أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - تاجرُ موغادور: الفصل الثالث / 5















المزيد.....

تاجرُ موغادور: الفصل الثالث / 5


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 4463 - 2014 / 5 / 25 - 06:31
المحور: الادب والفن
    


الغداءُ المغربيّ، بحَسَب مُعاينة تاجرنا ذي الذائقة الرفيعة، لا يتوفّرُ غالباً سوى على وَجْبَةٍ رئيسة؛ الطاجين. هذا الصنفُ، مُكنّى بالإناء الفخاريّ، المُتعهّد طبخَ اللحم ( إن كان ضأناً أو دجاجاً أو سمكاً ) على جمرِ الغضا والصبرِ والرويّة. ربما أضيفَ للّحمِ الخضارُ، أو الفاكهة المجففة، كاللوز والزبيب واالبرقوق، مع دِفْقٍ من نكهة الأعشابِ، العَطِرَة. وهيَ ذي مائدة الرابي، المُعدَّة بعناية، تحتفي بالضيف القادم من الشام؛ المدينة الفاتنة، المعروفة بمطبخها المميّز، الحافل بأطايب الطعام والمقبلات والمعجنات والحلويات. الغداءُ المُقدّمُ في منظرة الفناء، المُطلّة على الحديقة، استهِلَّ بالسَلَطة والحَساء. ثمّ تبِعَ ذلك تناولُ وجبة الكسكس ( الشبيهُ ببرغل المَشرق )، مع الخضار والدجاج؛ وهيَ الوجبة، المَنذورة عادةً لجُمَع المسلمين وسُبوت اليهود. الرابي، كان من المُفترَض أن يتناول الغداء مع أقاربه وأصدقائه، هناك في حيّ " الملّاح "، أين كان يَقود الصلاة في كنيسها، المُشرف على المقبرة اليهوديّة. وعليه كان أن يَخرق التقليدَ إكراماً للتاجر الدمشقيّ، الذي حلّ في داره ضيفاً، غيرَ مُبالٍ بالعيون المُتسعة دهشةً أو ربما استنكاراً. الضيفُ، من ناحيته، كان عليه أن يَستعيدَ خلال تناوله الطعام صورة تلك الفتاة الفاتنة، صاحبة العينين الواسعتين والآسرتين، التي التقى معها مذ بعض الوقت وكانت تعدّ مائدة الغداء.
" يا لَهُ من رَجُلٍ مُوَسوس، ومتطيّرٍ فوق ذلك؛ صاحبنا العجوز، باحمّاد.. "
ابتدأ المُضيف الكلامَ، فيما كان يُضيف إلى ثريد الكسكس المَرَق المُطيّبَ بالقرفة والقرنفل والفلفل الأحمر. ثمّ استطردَ مُتبسّماً، مُلقياً نظرةً عابرة على ضيفه " الأمرُ، هذه المرة، يتعلّق بربيبة بوعزة. فما أن حذرتُ الوصيفَ بضرورة مراقبة تحركات الفتاة في المنزل، إلا وأصيبَ بالرعب حالاً، مُعبّراً من ثمّ عن خشيته بأن تكون قد دسّتْ سمّاً في القهوة أثناء تقديمها لنا في المكتب ". دبَّ بعضُ الشحوب في وجه تاجرنا، طالما أنه كان يُفكّر للتوّ في الفتاة. على أنه أطلق ضحكةً مُقتضَبة، مُتكلِّفة، كي لا يَظن الآخر أنه قد تأثر بتلك المَخاوف. ثمّ شاءَ أن يَطرح تساؤلاً، كان قد سبقَ وشغله: " أعتقدُ أنّ هذه الفتاة تجهلَ العربيّة.. أعني، المَحكيّة المَحليّة؟ "، قالها بنبرة حاول أن تكون غير مُكترثة. انتظرَ الرابي انتهاءَ عمليّة ابتلاعه لِلُقمةٍ من فخذ الدجاج، قبل أن يُجيبَ " حَسْبما أفادتْ مُدبّرة المنزل، المُطلعة جيداً على خفايا مجتمع الحاضرة، أنّ خادمتنا الجديدة هيَ من بربر وادي جربة ". وأضافَ بُعيْدَ مهلة صمت قصيرة " إنها من قبيلة غياثة، القويّة، الدائمة التمرّد على سلطنة العلويين. بل إنّ القبيلة لا تأبه بأيّ اعتبارٍ دينيّ، طالما أنه مرتبطٌ بالعرب، فلا تعترف أيضاً بسلطة شيوخ الزوايا. الحال، أنّ ذلك يعني رفضَ دفع ضرائب العشور والمكوس، وفي التالي، الدخول في حربٍ مفتوحة مع الدولة "
" وهل بوعزة، مَولى الفتاة، هوَ أيضاً من القبيلة ذاتها؟ "
" بل إنه من قبيلة عربيّة، تسكنُ في ذات المنطقة الجبليّة "، أجابَ الرابي ثمّ أردفَ فوراً " وإذا كانت مصادري مؤكدة حقاً، فإنّ كلتا القبيلتين على ودّ وتفاهم وسلام فيما بينهما، على الرغم من ولاء إحداهما للمخزن وتمرّد الأخرى على سلطته ". إزاءَ هاجسٍ تناهبه، لم يتردد " جانكو " في طرح هذا السؤال: " ولكن، ألا ترى يا صديقي أنّ ظلالاً من الشبهة يمكن أن تلقى عليك، بسبب إيوائك للفتاة؟ ". وكأنما كان الرابي يتوقّعُ هكذا ريبة لدى ضيفه، طالما قد شعّت ابتسامته للحال " لا، لا قلق عندي البتة. إنّ والدَ البنت، مثلما علمنا، كان مقيماً في موغادور وعمل في صيد الأسماك "، أجابَ في ثقة وتابعَ " من جهةٍ أخرى، يتعيّن الانتباه إلى إنّ ثمّة اختلافاً، بيّناً، في طريقة التعامل مع التمرّد بين سلطنتنا العلويّة وسلطنتكم العثمانيّة. هنا، يتمّ التسامحُ غالباً مع القبائل العاصية ولا يحلّ الانتقام سوى برؤوسها. بَيْد أنه نادراً ما يُحكم أولئك العصاة بعقوبة قطع الرأس، فيُكتفى بحبسهم مدة معيّنة أو بنفيهم إلى أماكن أخرى. إنّ التقليدَ واضحٌ لكلا الطرفين، خصوصاً وأنّ التمرّدَ يكون في معظم الحالات ضد المخزن، المسئول عن فرض الضرائب الثقيلة. فالتقليد يَقضي بأن يقبل السلطان شفاعة مشايخ الزاوية، التي تكون أسرُ القبيلة المتمردة قد التجأت إليها. عند ذلك يهرع هؤلاء، ساجدين وصاغرين، إلى تقبيل أطراف رداء المَولى تعبيراً عن امتنانهم للعفو وإعلانهم التوبة. ولكنّ هذا ليسَ كلّ شيء، إذ يفرض المخزن غرامة باهظة على القبيلة، كتعويضٍ عن أضرار لحقت بممتلكاته خلال التمرد، عدا عن حالات السجن والنفي، المعلومة "
