السيسي وشيماء الصباغ

محمود يوسف بكير
الحوار المتمدن - العدد: 4711 - 2015 / 2 / 5 - 20:55
المحور: العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية     

رحمة الله على شيماء الصباغ شهيدة مصر وعلى شهيد الأردن معاذ الكساسبة وعلى كل الشهداء الذين قضوا من أجل حرية وكرامة شعوبهم في هذا العالم العربي البائس المبتلى بالاستبداد والفساد والظلم وموت الضمير والإنسانية.

شاهدت مقطع فيديو صغير للشهيدة شيماء الصباغ وهي تفارق الحياة بين يدي أحد الشباب وهو يحملها مستنجدا بمن حوله من اصحاب المحلات في الشارع الذي قتلت فيه بالقاهرة دون مجيب، وكالعادة حضرت سيارة الإسعاف البدائية متأخرة لنقل جثمان الشهيدة.

المؤلم في اللقطات القصيرة التي تم تصويرها لشيماء بعد إصابتها برصاص أحد قناصة الشرطة أنها كانت تنزف دماً من فمها بغزارة وهو ما يعني أن من استهدفها كان يقصد القتل لأنه صوب سلاحه على الجزء الأعلى من ظهرها مما أدى الى اصابتها بتهتك في الرئة ونزيف حاد داخلي أدى الى توقف قلبها.

تظهر اللقطات أن شيماء والمجموعة الصغيرة من الشباب التي كانت معها في مسيرة سلمية كانت نيتها التوجه الى ميدان التحرير في ذكرى تأبين ثورة 25 يناير عام 2011 لتذكير الغافلين بأنه كانت هناك ثورة في هذا الميدان لم تشهدها مصر في تاريخها وأنها اختطفت من قبل العسكر ومن قبلهم الإخوان المتأسلمين، ولكن شيماء وزملاءها فوجئوا بالهجوم الشرس والعنيف وغير المبرر عليهم من قبل رجال الشرطة والجيش خاصة وأنهم لم يحملوا أي اسلحة ولم يحاولوا الاعتداء على أي منشآت أو أفراد.

وحتى وإن كانوا مسلحين فإن قواعد الاشتباك Rules of Engagement المعروفة عالمياَ تملي على الشرطة أن تلجأ الى التحذير بمكبرات الصوت أولاً ثم بطلقات نارية في الهواء ثانياً ثم التصويب نحو الأرجل عند الاضطرار وليس الصدر أو الرأس.

ولكن المؤسف حقاً أن هذه القواعد مقلوبة في مصر حيث تلجأ قوات الشرطة والجيش الى التصويب نحو الأجزاء العلوية في أجسام الضحايا دون الالتزام أو الاكتراث بأي خطوات تحذيرية بقصد إحداث عاهات مستديمة أو قتل المتظاهرين ضد النظام العسكري الحاكم بعد أن أصبح الإنسان المصري مستباحاَ في كرامته وعيشه وحريته وبيته وحتى حياته دون أدنى قدر من المسئولية أو المحاسبة لرجال الأمن خاصة بعد أن ضاعت استقلالية القضاء الشامخ والادعاء العام.

تظهر اللقطات ايضاً أن شيماء ظلت واقفة دون أي صراخ أو عويل وهي تنزف حتى وهن جسدها النحيل وسقطت على الأرض. شيماء كانت هادئة تماماً وكانت ملامحها تشي بأنها تعرف أنها النهاية لحياتها ولكنها كانت تعلم أيضا أنها قد تكون البداية لحياة جديدة لمصر التي ماتت من أجلها.

أعتقد أن الرئيس السيسي شاهد هذه اللقطات ولكنه التزم الصمت تماماً لأكثر من اسبوع لم يعلق خلاله على مقتل شيماء كما يعلق عادة على مقتل أي من جنوده أو رجال أمنه في التو واللحظة وذلك لأن شيماء كانت من المعارضين لنظامه القمعي ومن ثم فإنها من مواطني الدرجة الثانية.
تخيل لو أن شيماء كانت في مظاهرة تأييد للسيسي وقتلت بنفس الطريقة المأساوية هل كان سيلتزم الصمت لمدة أسبوع أم كان سيلقي بتصريحاته النارية المعتادة ويزور أهلها ويأمر بجنازة كبيرة لها؟

وعندما تحدث السيسي لجأ الى اسلوب المسرحيات التي اعتدنا عليها في زمني السادات ومبارك حيث طلب في اجتماعه الأخير مع رجاله ورجال إعلامه من وزير الداخلية أن يتكلم عن موضوع شيماء والمضحك أن الميكروفون كان جاهزاً الى جوار الوزير الذي وعدنا بأن النيابة (التابعة له) تقوم بالتحقيق في الموضوع بشفافية وأنه سيحاسب من تثبت ادانته ولكنه نسي أن يقول: وربنا يعطينا ويعطيكم طيلة العمر وكل عام وأنتم بخير.

