشرق الأوسط وأماكن أخرى في العالم الاسلامي ...
ان الجهود التي إتخذتها إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش في تقديم حوافز إقتصادية الى الدول التي ترى فيها الادارة الاميكية نقطة إنطلاق لتحقيق التغييرات الديمقراطية في المنطقة لم تكن ناتجة عن دراسة دقيقة لتلك المنطقة بقدر الرغبة في إحداث التغيير نحو انظمة لبرالية غربية تعكس رغبات السياسة الامريكية وتعمل على ترسيخها وهو ما وجد نفوراً حتى من الجهات الموالية لتلك السياسة على إعتبار ان تلك الجهود لا تأخذ بنظر الإعتبار طبيعة المنطقة والمشاكل السياسية فيها ...
وعند تسليط الضوء على تلك الأنظمة التي وضعتها الولايات المتحدة على رأس أولوياتها في التغيير نجد أنها كانت أنظمة ضعيفة وغير مؤثرة ولا يمكن لها ان تلعب الدور المحوري في السياسات العامة في المنطقة ، اي انها لم تتجه الى تلك الأنظمة القوية ماديّاً وسياسياً كالعربية السعودية ومصر وسوريا بل اتجهت نحو الصومال والسودان والعراق وليبيا ، فالصومال كان بلداً مستقراً في عهد سياد برّي وبعد نهاية الحرب الباردة ارادت الولايات المتحدة انهاء الحكم الماركسي في ذلك البلد بأي ثمن وحتى بعد نجاحها في ذلك لم تتوقف عند تغيير النظام بل سعت الى انهاء ذلك البلد من الوجود لانه لعب دوراً في القرن الأفريقي لم يكن يروق لها ...
وفي السودان خرجت مشاكل كثيرة الى السطح كانت آخرها دارفور ويكون البلد قد دخل في مستنقع جديد بعد مستنقع رغبة الجنوب في الانفصال وقد تنتهي هذه المشاكل عند تقسيم البلاد الى ثلاثة او اربعة دول ، وتعرّضت ليبيا الى ضغوطات كبيرة كي تتخلى عن الكثير من المبادئ في سياستها الخارجية حتى وضعت كامل قدراتها العسكرية وبالارقام على الطاولات الغربية وقدّمت تعويضات خيالية لاتفاقات مع الغرب تتجاوز الكثير من الحدود في الاتفاقات الدولية ، والعراق في عهد صدام حسين كان عراقاً مشتتاً في الاتجاهات ولا يمتلك البوصلة الحقيقية للتعبير عن دور معيّن في المنطقة ولقي دعماً كبيراً من الغرب والشرق على حد سواء أثناء فترة حربهِ مع ايران ولولا ذلك الدعم لما تمكن صدام من الصمود بوجه ايران طويلاً ..
وحتى بعد تغيير نظام صدام لم تتمكن السياسة الامريكية من تحقيق اي نجاح في مجال نشر الديمقراطية بل انها عانت كثيراً من موجات عدائية لم تكن في الحسبان ليس في العراق فحسب بل في العديد كم الدول العربية والاسلامية لا سيما وان الحرب كانت تخلو من المبررات المنطقية والشرعية لاسقاط صدام حسين ، وعلى الأرجح كانت الحرب على العراق تخلو من أفق معيّن ترغب الولايات المتحدة تحقيقه في هذا البلد او حتى في منطقة الشرق الأوسط ...
ان التغيير الذي كانت الولايات المتحدة ترمي الى تحقيقه كان يصب في خانة التغيير المضر بالمصالح الأمريكية لان جميع المُعطيات السياسية تعبّر عن ذلك بوضوح لاسيما بعد القضاء على شاه ايران وانتصار دولة ولاية الفقيه الاصولية في ايران وكذلك تصاعد المدّ الاسلامي في مصر والجزائر وسيطرة الاسلاميين على الشارع الكويتي والاردني الى حد ما وتأثر الاحزاب الشيعية العراقية بالتجربة الايرانية وانقسام لبنان الطائفي وغيرها وهي في النهاية ستقود الى وصول حركات وأحزاب سياسية في الشرق الأوسط متطرفة ومعادية للمصالح الأمريكية وهذه الأحزاب والحركات لا تحتاج لمبرر في عدائها للولايات المتحدة فالمواقف الامريكية من القضية الفلسطينية وحدها تكفي لخلق العداء واستمراره بإستمرار المواقف الامريكية التي تحدثت عنها ...