" وماذا إذاً مصيرُ قبيلةٍ، لا تعرف شيوخاً ولا زوايا، فيما لو فشل تمردها؟ "
" أنتَ تعني طبعاً قبيلة فتاتنا، الخادمة؟ "، سألَ الرابي ضيفَهُ وهوَ يُمعن النظرَ في عينيه. هذا الأخير، أومأ برأسه وقد شعرَ قليلاً بوطأة النظرة تلك. فعاد الآخرُ ليجيبَ: " ربما ستُدهشَ لو عرفتَ حقيقة، أنّ قبيلة غياثة قد هزمت السلطان في واقعة معروفة، بل وجعلته يفرّ هارباً من الميدان بعدما قُتل فرسه. مذ ذاك الحين، تعيش القبيلة في ظلّ نظامٍ محليّ، شبه ديمقراطيّ، يُماثل تقريباً نظام القرامطة، الذي سبق وأقيم في مناطق مستقلة عن الدولة العباسيّة؛ حيث الكلّ، على حدّ سواءُ، يملك سلاحاً ويعمل ويتمتع بثمار نتاجه ". وبما أنّ المُضيفَ قد التزمَ شرح الجانب المتعلّق بسلطنته، مُستخدماً كعادته مصطلحاتٍ غريبة ومُبهمة، فما على الضيف سوى استعارة زمام الحديث: " لقد فهمتُ مما سبق، أنّ قبائل البربر يُحاربون الدولة دفاعاً عن استقلالهم المحليّ. بينما أنّ قبائل العرب، في المقابل، تفعل ذلك في سبيل رفع بعض الضرائب عن كاهلهم "
" بلى، إلى حدّ ما. وبغض الطرف عن قبيلة غياثة، فإنّ جميعَ القبائل تعلن خضوعها للسلطان بوصفه أميراً للمؤمنين ومن سلالة نبيّهم: فهوَ يقف فوق سلطة المخزن، التي تعتبرُ اللغة العربيّة والشريعة الإسلاميّة هما أساسُ وجودها ومعنى كينونتها؛ وهوَ أيضاً يقف فوق القبائل، التي تريد أن تتخاطبَ بلغة أخرى وأن تعيش بأعرافها الخاصّة "
" فالأمرُ إذاً، بالنسبة للبربر، أضحى الآن يتجاوز المطالبَ المعيشيّة؟ "
" ثمّة سببٌ جوهريّ، في تقديري، لكلّ حركةٍ تسعى إلى الاستقلال عن سلطة المخزن؛ ألا وهوَ التخلّص من الضرائب. وللمفارقة، فإنه السلطان وحده من له سلطة فرض المزيد من الضرائب على الناس، سواءً في الحضر أو البادية. لا بل، إنه غالباً يتعيشُ طوال العام على حساب القبائل، متنقلاً بحملاته العسكريّة من إحداها إلى الأخرى بحجّة تحصيل الضرائب المُتأخرة الدفع أو المُمتَنعة. هذا الوضعُ المتوترُ، يستغلّه الآن الأجانبُ النصارى لفرض التنازلات الاقتصاديّة والسياسيّة على السلطان. ففي الفترة الأخيرة، تواترت الأنباءُ عن تشجيع القناصل الأوروبيين، وخصوصاً الفرنسيين والأسبان، فكرة استقلال البربر وأنهم تعهّدوا لزعمائهم بالدعم المادي والدبلوماسي "، قال الرابي ثمّ أضافَ إثر تجرعه لقدحٍ من الماء " إنّ شقيقَ ذاك الرجل، الذي جمعتنا به حجرة الحجز في الجزيرة، هوَ أحدُ أولئك الزعماء ". وحقّ للتاجر أن يُبدي العجَبَ، حينما علّق بالقول: " كان غريبَ الأطوار، غامضاً؛ ذلك الرجلُ، المَدعو بالتيناوي.. ". ثمّ استدرك مُستفهماً " ولكن، هل نميَ إليك سببُ عدم رجوعه إلى حجرة الحجز، بعدما استدعيَ للاستجواب؟ ". هزَّ الرابي رأسَهُ نفياً: " كلا، ولو أنني لا أستبعدُ اعتقاله من قبل القائد. فماذا يُمكن أن يَعمل شخص مثله في جبل طارق، اللهمّ إلا أن يكون قد تسلل إليه من الأراضي الإسبانيّة؟ "، قالها في شرود وكأنما يسأل نفسه. " جانكو "، من جانبه، وَجَدَ أنّ المُضيفَ يُحيط، ولا ريب، بشيءٍ من لغز اختفاء ذلك الرجل. وكي يتأكّد من الأمر، تصنّعَ نبرة لا مبالية حينما عادَ ليتساءل: " وما هيَ المُشكلة، في ذهاب التيناوي إلى اسبانية؟ "
" إنّ الأسبان، لو تعلمَ، هُمُ ألد أعداء السلطنة. إنهم يطمحون للاستيلاء على كامل التراب المغربي، لولا أنّ الفرنسيين والانكليز لهم بالمرصاد. وبكلّ الأحوال، فماذا كان عملُ التيناوي لدى أولئك الأعداء وهوَ ليسَ بتاجرٍ أصلاً "
" أتعني، أنّ الرجلَ يُمكن أن يكون مَبعوثاً من لدن شقيقه ذاك، المُتمرّد؟ "
" هذا، لو صحَّ فعلاً ظنّي بأنه كان قد تسلّلَ إلى جبل طارق من الأندلس "، قالها المُضيف مًستخدماً هذه المرة نبرة حياديّة. إذ ذاك، خاطبَ الضيفُ داخلَهُ: " عجباً، عندما ركبتُ تلك الباخرة، كنتُ أتوهّمُ بأنني الوحيدُ بين ركابها من يَطوي جوانحَهُ على سرّ خطر، مُستطيرٍ ".



