على مرأى و مسمع من العالم أجمع : تواصل إسرائيل و الولايات المتّحدة تجويع غزّة بأسلوب محتشد موت نازيّ


شادي الشماوي
الحوار المتمدن - العدد: 7929 - 2024 / 3 / 27 - 00:15
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

على مرأى و مسمع من العالم أجمع : تواصل إسرائيل و الولايات المتّحدة تجويع غزّة بأسلوب محتشد موت نازيّ
جريدة " الثورة " عدد 846 ، 25 مارس 2024
www.revcom.us/en/front-whole-worldisrael-and-us-continue-starve-gaza-nazi-style-death-camp

صرّحت أهمّ وكالات الغوث العالميّة إنّ الوضع الغذائيّ في فلسطين أسوأ من أيّ وضع شهده أيّ بلد آخر في العشرين سنة الماضية . وكالة غوث و تشغيل اللاجئين ( أونروا ) التابعة للأمم المتّحدة هي بدرجة كبيرة جدّا الطريق الأساسي و الوحيد الذى له معنى في إيصال الغذاء إلى الفلسطينيّين بشكل قد يقرب بالمدى المطلوب تجنّب المجاعة الجماعيّة . و تشغّل هذه الوكالة 13ألف إنسان في غزّة و هي تملك قدرات لوجستيّة و علاقات مع الإدارات المحلّية و إمكانيّة تحريك الغذاء بسرعة لإيصاله إلى الناس على نحو منظّم و عقلانيّ . و في خضمّ الدمار الشامل و الوضع المريع و الفوضى في غزّة التي تقع تحت حصار إسرائيل ، هذا شيء ليس يمكن أن يُعاد إنشاؤه بشكل يقترب من معالجة الوضع .
و قد كانت جهود الولايات المتّحدة في " الإنزال الجوّي " في أحسن الأحوال عشوائيّة و في أسوئها قاتلة ( فقد قتلت هذه الإنزالات عددا من الناس عندما لم تعمل المظلاّت ).
لذا ، ما الذى فعله كنغرس الولايات المتّحدة للتعاطى مع الجوع الداهم لربّما مليوني شخص ؟ قطع المساعدة التي كان يقدّمها إلى الأونروا ، وكالة الغوث الوحيدة الفعّالة العاملة في فلسطين !
و " السبب " المفترض هو مزاعم غير ملموسة و غير مبرهن عليها لإسرائيل بأنّ قلذة من آلاف موظّفى الأونروا في غزّة شاركوا في هجوم 7 أكتوبر على إسرائيل من قبل حماس . كان ببساطة بوسع كنغرس الولايات المتّحدة كذلك أن يصوّت على ما يصبح قانونا أمريكيّا فحواه وجوب أن تجوّع إسرائيل جميع سكّان غزّة حدّ الموت .
و هذا ليس غير عنصر من كامل مشهد الوضع المريع في غزّة - بفعل إسرائيل ، لكن بالعديد و العديد من الطُرق " صُنع في الولايات المتّحدة " – المتواصل في الأسبوع الفارط .
و تواصل إسرائيل القتل الجماعي للمدنيّين دون تحقيق في هجماتها بالقنابل و الصواريخ . كما تواصل الولايات المتّحدة مدّ إسرائيل بهذه القنابل و الصواريخ . و مع 23 مارس 2024 ، عدد الذين قتلتهم إسرائيل في غزّة بلغ 32.142 إنسان بينما آلاف الجثث الأخرى لا تزال تحت ركام أنقاض المباني التي دمّرتها إسرائيل بقنابلها و صواريخها . و في 23 مارس 2024 ، جاء في تقرير لجريدة " النيويورك تايمز " أنّ " غزّة صارت مقبرة مساحتها 140 كلم مربّع و جميع المباني التي وقع تحطيمها تقصف بقنابل أخرى لقتل الذين لا زالوا أحياء تحت الأنقاض ".
و إضافة إلى عشرات الآلاف من القتلى ، جرحت قنابل إسرائيل و صواريخها و مدافعها و جنود مشاتها ما لا يقلّ عن 75 ألف إنسان في غزّة . و يُعاني كافة سكّان القطاع من سوء التغذية و الجوع . و النساء النحيلات تلدن أطفالهنّ في ملاجئ . و بعدُ قد فكّكت إسرائيل تفكيكا منهجيّا البنية التحتيّة للرعاية الصحّية في غزّة و بالنتيجة خرجت ثلثا مستشفيات غزّة قعليّا عن العمل جرّاء هجمات إسرائيل .
