- هذا ما قرّرت طبقتنا الحاكمة أن يكون أمرا عاديّا -[ آرون بوشنال ]- أفكار حول الإستشهاد و الكلمات و المجازر و الثورة


شادي الشماوي
الحوار المتمدن - العدد: 7907 - 2024 / 3 / 5 - 14:24
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

" هذا ما قرّرت طبقتنا الحاكمة أن يكون أمرا عاديّا "[ آرون بوشنال ]- أفكار حول الإستشهاد و الكلمات و المجازر و الثورة
بول ستريت - مؤرّخ و كاتب أمريكي - ، 1 مارس 2024 ؛ موقع أنترنت ThePaulStreetReport

البارحة ، أفادت إذاعة إخباريّة " حكوميّة " قوميّة أنّ " 30 ألف شخص قُتلوا إلى حدّ الآن في القتال في غزّة " . كم أنّ هذا القول مجنون . كم هو مثير للشفقة . كم هو سخيف . حاولوا : " 30 ألف نسان ، معظمهم من النساء و الأطفال تمّ سفك دمائهم إلى حدّ الآن في حرب إعدام صلبا إباديّة جماعيّة أمريكيّة – إسرائيليّة لغزّة " .
للكلمات أهمّية . لم تكن أبدا " حرب الفيتنام " بل كانت عمليّا " حرب الولايات المتّحدة ضد الفيتنام " أو أفضل من ذلك " حرب الإعدام صلبا من الولايات المتّحدة لجنوب شرق آسيا ". لم تكن أبدا " حرب العراق " بل كانت " غزو الولايات المتّحدة الأمريكيّة الإمبرياليّة للعراق و إحتلالها له " . و ليست " حرب إسرائيل – حماس" أو ( لنستخدم الآن عبارات BS"P" الآن ) " حرب في الأرض المقدّسة "؛ بل هي " إعدام صلبا لغزّة إحادي الجانب من الولايات المتّحدة - إسرائيل ".
قبل يومين ، أخبرنى صديق كنديّ أنّ آرون بوشنل لم يكن أوّل أمريكي يضرم النار في نفسه إحتجاجا على الإبادة الجماعيّة في غزّة المموّلة و المجهّزة و المحميّة من الولايات المتّحدة . فقد حصل الأمر كذلك خارج أسوار القنصليّة الإسرائيليّة في أطلنتا و جرجيا ، في 2 ديسمبر الفارط . و وفق الأسوشياتد براس ، " عُثر على علم فلسطيني على مسرح العمليّة كان جزءا من الإحتجاج ، هذا ما قاله رئيس شرطة أطلنتا ، دارين شيرباوم في ندوة صحفيّة . و أضاف أنّ المحقّقين لم يصدّقوا وجود أيّ رابط لذلك بالإرهاب و ما من أحد من فريق القنصلّة تعرّض إلى الخطر أبدا ".
في الواقع ، هناك رابط مع الإرهاب : المجتجّ يعلن موقفا ساطعا ضد إرهاب الإبادة الجماعيّة المدعومة من الولايات المتّحدة .
إضرام النار في النفس له تاريخ طويل كشكل من أشكال الإحتجاج السياسي ضد الإضطهاد المقيت . جاء في ويكيبيديا :
[...]
و بالحديث عن الإرهاب و الإبادة الجماعيّة و المجازر التي ترتكبها إسرائيل اليهوديّة – الفاشيّة ، نلفت نظركم إلى " مجزرة الطحين يوم الخميس الفارط [...]
و نعود إلى آرون بوشنال . إليكم كلماته الأخيرة :
" لا أقبل بالإستمرار في التواطؤ مع الإبادة الجماعيّة . أنا على وشك القيام بعمل إحتجاجي متطرّف لكن مقارنة مع ما يعيشه الناس في فلسطين على يد مستعمريهم ليس متطرّفا أبدا . هذا ما قرّرت طبقتنا الحاكمة أن يكون أمرا عاديّا . حرّروا فلسطين، حرّروا فلسطين ، حرّروا فلسطين ".