لقد أدخلت الولايات المتحدة نفسها في ورطة سياسية قد تؤدي الى انهيار استراتيجيّتها في هذه المنطقة من العالم لانها ببساطة غير ملمة بواقعها الجغرافي والسياسي والاجتماعي الى حد بعيد ، كما انها إفتقدت الى الأفكار الحيوية التي تجعل من هذه السياسة هادفة على الأقل لخدمة تلك المصالح التي تحرّك الآلة العسكرية والتي لا يعلم الشعب الأمريكي عنها الكثير ...
ولو نظرنا على المدى البعيد لما صاغته الادارة الامريكية في العراق لوجدنا من ناحية انها تعتقد بسيطرتها على العملية السياسية في البلاد وان أغلب الأحزاب الموجودة على الساحة خاضعة لسياستها تماماً وان ما صاغه نوح فيلدمان في الدستور ومعه أفكار نكروبونتي وبول بريمر سيجعلان العراق دولة عاجزة شبيهة بلبنان على مدار الخمسة عقود المقبلة لكن واقع العملية السياسية وتدخل أطراف دولية أخرى يفنّدان هذا الإعتقاد لا سيما وان أكبر تكتل في البلاد وهو الائتلاف الشيعي ينتظر اللحظة المناسبة للانقضاض على الدستور الذي وضعته أمريكا ويعيد صياغة الواقع العراقي الجديد وفق رؤية ايرانية عراقية (شيعية)مشتركة بعد الانسحاب وحينها لن تتمكن الادارة الامريكية من فعل شئ سوى التهديد بإعادة العقوبات على العراق لكن ذلك سيكون في مرحلة قد تمكن كل من روسيا والصين وايران من الاستحواذ على أغلب عقود النفط والبناء والتجارة المتبادلة ...
ان المشروع الذي صاغته روسيا لمنطقة الشرق الاوسط يزيح تدريجيّاً المشروع الامريكي ويحل محله في الوقت الذي تتهاوى فيه منظومات عملاقة في الاقتصاد الامريكي ولن يكون بوسع الولايات المتحدة من إعطاء حلول جديدة وجديرة بالاهتمام من قبل العرب الا عندما تحدث تغييراً جوهرياً في سياستها وربما ستتقوقع هذه السياسة وتذهب الى جوار شقيقتها البريطانية التي غدت عاجزة هي الاخرى عن فعل شئ في النظام العالمي الجديد الذي تلى تفكك الاتحاد السوفيتي وهذه النظرة للموضوع لا تدخل في خانة تحقير الدور الامريكي في المنطقة بقدر ما يذهب الى تحليل المواقف الامريكية بشكل قريب من الواقع السياسي في منطقتنا ...
لقد أسهم تذبذب السياسة الامريكية وتأرجحها في جعل العالم ينظر الى تلك السياسة نظرة إستخفاف لا سيما وانها تبحث فقط عن الضامن الحقيقي لمصالحها وهي بذلك تخسر الاطراف التي يمكنها إحداث تغيير حقيقي في المجتمعات الى أمام او على الاقل الى الضفة التي تجعل المجتمعات العربية تعيش فيها جواً من الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير ...
هذا التذبذب هو الذي يدفع أطراف عديدة في الشرق الأوسط الى البحث عن طرف نزيه الى حد ما على إعتبار انه لا يوجد سياسة نزيهة عند الدول الكبرى فكل شئ له ثمن في السياسة الدولية وهذا ما تتفهمه الاطراف العربية لكن ان تكون هي من يدفع الثمن في جميع الأحول فهذا ما لا يمكنها تحمله الى ما لا نهاية وأصبح لديها القدرة على المناورة وجعل الدور الأمريكي دوراً محدوداً او ثانوياً بسبب انحيازه لمواقف على حساب اخرى وهنا تنتفي صفة النزاهة على هذا النوع من السياسات ...
