أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يحيى نوح مجذاب - الأخرق














المزيد.....

الأخرق


يحيى نوح مجذاب

الحوار المتمدن-العدد: 5907 - 2018 / 6 / 18 - 02:02
المحور: الادب والفن
    


الأخرق

ضحكةٌ صفراءَ متعالية، وبطنٌ كبير أجوف اهتزَّ أكثر من مرة كلما أطلق العَنان لكفّه البهيمية وهي تنثر عشرات الأوراق الخضراء من دولارات الدولة العظمى المتفرِّدة بالعالم، لتنهال فوق الجسد الذي يتلوى رَقْصاً رخيصاً، غاب عنه الفن وسِمات الجمال، وفي جوٍّ غطَّتهُ سُحب الدُخان التي تنفُثها الأجواف العَطِنة التي ملأت المكان بالضجيج.
كان يبدو كبرميل قَميء يُوشك أن يتدحرج إذا لُطِمَتْ قَفاه، كائنٌ غابت عنه أبعاد الجسد الآدمية الجميلة خَلْقاً وخُلُقاً. شراهةٌ في الأكل أتَتْ على الأخضرَ واليابس الممتد على السُفرة. إنه لم يضع في الحسبان أن ما يندلِق في جوفه بدون مكيال سيُحيله إلى بهيمة مُجترَّة، أما نظرته البلْهاء المَمسوخة الملامح للأجساد العارية أوحت له خطأً بأنه هو الإنسان الأعلى بين مجموع البشر، وأنه الرجل المُحق بين جميع الخلائق، فهو يمارس فُحولته بما يُنفقه من مال، لا كما تفعل المخلوقات الأخرى حتى في مُستوياتِها الدُنيا في سلّم التطور الأحيائي من قَبول ورِضا ومشاعر حُب ورغبة. كان ثوبُه المُلتصِق بكرشه المكوّرة رغم سعته، ونِعاله الرخيصة التي يدوس فيها البلاط الأملس اللامع كلّما نهض من مجلسه وهو يُجاري الراقصات بحركات مشوّشة باقترابِه من حلقة الرقص التي تقودها هذه المرأة الماكرة وهي تدفع بصغيراتها إلى هذا الصيد الثمين، وهن يتمايَلْنَ ويهززن الأرداف بملابس الرقص الشفّافة التي عرّت كل شيء حتى دواخل الأنفس. كانت ألغادُه المُتَدلِّية على ياقته المُتَهدِّلة، وصِوان أذنيه المشنّفتين كأرنب خانس بين الأحراش هي بعض من مزاياه التي يمتلكها في سلّم تطوره الأدنى. ولا عيبَ في الجسد إن تقمَّص حُسن السجايا والخصال وفضائل الأخلاق لكن أن ينحدرَ كلّ شيء في رحلة تحقيق الذات وتقوقعها في بؤرة الأنا الضَّالة فتلك هي مُعضِلة الوجود ومأساة الخلق. كانت الموسيقى تنطلقُ بِنشاز من آلات العازفين الثَمِلين، وكادت أن تسقطَ إحدى الراقصات أرضاً عندما اختلّ عندها تناسق النغمة مع الحركات لكنها تداركت الأمر واستمرت بأدائها العبثي. قناني المشروب كانت تتقاطر عليه بلا رحمة وهو يُعَبِّئ جوفَه دون توقف إلّا عندما يختلس النظر ويصبّه بشبقٍ محموم نحو هذا اللّحم الأبيض المكدّس وهو يتماوج أمامهُ وينحسر تحت الطيَّات المُتَحرِّكة المُنسَابة لبدلات الشيفون والموسلين الملوّنة البرَّاقة التي غطَّت أجزاء قليلة من أجسادهن. وعندما لم يَعُد في جوفِه ثمة فراغ لقطرة أخرى فَقَد السيطرة على نفسه تماماً وانهار على المنضدة والزَبَد يتقاطر من جانبي فمه، ولم يعد هناك من بُد الّا بحمله خارج القاعة إلى الجُنَينة الجانبية حيث الهواء الطبيعي النقي لِيُرشّ على وجهِه الماء، لكنه لم يصحُ من غفوته حتى غادر الجميع المكان عدا المُحيطين به من صِحابه الماجنين.
عندما تغيب نفحاتُ الجمال في سرائرِ النفس وخبايا الروح، وانعكاسات الجسد ونشاطاته، والتعاطي مع الأفراد في مسالك الحياة بدقائقها ولحظاتها وساعاتها الممتدة، والتفاعل مع الأقران من بني آدم في السلوك اليومي، ماذا يتبقى إذاً من الهيكل الوافد إلى الوجود الحيّ سوى مادة فائضة وطاقة سلبية تَسلِبُ من صُروحِ الجَمال وعُنفوان القِمَم كلّ ما هو شُعاعٌ ونُورٌ مُستفيض لِتُعَرقِل شُموخُ البِناء ورحلةِ المُستقبل نحو الحَقيقة المطلقة المليئة بفيضِ الحُب وسموّ الحياة وسرمديتها.



#يحيى_نوح_مجذاب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هرطقات في مفهوم الوجود
- سيلُ العَرِم
- الهجرة نحو العالم الآخر
- بلاط الضوء
- بوّابة القيامة
- سماواتُ الغَسَق
- القيامة الآتية
- السرداب
- صفحة القمر
- غيبة في المجهول
- تهجد مؤمن أضاع ميقاته
- صفحة الجسد
- جبروتُ القدرة العظيمة
- فقاعة صابون
- فوضى الأفكار
- فاروق مصطفى، فهد عنتر الدوخي، وعامر صادق في ملتقى (دورت يول)
- نص خارج الزمن - الرؤيا الهلامية
- نفحات صنوبر - قصة قصيرة جداً
- عصارة العشق - قصة قصيرة جداً
- حمقاوتان - قصة قصيرة جداً


المزيد.....




- موت إيجه إعلان حصري ح 36.. مسلسل المتوحش الحلقة 36 والأخيرة ...
- هتتفرج بدون اشتراك… رابط موقع ايجي بست EgyBest الأصلي 2024 ب ...
- “باقة من البرامج والمسلسلات وأفلام السينما”عبر تردد قناة CBC ...
- “ابنك هيدمنها” .. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 لمشاهدة ج ...
- مايكل دوغلاس يزور مستوطنة إسرائيلية ويصف المتضامنين الأمريكي ...
- بتهمة -الفعل الفاضح-.. إحالة سائق -أوبر- بواقعة التحرش بفنان ...
- عز وفهمي وإمام نجوم الشباك في موسم أفلام عيد الأضحى 2024
- فرويد ولندن.. أتاها نجماً هارباً فجعلته أسطورة خالدة
- الروسي بيفول يهزم الليبي مالك الزناد بالضربة الفنية القاضية ...
- وزير الثقافة اللبناني يزور منزل الشهيد عبد اللهيان


المزيد.....

- صحيفة -روسيا الأدبية- تنشر بحث: -بوشكين العربي- باللغة الروس ... / شاهر أحمد نصر
- حكايات أحفادي- قصص قصيرة جدا / السيد حافظ
- غرائبية العتبات النصية في مسرواية "حتى يطمئن قلبي": السيد حا ... / مروة محمد أبواليزيد
- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يحيى نوح مجذاب - الأخرق