إستخدام المراقبة " لفرض التجويع :
ما من أحد من سكّان غزّة الذين يعدّون 2.2 مليون نسمة ما يكفيه من الغذاء لسدّ رمقه . و يوجد نصف السكّان على حافة المجاعة ! و جاء في تقارير الأمم المتّحدة أنّ في شمال غزّة ، سبعون بالمائة من السكّان يعانون بعدُ من المستويات الكارثيّة من الجوع – و يأكل الناس العشب و غذاء الحيوانات ، و يشربون ماء ملوّثا . و الأمّهات الجائعات غير قادرات على إنتاج ما يكفى من الحليب لتغذية أطفالهنّ و يتوسّل الأولياء الخدمات الصحّية المكتظّة من أجل الحصول على حليب للأطفال .
و قد دمّرت إسرائيل تدميرا منهجيّا ما في غزّة من إنتاج للغذاء و التخزين و النقل بقنابلها و صواريخها و مدافعها و جرّافاتها كما منعت دخول الغذاء إلى إزّة عبر ما يسمّى ب " مراقبة " شاحنات المساعدات و منعت مروحة من المواد تتراوح من المناديل الصحّية و ضرورات الحمل إلىلوازم المستشفيات و حبوب تصفية المياه ، زاعمة أنّ هذه المواد يمكن أن تُستعمل كأسلحة من طرف حماس .
و في 23 مارس 2024 ، جاء في تغريدة [ على منصّة آكس ] المفوّض العام لوكالة الأونروا ، فليب لازاريني :
" اليوم ، منعت السلطات الإسرائيليّة قافلة شاحنات أخرى تحمل مواد غذائيّة سكّان غزّة في أمسّ الحاجة إليها من بلوغ شمال غزّة أين الناس على حافة المجاعة . و آخر مرّة تمكّنت فيها الأونروا من إرسال مساعدات غذائيّة إلى شمال غزّة كانت قبل شهرين تقريبا . لقد قلت ذلك في مناسبات عديدة : هذه مجاعة من صنع الإنسان و مجاعة تلوح في الأفق لا يزال بوسعنا تلافيها . يجب على السلطات الإسرائيليّة أن تسمح بإيصال المساعدات الغذائيّة نطاق واسع إلى الشمال بما في ذلك من خلال الأونروا ، أوسع منظّمة إنسانيّة في غزّة . و في ألثناء ، سيواصل الأطفال الموت جرّاء سوء التغذية و الجفاف و ذلك تحت أنظارنا . لا يمكن لما لا يُطاق أن يصبح أمرا عاديّا جديدا . "
مواصلة إستهداف توزيع الغذاء :
في الأشهر الحديثة ، قتلت القوّات الإسرائيليّة أكثر من 400 فلسطيني و فلسطينية في شمال غزّة بينما كانوا يتجمّعون للحصول على المساعدات من الشاحنات القادمة من الجنوب . ففي 29 فيفري 2024 ، قتلت أكثر من مائة شخص و جرحت عدّة مئات آخرين في ما أضحى معروفا ب " مجزرة الطحين " في شمال غزّة . و قد ورد في تقرير لقناة الجزيرة أنّه في 23 مارس 2024 ، ما لا يقلّ عن 19 إنسانا قُتلوا مجدّدا بقصف إسرائيلي فيما كانت المساعدات توزّع في ذات المكان حيث جدّت المجازر السابقة في مدينة غزّة .
و قد وثّقت تقارير منها تقارير للميدل إست آي -Middle East Eye - أنّ إسرائيل قد إستهدفت العاملين بتوزيع المساعدات. و يشمل هذا مسؤولين مدنيّين عن تنظيم توزيع الغذاء و لجان من المتطوّعين جرى تنظيمها لتنسيق و إدارة توزيع الغذاء . و قدّمت إسرائيل تعلّة أنّ هؤلاء المسؤولين جزء من حماس ، لكنحماس كانت تحكم غزّة طوال 18 سنة – ما يعنى أنّ كامل الجهاز المدني يمكن أن يُعتبر " منخرطا مع حماس " . و لم تقدّم إسرائيل أدلّة على أنّ من قتلتهم في الأسبوع الفارط كانوا مقاتلين عسكريّين . و إثر توجيه إسرائيل لضربة هجوميّة على عمليّة توزيع غذاء تجريها منظّمة تابعة للأمم المتّحدة جنوب غزّة في 13 مارس 2023 ، قاتلة عضوا في فريق الأمم المتّحدة و آخرين ، جاء في تقرير لجريدة " الواشنطن بوست " أنّ الهجمات على قوافل المساعدات و الشرطة المحلّية التي كانت تحرسها تفرز أوضاعا فوضويّة و سرقات تنفّذها عصابات.
حصار مستشفى الشفاء :
و نحن ننشر هذا المقال ، بلغ حصار إسرائيل لمستشفى الشفاء وسط غزّة يومه السابع . وهذا المستشفى هو الأكبر في غزّة. و مع بداية عمليّة الحصار ، كان الشفاء بالكاد مجهّزا بعد أشهر من الحرب و الهجوم السابق عليه من طرف القوّات الإسرائيليّة .
