أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - خلدون جاويد - يومياتي 3 ...















المزيد.....

يومياتي 3 ...


خلدون جاويد

الحوار المتمدن-العدد: 3418 - 2011 / 7 / 6 - 07:09
المحور: المجتمع المدني
    


يوم 30 /6/ 2011 . " أراني في الثلاثة من همومي " !!! لو أسمح لنفسي أن اُعدد همومي على المستوى اليومي : فالشوارع همي الأول . عندما أتطلع الى تكويناتها أتذكر المقولة : " الشوارع شِعر" فأعانق بألم كلّ نسمةٍ هفهافة على رصيف ، وبشوق كلّ شجرة ٍ يانعة , وكل طائرٍ على سلك كهربائي ، ونافذة ٍمؤتلقة ... وبشرٍ جميلي السمات ... عشرات ، مئآت، بل آلاف التفصيلات الساحرة . من ياترى قال : الشوارع شعر ؟ هل هو ريلكة الألماني أمْ طالب عبد العزيز العراقي ؟ أم الجزائري أمين الزاوي ؟ لا أتذكر ؟. تختلط عندي القراءآت أحيانا، خاصة عندما أقرأ في أكثر من كتاب . والنسيان آفة العلم كما يقولون . وهو الهم الثاني بالنسبة لي . وليست همومنا الإستراتيجية نحن كعراقيين ! هو ما يؤرقني فحسب بل هناك قضية اُخرى أي " وسوى الروم خلف ظهرك روم ٌ .... فعلى أي جانبيك تميل ُ" إنها قضية اللآجدوى التي عبر عنها شاعر ما : " وما قيمة الآداب والفضل والحجا .... وصاحبها عند الكمال يموت ُ " هذان الهمان : النسيان واللآجدوى هما مايسحب البساط اليومي من تحت أقدامي . أضف له ماذكرته من قضية الشوارع وموشوراتها الملونة !
الخلاصة هي : شوارع . نسيان . لاجدوى ، بالضبط كما قال المعري : " أراني في الثلاثة من سجوني" . إن هفيف الأشجار يعود بي الى شوارع الوزيرية في بغداد العاصمة الاُم . الغصون تذكرني بشارع السعدون غروبا . بأبي نؤآس وحتى بالأزقة في الأحياء الشعبية . أتناثر أشذاءاً وشظايا على شيء إسمه شارع الرشيد ،" أموت على العذوبة التي هي هو " حلمي أن أنام ذات ليلة على أرصفته كما يفعل أي صعلوك ... لربما يقيّض لي الزمان هناك غفوة ، قولوا يارب . لاأحب أن يكون عندي بيت في بغداد ، بغداد كلها بيتي . وكما قال الشيرازي في جنة الورد ص 157 : " في الليل ، كل غني يذهب الى بيته ، والفقير حيثما غشيه الليل هو بيته " ها أنا إذن غني على ذمة المتصوّفة وبذا فاني لو اُعدد ملكياتي فدي مثبل لدي عشرة نساء أحببتهن في حياتي هن شوارع . 1ـ شارع الكرنتينة المؤدي الى باب المعظم من جهة السجن المركزي أو الجهة الاُخرى المتصلة بشارع الجمهورية .2ـ الشارع الممتد من مستشفى الشعب "مير الياس " في الصرافية الى الكرنتينة الى كلية التربية أيام زمان ، بمحاذاة مقبرة الإنجليز . 3ـ شارع في الوزيرية ، شارع الحب والغرام ، أيام كنت بالجامعة وآتي أنا والحبيبة الى المركز الثقافي البريطاني لنقرأ في حديقته الخلفية عام 1969 .4ـ شارع فرعي في علاوي الحلة أمام المتحف يؤدي الى بيت حزبي كنا نجتمع فيه مع عشاق العراق . 5ـ الشارع الذي يؤدي الى جسر الأحرار عبورا حتى الرشيد .6 ـ شارع السعدون ياعيني عليه .7 ـ شارع كرادة داخل الذي دخل في الروح ولم يخرج .8 ـ شارع في الكرادة خارج يصعد الى النادي السرياني قرب معمل تقطير العرق . 9ـ شارع السبع قصور فيها شقة زواجنا أنا والحبيبة التي تعرفت عليها في الجامعة . وأخيرا شارع زهقان الروح كورنيش الأعظمية .
إذن أنا المنطقة المحصورة مابين حب الشوارع ومعاناة النسيان ولاجدوى العلم . في هذا المثلث أعيش .
الشقة التي أعيش فيها تفتقد الى مصابيح إذ كلما يعطب مصباح اغني له اغنية :" ودّع هواك وانساه " وانتظر أن يعطب الآخر ولأني كثير الأسفار نوعا ما فلا صلة وثيقة لي بها . مع ذلك فالشقة قنوعة بمصباحين متروكين واحد فوق المغسلة حيث المطبخ الذي يقع في الصالة على الطريقة الاوروبية والمصباح الثاني بعيد عني في حجرة الاستحمام . قربي مصباح منضدي أضعه محاذاة الكومبيوتر المحمول عندما أكتب وأنا " مُتعَكرف " على قنفة وسط الهول الصغير ، الصالة ، وبجلسة هنديكابية جراء آلام العِرقْ الأنسر " النـِـسا " الذي رافقني مشكورا منذ عام 1977 . ولم أحصل من النِسا الاّ العـِـرق .
بسبب هذه الثلاثية اللعينة أنا منخور الروح والعظم . وبسبب قلة المصابيح أنا ضجر والسؤآل المحير هو كيف تعد نفسك إعدادا زهديا وتقنع بأقل مايمكن من زاد ، وأن تحاول بنفس الوقت زركشة شقتك من أجل التخلص من الكآبة . التخلص من ثقل الليل و أيضا ً عذاب الشعر وكوارث الأخبار وجلجلة الثقافة التي لم نحصل منها إلاّ على الفقر والعِث . أغفو كأي خسران بالقمار ! أستيقظ كأي غراب زائد عن اللزوم . أزعج لحظة هي أن أفتح عيني صباحا .