إزاء ما أقدم عليه بوشنال ، أصدرت حركة الشباب الفلسطيني الموقف الآتى ذكره :
" في 25 فيفري 2024 ، آرون بوشنال وهو عنصر من جيش الولايات المتّحدة عمره 25 سنة ، أضرم النار في نفسه خارج السفارة الصهيونيّة في واشنطن دى سى . لقد قام بذلك إحتجاجا على التواطؤ المتوصل للولايات المتّحدة في الإبادة الجماعيّة في غزّة . و بتقديمه أسمى التضحيات التي يمكن أن يبذلها إنسان دعما لقضيّة أخلاقيّة – حياته الخاصة – بعث آرون برسالة باسم جماهير الولايات المتّحدة و الجماهير في العالم ، أنّ الناس ذوى الوعي في كلّ مكان سيرفضون التواطؤ مع الإبادة الجماعيّة الجارية ضد الشعب الفلسطيني إلا آخر نفس في حياتنا .
و في حين أنّ وسائل الإعلام في الولايات المتّحدة تورد الخبر و تعلّق على أنّه من صنع إنسان مختلّ عقليّا ، شاب مضطرب نفسيّا ، فإنّ رسالة آرون ذاته في اللحظات السابقة على ما أقدم عليه تبيّن الوضوح الأخلاقي و الفكري الذين وفقهما قيّم و في نهاية المطاف قرّر الإقدام على ذلك العمل . و آرون الآن هو الشخص الثاني الذى يُضرم النار في نفسه إحتجاجا على أفبادة الجماعيّة المدعومة من الولايات المتّحدة ضد غزّة ، فالحدث الأوّل كان إضرام امرأة في أطلنتا النار في نفسها خارج القنصليّة الصهبيونيّة في أطلنتا ، ولاية جورجيا .
ولعلّه ما من تشبيه أقوى لما تمثّله إمبراطوريّة الولايات المتّحدة من ردّ فعل الشرطة التي كانت موجودة على مسرح الحدث. إذ بدلا من الإسراع إلى إطفاء النيران مستعملة مطافئ الحريق و إلى إنقاذ حياة آرون ، أخرج عناصر الشرطة أسلحتهم و وجّهوها مباشرة إلى آرون وهو واقف يحترق حدّ الموت . ما هو التهديد الذى رأته الشرطة في شاب يحترق ، غير قادر على القيام بأي شيء عدا الصراخ " حرّروا فلسطين " إلى أن منعته الآلام من إصدار أيّ صراخ آخر ؟ لقد رأوا شيئا غريبا عنهم ، غريبا عن منطق و آلة إمبراطوريّة الولايات المتّحدة : التضحية بالذات من أجل قضيّة أسمى من حياة الشخص الخاصة .
إنّ كلمة شهيد في العربيّة تحمل معنى " شاهد " أي شخص يشهد في آخر لحظات حياته على الظلم . و آرون بوشنال شهيد، لحظات حياته الأخيرة قضّاها يحترق بحقيقة صارخة و ثابتة كلّ إنسان يملك وعيا أخلاقيّا ، من قلب الوحش إلى أبعد أصقاع كوكب الأرض ، يطالب بالإنتباه و التحرّك الفوريّين قصد وضع نهاية للفظائع الجارية أمام أعيننا . لتكن كلمات آرون و عمله الأخير نورا يضيئ وعينا و يدفعنا و يحرّضنا على مواصلة النضال من أجل فلسطين حرّة ، الآن و إلى ساعة التحرير . "
( كتب لى صديقى لورانس هاملتن أنّ R"P"N قالت إنّهم لم يستطيعوا أن يتثبّتوا من دوافع آرون بوشنال إلى إضرام النار في نفسه . وسائل إعلامنا السائدة تشبه شخصيّة الخنزير النمّام في رواية جورج أوروال ، " Animal Farm " ).