ان لسان حال الولايات المتحدة يردّد دائماً في حالة الانتخابات الحرّة اننا نفضل الدكتاتورية على ديمقراطية تقود أمثال حماس الى كرسي الحكم ، وبالفعل شكلت الحالة الفلسطينية نموذجاً الى حد ما بتغيير مزاج الشارع العربي الذي أصبح يكره كل من يصافح اي مسؤول أمريكي ونكايةً بالمواقف التي تتخذها الادارة الامريكية فان الشعوب مستعدة لايصال اعتى المتطرفون الى كراسي الحكم ..
اذن الديمقراطية كمصطلح ومفهوم لغوي غير موجود في المشروع الامريكي بل موجود في قاموس المصالح الاقتصادية والسياسية لها وتستعين به وقتما تشاء ..
لقد كانت الولايات المتحدة أكثر حزماً في مواجهة الشيوعية من مواجهتها للاسلام الراديكالي والقاعدة ، وقد سخرت المليارات من أجل تشويه الشيوعية حتى في البلدان الأشد فقراً في العالم لكنها لم تعد تمتلك تلك القدرة في حربها الحالية مع الاسلام لانها في نفس الوقت لها علاقات واسعة مع العالم الاسلامي واي فوضى في الأفكار المطروحة سيقود سياستها الى الهاوية وربما يؤدي الى تغيير المزاج العام في الولايات المتحدة بصدد الكثير من القضايا الفكرية التي كانت الادارة الامريكية تعمل على ترسيخها في أعماق الوجدان الامريكي رغم انها كانت لا تعكس الحقائق ومشوّهة الى حد بعيد ، والأزمة الحقيقية التي تمر بها البلاد ليست إقتصادية فحسب بل فكرية أيضاً فقد أدخل جورج دبليو بوش الولايات المتحدة في مستنقع لا يمكنها الخروج منه الا في حالة واحدة فقط وهي انحسار دورها عالمياً ناهيك عن الاحتمالات الاخرى التي قد تؤدي الى استقلال بعض الولايات عنها وابتعادها عن الدور المشبوه الذي يريدهُ سادة الاوليغاركية المالية الحاكمة لهذه الدولة ..
وجوج بوش وحده لا يتحمّل وزر هذا التراجع فقد بدأت خطوات الايقاع بالسياسة الامريكية منذ عهد والده وعهد بل كلينتون غير ان الطامة الكبرى حدثت في عهد بوش الابن الذي أدخل البلاد في حربين في كل من العراق وأفغانستان لن تتمكن هذه الدولة من الخروج منهما بسهولة دون ان تدفع ثمناً باهظاً سينعكس مستقبلاً على سياستها ودورها عالمياً ...
من المعروف ان الرئيس الامريكي لا يمتلك سلطات مطلقة الا إذا كان منتمياً لتلك الاقلية الحاكمة وعائلة بوش تنتمي بكل ثقلها لمركز صنع القرار الامريكي وهو ما يحسب على دور تلك العائلة في إدخال البلاد في النفق المظلم الذي سيجعلها عاجزة مستقبلاً عن مجاراة القوى الدولية الصاعدة الاتحاد الاوربي وروسيا والصين واليابان والهند وامريكا اللاتينية ...
ان الدعم الذي تقدمه الادارة الامريكية لأغلب الأنظمة العربية ومساعدتها في احكام سيطرتها على الحكم بما في ذلك منع أحزاب تمتلك شعبية واخرى لها تطلعات علمانية وحتى لبرالية يجعل من الاسلام وقواه السياسية البديل الأوحد لتلك الأنظمة وهو ما يدفع الى تعميق أزمة الأفكار اللبرالية التي تنادي بها الولايات المتحدة ، وفي نفس الوقت ترغب الولايات المتحدة في حصول تقدم في هذا المجال لكنها لا تستطيع الضغط الى حد بعيد على تلك الانظمة لانها ببساطة حامية لمصالحها في المنطقة ..
