أبعاد التحرك الدبلوماسي الروسي الأخير في منطقة الشرق الأوسط


نايف سلوم
الحوار المتمدن - العدد: 1874 - 2007 / 4 / 3 - 11:34
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

يكتسب التحرك السياسي الروسي الأخير أهمية خاصة كونه يشير إلى قضايا يتوجب لحظها في السياسات العربية والإقليمية والدولية.
فالقلاقل التي يواجهها الاحتلال الإمبريالي الأميركي في العراق وأفغانستان ، ونصب الدرع الصاروخي في بولندا وتشيكيا على الحدود الغربية لروسية ، وتحريض الإدارة الأميركية لحلفائها في السلطة الفلسطينية والسلطة في لبنان ضد خصومهم من حماس وحزب الله اللبناني في سبيل تكريس الانقسامات الداخلية في كل من البلدين، وكذلك تعميق الصراع الطائفي في العراق، والتحريض ضد إيران وسياساتها في لبنان وفلسطين وسوريا والعراق ، والاستقطاب في النظام العربي وفق الانقسامات السالفة الذكر ، كل ذلك يجعل من زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى بعض البلدان العربية زيارة هامة ودقيقة: فبوتين لم يقم بزيارة إيران وسوريا ، أو الاتصال بحماس وحزب الله، بل خصص زيارته لنظم تعرف بأنها حلفاء النظام الأميركي في المنطقة العربية كالنظام السعودي والنظام الأردني ؛ السعودية من حيث إدارتها لصراع السلطة اللبنانية الحالية ضد حزب الله وحلفائه السياسيين في الساحة اللبنانية ، والأردن كأب روحي ومثل أعلى لسلطة الحكم الذاتي في غزة.
من شأن هذه الزيارة أن تخفف قلق حلفاء النظام الإمبريالي الأميركي إزاء البرنامج النووي الإيراني وتجاه التقدم نحو السلطة الذي أحرزته كل من حركة حماس في فلسطين وحزب الله في لبنان . وقد دخل الاقتراح الروسي لإنشاء محطة نووية في السعودية في هذا الإطار؛ إطار التخفيف من القلق السعودي بما يخص ما يسمى بالخطر الإيراني النووي والشيعي ، الخ.. إضافة إلى محاولة روسيا الاستفادة من البلبلة التي يحدثها الصراع المسلح في العراق بين قوات الاحتلال الأميركي والمقاومة العراقية على اختلاف أشكالها و مشاربها. استفادة اقتصادية و استراتيجية. و لا شك أن التحرك الروسي ما كان ليأخذ هذا الشكل من الاندفاع والجدية لولا النتائج والارتدادات السياسية والعسكرية للحرب الإسرائيلية العدوانية الأخيرة على لبنان بهدف اقتلاع حزب الله اللبناني. إن الاختراق التقني الذي أحرزته الصواريخ الروسية الصنع المضادة للدروع وكذلك الصواريخ ضد البوارج العسكرية الإسرائيلية شجع النظام الروسي على إعادة توجيه استراتيجيته في الشرق الأوسط والعالم العربي بما يحقق مزيد من التقدم الاستراتيجي والسياسي والاقتصادي دون أن يقود ذلك إلى تجدد الحرب الباردة .
تخدم زيادة الاستقطاب في المنطقة، من دون شك، السياسية الأميركية في سعيها لتحويل نظم المنطقة العربية إلى نظم كولونيالية طائفية وإعادة توجيه التحشيد الجماهيري نحو ما يسمى بالخطر الإيراني بعد أن تكرس لفترة ضد الولايات المتحدة وإسرائيل خاصة خلال حرب تموز الإسرائيلية على لبنان؛ كل ذلك بحجة المشروع الفارسي مرة والصفوي ثانية والإيراني ثالثة . وقد وجدت بعض أطراف المعارضة السورية مثل الأخوان المسلمين في سوريا وبعض المتحالفين معهم من الليبراليين العولميين وجدت ضالتها في مثل هذا "الخطر الفارسي“ المزعوم ، فوجهت جل دعايتها ضده باعتباره خطراً دائماً كون إيران دولة شرق أوسطية أصيلة وعريقة بالتقابل مع الخطر الصهيوني والأميركي كون إسرائيل دولة لا تملك شرعية تاريخية وقليلة الأصل في منطقتنا. وحسب هذا المنطق الإمبريالي الإسرائيلي كان العراق يصنف بأنه الخطر الأكبر على نفط الخليج عندما كان يبني صناعته العسكرية . لكن تبين أن صاحب المصلحة في هذه الأيديولوجية الفاسدة وهذا المنطق الفاسد هو الإمبريالية الأميركية والنظام العربي المحازب لها.
