أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خلدون جاويد - ذكريات طفولية قرب جسر الصرافية ...















المزيد.....

ذكريات طفولية قرب جسر الصرافية ...


خلدون جاويد

الحوار المتمدن-العدد: 3456 - 2011 / 8 / 14 - 14:56
المحور: الادب والفن
    


" ياقارئا مقالي ، إبكِ على أحوالي ... بالأمس كنت طفلا .. يلهو مع الأطفال .. بالوحل والأزبال ِ ... أتمم مقالتي للنهاية وغنّ ِ لي رجاءا عندما تنتهي منها اُغنية ـ عاين يادكتووووووور عاين ! ـ جُرْلي الواو قدر المستطاع رحمه لوالديكْ !".

البيوت جميعها من طين . عدا زقاقهم المواجه لمستشفى الشعب " مير الياس " فبيتهم اذن من الآجر وهو أنظف وأجمل من غيره . الاّ ان المنطقة كلها تعج بالقراد الذي يلتصق بأجساد الكلاب السائبة وينتقل الى الأطفال . الدخان غيوم تملأ وتجوب الأزقة فأغلب النساء يصنعن خبزهن بالتنور الذري ! . وبعضهن يستعملن الجَلـّة أي بالمصطلح الليزري السرجين فضلات البقر والجاموس التي هي الاُخرى لم تسلم من الإستعمال وحتى التغزل اذ قال شاعر صرّافي مرة الى إمرأة جميلة جدا وهو يتحرش بها قرب دكان ابو طارق بائع الثلج : أفوج إبفوح جَلـّه ! يريد بذلك أن يقول لها أنه فدائي أمام الحسن والجمال حتى لو كلفه ذلك أن يفوج أي يسبح بحامض النتريك !

كانت المستنقعات على مقربة منهم ... إنها أرض تنز بالماء الأخضر وهي على شكل بُرك منفصلة ، صغيرة وكريهة الرائحة تعج بالبعوض وهي ياللغرابة محط إعتزاز أحد الشعراء الذي قال بعد ردمها : " النزيزة شكثر حلوة ...مِـيت الف دينار تسوه .... مختارهه جلـّوب ابو خصوه ... خشـّت ابطيزه كزيزه ... أنعل ابو الشال النزيزه ! " وطبعا النزيزة لاتمت الى الجمال بأية صلة فهي شر ووباء وانتقام . هذا شاعر نزيزوي مستنقعي يبحث عن حَبْ الركَي في كل ..... مكان العفو ! . لكنه ومن أيام 1956 حفظ القصيدة لإعجابه بأيام النزيزة لابشاعرها ولا بطفح صديدها الأجرب الجذامي ! .

كان يلعب هناك ، حيث الأيام التي تغص بوجوه طفولية لاتنسى " ننوش وطارق وعادل، وعدنان وعبد الله ، ومهدي بن صالح الجوري وسلمان واسماعيل قيقو وعبعوب وفؤآد بن اُم فؤآد ! وطفل أعور يسمونه جاسم أبو عيون الزرق ! وصالح بن علي بكره ، وأحمد تفله الذي كانوا يتحاشون اللعب معه !...

كان يُنهي النهار بأجمعه هناك . وحسب المواسم ، تظهر ألعاب وتختفي اخرى . وهي ألعاب شتى ... : " الدُعْبُل .. الجعاب .. اللكَوْ ، المصاريع ، الصكَلة ْ ، القمار ، التصاوير ، صور العلك للممثلين ألان لاد و روي روجرز وبرت لانكستر وكاري كوبر وجينا لولو بريجيدا والملاك الطائر وفلاش كوردن والأجقل ! وابن الجكَمه، او علب السجائر ، مثل الرشيد وغازي والمختار او العلب الأجنبية بلاك آند وايت ، ابو البزون ، ثري فايف ، او اوراق الجكليت ، او لعب اخرى مثل الجلكَه ، سبع حجارات أو علو ونصو ، او الختيلة وبإسم آخر ختيلان أو شخـُط من شخطك .. " تلك اللعبة التي استفزت الحصاني " والده " يوم كان واقفا في باب الدار " باللباس والفانيله !!!!! إسم الله ! " بينما كان الأطفال يلعبونها وبينهم شخص كبير اسمه ـ ح الاعور ـ ... كان يمد اصبعه من أعلى العمود الفقري الى نهايته ولكنه يهبط بما لايسمح به ادب اللعبة الى الأسفل فيلامس مقلة ظهر1 الطفل البريء اللآعب مع اصدقائه ... عندها صاح به الحصاني " والده " قائلا له أن يبعد يده عن عجيزة الطفل وإلاّ ياتي فيصفعه ... لحظتها يقول له ح الاعور بصوته الأخن مدافعا عن حقوقه : !
ـ عمو .. صدقني ... هو يسترطب !.

