حسن مدن
الحوار المتمدن-العدد: 6764 - 2020 / 12 / 18 - 23:04
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
حين كنا لم نزل فتياناً نضع أولى الخطوات على دروب المعرفة، وقعت أعيننا على ترجمات لأعمال روائية شهيرة، الكثير منها تحوّل إلى أفلام سينمائية، فوجدناها في كتب صغيرة الحجم، جاذبة للقراءة، ولصغرها كان بالإمكان الانتهاء منها في أيام معدودات.
كبرنا لنعلم أن ما قرأناه ليس سوى ترجمات رديئة، لا تعدو كونها ملخصات عشوائية، لمحتوى الأعمال الأصلية، حتى لا تكاد تتبين مما قرأته شيئاً مما قاله مؤلفوها، ولستُ متأكداً الآن ما إذا كانت قراءتنا لتلك «الملخصات» قد أفادتنا في ولوج عوالم تلك الأعمال الروائية لاحقاً، حين اكتشفنا أن «الملخص» الذي قرأناه في مئتي صفحة أو مئة وخمسين صفحة، هو لروايات تقع في آلاف الصفحات.
لا شك في حسن نوايا من ترجم ولخصّ تلك الأعمال، لشعوره أن فتياناً وفتيات في مقتبل العمر لا طاقة لهم لقراءة أعمال ضخمة، يضيعون في متاهاتها، فآثر أن يقدّمها في ملخصات، تأخذ بأيدي هؤلاء الفتيان والفتيات إلى عوالم تلك الأعمال حين يكبرون، لكن السؤال يدور عن معايير ذلك التلخيص ومدى كفاءة من يقوم به.
يحضر هذا في الذهن حين نقرأ قولاً للناقد الكبير محمد مندور، يشير فيه إلى أن كتب التبسيط العلمي الجيدة لا يكتبها، في أوروبا، غير كبار العلماء، الذين هضموا المادة العلمية، فأصبح حديثهم عنها أشبه ما يكون بذكريات حياتهم الخاصة، ومع أن حديث مندور يدور عن المادة العلمية فإنه ينطبق أيضاً على المواد الأدبية بمقدار لا يقل أهمية.
حديث مندور كان عن موضوع آخر غير هذا، هو موضوع الأميّة، التي هي، برأيه، أنواع، ذكر منها ثلاثة يحسبها مفصلية، هي الأمية الأبجدية، والأمية العقلية، وأمية المتعلمين.
الأمية الأبجدية، حسب مندور، هي أهون أنواع الأمية، وأن محوها، عند الأطفال خاصة، كسب حقيقي، لأنه سيفتح لهم آفاق المعرفة لاحقاً، ويساعدهم على النجاح في حياتهم، أما الأمية العقلية فإن محوها أشق وأبعد مدى، ولكن رغم ذلك فإن باستطاعة حكومة حازمة أن تكافح بنجاح هذين النوعين من الأمية.
المشكلة الكبرى، برأي مندور، هي مع أمية المتعلمين التي لها ثلاثة مظاهر: الانتهاء من التعليم بفائدة ضئيلة أولاً، وعدم تنمية كل صاحب فن لمعلوماته الفنية بعد التخرج ثانياً، وأخيراً ضعف الثقافة العامة عند معظم المتعلمين وإهمالهم التام لها.
قال مندور هذا الكلام في العام 1944، ولا نحسب أن حالنا اليوم أفضل لا في نوع الأمية الأخير فحسب، وإنما حتى في النوعين الآخرين أيضاً.
#حسن_مدن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