لقد فشلت الولايات المتحدة في نشر مفاهيمها اللبرالية لانها إفتقدت الى المواقف المبدأية ولم تتمكن من إحداث أي تقدم في مجال إحلال السلام في الشرق الأوسط بسبب الفوضى التي تعانيها في سياستها الخارجية وهناك مثل يقول اذا فشلت في متابعة التفاصيل في موضوع معيّن فعليك الذهاب الى النتائج كي تكون قادراً على الاقتراب من تقييم الموضوع بشكل دقيق وأغلب النتائج تقول ان العالم العربي أصبح أشد كراهية للولايات المتحدة وسياستها الخارجية بعد تفكك الاتحاد السوفيتي واكتشف انها دولة لا تختلف كثيراً عن تلك الانظمة التوتاليتارية في السجون والتعذيب والتعتيم الاعلامي على مواضيع معينة والانحياز لدول تضمن مصالحها حتى على حساب حرية الشعوب وحقوق البشر ...
ان إخفاق السياسة الامريكية في عالم اليوم يعود بالدرجة الاساس الى عدم قدرتها على الجمع بين الديمقراطية ومصالحها الاقتصادية فالاولى تدمر الثانية والعكس صحيح وهو مكمن الخلل في طبيعة الاراء والافكار المطروحة وأثبت ذلك للعالم ان من يقود الولايات المتحدة اناس ربما لا يمتلكون آفاقاً واسعة في السياسة الدولية كتلك التي يمتلكها الساسة الروس والصينيون في العصر الحالي ...
وأغلب الدارسين للسياسة الأمريكية منذ صعودها بعد الحرب العالمية الثانية وحتى يومنا هذا يحاول تشبيه تلك السياسة في اوربا والمنطقة العربية وهو تشبيه خاطئ لان الحالة الألمانية تختلف جذرياً عن الحالة العراقية والتدخل الأمريكي في يوغسلافيا السابقة يختلف عنه في كل من العراق وأفغانستان والسبب الرئيسي يعود الى طبيعة تلك السياسة وإنتماءاتها ، فالناتو في يوغسلافيا هو الذي لعب الدور الأكبر في الحرب وكان ذلك بعلم الولايات المتحدة على ان تكون أغلب القرارات هناك تعود لدول الاتحاد الاوربي بينما في الحالة العراقية تكون الكلمة الفصل للولايات المتحدة ...
ويرى أغلب المحللون لهذه السياسة ان دعم الولايات المتحدة للديمقراطية واللبرالية في العالم العربي سينتج عنه خدمة كبيرة للمصالح القومية الأمريكية على المدى البعيد لكن هذا الرأي يتناسى تقاعس الحكومات العربية في السعودية ومصر والخليج في التوجه نحو تحقيق هذه الرغبة لانها ستنتج عنها حكومات اسلامية واخرى راديكالية معادية للمصالح الأمريكية كما ذكرت فلهذا تتعارض طروحات الادارة الامريكية مع مصالحها وبالتالي تضطر الى التخلي عنها أو عدم المجاهرة بها بعد الآن وهو ما يؤدي بالتدريج الى ظهور الصورة الواضحة لهذه السياسة القائمة على الأفكار الاستعمارية والبحث عن المصالح بأي ثمن ..
لقد أدخلت الحرب الامريكية على الارهاب السياسة الدولية في قالب جديد عاد بالفائدة على أغلب الأنظمة الاستبدادية في العالم لا سيما تلك التي تدعمها الادارة الامريكية وخاصة في مجال القضاء على أصوات المعارضة والمطالبين بتوسيع الحريات المدنية ومراعاة حقوق الانسان والقضاء على الفساد المالي والاداري المستشري في تلك الدول فتعريف الارهاب عند الامريكي يختلف عنه عند العربي وهكذا فالحكومات العربية رأت ان تعريف الارهاب بالنسبة لها موات لبقاءها في السلطة والحفاظ على كراسي حكمها بينما عنى للاوربيين تضييق الخناق على الجاليات العربية المقيمة فيها من خلال سن قوانين جديدة تتيح للسلطات متابعة ومراقبة اي فرد وسهولة توجيه التهم مما قوّض الحريات المدنية التي كان الاجنبي يحلم بها في بلاده وجاء لكي يعاني معاناة من نوع آخر وان كانت أخف وطأةاً من سابقتها في عالمه الذي قدِمَ منه ...