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سيرَة حارَة 17
- تاجرُ موغادور: الفصل الثالث / 4
- تاجرُ موغادور: الفصل الثالث / 3
- تاجرُ موغادور: الفصل الثالث / 2
- تاجرُ موغادور: مستهل الفصل الثالث
- تاجرُ موغادور: الفصل الثاني / 6
- تاجرُ موغادور: الفصل الثاني / 5
- تاجرُ موغادور: الفصل الثاني / 4
- تاجرُ موغادور: بقية الفصل الثاني
- تاجرُ موغادور: تتمة الفصل الثاني
- تاجرُ موغادور: الفصل الثاني
- تاجرُ موغادور: تكملة الفصل الأول
- تاجرُ موغادور: متابعة الفصل الأول
- تاجرُ موغادور: بقية الفصل الأول
- تاجرُ موغادور: تتمّة الفصل الأول
- تاجرُ موغادور: الفصل الأول
- تاجرُ موغادور: المدخل
- تاجرُ موغادور: المقدمة
- سيرَة حارَة 16
- سيرَة حارَة 15


المزيد.....




- أول حكم على ترامب في قضية -الممثلة الإباحية-
- الموت يفجع بطل الفنون القتالية المختلطة فرانسيس نغانو
- وينك يا لولو! تردد قناة وناسة أطفال الجديد 2024 لمشاهدة لولو ...
- فنانو الشارع يُحوِّلون العاصمة الإسبانية مدريد إلى رواق للفن ...
- مغن كندي يتبرع بـ18 مليون رغيف لسكان غزة
- الغاوون ,قصيدة عامية بعنوان (العقدالمفروط) بقلم أخميس بوادى. ...
- -ربيعيات أصيلة-في دورة سادسة بمشاركة فنانين من المغرب والبحر ...
- -بث حي-.. لوحات فنية تجسد أهوال الحرب في قطاع غزة
- فيلم سعودي يحصد جائزة -هرمس- الدولية البلاتينية
- “مين بيقول الطبخ للجميع” أحدث تردد قناة بطوط الجديد للأطفال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - تاجرُ موغادور: الفصل الثالث / 5