لقد صور الأخوان المسلمين المشهد الحديث وكأنه المشهد عينه عندما كانت ماتزال هناك إمبراطورية فارسية وأخرى رومية والمشروع المحمدي في بواكيره أمام تحدي الامبراطوريتين! يتناسى هذا النمط من التحليل الوضعي المغرض أن إيران كانت خلال المئة سنة المنصرمة شأنها شأن معظم بلدان العالم المتخلف هدفاً للأطماع الاستعمارية وشبه الاستعمارية ، فقد كانت شبه مستعمرة في بداية القرن العشرين؛ روسيا القيصرية تحتل الشمال الإيراني وبريطانيا العظمى تسيطر على الوسط والغرب حيث آبار النفط في عبادان. وحين حاول مصدق تأميم النفط الإيراني منتصف الخمسينات من القرن الماضي مدعوماً من حزب توده (حزب الشعب الإيراني الشيوعي التوجه) ومن النقابات العمالية تدخلت الإمبريالية الأميركية وأسقطت مصدق ومشروعه الوطني وأعادت الشاه إلى السلطة حيث قام الأخير ببناء نظام
وهذا المنطق الفاسد هو الإمبريالية الأميركية والنظام العربي المحازب لها.
لقد صور الأخوان المسلمين المشهد الحديث وكأنه المشهد عينه عندما كانت ما تزال هناك إمبراطورية فارسية وأخرى رومية وكان المشروع المحمدي في بواكيره الأولى أمام تحدي الإمبراطوريتين! يتناسى هذا النمط من التحليل الوضعي المغرض أن إيران كانت خلال المائة سنة المنصرمة شأنها شأن معظم بلدان العالم المتخلف هدفاً للأطماع الاستعمارية وشبه الاستعمارية ، فقد كانت شبه مستعمرة في بداية القرن العشرين؛ روسيا القيصرية تحتل الشمال الإيراني وبريطانيا العظمى تسيطر على الوسط والغرب حيث آبار النفط في عبادان. وحين حاول مصدق تأميم النفط الإيراني منتصف الخمسينات من القرن الماضي مدعوماً من حزب توده (حزب الشعب الإيراني الشيوعي التوجه) ومن النقابات العمالية، تدخلت الإمبريالية الأميركية وأسقطت مصدق ومشروعه الوطني وأعادت الشاه إلى السلطة حيث قام الأخير بتوجيه ضربات قوية إلى حزب توده واستولى على الجزر العربية في الخليج. وقتها لم يكن الشاه وعدوانيته ودور الشرطي في الخليج الذي كان يلعبه لصالح الإمبريالية الأميركية، لم يكن وقتها يشكل أي خطر على المشروع الاستعماري الأميركي!. وكما أسقط مشروع بنك مصر بعد ثورة 1919 ، كذلك تسعى الإمبريالية والطبقات المحلية الموالية لها إلى إسقاط أي مشروع تحديث قومي أو وطني.
نظام الشاه نفسه هو الذي أهلك حزب توده وهو الذي عمل وكيلاً للإمبريالية الأميركية في الشرق الأوسط وهو الشرطي في الخليج العربي وهو الذي اعتدى على جيرانه من الإمارات الخليجية وهو الذي أهدر ثروة إيران على ملذاته وعلى تكديس ترسانات الأسلحة التي كانت تصدأ في مخازنها.
وعندما انتصرت الثورة الإيرانية الشعبية 1979 والتي شاركت فيها جموع وحشود شعبية متنوعة وقادتها طبقة البازار التقليدية الإيرانية عبر رجال الدين الشيعة، قامت على الفور بدعم القضية الفلسطينية وأشهرت عداءها للمشروع الصهيوني ولدولة إسرائيل وللمطامع للإمبريالية الاستعمارية في ثروات الخليج . وقد دعمت إيران بعد ثورتها الشعبية المقاومة العربية في فلسطين ولبنان والعراق، كما تدعم الموقف السوري في ممانعة المشروع الأميركي الطائفي الكولونياليّ للشرق الأوسط الكبير. في مناخ كهذا يأتي التحريض المذهبي ضد "الخطر الإيراني" المزعوم من قبل نظم عربية كولونيالية تسير في ركب المشروع الأميركي كالنظام السعودي والنظامين المصري والأردني ليغير من توجه النقمة ضد الأميركيين والإسرائيليين.