لقد لعبَ الاعلام الغربي دوراً بارزاً في تشويه الحرب على الارهاب وظن أغلب الصحفيون ان مودة الحرب الباردة عادت من جديد برداء اسلامي هذه المرة وسخر الكثير منهم اقلامهم لابراز كراهية شديدة للاسلام والعالم الاسلامي في الوقت الذي كان من المفترض ان يحاول هؤلاء التمييز بين الحركات الاسلامية المتطرفة والعالم الاسلامي على اعتبار ان الاخير هو ايضاً يعاني من التطرف والعداء من قبل تلك الحركات ولم تنتبه لا الادارة الامريكية ولا باقي منظري الحرب الجديدة الى الهلوسات التي يصدّرها هذا النوع من الاعلام الذي ساهم مباشرة في تشويه وتحقير صورة الامريكي عند العرب وعند أغلب الدول التي عانت من السياسة الامريكية وقد تعوّد أغلب الصحفيون على امتداح الاتجاه الذي تسير عليه سياسة الناتو والولايات المتحدة طمعاً في حضور المنتديات الكبرى لهولاء والبحث عن شرف لقاء زعماء وقادة الناتو في المحافل الدولية او حتى الحصول على جائزة دولية في الصحافة لانهم وقفوا مع هذا الاتجاه في الحرب على الارهاب وقد خدم هذا الاعلام الدول الصاعدة وتبريراتها في ان الولايات المتحدة لا تشن حرباً على الارهاب بل تشن حرباً على الاسلام بأسره بشعوبه وأحزابه المتطرفة والمعتدلة وحتى الاحزاب العلمانية واللبرالية في هذا العالم وقد اسندت احدى الصحف الروسية الدليل على موافقة الولايات المتحدة على اعتقال ايمن نور ومحاسبته وقالت ان الولايات المتحدة لا تشن حرباً على القاعدة فحسب بل تشنها على كل ما هو موجود في العالم العربي والاسلامي ..
وقد أقنعت السياسة الروسية تركيا وايران بضرورة الانتباه لتلك الاخطاء في السياسة الامريكية وتقييم الخطوات التي تعكس بوضوح انحياز تلك السياسة لخط معين يعادي طموحات تركيا وايران وحتى الباكستان في الاندماج في المجموعات الدولية ، وهذه السياسة اعطت للكثير من الدول الحق في البحث عن قوى دولية اخرى صاعدة من شأنها الوقوف في وجه السياسة القذرة للادارة الامريكية ...
والشرق الاوسط مثال حي للدول التي تحاول التقرب من فهم طبيعة السياسة الامريكية فالتعامل الامريكي مع سوريا ينطلق من إعتبار انها دولة مارقة ولها نظام حكم استبداي وينبغي عزلها وتحجيم دورها في الشرق الأوسط لكن من يتابع الحالتين اللبنانية والعراقية فانه يتخوف من الذهاب بعيداً خلف تلك السياسة التي حولت لبنان الى بلد هامشي في الخريطة الدولية واي حكومة طائفية ومحاصصاتية تحتاج لعدة شهور حتى تتمكن من الظهور الى العلن فهي تحتاج لموافقة السني والشيعي والماروني والدرزي والكتائب وغيرها حتى يتمكن رئيس الوزراء من الشعور انه أصبح يمتلك حكومة ، وسوريا يحكمها فعلاً نظام استبداي بعثي ولا وجود للديمقراطية وحرية الرأي والتعبير في هذا البلد وتقوم دعامة الدولة الاساسية على حكم المخابرات والجيش وتحظى بدعم مطلق من روسيا في مجال الحفاظ على شكل الحكم فيها بينما في الاردن هناك نظام حكم لا يقل استبدادية عن نظيره السوري وهناك ديمقراطية شكلية تشبه ديمقراطية الجبهة الوطنية القومية التقدمية في سوريا لكن هذا الشكل من الحكم تم قولبتهِ بدستور يعطي سلطات مطلقة للملك وتم فيه تقييد أغلب الحريات من خلال هذا الدستور وتقوم كل من المخابرات الامريكية والبريطانية بالحفاظ على نظام الحكم في هذا البلد وهو ما يختلف عن سوريا حيث ان الاخيرة تعتمد على السوريين في شكل النظام الاستبدادي بينما في الاردن والسعودية وباقي دول الخليج يكون الاعتماد بالدرجة الاساس على الولايات المتحدة وبريطانيا في الحفاظ على الحكومات والامن الداخلي ...
