أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - عدنان حسين أحمد - الروائي المصري رؤوف مسعد: أنا متمرد بالسليقة على أسرتي، وطبقتي، وديانتي، وعلى مبدأ الكتابة التقليدي، الجزء الثاني















المزيد.....


الروائي المصري رؤوف مسعد: أنا متمرد بالسليقة على أسرتي، وطبقتي، وديانتي، وعلى مبدأ الكتابة التقليدي، الجزء الثاني


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 2173 - 2008 / 1 / 27 - 10:47
المحور: مقابلات و حوارات
    


الجزء الثاني
الكتابة الخادعة
*أتتفق معي بأن " السيرة الذاتية " هي الأصل في روايتك الجديدة " إيثاكا ". وأن هناك أوجهاً كثيرة للتماثل بين الأنا الخارجية للمؤلف، والأنا السيرية للنص، كما أن هناك أوجهاً كثيرة للتطابق بين الزمن السيري وزمن الأحداث المُستعادة التي عاشها المؤلف أو الكائن السيري للنص. لماذاً دمغتَ " إيثاكا " بتوصيف رواية وليس سيرة ذاتية؟
-أنا مُصنّف من النقاد والقرّاء بأني كاتب لسيرتي الذاتية، ودائماً أحاول أن أراوغ في الإجابة. فالكتابة عن الذات هي أيضاً كتابة خادعة. تجد في الغرب كُتاباً متخصصين في موضوع السيرة الذاتية يريدون أن يقدموا للقراء جانباً مختلفاً عما يعرفونه عنهم سياسياً أو إدارياً أو فنياً أو جنسياً. يجمعون وثائق وخطابات وتصريحات وبيانات...الخ بالإضافة طبعاً الى حوارات يقومون بها معهم إذا كانوا معاصرين لهم. ولكي أكون دقيقاً وصادقاً في هذا الصدد، أعترف أن قسماً من العمل من كل عمل كتبته فيه سيرة ذاتية. أي قسم؟ هذا غير مهم للقراء أو حتى لي شخصياً. هذا القسم تجده دائماً في أعمال مؤلفين بعينهم، وحينما تقرأ كتاب ماركيز عن كيفية كتاباته لكتبه ستجده يحكي مثلاً عن والدته ووالده وبيته العائلي معهما وكيف أنه كتب " مائة عام من العزلة " مستلهماً وقائع حقيقية خاصة به. في " بيضة النعامة " أنا موجود في أجزاء كثيرة. فلا يستطيع كاتب ما أن يكتب عن السجن مثلاً من دون أن يكون قضى فيه بعض الزمن. أخوالي وخالاتي هم بعينهم من دون تزويق. الرحلة الى جبل مُرَّة بعضه حقيقي وبعضه خيالي، لكني بالفعل سافرت الى الجبل، وقضيت فيه أياماً متجولاً. بيت القسيس هو بيتنا، وكذا بعض السيرة في " مزاج التماسيح " و" غواية الوصال" . الأخيرة عن رجل كهل، هو أنا، أو ما أراه عن نفسي. في " غواية الوصال " توجد شهادتان حقيقيتان لبنتين مع تغيير بعض الأمكنة والأسماء حفاظاً على الخصوصية. نأتي الى" إيثاكا " التي تثير شهية الباحثين عن التماهي بين الكاتب وشخصياته. هناك قدر هائل من التخيل في " ايثاكا "مع سعاد حسني مثلاً، واستدعائها من العالم الآخر، والحوار معها. ثم أن الشخصية الأساسية هو المرمم، ووالده تاجر، ووالدته كانت ترتق الأحذية، وهؤلاء ليسوا أهلي، ولم أعمل مرمماً في حياتي على رغمٍ من إشتغالي بمهن مختلفة. شخصيات " كوين بووت " حقيقية لأن " كوين بووت حقيقي ". يبقى هنا النشاط الجنسي للمرمم في صباه القريب وصباه البعيد المتخيل في أزمنة سابقة مع إيروسا التي هي متخيلة وحقيقية أيضاً، وهي مزيج من شخصيتين نسائيتين تعرفان ذلك مني. فإيروسا هي تأنيث إيروس إله الانتصاب والجنس اليوناني. الحياة الجنسية للصبا القريب للمرمم بها علاقة وثيقة مع صباي وتشابك وتقاطع. أنا لم أدمغ " ايثاكا " بأية صفة، فهذا لا يشغلني. الناشر له تصنيفاته الخاصة، وأنا أتركه يتصرف طالما يترك لي النص من دون تدخل منه. أنا كتبت عليه " نص روائي " وتجده بعد الغلاف في الصفحة الأولى. الناشر كتب على الغلاف تجليات أدبية. هو صح، وأنا أيضاً صح لأني كنت أعرف، ولا أزال واثقاً بأنها ليست رواية بالمفهوم التقليدي، كما أنها ليست سيرة ذاتية كما شرحت من قبل.

