شَرْحُ ما رَشَحَ من -الفتوحات المَكيّة-


نايف سلوم
الحوار المتمدن - العدد: 7642 - 2023 / 6 / 14 - 10:37
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات     

الدرس الأول I
الفتوحات المَكيّة هي المؤلف الرئيس والأكبر للصوفي الكبير محي الدين بن عربي
وقد وجدت من المفيد للمهتمين بفهم التراث الديني عامة والصوفي خاصة أن أضع بعض الحواشي والتعليقات على ما رشح من الفتوحات، ذلك أن أسلوب ابن عربي هو التعمية على الكثير مما يقول وإبانة "القليل" فيما يشبه مفهوم الرَّشْح، حيث (رشح) تعني "النَّدى يبدو من الشيء"، وهو أصل واحد في اللغة، فالرَّشح: العَرَق؛ يقال: رشح بدنه بعرقه. أما قولهم يُرشح لكذا، فهو من هذا، وأصله الوحشيّة إذا بلغ ولدها أن يمشي معها مشت به حتى يَرْشَحَ عرقاً فيقوى. ورشح النّدى النبتَ، إذا ربّاه "(معجم مقاييس، ج2: 397)
أما (شرح) فهو لفظ أصيل يدل على الفتح والبيان" (معجم مقاييس؛ ج3: 269)
يقول د. عثمان يحيى محقق "الفتوحات المكية" إحدى روائع الفكر الإنساني، وأثر فريد في الدراسات الصوفية عامة، والإسلامية خاصة، خلاصة نتاج الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي، يجمع آراءه ونظرياته المختلفة، ويكاد يشتمل على كل ما ورد في مؤلفاته الأخرى. قضى في وضعه وتمحيصه ثلاثين سنة أو يزيد، فأودعه ثمار درسه وبحثه، وسجل فيه ما اطمأنت إليه نفسه، وما استقر عنده رأيه، ويمكن أن يُعدّ أيضاً، خلاصة المعارف الباطنية في الإسلام لعهده: عرض فيه ابن عربي لآراء المتصوفة السابقين، وعالج مشكلات الفكر الباطني على اختلافها، سواء أنبتت في الإسلام أم استمدت من مصادر "أجنبية"[سابقة على الاسلام]. فهو ثمرة جامعة لناحيتين مختلفتين ومتكاملتين: يعرض فكر الشيخ الأكبر في إطار من تراث الفكر الباطني في الإسلام عامة. وما أشبهه بموسوعة ثقافية روحية فيها علم وفلسفة وقصص وتاريخ وتفسير وحديث، وأدب وسلوك وتأملات ومكاشفات، وهو دون منازع، أكبر مؤلف عربي في التصوف وصل إلينا" (الفتوحات، السفر الأول :27)
وقد اعتمدت أسلوب النَّكت أو النُّكَت لعرض التعليقات والحواشي. ونبدأ بالجزء الأول من الفتح المكيّ أو السفر الأول.
نُكْتة: قال ابن عربي: الحمد لله الذي أوجد الأشياء عن عدم وعدمه" (السفر الأول:41)
فالأشياء موجدة عن عدم لا من عدم، لأن الوجود من عدم يفضي إلى إلغاء المبدأ الموجِد نفسه
والإيجاد عن عدم وعدمه: عدمان أو نفيان: الأول نفي الحضور الحسي والانتقال إلى الوجود العقلي الباطني، وهو ما يسميه ابن عربي "بالوجود العلميّ"، والعدم الثاني (نفي النفي الأول) وهو نفي الوجود العقلي والتحول إلى ما يسميه ابن عربي ب "الوجود العينيّ". وهنا يشخص الوجود الحق أو يظهر بشخص هو سيده، بابه وصاحب دعوته.
نجد ديالكتيك التعرّف هذا أو ديالكتيك الإيجاد لدى هيغل أيضاً، حيث يتم الانتقال والتحول من الحسيّ إلى العقليّ ومنه إلى العينيّ. وهو ديالكتيك اعتمدته الماركسية. يقول ماركس في سياق حديثه عن منهج الاقتصاد السياسي والوارد في مقدمة كتابه "أسس نقد الاقتصاد السياسي": "المفهوم العيني يشكل توحيداً لتعريفات متعددة بحيث يمثل الوحدة التي تتصف بها الأوجه المختلفة للشيء.. إن المنهج الذي يتقدم من المُجرّد إلى العيني ليس إلا الطريقة التي يتمثل بواسطتها التفكير ما هو عيني (أي كل عضوي عيني قائم فعلاً) ثم يعيد إنتاجه بوصفه مقولة عقلية عينية" (نصوص حول أشكال الإنتاج ما قبل الرأسمالية ص147)
المنطق الهيغلي ينقسم ثلاثة اقسام: 1-نظرية الوجود؛ الفكر في مباشرته 2-نظرية الماهية؛ الفكر في انعكاسه وتوسطه3-الفكرة الشاملة؛ الفكر وقد عاد إلى ذاته (الفكر وقد غدا عينياً وشخصاً وذاتاً عاملة). يقول هيغل: "وينتج عن ذلك أن هذه النتيجة "العقلية"، رغم أنها فكرة فقط ومجردة، فإنها مع ذلك عينية أيضاً وليست وحدة صورية بسيطة، والتجريدات البسيطة ليس لها مكان في فلسفة لا تتعامل إلا مع الأفكار العينية وحدها ". (موسوعة العلوم الفلسفية: 223) وفي الفقرة 79 يتحدث هيغل عن ثلاث مراحل للفكرة المنطقية: مرحلة الفهم ثم العقل السلبي، وأخيراً العقل النظري أو الإيجابي (العقل العيني كشخص). (موسوعة العلوم: هامش ص 223). هيغل لا يعرف الممارسة العملية ولم يدع لها. الفلسفة نفسها من حيث هي ارتفاع من المحسوسات إلى المعقولات أو الكليات، هي عملية شاقة لأن العادة والإلف يشدان الانسان إلى المحسوس الذي ارتبط به طوال حياته" (موسوعة العلوم الفلسفية: 19)
والفعل (وجد) تعني: الشيء يُلفيه، ووجدت الضالة وِجداناً (معج مقاييس، ج6: 86)
وفي المحيط: وجد المطلوب أدركه. ووجد (عن) عدم، ولا يقال وجده الله، وإنما يقال: أوجده " أي أغناه بعد فقر. (القاموس المحيط: 324) افتقاره لموجده، فوجوده بغيره لا بذاته. لأنه منفعل بشرطه كانفعال الماء بالنار فإذا سخن الماء ارتفع إلى أعلى وإذا برد نزل إلى أسفل. وهذا الانفعال بالشرط هو عين صورته (الماء).
يقسم ابن سينا الوجود الى ممتنع وممكن وواجب (40) الواجب الوجود ماهيته عين وجوده وهو الوجود الواجب هو وحده المتصف بالوجود بذاته وهو القائم بذاته وشخصه وكل ما عداه من الموجودات وجوده بمثابة عرض مضاف الى ماهيته، لذا كانت موجودات جائزة" (ثلاثة حكماء مسلمون: 40-41)