وبدلاً من ان تستفاد الولايات المتحدة من أخطائها في لبنان راحت تستنسخ النموذج اللبناني في الحالة العراقية والأغلبية تتصوّر انها قامت بذلك عن عمد لكن الواقع يقول انها لم تتمكن من خلق حكومة وشكل للحكم أفضل من الذي اراده بريمر للعراق .
وقد ضحكت الدول التي تريد الصعود على غباء الادارة الامريكية في هذا المجال لانها أعطت الدليل القاطع لاي معارضة انها اذا ما ذهبت خلف الادارة الامريكية فإن حالها سيكون حال الحكومة الطائفية التي تم زرعها في العراق ، كما انها اعطت لشعوب عديدة تريد التغيير المثل السئ في تغيير نظام الحكم فالشعب السوري لو تم استفتاءه وأخذ رأيه في موضوع التغيير والديمقراطية قبل حرب الولايات المتحدة على العراق وبعدها كانت النتائج تختلف قبل الحرب عن تلك النتائج بعد الحرب وأصبح الشعب يفضل البقاء تحت نير الاستبدا على ان يكون حال سوريا دولة مهمشة وفاشلة على الخريطة الجغرافية كما حدث للعراق ..
ولو سرّبَ أحدهم خبراً الى المخابرات الامريكية قبل الحرب مفاده ان المجلس الأعلى وحزب الدعوة يريدان الانقضاض على نظام صدام بمساعدة روسية ايرانية لأقامت الولايات المتحدة الدنيا ، لكنها قادت هؤلاء بمحض ارادتها للحكم في العراق والديمقراطية الامريكية هنا أثبتت انها قادرة على إيصال حتى معارضي سياستها للحكم وتضحك اليوم كل من روسيا وايران ملئ فمهما على تلك الورطة التي أدخلت الولايات المتحدة نفسها فيها ..
وهنا يتبيّن لكل متابع ان الولايات المتحدة لم تعد كسابق عهدها تفكر في الخطوات التي تتبعها في السياسة الخارجية بل انها تخضع لردود أفعال معينة على الساحة الدولية وردود أفعالها هذه تقودها الى مطبات قد تنهي دورها عالمياً على اعتبار ان زمن الحرب الباردة يختلف جذرياً عن الزمن الحالي فاوربا لا توافق الولايات المتحدة في كل شئ كما ان هناك دولاً صاعدة أصبحت عملياً تمتلك التأثير المباشر على الدور الاوربي بحكم العلاقات الاقتصادية والتجارية معها كموضوع الغاز الروسي الذي تعتمد عليه اوربا كليّاً وموضوع التبادل التجاري مع الصين الذي يهدد الصناعات الاوربية على المدى البعيد ان حاولت اوربا ازعاج الجانب الصيني ...