* أنتَ متهم بالفتشية، والسادو- مازوخية، ونحن ننتظر منك جاباً صريحاً على هذه التساؤلات؟
-أنا مهتم بالفتشية والسادو مازوخية قرأت الكثير فيهما، ولأني أعيش في الغرب فهذه الأشياء متاحة بالنقود لمن يريد أن يشاهد فقط من دون ممارسة، أو للممارسة مع محترفين وفي النوادي والأمكنة المخصصة لذلك. أو بشكل شخصي مع شركاء وشريكات. وأنا لكي أريحك وأريح المتسائلين قد مارست كل هذه ألأشياء في كافة مجالاتها، ولا أشعر بحرج من التصريح بها.
* متمرِّد بالسليقة
*ترددتَ كثيراً قبل أن تعنوِّن الرواية عنواناً دائماً، فلقد أسميتها " المفترسون " ثم " فتنة الافتراس " ثم " فتنة ايروسا " وأخيراً " عش الزنابير " لكنك لم تستقر على أي من هذه التسميات الأربع. ما سبب هذا التردد والحيرة في عنْونة الرواية، ولماذا وقع اختيارك على " إيثاكا " ؟ وهل ثمة مقاربة بين رحلة عوليس الى إيثاكا ورحلة رؤوف مسعد الى " إيثاكته " الخاصة؟
-معك حق في هذا فلم أصل للعنوان الأخير إلا وأنا في القاهرة أراجع للمرة الثانية، أو لعلها الثالثة البروفة النهائية قبل الطباعة. كان محمد هاشم الناشر كريماً وصبوراً معي، وأنا أغيِّر، وأشطب، وأضيف في البروفات. لم أكن راضياً عن " عش الزنابير " وأخيراً توصلت الى " ايثاكا " في لحظة تنوير. الرحلتان مختلفتان كثيراً، لكن بهما بعض التشابه البسيط. متاهة أوليس لأنه تحدى الآلهة وتدخل في إرادتها، وبالتالي تم عقابه بأن يتوه طويلاً ولا يرجع الى " ايثاكا " موطنه حتى يكفر عن تمرده. أنا متمرد بالسليقة على أشياء كثيرة، ويتم عقابي دائماً. متمرد على أسرتي، وعلى طبقتي، وعلى ديانتي، وحتى على مبدأ الكتابة التقليدي. متمرد على فكرة تصنيف الناس دينياً، لذلك طلبت عضوية " حزب الله " كما تعلم، وأن يفتح الحزب أبوابه للمسيحيين. بل إعتبره البعض جنوناً، أو تمرداً، لا يهم. تزوجت وطلَّقت مرتين أنا المسيحي، حيث أن الطلاق صعب، ولذلك لم أتزوج داخل الكنيسة أبداً. رحلتي طويلة وكان بها متاهات. فمن بيت القسيس البروتستنتي الى الشيوعية، ومن الصحافة الى المسرح، ومن المسرح الى الصحافة، ومن الصحافة الى النشر والكتابة النثرية غير المسرحية. أحمل جنسيتين، وأعيش بين ثقافتين وعالمين. أتحادث مع أسرتي هنا بالإنجليزية، وهي ليست لغتي الأم ولا لغتهم، لكننا إرتضيناها للتواصل بيننا حيث أني لم أهتم بتعلم الهولندية، ولا أحب هذه اللغة التي أسمعها يومياً في كل مكان. أعتقد أن" ايثاكا " هي مرفأي الأخير مثل مقصد أوليس الأخير، وقد إستطاع كفافيس أن يتفهم لُب الأسطورة بأنك حينما تصل " إيثاكا " فلن تجد شيئاً، الرحلة هي الممتعة، وأنا رحلتي كانت ممتعة بحق ولا تزال. " إيثاكا " النص تشبه تحدي أوليس واستهانته بتحذيرات الكهنة له بعدم اختراق الخطوط الحمراء التي وضعتها الآلهة للبشر. هي الوصول الى النهايات، واختراق المحظورات، ليس فقط في الجسد، لكن كشف القمع الذي يمارسه المجتمع على الافراد المتمردين على الأعراف السائدة. قمع المجتمع لمن يجاهر بالتمرد، ويمارس