اليوم هو 1/ 7 /2011 إستيقظت !! هل أنا محظوظ أني أعيش ؟ لا و نعم . اللا هي الغالبة ... لكن عليّ بتشغيل المعمل اليومي ... أي البدء بمخاطبة الذات .. أيتها الذات المهدورة والمكسورة إنهضي من فراشك ودعي خزعبلات الشعور بالخيبة . تقفز الى رأسي فكرة الأديب الدانماركي القائل كلما استيقظت صباحا شعرت بأن هذا اليوم هدية معطاة لي . أتذكر إبنتي التي سألتني مرة هل النهار الجديد خسارة من عمرنا أم أننا ربحنا نهارا آخر . يطل غوته القائل بميكانزم الحياة المكرور والمعبر عنه في كتاب آلام فرتر الذي بسبب من قراءته قد انتحر كثير من الشباب . اُخاطب ذاتي قائلا إنهضي رغم غوته ورغم أننا نخسر نهاراتنا أنهضي واعتبري أن هذا النهار هدية . الشوارع ألمي خاصة عندما أطل من بالكون يشرف جانبه الأيسر على شوارع فرعية وشارع عام بعيد أرى الحياة تعج فيه . وعن يمين البالكون قطعة من جنان الأرض حدائق وأشجار ولاحات ورد وملاعب أطفال ومربع رملي للشواء وبالكونات ونوافذ معرشة بالخضرة والورد . ألعن المنظرين يسارا ويمينا متذكرا الشاعر العالمي عندما قال رفعوا الشاعر الى الفردوس فقال آه ياوطني ثم مات . أطل من البالكون كل يوم في نظرة أسيفة مستقبلا النهار بدمعة أو دُمَيعة شفيفة أظنها بسبب من لوثة الشِعر والإرهاف ولا أظنها حالة مرضية ومع ذلك ، أخبرت الطبيب بها . أعطاني قبل عام دواءا تناولته فاستيقظت ظهرا ورأسي كالصخرة الصماء مع ثَوَلان وغباء وعدم قدرة على الحس . تركت الدواء وعدت الى ذريرة الدمع الحبيبة صديقتي ومرافقتي التي اُحبها وأحترمها من أعماق قلبي وأنا فخور بها فهي الصديق الوحيد الذي فضل لي من الحياة . كان لي مجموعة أصدقاء ٍ عراقيين مدرّسين يعيشون في مدينة أدرار في الصحراء الجزائرية عام 1979 ـ أبو سفر ونادر علاوي وحازم وطالب وجبار ـ كان طالب يغني بحرقة عندما يستيقظ . وحازم يأتي ليقول لي مستغربا : "والله عجيب شوف طالب يقعد من الصبح يقره مقام !" إي نعم ياحازم : نحن الطيور الجريحة نقرأ كل أنواع الألم المموسق والمُـغنى كل صباح ! .
قبل أن أنهض من النوم أتذكر أجمل بيتين لأخطر سجن في الحياة ، إنهما حول سجن أبي العلاء الثلاثي :