عَمر فوزى جدبه ، طبيب جرّاح أوردة دمويّة سنّه 31 سنة بمستشفى الشفاء ، وصف الوضع من نافذة للمستشفى في 18 مارس 2024 وهو يشاهد المدافع الإسرائيليّة تحاصر المستشفى . قال لجريدة " الواشنطن بوست " إنّ دقائق بعد إعلان الجيش الإسرائيلي أنّه " إكتسح الشفاء و أنّ الجميع رهن الإعتقال "، أجبرت القوّأت الإسرائيليّة أو إعتقلت مئات المرضى. و بقي في المستشفى حوالي 150 إلى 200 مريض و مريضة لا يستطيعون السير ، مع ثلّة من الأطبّاء . و على الأقلّ تسعة مرضى منهم إثنان كانا بوحدة الإنعاش ، ماتوا لعد تقديم العلاج لهم . و في حين ظلّ الدكتور جدبه في المستشفى ، تجنّب النظر إلى خارج المبنى من النوافذ خشية أن يتمّ إطلاق النار عليه .
أطبّاء غزّة يقدّمون شهاداتهم في واشنطن :
أتى أطبّاء أمريكيّون و بريطانيّون لهم سنوات من التجارب في معالجة المرضى في مناطق الحرب ، أتوا إلى واشنطن دى سى ليقدّموا روايات أوّليّة عن ما شاهدوه في مستشفيات غزّة .
نيك ماينار ، طبيب جرّاح بريطاني ، وصف إجراء عمليّات جراحية على مجروحين على مستوى الصدر جرّاء الإنفجارات بالقليل من مواد التخدير أو المضادات الحيوية في مستشفى الأقصى وسط غزّة في ديسمبر 2023 و جانفي 2024 . " نقص مسكّنات الألم كان مزعجا بوجه خاص لأنّنا رأينا الكثير من الأطفال يعانون من حروق رهيبة " . و وصف محاولة إجراء عمليّات بقدر قليل من القفّازات المعقّمة و الأردية الجراحية . و غياب المواد الطبّية الأساسيّة يُعزى إلى حصار إسرائيل لغزّة . و وصف الدكتور ماينار السير عبر الأروقة المكتظّة بالمهجّرين لمراقبة أحوال المرضى الذى قد أجرى لهم عمليات جراحيّة و كان أحيانا يخفق في العثور عليهم . و أفاد جريد " النيويورك تايمز " بأنّ " هذا تدمير متعمّد لكامل نظام الرعاية الصحّية " .
و ثائر أحمد ، طبيب قسم الإستعجالي ، فلسطيني – أمريكي إشتغل في مستشفى ناصر جنوب غزّة إلى حدود جانفي 2024. و في 15 فيفري ، بعد رحيله عن غزّة ، هاجمت القوّات الإسرائيليّة مستشفى ناصر ضمن ما زعمت أنّها عمليّة تفتيش عن أعضاء من حماس و أسلحة و جثامين أسرى إسرائيليّين . و أمرت إسرائيل المرضى و الطاقعم الطبّيّ بإخلاء المكان ، و هاجمت و قتلت بعض الذين حاولوا المغادرة بالرصاص و بالغارات الجوّية ، و أجبرت الآلاف من المرضى و الطاقم الطبّيّ و اللاجئين على إخلاء المستشفى .
و ق صوّرت أشرطة فيديو هجوم فيفري و ما نجمت عنه من فوضى داخل المستشفى المتضرّر و المليئ بالدخان ، و كان يتخلّل ذلك إطلاق نار أوتوماتيكي و تفجيرات . و في سياق الظروف المتدهورة بسرعة ، مات مرضى بسبب غياب الطاقة [ لتشغيل الآلات الطبّية ] و الأوكسيجين . و وصف الجيش الإسرائيلي الهجوم بأنّه " عمليّة دقيقة و محدودة ".
ما نشاهده من التدمير الشنيع الذى تقوم به إسرائيل في غزّة – بتمويل و دعم عسكريّ من الولايات المتّحدة – هو محاولة من جانب الوزير الأوّل نتن – النازي ( بنيامين نتنياهو ) – لتكريس " الحلّ النهائيذ " ل " المشكلة الفلسطينية لإسرائيل . و هذا يعنى ، في الأدنى ، تقليص الفلسطينيّين إلى وضع حيث يضحون غير قادرين على تمثيل أيّ عائق أمام أهداف إسرائيل. و أبعد من ذلك ، يمكن أن يعني التهجير الجماعي و / أو المجازر على نطاق واسع ، أبعد حتّى ممّا تقترفه إسرائيل في الوقت الحاضر .