الاختلاف. ستجد أن نهاية " بيضة النعامة " طلقات رصاص. . يُطارد الراوي حتى في ملجأه الأخير بين الطبيعة والجنس البدائي. في " مزاج التماسيح " يحاول الراوي أن ينجو بنفسه ويتجه جنوباً. في " غواية الوصال " بدأتها ببيت الشعر " لم يكُ وصلك إلا حُلما في الكرى أو خلسة المختلس " ساعتها عرفت أني وصلت في رحلتي لمنهجي على يقين قاس بارد، إحساس كامل بالعزلة عن الكتابة السائدة الآن، وتتويج كامل لمنهجي ومبدأي في القطيعة الباردة. ليس هناك من نجاة إلا في التعرف على النفس وعلى الجسد، ثم في الجهر بما تعرفت عليه. ليس هناك من نجاة في السياسة، أو من خلال الوسائط الأخرى من دين أو نضال من أجل تحقيق أشياء شبه مستحيلة. بالطبع لم يكن بمقدوري كتابة " بيضة النعامة " الا بعد الخمسين، وكتابة " ايثاكا " إلا وأنا مقبل على السبعين. أي أن كتاباتي تمر بمراحل تطورها عبر تطوري أنا الفكري. هذا ما يجعلني أختلف عن الكتاب الآخرين بأني لا أتوقف عن التطور مع تطوري في العمر، بل أزداد شجاعة وعمق رؤيا، وإمتلاكاً لأدواتي وأحس بإحساس المتنبي ُ " أَنـامُ مِـلءَ جُـفُوني عـن شَـوارِدِها / ويَسْــهَرُ الخَــلْقُ جَرَّاهـا ويَخـتَصِمُ ". أحياناً بالطبع يجفوني النوم قلقاً على نفسي التي تنوء بثقل ما أحملهُ. لن يجديني هنا التواضع الكاذب، فما أكتبه يثير القلق والحفيظة والضغينة كما يثير الإعجاب. قلق وضغينة هؤلاء الذين هم َكَتبة كما صنَّفهم ريشار جكويان في دراسته القوية عن النثر المصري المعاصر " كتاّب وهناك كتبة " أنا من الكتاّب وهم كتبة، هؤلاء الكتبة لن يتركوا آثاراً، ولن يذكرهم أحد حينما تنقضي سني كتابتهم بالعكس مني.
* غريب كامو
*يتوقع القارئ من كاتب السيرة الذاتية أو السيرة الذاتية- الروائية أن يكشف عن ذاته، ويعرّيها، ويعترف بكل الأشياء المَقصية أو المحجوبة أو اللامصرَّح بها. وقد اعترفتَ أنت أيضاً ولكن بخجل وتردد واضحين، فقد قلتَ بأنك مارست الجنس المثلي عدة مرات في مرحلة الصبا، ثم ذكرتَ في بعض الحوارات الصحفية بأنك رجل على مشارف السبعين ولا تجد ضيراً في إلصاق هذا التوصيف بك، وبوصفنا قرّاء وبيننا " عقد أو ميثاق قراءة " للسيرة الذاتية. ما حدود التطابق بين الكائن السيري في " إيثاكا " وبين إسم العلم للمؤلف الذي وقف عن حافة التصريحات ولم يعترف إلا بالجزء العائم من جبل الجليد؟
-دعني أمازحك بعض الشيء. في العمل السري تعلَّمنا ألا نتطوع بتقديم معلومات لأحد، لا للرفاق، ولا للمحققين إذا ما وقعنا في أيديهم. يكتب الناس إسمي بأكثر من طريقة، ولا أبالي بتصحيحهم مع إني أحب أن أكتبه بهمزة على السطر. وفي الانترنيت أجد معلومات متضاربة عني، وآخر معلومة أني متزوج من يهودية هولندية، وهذا ليس صحيحاً، وإذا حدث أن السيدة التي أحبتني وأحببتها وأم العيال يهودية فأهلاً ومرحباً. وفي الترجمات الأوروبية الخمس " لبيضة النعامة " تمت كتابة إسمي بخمس طرق مختلفة. أبتسم ولا أهتم. تحدثنا من قبل عن الحدود المائعة في التطابق بين أشكال