محكمة العدل الدوليّة تقول إنّ الإبادة الجماعيّة الإسرائيليّة ضد فلسطين - معقولة ظاهريّا - إلاّ أنّها تقتصر على إصدار تحذير فارغ


شادي الشماوي
الحوار المتمدن - العدد: 7873 - 2024 / 1 / 31 - 23:56
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

محكمة العدل الدوليّة تقول إنّ الإبادة الجماعيّة الإسرائيليّة ضد فلسطين " معقولة ظاهريّا " إلاّ أنّها تقتصر على إصدار تحذير فارغ
جريدة " الثورة " عدد 838 ، 29 جانفي 2024
https://revcom.us/en/international-court-justice-says-israeli-genocide-against-palestine-plausible-limits-itself-empty

تصوّروا أنّ رجلا عنيفا بشكل ثابت و معروف يهدّد بصريح العبارة شريكته بالقتل ثمّ يشترى بندقيّة . و تكتشف شريكته ذلك و تتوجّه إلى المحكمة لتفصح عن أنّها تخشى على حياتها و حياة أطفالها و تسأل المحكمة أن تصدر أمر تقييد . فيقول القاضي إنّ مخاوفها " معقولة ظاهريّا " و يحكم بصرامة بأنّه على ذلك العنيف بشكل ثابت أن يتّخذ خطوات كي لا يقتلها و أن يقدّم للمحكمة تقريرا في غضون شهر – دون ذلك الأمر التقييديّ أو أيّ إجراء إلزاميّ آخر .
هذا بالضبط ما حدث عندما حكمت محكمة العدل الدوليّة (1) في الدعوى التي تقدّمت بها أفريقيا الجنوبيّة متّهمة إسرائيل بإقتراف إبادة جماعيّة ضد الشعب الفلسطيني في غزّة .
جبال من الأدلّة تفيد بانّ " هذا بعدُ إبادة جماعيّة " و المحكمة تقول " لنتفقّد الوضع بعد شهر "
بداية ، الإبادة الجماعيّة ليست عبارة لعن . و ليست تُهمة يمكن الإلتفاف عليها بسهولة . إنّها عبارة تعنى القتل المتعمّد لشعب بأكمله أو لجزء منه .
و هناك أكوام / جبال من الأدلّة التي تشخّص بشكل مقنع حرب إسرائيل ضد فلسطين على أنّها إباة جماعيّة . و نحن نخطّ هذه الأسطر ، نسبة القتلى في غزّة تقترب من 30 ألف إنسان على الأقلّ ، بصفة طاغية من غير المقاتلين . و تقريبا نصف القتلى من الأطفال . و قد قدّمت أفريقيا الجنوبيّة في ثنايا دعوتها تصريحت لمحكمة العدل الدوليّة صدرت عن قادة سامين إسرائيليّين وهو يصرّحون على الملأ بأنّ هدف المذبحة ليس حماس(2) بل جميع سكّان غزّة (3) و ضمّنوا دعوتهم تصريحا للسكرتير العام للأمم المتّحدة بأنّه " ما من مكان آمن في غزّة " .( التشديد مضاف )
لكلّ هذا و أكثر ، طالبت أفريقيا الجنوبيّة من محكمة العدل الدوليّة أن تأمر " دولة إسرائيل بضرورة أيقافها الفوريّ لعمليّاتها العسكريّة في غزّة و ضد غزّة " . (4) و في حين أنّ المحكمة حكمت بأنّ تُهمة الإبادة الجماعيّة " معقولة ظاهريّا " ، لم تفعل ما طلبته منها أفريقيا الجنوبيّة . فلم تدع إلى الوقف التام لعمليّات الجيش و الشرطة الإسرائيليّين في غزّة . و هكذا ، قالت هذه المحكمة إنّ تُهمة الإبادة الجماعيّة " معقولة ظاهريّا " إلاّ أنّها بعد ذلك تركت دون تقييد قدرة إسرائيل على الإمعان في الكذب بأنّ نتيجة عمليّاتها الإباديّة الجماعيّة ليست ن قصد و أنّ اللوم يجب أن يلقى حقّا على حماس .
