-الأسرة المقدسة--تحقيقات وتعليقات: -برودون-


نايف سلوم
الحوار المتمدن - العدد: 7851 - 2024 / 1 / 9 - 08:44
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات     

بيير جوزيف برودون (1809-1865) فيلسوف اشتراكي فرنسي وسياسي، مؤسس فلسفة التشاركية، وصاحب كتاب "ما هي الملكية؟" المنشور سنة 1840. وهو صاحب القول الشهير: "الملكية سرقة"
يرد ماركس هنا على مقالة لإدغار بوير حول كتاب برودون "ما هي الملكية؟". وكما لاحظ لينين في "دفاتر فلسفية"، إن لهجة ماركس بالنسبة لبرودون هي لهجة إطراء شديد، على الرغم من ورود بعض التحفظات". يكتب ماركس في سياق الاطراء هذا: "إن برودون الحقيقي يعلن أنه لا يرمي إلى أهداف تتعلق بعلم مجرد، ولكنه يقدم للمجتمع مطالب تتعلق بالتطبيق الاني، والمطلب الذي يتقدم به ليس اعتباطياً، فهو معلل ومبرر بمحاكمته العقلية كلها، إنه خلاصة هذه المحاكمة: العدالة، لا شيء سوى العدالة، تلك هي خلاصة كلامي" ومن المعروف أن ماركس بعد ذلك بثلاث سنوات انتقد كتاب برودون "فلسفة البؤس" بشدة في كتابه "بؤس الفلسفة" 1847. وكانت لماركس عودة في عام 1865 إلى كتاب برودون "ما هي الملكية؟" في مقال عن برودون نشره كملحق لـكتاب "بؤس الفلسفة".
إن ادغار في مقالته عن وجهة نظر برودون في كتابه "ما هي الملكية؟" وجرياً على عادته في تحويل الصفة إلى شخص (تجسيد الصفة) له اسم وهيئة ويمشي في الأسواق ويأكل الطعام، يحول وجهة نظر برودون في هذا الكتاب إلى شخص بكامل كيانه اسمه "وجه النظر البرودونية" هذا ما يقوله ماركس في بداية التعليق.
يقول ماركس: إن السيد ادغار يمنح هذا الكتاب طابعاً مميزاً بترجمته إياه" ولقد حقّره وحط من قدره (الكتاب) كونه حوّله بفعل الترجمة إلى موضوع له (للنقد).
ويضيف ماركس: إن كتاب برودون يتعرض، إذن، لهجوم مزدوج من قبل السيد ادغار: هجوم ضمني بالترجمة التي تسمه، وهجومي صريح في الحواشي الهامشية "النقدية"، وسنرى أن السيد ادغار أكثر تخريباً عندما يترجم، منه عندما يُعلّق"
وهذان هما الدافعان للتحريف، تحريف النصوص عن معناها الأصلي: الأول هو الجهل، جهل المترجم بموضوع ترجمته وباللغة التي يترجم عنها، والدافع الثاني هو دافع المصلحة الطبقية الغاشمة، والتي تتجسد بالموقع الطبقي للمثقف وانسجام طروحاته وأفكاره مع مصالح طبقات بعينها، حتى لو لم يكن على تماس مباشر(جسدي) معها، وحتى لو لم يكن على وعي بموقعه الطبقي هذا.
لنأخذ مثالاً على مفاعيل الترجمة السيئة على معنى النص ودلالاته الاجتماعية والفلسفية.