الكتابات التي تتخذ من السيرة الذاتية منهلها ومرامها أحياناً أيضاً، لكن لا أحد حتى الأنبياء أنفسهم يقدم إعترافاً نهائياً ودقيقاً بأفعاله أو حتى أفكاره، فما بالك بالجنس الذي هو من أكثر الأشياء خصوصية في النشاط الإنساني. أنت تعرف التسمية التي نطلقها على الأمراض الجنسية في المشرق، إنها الأمراض السرية، والعادة السرية، لاحظ تواتر مصطلح السرية هنا. لقد إخترع البشر في الغرب النوادي الجنسية لكي يمارسوا بشكل علني أهوائهم السرية. بائعات الهوى يقدمن للزبائن تشكيلة كاملة من السادية والمازوخية والفيتشية للنساء والرجال على السواء لأن تحقيقها في إطار علاقة علنية أمر بالغ الندرة. أنا لا أعتبر إتهامي بأني منحرف وشاذ، نقيصة، فالشخص الذي يتعرض للعمل العام يكون معرضاً للاتهام. إتهموني بالتطبيع مع إسرائيل، وبالتعامل مع جهات أمنية أجنبية، وكان الإتهام بالشيوعية لصيقاً بالاتهام بالعمالة لدول أوروبا الشرقية. هذه أشياء مخيفة ويحاول الكتاب العرب الإبتعاد عنها، فلا يكتبون في موضوعات تصيبهم بالاتهامات. منْ يتطوع للكتابة عن توقع حرب أهلية بين المسيحيين والمسلمين في مصر كما فعلت في " مزاج التماسيح " مثلاً؟ منْ يكتب عن " كووين بووت " ويهدي الكتاب الى ضحاياها؟ أنت تعرف المثل الشعبي القائل " إذا خفت ما تتكلمش، وإذا اتكلمت ما تخافش." لقد تطرقت إلى أسماء بعينها في حواري مع " أخبار الأدب " المصرية، أسماء متواجدة بقوة، أو هكذا تبدو، على الساحة الأدبية في مصر، وقلت رأي بصراحة في أعمالهم، وأنا أعرف أني بذلك أكسب عداوات جديدة، وأنا الذي لا تحميني مؤسسة صحفية، أو حكومية، أو حتى مجموعات مصالح. فأنا مثل غريب كامو! أحيلك مرة أخرى إلى وثيقة هامة مترجمة من الفرنسية الى العربية بواسطة المترجم المدقق بشير السباعي وهي رسالة الدكتوراة للباحث الفرنسي ريشار جاكمان وعنوانها " كُتاّب وكََتَبَِة" والكلمة الأخيرة تعني الذين يكتبون. يقول في ملخص نشره السباعي على الإنترنيت بعنوان " حماة .. ورعاة ..ورقباء " "إن فكرة استقلالية حقول الإنتاج الثقافي تعد، عند بورديو وعند من ينحو منحاه مفهوماً تحليلياً لدراسة ما يدور من صراعات في حقل ثقافي ما، ومشروعاً سياسياً وأخلاقياً في آنٍ واحد، هو الدفاع عن المثقف الحر، المستقل ضد كل أشكال السلطة التي تهدد استقلاليته: سلطة الدولة، سلطة الدين، سلطة السوق، بل وسلطة الآخر المهيمن ثقافياً (الآن) وسياسياً (أثناء الاستعمار).. حسبما كتب أيضا في مقدمته." كما ستجد أنه ذكر أسماء بعينها متواجدة بقوة على الساحة الأدبية المصرية تتسلم جوائز كثيرة من الدولة مؤكدة بذلك رؤية المؤسسة الرسمية لنوع الإنتاج الثقافي المطلوب. ومن هنا جاء الاندهاش المصحوب بصخب عال لموقف غير مسبوق لكاتب مصري هو صنع الله ابراهيم لرفضه جائزة الرواية منذ بضعة سنوات سارداً في الاحتفال الذي أقيم لذلك أسباب رفضه لها وهي كلها أسباب سياسية، لأنه يرى نفسه لا يزال أميناً على مواقفه السياسية التي دفعت به الى السجن عام 1960.