أمر شنيع . ما الذى ينبغي أن يحدث لمّا تكون تُهمة الإبادة الجماعيّة معقولة ظاهريّا ؟ بالضبط ما طالبت به أفريقيا الجنوبيّة: إيقاف تام لعمليّات الجيش و الشرطة ضد الضحايا الممكنين إلى أن يقع البتّ النهائيّ في التهمة . و هذا لا يجب أن يعني أنّ الذين سعوا إلى عقاب شعب بأسره و إتّخاذ إجراءات تجويع جماعيّ متعمّد و الذين يأمرون بالإستخدام المنهجيّ لأقوى القنابل التي تقتل عددا كبيرا من المدنيّين ، و الذين دمّروا معظم المستشفيات في غزّة ، لهؤلاء لا يقال سوى أن يضمنوا أن يحترم " جنودهم " القانون .
هل يبدو مثل هذا الحكم " لاواقعي " ؟ بالفعل هو كذلك فقبل سنتين ، رفعت أوكرانيا دعوى إبادة جماعيّة ضد روسيا لغزوها أوكرانيا في فيفريّ 2022 . و في تلك الحال ، أمرت محكمة العدل الدوليّة روسيا بالإيقاف الفوريّ للعمليّات العسكريّة . و السخرية المريرة و الوحشيّة هي أنّ إسرائيل قد قتلت من المدنيّين الفلسطينيّين و الفلسطينيّات عددا أكبر في أقلّ من أربعة أشهر من عدد التقلى على يد روسيا في السنتين الماضيتين !
إسرائل ، مدعومة من الولايات المتّحدة ، تنظر إلى الحكم على أنّه تصريح بالإمعان في الإبادة الجماعيّة
حسب روايات في الصحف الإسرائيليّة ، رحّب الوزير الأوّل الإسرائيليّ العنصريّ بتطرّف و الإبادي الجماعي تماما (5) نتن- النازي بحكم محكمة العدل الدوليّة ( في حين أنّه على الملأ كان يئنّ بأنّه كان من " البذيء" حتّى النظر في تهمة الإبادة الجماعيّة ضد إسرائيل ). و قال إنّ الحكم دافع عن " حقّ إسرائيل أساسا في الدفاع عن نفسها " .
و رحّب قسم دولة الولايات المتّحدة بالحكم معلنا بدقّة أنّ " المحكمة لم تجد إبادة جماعيّة و لم تطالب بوقف إطلاق النار في حكمها " .
و في الأثناء ، على ألرض ، و كما يعكسه واقع غزّة ، قال رجل فلسطيني يدعى نضال كامل للأن بى سى نيوز ( NBC News ) ، " كنّا ننتظر أن تُلزم المحكمة العالميّة إسرائيل بالإيقاف التام لإطلاق النار . إنّنا نريد إيقاف إطلاق النار كي نتمكّن من العودة إلى ديارنا و لقاء أسرنا " . إنّنا نطالب بأن يفرض العالم إيقاف إطلاق نار تام " . و قال كما للأن بى سى إنّه يعتقد أنّ حكم محكمة العدل الدوليّة " لن تكون له أيّ جدوى " .
و هكذا ، تواصل إسرائيل قتل الأطفال و تواصل تجويع الناس و تعريضهم للبرد و حرمانهم من الحاجيات الأكثر أساسيّة لبقاء الإنسان على قيد الحياة . و تُمعن إسرائيل في التدمير المنهجيّ للمساكن و المدارس و المستشفيات و أماكن العبادة . كما تمعن في القصف بالقنابل التي تزوّدها بها الولايات المتّحدة لمخيّمات اللاجئين التي سبق و أن أمرت الناس باللجوء إليها . و تتمادى الولايات المتّحدة في تسليح كلّ هذا و الدفاع عنه و تمويله .
تسمية الهراء سكّرا لا يجعله حلوا : لنواجه – و نغيّر – الواقع
إخفاق محكمة العدل الدوليّة في غصدار أمر بإيقاف فوريّ لإطلاق النار في غزّة يطرح أسئلة كُبرى على الشعوب المضطهَدَة و على الشعوب التي تؤمن بالعدالة . و إنّه لضار ضررا عميقا أن نسيء تأويل قرار المحكمة على أنّه نوع من التنازل الهام لفائدة الشعب الفلسطيني ، سواء قمنا بذلك عن قصد أم عن غير قصد .