ولكن لماذا التزم السيسي الصمت طيلة أسبوع كامل؟ ذلك لأنه وعد ضباطه بالحماية من أي ملاحقات قضائية قد تنجم عن لجوءهم للقتل عند مواجهة هؤلاء المتظاهرين السلميين ولذلك عاش الرجل في مأزق لمدة أسبوع لا يدري ماذا يقول حتى نصحه أحدهم بإخراج هذه المسرحية الهزلية وقذف الكرة إلى ملعب وزير الداخلية.

ذكرتني أيضاً شيماء بفتوى "اضرب في المليان " للجنرال حالياً والمفتي سابقاَ الشيخ على جمعة. أو ليس هو من شجع السيسي وأعطاه صكاً دينياً بقتل كل المعارضين له عندما وقف بين يديه في هذا اللقاء الشهير واصفاً المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين بالجنس النتن ومطالباً إياه بالقضاء عليهم "والضرب في المليان".

ولا يسعنا هنا سوى تهنئة الجنرال الشيخ بالتزام السيسي بفتواه النيرة وتطبيقها بشكل عملي. ولكننا نسأل فضيلته عما إذا كان يشعر بشيء من الخزي والعار لأن التطبيق العملي لفتواه أدى الى قتل هذه الشابة الرقيقة والتي لم تكن تقاتل أو تحمل سلاحاً ولم تكن تنتمي لحركة الاخوان المتأسلمين التي ندينها جميعاً لاستخدامها الانتهازي للدين لأغراض سياسية بحتة، نسأله مرة أخرى ألا يشعر بأي نوع من الذنب لمقتل شيماء وغيرها من شباب مصر على يد رجال الأمن التزاما بفتواه الفجة؟ وهل يفترض في مفتي الديار المصرية أن يدعو الى العنف والقتل وأن يستخدم هذه الألفاظ البذيئة؟

رأيت ايضاً مقطع فيديو صغير لأحد الآلهة الجدد في مصر وأعني بهذا ضابط شرطة سابق وصل الى مرتبة اللواء وهي درجة الإلوهية الجديدة في مصر وهو يتحدث عن مقتل شيماء بلغة فوقية ودون أي إحساس بالمسئولية ويقول ما معناه أنه لابد من ضرب هؤلاء الذين يخرجون من أجل المطالبة بمحاسبة المسئولين عن مقتلها. وكأن مصر قد تحولت الى عزبة تخص أهله وتستباح فيها كرامة أهلها ويحق له ضربهم بالأقلام على وجوههم كما قال.

وإمعاناً في امتهان المصريين في هذا الزمن الردئ زمن إعلام الخسة والوضاعة رأيت أحد الإعلاميين على شاشة أحد قنوات تليفزيون الدولة وهو يطالب السيسي بالمزيد ويقول له " افرم ياسيسي ".

وأخيراً نتساءل على من يضحك السيسي وهو يقول إن شيماء الصباغ هي ابنته وأنه يسعى الى تكوين دولة المؤسسات والقانون، فهل يصمت الأب على مقتل ابنته لمدة أسبوع دون أن ينبث بكلمة؟ وهل ينتهي به الأمر الى مطالبة الطرف المشتبه به في مقتل شيماء وهو وزارة الداخلية بالتحقيق في الموضوع والإتيان بأدلة تدين ضباطها وبلطجيتها؟

وهل يمكن أن نأخذ وعود السيسي بتحقيق دولة المؤسسات والقانون على محمل الجد وهو يضع كل هذه المؤسسات في جيبه ويسير على نفس نهج كل من سبقوه ابتداءاً من عبد الناصر والسادات ومبارك وانتهاءاً بمرسي؟
واضح أن السيسي لم ولن يعتبر من سيرة كل من سبقوه وفعلا ما أكثر العبر وقلة الاعتبار. لكن على السيسي ألا ينسى أن العالم كله بانتظار نتائج التحقيق في مقتل شيماء.

لقد فضحت جريمة مقتل شيماء الكثير من الأكاذيب وآن الأوان أن تنجلي الغشاوة عن عيون الغافلين وأن يدركوا أن أمة يحكمها العسكر هي أمة غير حرة ولن تنعم ابداً بأي نوع من الكرامة أو العدالة أو الاستقرار.

شيماء لم تمت إلا إذا أردنا لها أن تموت في ضمائرنا.