خرافة العلم والإيمان في منظومة العقل الديني

محمود يوسف بكير
الحوار المتمدن - العدد: 4557 - 2014 / 8 / 28 - 22:48
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

في عقد السبعينيات من القرن المنصرم اشتهر الكاتب الإسلامي الراحل د. مصطفى محمود في التليفزيون المصري ببرنامجه" العلم والإيمان "، وقتها كنت طالباَ في المرحلة الجامعية وكم كنت ألاحظ محاولاته البائسة لإثبات أنه ليس هناك أي تناقض بين العلم والإيمان وان نهجهما وأساسهما واحد.
كان برنامجه يعتمد على انتقاء ظواهر علمية بحتة سواء من الطبيعة أو عالم الأحياء يتم تحليلها والتنظير لها في الغرب تم تصويرها في برامج تليفزيونية. وما كان على مصطفى محمود الا أن ينقلها الى العربية ثم يحاول ربطها ببعض الآيات القرآنية التي تحتمل أكثر من تأويل بغرض الادعاء بأن القرآن اشتمل على كل هذه الظواهر والنظريات العلمية قبل أن ينتبه لها علماء الغرب.

والعيب هنا ليس في القرآن الذي لم ينزل ككتاب علمي وإنما نزل بالأساس لهداية العرب وتهذيب طبائعهم البدوية التي تميل إلى العنف وليس لتلقينهم علوم الطبيعة والأحياء والفضاء والطب والهندسة والآن الاقتصاد والنقود والبنوك، ولكن العيب في هؤلاء الناس أمثال مصطفى محمود وزغلول النجار وغيرهم الذين يحملون القرآن بأكثر من طاقته ويتلاعبون بتفسير آياته حسبما يتسنى لهم.

والحقيقة أن منهجية العلوم الطبيعية والانسانية تقوم على قواعد وأسس متناقضة تماماً مع منهجية وآليات البحث الديني وإليكم بعض الأمثلة:

1ـ المنهجية العلمية تسعى دائماً الى البحث عن الثغرات ونقاط الضعف في النظريات القائمة بغرض إفشالها وتقديم نظريات جديدة أشمل وأدق ولهذا فإن العلوم الطبيعية والانسانية تتقدم باستمرار لأن الحقيقة فيها ليست حكرا على أحد.
أما المنهجية الدينية فإنها تقوم على عكس ما سبق تماماً حيث يحتكر من يسمون برجال الدين الحقيقة المطلقة ولا يسمح لك أن تطلق العنان لعقلك أو خيالك في كل ما يتعلق بالدين، ويعتبر من المحرمات مجرد التشكيك في حديث يتناقض مع المنطق والعقلانية بشكل فاضح.
وبناءاً عليه فقد تم غلق باب التجديد في علوم التفسير والحديث منذ قرون والحديث الشهير " كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار " يقف حائلاً ضد أي عملية إصلاح ديني مثل التي قادها القس الألماني مارتن لوثر مؤسس حركة الإصلاح البروتستانتي في أوروبا في القرن السادس عشر. ولذلك فإن كافة العلوم الدينية واللغوية في الاسلام محلك سر منذ قرون.
وبالمناسبة فإن العملاق مارتن لوثر نهض بالمسيحية من خلال فصلها عن السياسة وهذه رسالة قصيرة لجماعات الإسلام السياسي.

2ـ العلوم الطبيعية والإنسانية تشجع العقل النقدي وحرية البحث والتفكير دون أي قيود، أما العلوم الدينية فهي تشجع العقل النقلي والمنهج التبجيلي فكل ما هو قديم هو الأفضل دائما وأبداً وليس في الإمكان أبدع مما كان، وفي هذا أيضاً هناك حديث منسوب للنبي محمد يقول ما معناه " أن خير القرون قرني ثم الذي يليه ثم الذي يليه " بمعنى أننا كلما أوغلنا في القدم وحذونا حذو السلف الصالح كلما كان هذا أفضل لأن البشرية تتجه إلى الأسوأ بانتظام وليس أمامها خيار آخر.

3ـ عملية الاقناع وإثبات مصداقية النظريات الجديدة في العلوم الطبيعية والإنسانية تعتمد على المنهج التجريبي والبراهين العلمية والمنطق الرياضي والاستدلال المنطقي الذي لا يحتمل الجدل أو التأويل.
أما عملية الاقناع في الدين فإنها تعتمد على سياسة العصا والجزرة أو ما أسميه بالترغيب والترهيب، فإذا ما شككت فيما يدعيه مولانا فإن مصيرك جهنم الحمراء مخلداً فيها مع زبانية التعذيب الذين لا يتعبون ولا يرحمون مهما طال بك المقام لديهم، وأما إذا ما عقلت الأمور وآمنت بما يقوله مولانا دون أي دليل فإنك في جنة رضوان حيث القصور الذهبية والفضية وكل أصناف الطعام والشراب والحور العين وآلاف النساء التي ليس لهن وظيفة سوى انتظار معاشرة جنابك لهن.
كل هذا النعيم لأنك كنت سمعت الكلام وقبلت أن تغيب عقلك تماماً.