يقول ماركس: "إن برودون النقدي (الترجمة المُحرّفة) يتساءل: هل أن الانسان مقضي عليه إذن، بأن يكون دائماً تعساً؟ أي أنه يتساءل فيما إذا كان الشقاء هو المصير المعنوي للإنسان. أما برودون الحقيقي (الترجمة الصحيحة) فإنه يتساءل فيما إذا كان الشقاء ضرورة مادية (أي ضرورة اقتصادية)، واجباً مطلقاً (هل على الانسان أن يكون ابداً تعيساً؟)"
وواضح الفرق بين الشقاء المعنوي للإنسان في الترجمة الأولى والتي تحيل إلى ما يسمى بالاغتراب الأنثروبولوجي للإنسان (على مذهب فيورباخ)، أي اغترابه لكونه نوعاً انسانياً بغض النظر عن الشروط الاقتصادية الاجتماعية-التاريخية لحياته. أما الترجمة الثانية فتربط الشقاء الإنساني بظروف مادية ضرورية، بالتالي يتحول اغترابه إلى اغتراب اقتصادي اجتماعي له علاقة بنمط الإنتاج السائد. بالتالي يكون تجاوز الاغتراب بتجاوز نمط الإنتاج المسبب، أي تجاوز شرط الاغتراب الاقتصادي الاجتماعي. في الترجمة الأولى لا معنى لنضالات الانسان في سبيل التحرر من نمط الإنتاج الرأسمالي، وفي الترجمة الثانية يكون الخروج من الشقاء بالنضال ضد النط الرأسمالي البورجوازي للإنتاج في سبيل تجاوزه نحو الاشتراكية.
إن برودون الحقيقي يتحدث عن المتآمرين والفتن، أي المتآمرين أولاً، ثم الفتن التي هي ثمرة عملهم، أما برودون المُحرَّف فإنه يتحدث عن المتآمرين وأصحاب الفتن وكأنهم فئتان من الناس لا فئة واحدة. برودون الحقيقي يتحدث عن الجهل والفساد العام، وبرودون المزيف يحيل الجهل إلى حماقة، والفساد إلى انحطاط أخلاقي، وينتهي بصفته "النقد النقدي" بجعل الحماقة عامة" فقد قال الجهل والفساد العام بدلاً من الجهل والفساد العامين كما تقتضي ذلك قواعد اللغة الفرنسية.
يروي برودون الحقيقي بصراحة كم أثرت عليه هذه النتيجة الباهرة لدراساته، وإلى أي حد تحرز منها. إنه إذن قد عزم على محاولة إجراء "اختبار مضاد"، فتساءل: أما من الممكن أن تكون الإنسانية قد انخدعت كل هذا الوقت الطويل وعلى مثل هذه الصورة العامة حول مبادئ تطبيق الاخلاق؟ كيف انخدعت؟ ولماذا؟ وقد أوقف على حل هذه الأسئلة صحة ملاحظاته. إنه وجد، في علم الاخلاق، كما في جميع فروع المعرفة الأخرى، أن الأخطاء تشكل "درجات العلم"؛ العلم الذي لا يكون من الضربة الأولى كما قال لينين في "دفاتر فلسفية" (Philosophical Notebooks)
لكن برودون النقدي المزيف على عكس ذلك، يستسلم فوراً لأول انطباع تحدثه فيه دراساته للاقتصاد السياسي والحقوق، والدراسات الأخرى المماثلة. إن عليه ان يرفع من شأن دراساته الأولى إلى صف الحقائق التي لا تقبل الجدال، ولكنه فرغ منها منذ البداية، قبل ان يقيس نفسه على ضده (في عمل نقدي غير مزيف: "والضد يظهر حسنه الضد" كما يقول الحلاج) ولهذا يبدو بعد ان قضي الامر، أنه لم يبلغ بعد البداية، في حين أنه في اعتقاده قد وصل إلى النهاية"
وكنت قد تساءلت في كتابي "أوَزُبُر جبرائيل-تفسير رواية عزازيل 2016" هذا التساؤل: أما من الممكن أن تكون الإنسانية قد انخدعت بالكنيسة الكاثوليكية ومسيحيتها المُكرّسة كل هذا الوقت الطويل وعلى مثل هذه الصورة العامة؟
