حسين عجيب
الحوار المتمدن-العدد: 1777 - 2006 / 12 / 27 - 10:24
المحور:
سيرة ذاتية
من الحوادث التي تحكى عن فرويد ويونغ_قبل الاختلاف_ أثناء زيارتهما الأولى لأمريكا, أن فرويد عبّرعن دهشته من الهوس الأمريكي بالدعاية والإعلان, وبعد سنوات قليلة من الحادثة, حوّلت ماكينة الإعلام الأمريكية منجزات علم النفس الحديث ومعارفه, إلى أحد أهمّ مرتكزاتها في التأثير على المستهلك, والسيطرة النفسية عليه من خلال اللاوعي, وعبر آلية بسيطة, في استخدام الرسائل الجانبية بدلا عن المباشرة والوضوح.
الرسائل الجانبية لغة اللاوعي, نعرف ذلك عبر الأحلام والهفوات والنكتة, لكنها أيضا تستخدم وبصيغ مختلفة في جميع قنوات الاتصال والتواصل بين البشر, ويبقى الأدب والشعر بالدرجة الأولى المستخدم الرئيسي للرسائل الجانبية, وليست ضروب البلاغة المختلفة سوى تسمية ثانية للرسائل الجانبية, هذا رأيي وخبرتي, وأستطيع ببعض الجرأة رفعها إلى مستوى القناعة.
لا اعتراض من حيث المبدأ, على الاستخدام المزدوج وحتى المتعدد, لوسيلة ما, طالما ذلك ليس بقصد الأذية والنية المضمرة بالسوء. يعزى لفرويد أيضا تغيير مفهوم (الصدق), ونقله من مستوى الوعي والقصد, إلى جوانب الحياة النفسية بمجملها واللاواعية بالدرجة الأولى. عدا جانبي الصدق والمصداقية التي قد أعود إليها يوما, أفكّر الآن بدور الرسائل الجانبية وأثرها على التلقّي والذائقة والقبول أو الرفض, وما يحدث في تلك المتاهة من تضليل وتزييف
وكيف لي أن أعرف, وأنا أتلقى هذا السيل الجارف, من المؤثرات والمعلومات والخطابات ويزيد عليها الرسائل الجانبية!
يوما بعد يوم تترسّخ قناعتي, أن موقف اللاأعرف, يصلح كأساس للنظر بعمق ورويّة.
لكنني مستعجل, واليوم الذي يمضي لا يتكرر, والحياة بمجملها لحظات خاطفة, وهي الأصل والمعنى, وعدا ذلك أوهام يقودها رجل, أو تقوده, وليس المهم أبدا إلى أين.
لفت نظري وبشكل متكرر, الرغبة الملّحة لدى الكتاب والشعراء أكثر, في تصحيح بعض الكلمات, وحتى وضع فاصلة أو نقطة على كتبهم المطبوعة, خصوصا الأولى , وبعد عودتي بحيازة ذااالك الكتاب, نادرا ما أعدت قراءته. ألا يحدث معنا جميعا نفس السلوك؟! أكتفي بتلقي الرسائل الجانبية للمؤلفة أو المؤلف, وتبقى رسائلهم الأساسية الحميمية والخاصة تنتظر.
*
أتغاضى عن الرسائل ,المستهلكة, التي تجاوزها الراهن(الثقافي أو القيمي أو الأخلاقي), أعرف ركاكة العبارة, وليس بقدوري صياغة أو ضح وأدقّ, هو قصوري الإنساني مضاف إليه الثقافي, والجانب النفسي المضطرب. كل تمييز بين البشر على أسس مسبقة كذلك.
الرسائل التي تعجّ بها فضائياتنا وصحفنا وكتبنا وتجمعاتنا, عنصرية, تقيم التمييز والتمايز بين البشر على أسس مسبقة وغير شخصية(سلطة, ثروة, عائلة, دين, طائفة, جنس, شهرة....)
ما العمل؟ بالإذن من لينين, عدا الأجوبة الجاهزة والمبتذلة لا شيء, من سيئ إلى أسوأ, هكذا تمضي حياتي الشخصية, والحياة السورية المشتركة, كما أراها وأكتوي بنارها.
*
يرافقني هذه الفترة كتاب"المعجم الموسوعي في علم النفس" ترجمة وجيه أسعد, الذي أحمل له الاحترام والتقدير العالي, وتصادف قراءتي لهذه الفقرة في المعجم مع كتابتي لهذه الفقرة في الثرثرة, وقد هزّتني بالعمق, وهي تتعلق بسوء المعاملة التي يتعرض لها الأطفال, وكما أشرت في مرات سابقة أجد تشابها غير عادي, بين تعامل الأبوين مع الأطفال وبين تعامل السلطات مع المواطنين, ولا أرغب بالدخول في تفاصيل أكثر الآن, وأكتفي بعرض بعض الفقرات الصادمة من فقرة تناذر سيلفرمان, الجزء الثاني ص 721 : (..... وكان بعض الأطفال في كل زمن موضوع معاملة سيئة من جانب آبائهم. المعاملات السيئة التي تصيب الأطفال قد تحدث ضحايا أكثر مما تحدثه الدفتريا, وشلل الأطفال, والحمّى القرمزية, والجدري, مجتمعة. والمسؤولون عن ذلك هم, دائما على وجه التقريب, الآباء أو بدائلهم. وفي رأي ل بلومبرغ أن الأم تمارس سوء المعاملة, في 70 بالمئة من الحالات على أطفال في عمر اقل من سنة. والأب في رأي مؤلفين آخرين. وليس من النادر مع ذلك أن يرى المرء أبوي الطفل يعاملانه بقسوة, ويرافق ذلك في بعض الأحيان تواطؤ جدة. والمقصود على الغالب مدمنون على الكحول أو مصابون بالضعف العقلي, وفي بعض الأحيان آباء كانوا هم ذاتهم موضع سوء معاملة في الطفولة, أو ضحايا قصور عاطفي مبكر, وذلك أمر لم يتح لهم أن ينموا نموا سويا, وبقيت شخصيتهم غير ناضجة, إنهم يظهرون اضطرابات في الطبع, اضطرابات ليس الإدمان أو هوس التسمم سوى واحد من مظاهراها. يسود الخلاف في الأغلب لدى زوجين, من جراء اختيار عصابي لزوج, فيصبح الطفل عندئذ كبش المحرقة للثنائي, والدريئة التي تتوجه إليها كل العدوانية ......).وأنهي المقتطف بهذه الفقرة:" الوقاية من سوء المعاملة أمر صعب, ذلك أن من غير اليسير أن نحدّد بدقّة معايير سوء المعاملة المطبق على الأطفال. والواقع أن كل تربية تقتضي حدّا أدنى من الاكراهات والعقوبات, وينبغي تحديد المرحلة التي تتحول انطلاقا منها هذه الاكراهات والعقوبات إلى سوء معاملة". كم يذكّر ذلك بقضايا حقوق الإنسان؟.
*
الرسائل الجانبية تنفذ من شقوق الرقابة الواعية إلى البطانة الوجدانية, لتعيد تشكيل الرغبات وفق مقتضياتها الخاصة(الرسائل) وليس تبعا لحاجات الأنا والشخصية الواعية.
شكل حياتي وفقرها يفرضان عليّ, أن أملأ أيامي وساعاتي بالأحلام.
رسائلي لا تصل, وصوتي خافت, ليس لعلّة في نفسي فقط, مثل الجميع وصلت متأخرا.
#حسين_عجيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