* لا تكن متاحاً
* لم تقتصر قطيعتك على المنحى السلفي في الديانة الإسلامية، وإنما تعدّتها الى السلفية في الديانة المسيحية أو اليهودية. هل لك أن تعزز لنا هذا المنحى الفكري الذي يشغلك؟
-هناك في" ايثاكا " أيضا قطيعة مع قبيلتي المسيحية التي تفرز الآن أصولية سلفية متخلفة ومتعصبة مثلها مثل أصولية سلفية إسلامية مجاورة لها. في " ايثاكا " أهاجم الرجعية المسيحية السلفية، كما أهاجم تلك الاسلامية. فأنا لا يمكنني تجاهل السلفية المسيحية في مصر وفي العالم بينما أنتقد وأهاجم السلفية الإسلامية. إن الكتابة مثل فن الحكم وعلم السياسة تحتاج الى يقظة مستمرة ومتابعة متواصلة. أنا ضد الاستكانة والكمون، لكن هناك حكمةً أتمثلها دائماً كتبها المكسيكي كارلوس كاستنيدا قالها له حكيم من السكان الأصليين المكسيكيين. قال " لا تكن متاحاً ". فسَّر قوله بأن الشخص الذي لا ينسى حماية جسده من السهام المصوبة عليه، يموت. وأن الشخص الذي لا يتيح للآخرين فرصة إمتلاكه أو إكتشاف مواطن ضعفه يواصل البقاء. أنا غير متاح من هذه الناحية. أدافع خصوصيتي جيداً، وأحمي من يشاركونني في مغامراتي المختلفة لأن الثقة والاطمئنان للآخر هما الوسيلة لتحقيق المغامرة.
*أنشطة خارج السلوك المعتاد
* أرجو أن توضح لنا فكرة الجنس الجمعي بدءاً من الطقوس الدينية في مصر القديمة وغيرها من حواضر العالم، مروراً بـ " كويين بوت " وإنتهاءً بإيثاكتك؟
- دعني أصحح قليلاً وأقول إن وقائع " كوين بووت " لم يكن بها أي جنس، ولم يكن بها فعل جنسي من أي نوع، لا فردي، ولا جمعي. فالشرطة ومعها النيابة قدمت قائمة الاتهام للمتهمين بعيداً عن " كويين بووت ". بالطبع عدد كبير من الأفراد الذين جلبتهم الشرطة من " كووين بووت " يمارسون الجنس المثلي. المتهمون الآخرون إلتقطتهم الشرطة من شقق وأماكن عامة. الجنس الجمعي في " ايثاكا " وفي الحياة هو ظاهرة طقسية سابقة للأديان التوحيدية، فأنت تعرف الاحتفالات الطقسية والمسرحية الأيروسية الاغريقية والباخوسية حيث كان الأفراد يمارسون الجنس جمعياً أو فرديا لثلاثة أيام وليال متواصلة. هذه وثائق وليست إختراعات أو فانتزيات. في مصر القديمة كانت النساء تتزين، وتنطلق لممارسة الجنس بأنواعه إبان الاحتفال بأعياد أوزير، بل أن التوراة تتحدث في أماكن مختلفة عن ممارسة الجنس الجمعي في مصر. لا علاقة بما كان يحدث بما نطلق عليه الآن إصطلاح الأخلاق. إن فسيفساء أطلال مدينة بومباي الإيطالية القديمة والأجساد التي تحجرت في لحظة الفعل الجنسي حينما دهمتها حمم البركان، والتي حفظها الرماد لنا، تكشف بوضوح كافة أنواع الانشطة الجنسية التي كان يمارسها السكان لحظة الكارثة ومنها الجنس الجماعي. فلسفة الجنس الجماعي متعلقة بالشعائر الدينية القديمة المنسية، والتي تتمركز حول المشاركة. ففكرة كاهنات المعبد أو ما يطلق عليهن خطأً عاهرات المعبد هي تقديم الجسد للمعبد والآلهة من خلال تقديمه لعابري الطريق. إن فلسفة أسطورة النيمف الإغريقية التي إشتق منها إصطلاح النيموفومانيك، أي الرغبة التي لا تروى للنساء في ممارسة الجنس هي مراودة النساء، وأكثر من واحدة للذكور على أنفسهم للممارسة الجنسية المشتركة. هو نشاط يشترك فيه الإنسان مع بعض الحيوانات التي تصورها أفلام الناشيونال جويغرافيك وهي تمارس الجنس الجمعي. أنا أعتقد أن تجربة إشتراك أكثر من شخص واحد في عملية جنسية في وقت واحد يتطلب قدراً هائلاً من التخلي عن الأنانية الفردية والتملك. وسوف تجد هذه الحالات في كتابات آرثر ميللر وما شابهها. إن التعبير الإنجليزي لكلمة أخلاق، أي " مانيرز " معناه الحرفي سلوك أو إتباع مقتضيات السلوك. وبفهمنا العربي حسب قاموس المنجد نجد أن خلق تعني المروءة، العادة السجية الطبع. إذن فالأخلاق هو سلوك مرتبط بالعادات أو التعود. وبالطبع فمعظم الأنشطة الجنسية هي سلوك غير إعتيادي أي خارج العادات والمعتاد، وهذا ينطبق أيضاً بالتأكيد على الفتيشيزم، وعلى السادية المازوخية. أي أنها أنشطة في مجملها خارج السلوك المعتاد للناس، ولكنها بالطبع كما قلت لك تمارس بسرية.