ان طبيعة الأفكار التي تتحكم في السياسة الامريكية لم تعد تتوافق مع أغلب حلفاء الولايات المتحدة لا في طاولة المباحثات ولا حتى في ساحة الحرب على الارهاب وتثبت الحرب في أفغانستان عقم هذا الجدل الذي يدور بين الولايات المتحدة وحلفاءها فلكل منهم وجهة نظر في الموضوع وترى الأغلبية ان النهاية الحقيقية لحلف الناتو تكمن في أفغانستان وان العصر الحالي هو نهاية التحالف على اعتبار ان الولايات المتحدة تمعن في حرق جنودها وجنود حلفائها هناك دون ان تسأل نفسها مرة واحدة الى اين نريد الوصول في هذه الحرب ؟؟؟
ان إنسجام الطروحات الفكرية مع السياسة الخارجية هو الذي يعطي الدول السمعة الطيبة كما كان يفعل الاتحاد السوفيتي في سياسته الخارجية لكن ضعف الدول في تقبل تلك المواقف اوقع الاتحاد السوفيتي في مأزق معين كان أحد الأسباب التي أدت الى انهياره وتفككه ، بينما نجحت البراغماتية في السياسة الخارجية لوريث الاتحاد السوفيتي (روسيا الاتحادية) في جعلها تتقدم تدريجياً الى مصاف الدول العملاقة في السياسة الدولية وربما لن يمضي عقداً من الزمن تحل فيه كل من روسيا والصين محل بريطانيا والولايات المتحدة في قيادة العالم ..
ان أفضل ما يميّز السياسة المريكية في هذا العصر هو الوضوح في البحث عن مصالحها على حساب الشعوب وتجربتها مع امريكا اللاتينية يجب ان تكون عبرة لباقي البلدان في التعامل معها فقد حوّلت السياسة الامريكية شعوب هذه الدول الى عبيد وفقراء قبل ان ينتفظوا عليها ويتجهوا نحو اليسار لمداواة جراحاتهم وأصبح الامريكي هناك نظيراً للمستبد والجاهل في نفس الوقت عند تلك الشعوب ..



#فواز_فرحان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- متى يكون الأديب ضميراً للأمة ..؟
- السياسة الأمريكية ... وأزمة الأفكار العظمى 2
- السياسة الأمريكية ... وأزمة الأفكار العظمى 1
- العراق والطريق للتخلص من دولة الفشل ...
- وجهة نظر في الأحداث الايرانية ...
- الصراع بين الدين والعلمانية في الولايات المتحدة ..
- شهود يهوه .. ظاهرة جديدة في المجتمع العراقي
- الأيادي الصفراء للرأسمالية ...
- التأثيرات السلبية لألعاب الكومبيوتر على الطفل ...
- النظام لا يزال حديديّاً ...
- أحباب في العالم الآخر ...3
- معجزات البرلمان العراقي ...الخمس عشرة ..!!!
- مالذي إعتبره لينين أساساً متيناً للنظرية الثورية ؟
- لم يعُد لينين بيننا !!
- سقوط الارادة الدولية ...
- حادثة المؤتمر الصحفي لبوش بشكل معاكس ...
- مكافحة العنصرية والأيدلوجية الدموية ...
- ما الذي ننتظرهُ من الإنتخابات المقبلة ...
- الفرصة الكبرى لليسار السياسي الأمريكي ..
- ثورة اكتوبر ...ودولة المجالس العمالية


المزيد.....




- هل تصريح نتنياهو ضد الاحتجاجات في الجامعات يعتبر -تدخلا-؟.. ...
- شاهد: نازحون يعيشون في أروقة المستشفيات في خان يونس
- الصين تطلق رحلة فضائية مأهولة ترافقها أسماك الزرد
- -مساع- جديدة لهدنة في غزة واستعداد إسرائيلي لانتشار محتمل في ...
- البنتاغون: بدأنا بالفعل بنقل الأسلحة إلى أوكرانيا من حزمة ال ...
- جامعات أميركية جديدة تنضم للمظاهرات المؤيدة لغزة
- القوات الإيرانية تستهدف -عنصرين إرهابيين- على متن سيارة بطائ ...
- الكرملين: دعم واشنطن لن يؤثر على عمليتنا
- فريق RT بغزة يرصد وضع مشفى شهداء الأقصى
- إسرائيل مصدومة.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين بجامعات أمريكية ...


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - فواز فرحان - السياسة الأمريكية ... وأزمة الأفكار العظمى 3