جاء في الكتاب: " إنني مشفق على نفسي لأنني مقدم على إفشاء سر هو أكثر خطراً من سر الكأس المقدسة (العهد الجديد) أو حقيقة مريم المجدلية في شيفرة دافنشي وأكثر فضيحة من سيرة العاهرة الكاتبة في رواية "إحدى عشرة دقيقة" لباولو كويلهو. إنني بعملي هذا أفشي سر الكنيسة الكاثوليكية بعينها بالتالي أنا أواجه تاريخاً طويلاً طول الدهر من التضليل العالمي لحقيقة عيسى وأمه مريم البتول العذراء المقدسة. وأفشي العسف التاريخي الذي وقع على مفكري آسيا الآرامية-العربية وعلى مفكري مصر من قبل "آباء الكنيسة"، وأفشي سر تهميش الثقافة الآرامية-العربية نظراً "لتحول آباء الكنيسة إلى أساقفة يحددون ما هي التعاليم الصحيحة وما هو هرطقة" " ص 54
يقول ماركس: إن برودون المزيف (النقدي) لا يفسر لنا لماذا يمكن أن تكفي معرفة غير كاملة بالقوانين الأخلاقية للتقدم الاجتماعي، ولو يوماً واحداً. أما برودون الحقيقي فإنه بعد أن تساءل ما إذا كانت البشرية قد أخطأت على تلك الصورة الشاملة وخلال ذلك الزمن المديد، وما سبب ذلك، وبعد أن وجد الحل في أن جميع الأخطاء هي درجات للعلم ، وأن أحكامنا الأقل اكتمالاً تحوي مجموعة من الحقائق الكافية لعدد ما من الاستقراءات ، وكذلك لدائرة معينة من الحياة العملية ، وأن أحكامنا تقود فيما وراء ذاك العدد وهذه الدوائر إلى المحال على الصعيد النظري، وإلى دمار المجتمع على صعيد التطبيق العملي ، ففي استطاعته القول: إنه حتى لمعرفة غير كاملة بالقوانين الأخلاقية (قوانين التحرر) أن تكفي ، لبعض الوقت (لمسافة محددة) للتقدم الاجتماعي".
يقول برودون المزيف (النقدي): هل أن معرفة جديدة أضحت ضرورية؟ عندئذٍ تنشب معركة ضارية بين الأعراف القديمة والفكرة الجديدة"
يُعلّق ماركس: كيف يمكن أن ينشأ نضال ضد خصم لم يوجد بعد؟ وإذا كان برودون (النقدي) قد قال لنا أن فكرة جديدة قد غدت ضرورية، فإنه لا يعلمنا أنها قد ولدت.
أما برودون الحقيقي (برودون "الجمهور") فيقول: "حينئذٍ تصبح أفكاراً أعلى لا غنى عنها بالنسبة لنا، ويقتضي القول مدعاة لفخرنا، إنه لم يحدث مطلقاً أننا افتقدناها، ولكن حينئذٍ أيضاً يبدأ نضال مرير بين الأوهام القديمة والأفكار الجديدة"
يقول ماركس: إن برودون المزيف يدعي أن قدر الانسان التعلم، خطوة، خطوة. كما لو أن التعلم الذاتي للإنسان خطوة، خطوة، يتطلب بالضرورة أن يدرج خطوة إلى الامام.
إن برودون الحقيقي لا يتكلم عن القدر الذي يفرض نفسه على الانسان لكي يتعلم، ليس خطوة خطوة تدرجاً ، بل عن الشروط نفسها "
إن فكرة الشروط والتعلم وفق الشروط غاية في الأهمية، وتفترض أن شروطاً معينة وفترات معينة يمكن أن تخلق انفعالاً pathos هائلاً لدى الافراد يتعلمون بفضله ما لا يتعلمه جيل كامل في عقود وسنين. كما أن شرطاً بعينه قد يجعل حركة التعلم والمعرفة تجري في مسار انحطاط لا تقدم، وليس بالضرورة إلى الأمام.