* دحض التابوهات المزيّّفة
*يحضر الجنس الجمعي في " إيثاكا " أكثر من مرة، فقد مارسته بوصفك كائناً سيرياً حينما عملت في البنسيون، وشاركت زوجة سيدك في الفراش ثلاثة أيام الأسبوع، كما حدث مع المعلمة السويسرية التي دعت صديقتها للمشاركة في المتعة الجسدية. هل لك أن تحدثنا عن هذه الظاهرة الإيروسية، وكيف تقيّمها من وجهة نظرك ككاتب إيروسي لا يعير شأناً كبيراً للجوانب الأخلاقية المصطنعة؟

-سأحيلك مرة أخرى الى المقطع الذي إستخدمته من قبل من شهادة جاكومان عن فكرة إستقلال الإنتاج الثقافي عن مجمع السلطات المتواجدة في المجتمع، وبالتالي عن سلطة التصنيف التي تبدو ضرورية في مجتمع إستهلاكي سلعي. هل تعتقد أن مؤلفي " ألف ليلة وليلة " الأصليين كانوا ممسوسين بالجنس، أم أن الجنس كان نشاطاً هاماً يواجههم وهم الذين كان أسلافهم بدو في الصحراء، معظمهم على الأقل، همهم الأول هو البقاء أحياء، وليس المتعة، أو لذة الجنس. تلاحظ أيضاً أن الجنس في الحكايات مرتبط دائماً بأفخر الطعام والشراب الذي يصفه الراوي بالتفصيل بعد تقشف الصحراء. وأنا حينما أكتب في الجنس وليس عنه، إنما أكتب عن نشاط يقوم به المجتمع من خلال أفراده يشمل معظم جوانب الحياة اليومية بدءا من الإعلانات التجارية، والأغاني، ولوحات وتماثيل الفنانين الآباء، وحتى أغلفة الكتب والشرائط الموسيقية. تأمل هذا الاحتفاء الغريب بنوع من المغنيات اللاتي ظهرن مؤخراً، ولا يتميزن بأية موهبة صوتية سوى اظهار مفاتن أجسادهن. إحتفاء ناتج عن أن جمهرة المتفرجين يعانون من كبت جنسي مزمن وأن الفضائيات العربية تستغل هذه الحالة لتكسب منهم. فبدلاً أن يكون النشاط الجنسي بأنواعه بدءاً من التقبيل في الشارع بين الجنسين مسموحاً به، نجد أن التقييد الحادث ضد أي نشاط جنسي حتى البريء مثل القبل يعير أهمية كبيرة للحديث أو الكتابة عن الجنس. فأنا أكتب عن الجنس قاصداً دحض تابوهاته الكاذبة والمزيفة والتصدي للنفاق الأخلاقي الديني للذين يصدرون الفتاوى بأن تقوم السيدات في مكاتب دوائرهن بإرضاع زملائهن الذكور حتى تصبح الخلوة بينهم شرعية. ممسوسون بالجنس الى درجة المرض، وكما قلت في " العربية نت " أن معظم نشاط نواب الأخوان المسلمين في مجلس الشعب المصري هو نشاط جنسي كأنهم لا يرون مشكلات أكثر إلحاحاً من " الغوايات الجنسية " وكما فعل في وقت قريب وزير التعليم الحماساوي في غزة حينما قرر منع تدريس كتاب تراث فلسطيني، ونسي أن أهل غزة لم يتسلموا رواتبهم من شهور طويلة! ماذا يفعلون هؤلاء الذين يصدرون الأحكام؟ ماذا يفعلون لمناطق السكن العشوائية التي تتكدس فيها العائلات، ويمارس أفرادها العلاقات الجنسية بين المحارم كما تعلن ذلك الدراسات السيسولجية؟ بل أن ثمة دراسة صدرت أخيراً من معهد متخصص في مصر تقول إن نسبة كبيرة من الذكور المصريين يعانون من الضعف الجنسي. وأنا أتسائل: هل هناك علاقة بين الانغماس في التفكير الجنسي بهدف تحريمه، وبين الضعف الجنسي عن الذكور؟ جائز! نحن في مجتمعات تحض على كراهية الحياة الدنيا وتؤملك خيراً بالآخرة تعوضك عما فاتك من لذائد الحياة في جنات النعيم بأشياء تشابهها، وتحول النشاط اليومي للإنسان الى مجموعة من الطقوس والنواهي والتحريمات.