4ـ منهجية العلوم الطبيعية تقوم على محاولة تفسير وتبسيط الظواهر العلمية المعقدة مثل علوم الذرة والطب والعلوم الهندسية وعلوم الأحياء وغيرها، أما منهجية العلوم الدينية فهي تتعمد تعقيد الدين الذي هو في الأساس دين الفطرة البسيطة وهبة الخالق لمخلوقاته جميعاً وليس لفئة معينة من البشر. وعلماء الدين يتعمدون هذا ربما لشعورهم بالنقص أمام علماء الطبيعة وكذلك لكسب نوع من السطوة والنفوذ أمام البسطاء.

5ـ الباحث في العلوم الطبيعية والإنسانية يهدف بالأساس الى تسخير العلم لخدمة وسعادة الإنسان أما رجل الدين فإن هدفه المعلن هو تسخير الإنسان من أجل عبادة وخدمة الإله، أما هدفه الحقيقي فهو السيطرة والتسلط على الإنسان باسم الإله من أجل خدمة رجل الدين ذاته.

6ـ العلم فضاء عام ومتاح للجميع حتى لمن لا يفهمون، أما الدين والذي يفترض فيه أن يكون فضاءاً خاصاَ بمعنى أن علاقتي بالإله هي علاقة خاصة جدا بيني وبينه فقط وليست بيني وبينه وبينك. ولكن رجال الدين جعلوه فضاءاً عاماً حتى يتدخلوا في كل صغائر حياتنا بأوامرهم ونواهيهم.
وأتذكر في هذا قول قديم قاله أحدهم لأحد المسلمين "لم يترك لكم دينكم شيئا حتى إخراءكم" بمعنى أن مولانا يقتفي أثرنا حتى في الحمام.

لا أقصد مما أسلفت الاعتراض على نهج المتدينين فكما أنني أحب أن أكون حراً في حياتي ومعتقداتي فإنني أحترم حقهم في التفكير والاعتقاد بما يشاءون شريطة ألا يقتحموا دائرتي الخاصة وحقي في التمتع بحريتي.

وكما أننا نتلقى منهم آلاف الفتاوى والنصائح والمواعظ اليومية من خلال عشرات المحطات التليفزيونية الدينية وآلاف المساجد فإنه يحق لنا أيضاً أن نوجه لهم بعض النصائح المخلصة التي أرجوا أن يتقبلوها أو يرفضوها بشيء من التواضع الذي لا يشتهرون به وهي أن يحاولوا الاستفادة من منهجية العلوم الطبيعية والإنسانية التي أوضحتها سابقاً من أجل القيام بعملية إصلاح ديني تساهم بشكل فاعل في بناء مجتمعاتنا الإسلامية على أساس الإيمان بالتعددية الدينية والمذهبية والاثنية والفكرية والثقافية وعندها ستعرف مجتمعاتنا السلام والتسامح والاستقرار بما ينهي حالة الاستقطاب والاقتتال الداخلي الذي باتت تهدد أصل وجودنا وكيان دولنا الإسلامية وحيثما وجدنا كمسلمين .

أن منهاجية العقل الديني الجامدة والرافضة للتغيير والتعددية أضحت تنعكس على كل مناحي حياتنا الفكرية والاجتماعية ونظامنا التعليمي وجعلتنا في مؤخرة الامم وهي المسؤولة عما نعانيه من استبداد وفساد ومعاناة وحروب.

لقد نجحت كل الحضارات والديانات الأخرى في اصلاح نفسها والتوافق مع المبادئ الأساسية للحداثة وحقوق الانسان ولا يمكن تصور ان يمثل الإسلام استثناء من هذه القاعدة التاريخية وان يكون دينا غير قابل للإصلاح.
الإسلام وكتبه شأنه شأن كل الأديان الأخرى يحتوي على آيات وأحاديث رائعة وليس كله سيء وشرير كما يروج البعض فلا يوجد دين على وجه الأرض لا يخلو من الخرافات والاساطير والآيات التي لم تعد تناسب العصر الحديث وكان المأمول من رجال الدين في الإسلام أن يستثمرون وقتهم وطاقتهم في عملية اصلاح شاملة تجعل من الدين نبراسا للإنسانية والرحمة والعدل والسلام والمساوة بين البشر بدلا من أن يكون سببا للاقتتال والحروب والخراب.


أليس من المخجل أن يتعايش رجال الدين الإسلامي عبر كل هذه السنيين في سلام ووئام مع نظم الحكم المستبدة والفاسدة في العالم العربي دون شكوى أو ضجر أو أحساس بالمظلومين والمنهوبين؟


محمود يوسف بكير
مستشار اقتصادي مصري