كما توجد لعبات اُخرى منها السيفون وهو مشروب غازي يحركون زجاجته بقوة ويضعون الزجاجة قرب الحائط على مرتفع وبيد اللآعب مفتاح الزجاجة الذي يتبارى مع لاعب آخر على الحد الذي يصل اليه سائل الزجاجة لو فتحها وتدفق السائل منها . اضافة الى لعبة شيقة اخرى تتسم ايضا لا بالسوائل الغازية ولكن البوْليّة ! وهي لعبة شطيط طيط .. الغريبة نوعا ما : ينقسم اللآعبون وهم قرابة عشرين طفلا على سبيل المثال الى فريقين ، ولأنهم لايملكون طبشورا ليرسموا خطا ً يفصل هذا الفريق عن ذاك فانهم يبدؤون بالتبول على عرض الشارع فيكون خط البول هو الحد الفاصل . واذا لم يستكمل الخط امتداده او وضوحه ينادون على بعضهم : " منو عنده بوله ! " ومن ثـَمّ فان اللآعب الذي يدخل حدود الفريق الآخر يجب أن يقول وطيلة الوقت شطيط طيط طيط طيط طيط طيط وبنفس واحد فيراوغ الفريق ويتمرقص ! على ارضه ويعود هاربا جذلا ! أما إذا أمسكوا به وحالوا دون عودته الى فريقه فان نفسه سينقطع ويتوقف عن قول طيط طيط طيط طيط أي " ينقطع زب إفــّـاده "! ، فيخسر ويُركن خارج خط اللعبة .

اما كرة القدم فقد كانت اللعبة الأثيرة ... واذا لم تكن متوفرة كرة حقيقية فانهم يلعبون بعلبة من التنك او خرق يلفونها على بعض وان لم فلابأس ان يلعبوا حتى بالحجر " والحجر حتى الحجر دايخ من الجلاّقات ! " ... اما لعبة طم اخريزة فكانت لعبة البنات مع التوكي اللعبة الجميلة التي احدى أصعب شروطها أن لا تحرك الفتاة الحجر من دون أن تدفعه مباشرة الى مربعات مرسومة على الأرض واذا حركته احداهن وحاولت الاستمرار باللعب نادين صديقاتها عليها خسرت ِ خلص خسرت ِ لأن قلنا لك مابيها تحروكه . وكلمة " مابيها تحروكه " تقال بميوعة انثوية عذبة يكاد ان يتفتت الفؤآد لسماعها . كانت اللعبة حلوة ونظيفة ومرسومة بالطبشور بدلا من البول ! والأ فالمنظر ، لولا الستر من الله والطبشور ، يؤدي الى سفك الدماء ! .
كان داخلا في طقوس هذه الألعاب ،الخاصة بالأولاد ، بل متمرغا في ترابها ، يربح ، يخسر ، يتألم ويفرح ، يتشاجر ، يلهث ، يعرق ، يهجم ،ويهرب ويتصارع وأحيانا يتراشق بالطابوق فيتورم له فك كما يفج جباه الأطفال . كانت فكوك الخروف " الباجه " مسدساته المفضلة ، بعضها كبار مسدس أبو البكرة وبعضها نص وَبْلي ! . أما السهام المصنوعة من العيدان فكانت مغلفة الرؤوس بأغلفة قناني الببسي والكولا والسيفون ، وكانت تسمى النشاب الذي يصنع لها قوسا من جريد النخل والخيط المطاطي من جوب البايسكل أو من لاستيك التجّه ! ولذا فأغلب لبسانه الداخلية تـُخرط عندما يركض . كان يرسل النشاب بدقة روبن هود الذي شاهد فلمه في الباب الشرقي في سينما برودواي ، وهو لا يضرب الأ بين الحاجب والحاجب وهو يغني متشمتا بالعدو وبمقطع من قبيل : ياعاقد الحاجبين . و... إيْنـُكَـه ! .
مرة راح طفل ملحاح يزعجه ، يقاطعه ، وهو كالمدمن ، لايكاد يرفع رأسه عن لعبته . كان لايكف عن الذهاب والاياب ليقول له :
ـ جدتك تريدك ضروري .
وكان يرد عليه بالإيجاب ولكن في كل مرة ينسى ..حتى أنهم أرسلوا له شخصا راشدا ، رجلا او امرأة لايتذكر .
عندما استجاب وذهب الى البيت طالعه وجه جدته الأسود المكفهر المحْمر قليلا .. جدته التي أدخلته الى الفناء بسرعة . وعلى عجالة لم يعتدها غسل وجهه واقدامه من أتربة يستحيل تنظيفها لأنها طبقات ! .. ألبسته ملابس "الطلعة " وراح يجري الى مديرية التسوية العامة حيث يعمل الأسمر المفتول ـ الحصاني .
جاءا معا ... لقد ترك الحصاني عمله ... وعندما دخل البيت قالت الجدة بخوف .
ـ اخوك " ي " غدر بك ... أعطى إخبارية بأنك " ش " خطر ... سياسي متآمر ! . ولذا جاء رجال الأمن و " داسوا " البيت .
قال ببلاهة وهو يجلس أمامهما مثل وزّة تحرك رأسها بذعر:
ـ بابا شنو يعني " ش " متآمر " ؟
قال بعينين آسفتين :
ـ ش معناها : يلعب زورخانة ، ومتآمر : يرفع أثقال !. روح وليدي العب بره مَـلـَـكْ كارْ .