إن تحريف مفهوم أو فكرة جديدة تمت صياغتها، يعني أن الفكرة الصحيحة كانت قد وجدت ولو في ذهن فرد واحد. لأنه لا معنى لفكرة التحريف من دون هذا الاكتشاف التأسيسي الاولي.
جاء في القرآن الكريم: (أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) [البقرة: 75]
هكذا يكون تحريف الحقيقة المكتشفة بعد عقلها، والآية تشير إلى وعيهم بهذا التحريف، وهذا معناه أن لهم مصالح دنيوية تأتي الحقيقة المكتشفة لتناضل ضدها كونها مصالح باطلة وعلاقات ظالمة كظلم الإمبراطورية.
يكتب ماركس: في العبارة الأولى يقول برودون المزيف (النقدي) أن المبدأ قد حرّف وفهمه المجتمع على عكس معناه، فهو إذن صحيح في ذاته. وفضلاً عن ذلك، فإنه في العبارة الثانية، يقر بأن هذا المبدأ صحيح في جوهره، ولكنه مع ذلك لا يقل لومه للمجتمع لقبوله واحترامه له.
أما ما يستنكره برودون الحقيقي بعكس ذلك، فليس كون المبدأ مرغوباً فيه ومحترماً، بل كونه مرغوباً فيه ومحترماً على الوجه الذي حرفه جهلنا. "إن هذا المبدأ محترم، كما كوّنه جهلنا"
من الواضح أن برودون يناقش فكرة التحريف بدافع الجهل فقط، لا بدافع المصلحة الغاشمة، أي تحريف الحقيقة (وهم يعلمون أنهم يحرفون ويضللون بدافع مصالحهم الانانية الغاشمة).
وفي عرف برودون يظل جوهر المبدأ صحيحاً في شكله المغاير للحقيقة. إن برودون الحقيقي يرى أن جوهر المبدأ المحرف هو في الطريقة المنحرفة لفهمنا إياه، ولكنه صحيح في موضوعه، تماماً كما أن جوهر الكيمياء الصوفية (الخيمياء) وعلم التنجيم (أسترولوجيا) هو من ابتداع خيالنا بينما موضوعهما – حركة النجوم والخصائص الكيميائية للمواد-هما صحيحان.". هنا في هذا المثال للأسف ينكر ماركس على "الكيمياء الصوفية" (ممثلة بجابر بن حيان) حقها في استعارة عباراتها من علم النجوم، وعلم الكيمياء، كما تفعل كل فلسفة وكل فكر.
أقول لكم: إن طريقة طرح برودون لمسألة تحريف الحقيقة غير مناسبة لموضوعها، خاصة وأن إطلاق حكم التحريف يقتضي أن صياغة صحيحة للحقيقة كانت قد ظهرت من قبل، وجاء فريق من المشتغلين بالعلم والمعرفة وحرفوها عن مواضعها وموضوعاتها بحكم الجهل أو بحكم أهواء المصالح الانانية الغاشمة.
إن مثال التنجيم والكيمياء الصوفية لا تفي بالغرض، لأن علم التنجيم عبارة عن كناية عن التنبؤ بالسياسة الدولية للإمبراطورية ومآلاته وتأثيره على مصير الافراد. أما "الكيمياء الصوفية" فهي كناية كبرى عن التنظيم السياسي الثوري ومبادئه وآليات عمله في سبيل دعوته التاريخية. خاصة ونحن نعلم أن الكيمياء تعمل على خصائص المواد الطبيعية، وأن دراسة حركة النجوم ورصدها كانت موجود لدى القدماء. (انظر مقالتنا: الكيمياء الصوفية وصناعة الدعاة)
هكذا يكون الصراع في التحريف بين صياغتين، وبالتالي بين أيديولوجيتين وعقيدتين موضوعهما واحد. أي أن تحاول كل منهما التعبير عن نفس الظاهرة وتقديم جواب مختلف حول سؤالها.
يقول ماركس: إن برودون المزيف النقدي يتساءل: "ما هي العدالة؟ وما هو جوهرها وطبيعتها ومعناها؟" وكأنه يمكن للعدالة أن تحمل معنى خاصا، متميز عن جوهرها وطبيعتها! .