ونحن في التجمع الماركسي- الديمقراطي لسنا غافلين عن الشكل الديني لشكل الحكم في إيران بعد قيام الثورة الشعبية. كما أننا نفرق بشكل واضح بين شكل الدولة من جهة وأشكال الحكم من الجهة الأخرى على سبيل المثال نقول: النظام الإيراني كدولة هو نظام بورجوازي طرفي يسعى للخروج من تخلفه عبر بناء تنمية مستقلة . أما شكل الحكم فهو ديني. مثال آخر نقول: الفاشية الألمانية هي أحد أشكال حكم البورجوازية الإمبريالية ، وهذا بطبيعة الحال لا يمنع من ظهور أشكال حكم تاريخية أخرى للبورجوازية . كذلك نقول البيروقراطية السوفييتية هي شكل حكم استثنائي للبروليتاريا في روسيا في ظروف الحصار الإمبريالي؛ هذا لا يمنع من ظهور أشكال تاريخية ديمقراطية سياسية لهذا الشكل من الدولة .
أيضاً لسنا غافلين عن الشكل الديني للمقاومة العربية في جنوب لبنان، وفلسطين والعراق. وهذه الأشكال نجمت عن إخفاق البورجوازية "القومية " في كل من مصر وسوريا والعراق في الصراع العربي الصهيوني ، وفي تحديث بلدانها ومجتمعاتها، وكانت نتيجة هذا الإخفاق اندماج البورجوازية المصرية مع النظام الإمبريالي، والتسوية مع إسرائيل، وإلى احتلال العراق وتحطيم الدولة العراقية القائمة وتفتيت المجتمع العراقي ، أما في سوريا فقد ظهرت ممانعة للتسوية مع إسرائيل وللاندماج مع النظام الإمبريالي لأسباب تاريخية خاصة.
لكل هذا، ليس من الإنصاف أن نضع نظام حكم ديني مقاوم للمشروع الإمبريالي كالنظام الإيراني في كفة واحدة مع نظام ذو شكل ديني مندمج ومتواطئ مع مشروع التحكم والسيطرة الأميركي كالنظام السعودي. كما أنه من غير المنصف أن نضع حركة مقامة للاحتلال الصهيوني والأميركي ذات شكل ديني في كفة واحدة مع حركات دينية أقل ما تصرح به أنها "متفهمة" أو مهادنة للمشروع الأميركي ، وأنها تحاول حسب زعمها الاستفادة من ”مغانمه الليبرالية“ ومن "ديمقراطيته الإمبريالية" .
إن التحريض ضد ما يسمى بـ "مشروع إيراني إقليمي" ومطامع إيرانية إقليمية إن هو إلا صب للماء في طاحونة الإمبريالية الأميركية في سعيها لتحويل اتجاه الصراع في منطقة الشرق الأوسط باتجاه مذهبي بحيث يتم حرف الصراع من صراع ضد المشروع الأميركي الصهيوني إلى صراعات مذهبية مميتة و خادمة للمشروع الأميركي السالف الذكر. ومعلوم أن النظام الإمبريالي الأميركي يسعى إلى تحويل النظام السياسي الشرق أوسطي إلى نظام كولونياليّ طائفي كالنظام اللبناني الحالي والنظام العراقي الحالي، وأيضاً النظام الإسرائيلي مع فارق طابعه الاستيطاني. والنظام الكولونيالي الطائفي هو نظام رأسمالي طرفي متخلف ورث ناجم عن انسداد آفاق التحديث الاجتماعي بفعل اندماج اقتصاده السياسي مع الاقتصاد السياسي الامبريالي ، وهذا الاندماج يحرم هذه المجتمعات من كل اندفاع سياسي حديث ومن كل ميل للتنمية الحقة. ويجعل هذه المجتمعات في حالة حصار سياسي وحتى حالة فراغ سياسي مما يدفع بالفرقة الدينية والثقافة الدينية للعمل في السياسة والأيديولوجيا، وملء الفراغات الناجمة عن هذا الحصار وذاك الانسداد. إن الفراغات السياسية التي تعاني منها مجتمعاتنا على مستوى حرية بناء الحزب السياسي الحديث تعني ما تعنيه تحول الفرقة الدينية إلى حزب سياسي طائفي ، وإلى انقسام الفرقة الدينية الواحدة إلى عدة أحزاب طائفية. كل ذلك تحت راية التدخل ”العسكري الإنساني“ على الطريقة الأميركية
إذن في شروط الإحباط التاريخي العربي هذا تتحول الفرقة الدينية والثقافة الدينية الإسلامية وغير الإسلامية إلى مؤسسة منتجة للحزب السياسي الطائفي ، ولهذا الأخير شكلان: واحد مقاوم للاحتلال وآخر مهادن لما يسمى بـ "العولمة" وهو يحاول الاستفادة من "ميلها الديمقراطي" عبر تدخلها "العسكري الإنساني" على الطريقة الأميركية.