إنطلق وهو على نار الى عالم يضج بفردوس النزيزة الضائع . وينغمر في ملاعبها مثل حفنة من تراب في بحر من تراب .

*******

14/8/2011
ـ ذكريات عام 1957 . محلة الصرافية الفقيرة قرب جسر الصرافية من جهة باب المعظم ـ بغداد ـ العراق .
ـ مقطع من رواية " طفل تحت التدمير ! " معدّة للطبع .
1 ـ مقلة الظهر تعبير استعرته من بيت شعر للرصافي " لاترتجي فعل الجميل من امرئ ٍ .... كُحـِلـَتْ بميل البطن ِ مقلة َ ظهره ِ " ! .



#خلدون_جاويد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ياليتني موظف ٌ فاسدٌ ياطاهر بن جلون ! ...
- شاعر في جامعة بغداد السبعينات ! ...
- لن أختار الاّ قحطان العطّار ! ...
- أسلمة بيوت الدعارة ...
- إكسرْ المحيط وحرر المُحاط ...
- نشيد موطني موطني بالمقلوب ِ ...
- نشيد موطني بالمقلوب ِ ! ...
- يسلمُ النخلُ ويحيا الأشرسي ! ...
- يوميّاتي 4 ...
- مَنْ يتذكر أبا كاترين حسين جابر ؟ ...
- نص محاكمة الشاعر الخطير حسين مردان !
- رسالة من خلدون جاويد إليه !...
- مَهرا ً لعينيها ومحمد علي الخفاجي ...
- الكأس ممنوع ياحسين مردان ! ...
- إحذروا معاداة الشاعر ! ...
- بك َ من عناق الغانيات ِ جراحُ ! ...
- يومياتي 3 ...
- تطبيقات شِعرية على حياة الشبيبة العاطفية ...
- الشاعر حسين مردان يصرخ بوجه الله ...
- تعالوا نشتم الشعب والوطن ! ...


المزيد.....




- الكويت.. تاريخ حضاري عريق كشفته حفريات علم الآثار في العقود ...
- “نزلها لعيالك هيزقططوا” .. تردد قناة وناسة 2024 لمتابعة الأغ ...
- تونس.. مهرجان الحصان البربري بتالة يعود بعد توقف دام 19 عاما ...
- مصر.. القضاء يحدد موعد الاستئناف في قضية فنانة سورية شهيرة ب ...
- المغربية اليافعة نوار أكنيس تصدر روايتها الاولى -أحاسيس ملتب ...
- هنيدي ومنى زكي وتامر حسني وأحمد عز.. نجوم أفلام صيف 2024
- “نزلها حالًا للأولاد وابسطهم” .. تردد قناة ميكي الجديد الناق ...
- مهرجان شيفيلد للأفلام الوثائقية بإنجلترا يطالب بوقف الحرب عل ...
- فيلم -شهر زي العسل- متهم بالإساءة للعادات والتقاليد في الكوي ...
- انقاذ سيران مُتابعة مسلسل طائر الرفراف الحلقة  68 Yal? Capk? ...


المزيد.....

- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خلدون جاويد - ذكريات طفولية قرب جسر الصرافية ...