ويسأل برودون الحقيقي: لكن ما هي العدالة؟ ما هو مبدؤها، وطبيعتها وصيغتها؟
إن الصيغة هي المبدأ بوصفه مبدأ نمو علمي (الصياغة النظرية للعدالة بوصفه بيان للناس)، وفي الفرنسية بوجد فرق أساسي بين كلمتي الصيغة والمعنى؛ بين التركيب اللغوي والمعنى؛ بين جسد العبارة ومعناها. إن (النقد) يطابق بين هذين اللفظين.
وبعد هذه المعاناة (النقدية) يقول برودون المزيف: لنحاول أن نحيط بموضوعنا عن كثب. أما برودون الحقيقي الذي يحيط بموضوعه عن كثب، منذ زمن طويل، فيقول بخلاف ذلك: "لنحاول أن نصل إلى شيء أكثر دقة وأكثر إيجابية" (عمليٌّ أكثر).
إن "القانون" بالنسبة لبرودون المزيف، هو تحديد لما هو عادل، في حين أنه بالنسبة لبرودون الحقيقي، ليس سوى الإعلان عنه (الإعلان عما هو عادل).
يقول ماركس: يجب ألا يداخلنا العجب إذا ما حاول برودون المزيف أن يثبت شيئاً مختلفاً تماماً عما يحاول أن يثبته برودون الحقيقي" وكل هذا بفعل الجهل وسوء الترجمة.
إن برودون الحقيقي لا يشغل نفسه مطلقاً ببرهان ما هو بديهي، بل يقول: وعليه إذا كانت الفكرة التي نتبناها عما هو عادل وعما هو حق محددة تحديداً سيئاً (صياغة سيئة)، وإذا كانت غير كاملة أو حتى خاطئة، فمن البديهي أن سائر تطبيقاتها التشريعية تكون سيئة "
بالطبع، لابد أن تنتاب آراء الناس بالنسبة لمفهوم العدالة وتطبيقاته تغيرات وتجديدات حين يحصل تقدم في الأفكار والمطارحات. "هذا التقدم، وهذا التغير والتقلُّب، هو ما يثبته لنا التاريخ بأبرز الشواهد " هذا ما يقوله برودون الحقيقي.
في عرف برودون الحقيقي أن "الحكماء" هم الذين تنبأوا بانحطاط الإمبراطورية الرومانية، أما في عرف برودون المزيف فإنهم "الفلاسفة"، وحسب يرودون هذا فإن الفلاسفة وحدهم الذين يمكنهم أن يكونوا حكماء.
أما في عرف برودون الحقيقي فإن حقوق الرومان كانت قد "كرستها عدالة أو ممارسة لحقوق تعود لألف سنة (الحقوق التي كرستها عدالة تعود في قدمها لعشرة قرون)
بالنسبة لبرودون الحقيقي، فقد كانوا في روما يفكرون بشكل أعمق. إذ كانوا يفصلّون الواقعة" إن العبيد هم مصدر ثرواتها الأكثر خصباً، لذلك فإن تحرر الشعوب قد يكون إذن سبب دمار ماليتها"
إن مبدأ " حقوق الشعوب الروماني" يشبه إلى حد بعيد "المبدأ الديمقراطي الأميركي وحقوق الانسان" "
يقول برودون الحقيقي: "إن مزاعم روما كانت تبررها حقوق الشعوب العامة (حقوق الامم) إن هذه الطريقة في اثبات حق إخضاع الشعوب تتناسب تماماً والمفاهيم الحقوقية لدى الرومان" بالطبع تمارس الإمبراطورية الأميركية ما يشبه مثيلتها الرومانية: في سبيل بسط المبدأ الديمقراطي الليبرالي، يحق للإمبراطورية الأميركية اخضاع الشعوب الأخرى التي تناهض الليبرالية البورجوازية! كل تنمية غير رأسمالية بورجوازية، وغير ليبرالية هي موضع هجوم وعقاب وتدمير من قبل الإمبراطورية الأميركية. وكل ذلك وفق حق الأمم في أن تكون رأسمالية بورجوازية وليبرالية (ديمقراطية).