#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الروائي المصري رؤوف مسعد: ما أكتبه يثير القلق والحفيظة والضغ ...
- الديناصورات: عمالقة بتاغونيا: رسوم متحركة تحفِّز الخيال والر ...
- شعرية نزار قباني تحت مجهر صلاح نيازي: لماذا أحسَّ نزار بالشي ...
- كيت بلانشيت . .السمكة الصغيرة التي سقطت في نافذة العنكبوت
- غمامة زها حديد تهبط على ضفة التيمز
- مارك والنغر يفوز بجائزة تيرنر الفنية: عمل يجمع بين المفردة ا ...
- - متاهة بان - للمخرج المكسيكي ديل تورو: تحفة بَصَرية تؤرخ لن ...
- - مئذنة الشعر -. . قراءات نقدية في التجربة الشعرية لباسم فرا ...
- الروائي مجيد خضر الهماشي يستجير من الرمضار بالنار، ويتخذ من ...
- الفنان التونسي لطفي عبدلي: الوسامة وحدها لا تكفي لخلق الجاذب ...
- في شريطه القصير - البغدادي - لميثم رضا: عراقي وبريطانية يتقا ...
- قراءة في الأداء التعبيري لنيكول كدمان في - الموت من أجل . . ...
- حدود الفنتزة في فيلم - لص بغداد -
- المخرج رونالد إيميريش يوحِّد قوى الأرض ضد طواغيت السماء
- المخرج الأمريكي ويْس كرافِن يستوحي - موسيقى القلب - من - عجا ...
- أمجد ناصر وشروط الإستجابة لقصيدة النثر الأوروبية الخالصة
- - غصن مطعّم بشجرة غريبة - مختبر للمقارنة بين ثقافتين وبيئتين
- آن إنرايت . . . ثالث روائية آيرلندية تختطف جائزة البوكر للرو ...
- بيكاسو الرسام الأكثر عرضة للسرقة في العالم
- في معرض كاووش الأخير: نساء فاتنات، وكائنات مُجنَّحة، وأُغنيا ...


المزيد.....




- في اليابان.. قطارات بمقصورات خاصة بدءًا من عام 2026
- وانغ يي: لا يوجد علاج معجزة لحل الأزمة الأوكرانية
- مدينة سياحية شهيرة تفرض رسوم دخول للحد من أعداد السياح!
- أيهما أفضل، كثرة الاستحمام، أم التقليل منه؟
- قصف إسرائيلي جوي ومدفعي يؤدي إلى مقتل 9 فلسطينيين في غزة
- عبور أول سفينة شحن بعد انهيار جسر بالتيمور في الولايات المتح ...
- بلغاريا: القضاء يعيد النظر في ملف معارض سعودي مهدد بالترحيل ...
- غضب في لبنان بعد فيديو ضرب وسحل محامية أمام المحكمة
- لوحة كانت مفقودة للرسام غوستاف كليمت تُباع بـ32 مليون دولار ...
- حب بين الغيوم.. طيار يتقدم للزواج من مضيفة طيران أمام الركاب ...


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - عدنان حسين أحمد - الروائي المصري رؤوف مسعد: أنا متمرد بالسليقة على أسرتي، وطبقتي، وديانتي، وعلى مبدأ الكتابة التقليدي، الجزء الثاني