و مع ذلك ، هذا ما قامت به الكثير من القوى السياسيّة " التقدّميّة " . و لنضرب على ذلك مثالا واحدا هو جريدة الأنترسبت على الأنترنات (Intercept ) التي عنونت بالبنط العريض مقالها الأساسي " إنتصار تاريخيّ للفلسطينيّين " . (6)
لا يمكن للناس أن يتحرّروا ما لم يفهموا الواقع الذى يتعاطون معه عمليّا . و الواقع في هذه الحال هو أنّ الإبادة الجماعيّة مستمرّة . و الواقع هو أن نتن- النازي أقسم على الإنتصار الكامل على غزّة بكلّ ما يعنيه ذلك . و الفكرة و النداء من وراء إساءة قراءة و سوء تأويل الواقع مثلما فعلت الأنترسبت هو مفهوم أنّه علينا ليّ عنق الواقع لأجل " الإبقاء على آمالنا حيّة " و " مواصلة المشوار " .
لكن إذل لم ينفع علاج مرض السرطان ، لا يجب على طبيب المريض بالسرطان أن يقول للمريض إنّه نافع ! و إنّما يجب على الطبيب أن يعدّل الأمور مع المريض و يضاعف من جهده ليفهم فهما علميّا مصدر السرطان و يبحث عن ما يعالجه .
معنى حقيقيّ لما نواجهه و معنى حقيقيّ لما سيتطلّبه ذلك ، و النضال المصمّم على ذلك الأساس
إنّ النضال الرامي لإجبار إسرائيل و الولايات المتّحدة من ورائها على غيقاف هذا العدوان يجب أن ينطلق من معنى تام لما نواجهه و ما ستفعله إسرائيل و الولايات المتّحدة للتمادى في ذلك ز و يجب أن ينطلق هذا النضال بصفة متنامية من فهم النظام الذى يحرّك هذه الحرب – و الحروب المماثلة لها . حديثا ، وضع بوب أفاكيان هذا على النحو التالي ، على حسابه الجديد على وسائل التواصل الاجتماعي : @BobAvakianOfficial
" لماذا يدعم بايدن و أساسا كامل الحكومة و الطبقة الحاكمة في الولايات المتّحدة إسرائيل في إرتكاب الإبادة الجماعيّة ضد الشعب الفلسطينيّ على مرأى ومسمع من العالم قاطبة ؟ و إليكم الإجابة عن هذا السؤال الحيويّ : لا يعزى ذلك إلى" قوّة اللوبي اليهوديّ " - أو لفهم سخيف و فاحش بأنّ " اليهود يتحكّمون في كلّ شيء " . و إنّما يُعزى إلى كون إسرائيل تنهض ب " دور خاص " كقلعة مدجّجة بالسلاح لدعم إمبرياليّة الولايات المتّحدة في جزء إستراتيجيّا هام من العالم ( " الشرق الأوسط " ). و قد كانت إسرائيل قوّة مفتاح في إقتراف الفظائع التي ساعدت على الحفاظ على الحكم الإضطهادي للإمبرياليّة الأمريكيّة في عديد أنحاء العالم ...
إنّه النظام ! نظام الرأسماليّة – الإمبرياليّة الذى يخدمه بايدن . النظام الذى عليه أن يخدمه . النظام الذى على أيّ شخص و كلّ شخص أن يخدمه إذا أراد أن يحظى بوظيفة ، و خاصة " الوظائف السامية " ، مثل وظيفة الرئيس ، ضمن هذا النظام. لهذا يقوم بايدن بما يقوم به – ما يقوم به هؤلاء السياسيّيون – فوق و أبعد من مصالحهم الخاصة الضيّقة .