ألا نجد في البانديكت (Pandectes) أو (Digeste) أن الرق قد انتشر عن طريق حقوق الشعوب العامة " وكذلك انتشرت السيطرة والتحكم الأميركيين بمصير الشعوب وفق المبدأ الديمقراطي ونشره والتدخل الانساني. و (Digeste) [ديجيستا]: هي خلاصة وافية من الكتابات القانونية عن القانون الروماني تم جمعها بأمر من الامبراطور الروماني جستنيان الأول في القرن السادس الميلادي في خمسين مجلداً مقسمة حسب شرائح الموضوع وتم نشر ناتج العمل هذا في العام 533 م "
حسب برودون المزيف: "إن عبادة الاوثان، والرق واللين، كانت تشكل قاعدة المؤسسات الرومانية". أما برودون الحقيقي فيقول: "إن عبادة الاوثان في الدين، والرق (العبودية) في الدولة، ومذهب أبيقور في الحياة الخاصة كانت تشكل قاعدة المؤسسات". يعلق ماركس: إن مذهب أبيقور في اللغة الفرنسية العامية ليس مرادفاً للين".
والابيقورية أو المذهب الابيقوري Epicureanism ينسب إلى أبيقور الفيلسوف اليوناني (340-270 ق. م) وقد ساد لستة قرون، وهو مذهب فلسفي مؤداه أن اللذة وحدها هي الخير الأسمى، والألم وحده هو الشر الأقصى. والمراد باللذة في هذا المذهب –بخلاف ما هو شائع-هو التحرر من الألم والاهتياج العاطفي"
ذلك كان الوضع في روما عندما "ظهر" حسب برودون الصوفي، "كلام الله" ولكن حسب برودون الحقيقي، برودون العقلاني، "عندما ظهر رجل يزعم أنه كلام الله". وحسب يرودون الحقيقي كان هذا الرجل يسمي الرهبان "أفاعي" أما حسب برودون المزيف يدعوهم "ثعابين". في الحالة الأولى يقصد على الطريقة الرومانية "المحامون" (الكناية الرومانية) وفي الحالة الثانية المقصود هو، حسب الكناية الألمانية (الأسلوب الألماني) "المشترعون" (المشرعون).
في تعليق برودون الحقيقي على الثورة الفرنسية يقول: "هذا كاف ليثبت أن نظام الأمور، الذي أحل محل القديم، لم يتضمن في ذاته شيئاً منهجياً ومقرراً". يعلق ماركس متهكماً من كلام برودون المزيف الذي يدعي أن الجديد دائماً يحمل بالضرورة في ذاته شيئاً ما منهجياً ومقرراً
يقول برودون الحقيقي: إن المجتمع قد وجد الخلاص في رفض مبادئه، وانتهاك الحقوق الأكثر قداسة" وعلى هذا المنوال، حسب ماركس، يثبت برودون الحقيقي كيف أن رفض الحق الروماني قد استدعى توسيع الحق في التصور المسيحي، وكيف أن رفض حق الغزو قد أدخل حق الكومونات (المشاعات) وكيف أن رفض جميع الحقوق الاقطاعية، بسبب الثورة الفرنسية، قد ولد التوسع الذي نشاهده في المجال الحقوقي" إن (النقد النقدي) لم يكن بوسعه أن يتخلى لبرودون عن مجد اكتشاف القانون الذي بموجبه يتحقق المبدأ برفضه (نفيه) [أي يتحقق مبدأ العدالة الجديد بنفي المبدأ القديم للعدالة]. فعلى هذه الصورة الواعية، كانت هذه الفكرة كشفاً حقيقياً بالنسبة للفرنسيين"