في 17 ديسمبر 2010، بائع خضر و غلال ، محمّد البوعزيزي ، أضرم النار في نفسه إحتجاجا على الفساد و الحكم الإستبدادي . و مثّل إستشهاده شرارة إنطلاق الربيع العربي بما هو حركة إحتجاج في المنطقة ضد الفساد و الإستبداد عبر العالم العربي . و إستشهاد بوشنال يجب أن يصبح شرارة لربيع أمريكي معادي للإمبرياليّة – حركة جماهيريّة ليس للإحتجتج على سياسة الولايات المتّحدة و إسرائيل وحسب بل أيضا للإطاحة بالنظام الرأسمالي – الإمبريالي الذى يقف وراء هذه السياسة .
رجاء لاحظوا خطّ بوشنال : " هذا ما قرّرت طبقتنا الحاكمة أن يكون أمرا عاديّا " . بالفعل هذا هو الحال في جميع الجهات. فقد قرّرت الطبقة الحاكمة للولايات المتّحدة الأمريكيّة أنّ عديد الأشياء الرهيبة يجب أن تُعتبر " عاديّة " بما في ذلك التصعيد في تدمير البيئة القابلة للحياة فيها ، و التصعيد في التهديد بالحرب النوويّة ، و غلق الحدود أمام ملايين الناس الذين دمّرت الرأسماليّة – الإمبرياليّة للولايات المتّحدة حياتهم في أمريكا اللاتينيّة ، و تغذية مطاحن اللحم القاتلة بمئات الآلاف من الجثامين الأوكرانيّة و الروسيّة ،و التسليح الكبير و المميت لعدد كبير من سكّان الولايات المتّحدة ، و ظهور جهاز شرطة محلّية عنصريّة عملاق في الولايات المتّحدة و دولة السجن الجماعي ، و إستيلاء الشوفينيّين المسيحيّن البيض على السلطة في عديد ولايات الولايات المتّحدة ، و وضع الفاشيّة يدها على أمّة الحزبين السياسيّين الرأسماليّين الفاعلين ، و من المحتمل تماما أن تضع الفاشيّة يدها على كامل الهيكلة السياسيّة و كامل المجتمع في الولايات المتّحدة و من الممكن أن تضع نهاية للديمقراطيّة المضبوطة سابقا بالإنتخابات و البرلمانية و حكم القانون البرجوازيّين في الولايات المتّحدة .
و إليكم نقاشا أجريته حديثا مع رفيق على وسائل التواصل الاجتماعي :
يعقوب : " من رفيق . أتّفق مع هذا : " إذا قلت لى إنّ الخيار أمامي هو بين الإبادة الجماعيّة أو دكتاتور ، أعتقد أنّنى سأختار دكتاتور ". توضيح ، لا أقصد التصويت لترامب لكن إن كان السبيل الوحيد لإيقاف ترامب هذا هو دعم الإبادة الجماعيّة ، لن أعمل على إيقافه ."
ستريت : يعقوب ، لن أصوّت إلى جو بايدن الإبادي الجماعي في نوفمبر 2024 ، فقط لنكون واضحين ، غير أنّ هذا الموقف غبيّ لسببين إثنين :
1- مشاعر ترامب الفاشيّ و حزبه و قاعدته الفاشيّين عمليّا أكثر إبادة جماعيّة تجاه غزّة و العرب و المسلمين من مشاعر بايدن و الديمقراطيّين الحقيرين . إنّ فترة رئاسيّة ثانية لإدارة ترامب لن تتميّز سوى بإلتزام أكبر بمسعدة إسرائيل في إقترافها العقاب الجماعي ضد الفلسطينيّين .
2- كفاية من هذا الهراء من تقديس الإقتراع بين جو بايدن الإبادي الجماعي و دكتاتور برتقالي . جدّيا . علينا إختيار الثورة الإشتراكيّة . و بالتالى لنعد صياغة الأمر على النحو التالي : " إذا قلت لى إنّ الخيار أمامك بين الرأسماليّة – الإمبرياليّة على طريق الفاشيّة من جهة و الثورة الإشتراكيّة على طريق الشيوعيّة من الجهة الأخرى عندئذ سيكون إختياري واضحا : الثورة .