إنّه النظام ! هذا النظام الرأسمالي – الإمبريالي الذى يجسّد و يفرض تفوّق البيض و التفوّق الذكوري البطرياركي و إضطهاد عنيف آخر – هذا النظام الذى يقوم على إستغلال قاسى يسرق حياة الجماهير الشعبيّة في هذه البلاد و تماما حياة مليارات البشر عبر العالم ، بمن فيهم 150 مليون طفل – كلّ هذا يُفرض بعنف و تدمير شديدين على الشعوب و البيئة بما يمثّل تهديدا حقيقيّا جدّا لمستقبل الإنسانيّة و وجودها . "
و هذا النظام هو الذى يحتاج إلى أن نطيح به في أقرب وقت ممكن بواسطة ثورة فعليّة .
و من أجل الإجابة على السؤال المحوريّ لكيفيّة إنجاز ذلك و الدور الذى يمكن أن تنهضوا به ، تابعوا بوب أفاكيان (BA) على وسائل التواصل الاجتماعي أو إطّلعوا على :
1-https://revcom.us/en/revolutionbuilding-basis-go-whole-thing-real-chance-winstrategic-orientation-and-practical-approach
2- https://revcom.us/en/bob_avakian/revolution-real-chance-win
3- https://revcom.us/en/we-need-and-we-demand-whole-new-way-live-fundamentally-different-system
4- https://revcom.us/en/we-are-revcoms
[ و هذه الوثائق الأربعة متوفّرة باللغة العربيّة على صفحات الحوار المتمدّن بالموقع الفرعي لمترجمها ، شادي الشماوي ]
هوامش المقال :
1- مقرّ محكمة العدل الدوليّة يقع بلاهاي بهولندا . و هذه المحكمة هي الذراع القضائي للأمم المتّحدة . و يرتهن أيّ فرض لأحكام محكمة العدل الدوليّة بأعمال مجلس أمن الأمم المتّحدة أين للولايات المتّحدة حقّ الفيتو / حقّ النقض .
2- حماس قوّة حاكمة رجعيّة في غزّة هاجمت إسرائيل في 7 أكتوبر 2023 .
3- و تتضمّن التصريحات المذكوة في تقرير محكمة العدل الدوليّة :
" في 12 أكتوبر 2023 ، صرّح إسحاق هرزوغ ، رئيس إسرائيل ، محيلا على غزّة : " إنّها أمّة كاملة هناك هي المسؤولة. و ليس صحيحا ذلك الخطاب عن أنّ المدنيّين غير واعين و غير متورّطين . هذا ليس صحيحا مطلقا " .
" و في 13 أكتوبر 2023 ، أكّد إسرائيل كاتز الذى كان حينها وزير الطاقة و البنية التحتيّة في إسرائيل ، على منصّة آكس ( سابقا تويتر ) : " أُمر السكّان المدنيّون في غزّة بالإخلاء الفوريّ . سننتصر . لن يحصلوا على قطرة ماء أو بطّاريّة واحدة إلى أن يغادروا العالم ."
4- حكم نهائيّ بشأن تهمة إبادة الجماعيّة سيستغرق وقتا طويلا ن ربّما سنوات لكن وفق السلطة الممنوحة من الأمم المتّحدة، محكمة العدل الدوليّة تملك سلطة إصدار أحكام في ألثناء ( مثل الإيقاف الفوريّ للعمليّات العسكريّة الإسرائيليّ في غزّة الذى طالبت به أفريقيا الجنوبيّة ) إن " وُجد خطر حقيقيّ و داهم بأنّ ضررا لا يمكن إصلاحه سيلحق بحقوق الناس في غزّة قبل أن تتّخذ المحكمة قرارها النهائيّ ".
5- نتنياهو ( نتن – النازي ) إستحضر القصّة التوراتيّة حيث أمر " الإلاه " الإسرائيليّين بمهاجمة العدوّ " و التتحطيم التام لكلّ ما يملكه . لا ترحموهم ؛ أقتلوا الرجال و النساء ، و الأطفال و الرضّع ، و الماشية و الأغنام ، و الجمال و الحمير ".
6- أنظروا مثلا :
The Intercept: ICJ RULING ON GAZA GENOCIDE IS A HISTORIC VICTORY FOR THE PALESTINIANS THAT ISRAEL VOWS TO DEFY The Guardian, ICJ s Gaza decision shores up rules-based order and puts west to test and Democracy Now!, which reported, “The interim verdict is a major blow to Israel and the U.S., which have undermined the case despite overwhelming evidence presented by South Africa.”