أراني في الثلاثة من سجوني
فلاتسأل عن الخبر النبيث ِ
افتقادي ناظري ولزوم بيتي
وكون النفس في الجسد الخبيث ِ

إن بقاءنا في حيز الشكل والهيأة مدى الحياة شئ مقرف وممل ومن حق أبي العلاء أن يضجر . وكذلك كل مُعمّـِر " سئمت ُ تكاليف الحياة ومن يعش ... ثمانين حولا لا أبا لك يسأم ِ" . عمري بدأ يعتق ويهرم ـ فوق الستين !ـ وأحتاج الى شد عضلي إذ رغم كوني في الصف الأول من الشيخوخة الاّ أني أعاني رخاوة في البراغي كافة ولذا فالرياضة الصباحية وأنا في السرير تأخذ مني ما لايقل عن ربع ساعة وأنا مغمض الجفنين كأعمى يحاول الخروج من الزحام . لماذا أكون كذلك ؟ إنها رغبة بالعودة الى النوم وكذلك رغبة مراهقة بالتحدث مع نسوة عديدات بقين في خاطري ولم أمسسهن ، أتمناهن ولمسهن من قبيل المستحيل . ها إني اُخصص بعضا من الصباح لهن . وأحيانا أشبق روحيا مع إحداهن وأتضور فأشعر بلهيب حارق يجتاحني فأنهض في الختام كأني بطارية اُعيدَ شحنها ! .. وهذا ما أفرح له . إن الحلم مجرد الحلم يضغط في جسدي وعضلاتي قوة دافعة بل رافعة تنتشلني من سريري الى بدء النهار . المرأة متفضلة علي ّ حتى في نهوضي الكسير والخائب من سريري .
أفتحُ ، وبالدارجة ـ أشعل ـ الكومبيوتر! على تخلفنا السياسي المتمثل بالسلطات التي لاتنسحب من التاريخ وعلى أخبار دمائنا في الشوارع في كل مكان من المنطقة العربية وسواها من أبناء المعمورة . كأنما هذا العالم لايستأهل أن يُعاش .
هذا العالم يأخذني مني .. إذ لا ألبث لحيظات مع منظر الحدائق وكوب القهوة الصباحي حتى يهجم عليّ شبح الظالمين فأبدأ بالإقتصاص منهم شعرا . لابد من تدميرهم بالكلمات لابد من الوقوف الى جانب الشبيبة جانب الجيل الثائر الطالع الى السفوح . أتذكر سفرتي الأخيرة ورغبتي القوية بالبقاء في العراق لولا خيبات ونكبات ألمت بآمالي .. ولكن مع ذلك ها إني اُمني النفس كل صباح بالعودة ذات يوم . لكن كتابة الأديب عن بلده وعشقه له هي بحد ذاتها عودة . كم من شخص عاد فأضر العراق ظنا منه أنه نفع خاصة ً إذا كان خبيثا لايتمنى لك أن تكون هناك ! .
تأخذني القصيدة والمقالة والأخبار على ذات الكرسي حتى الخامسة مساءا من دون غذاء ذي قيمة إنه الجبن الذي أمقته وأكرهه لشدة ما استسهلت لطشه على قطعة خبز مع شريحة لحم بارد اذ أقوم بابتلاعها واقفا أو قارئا للأخبار . إنها ليست حياة ولا تصلح للعيش مع أية إمرأة من اؤلئك الرائعات اللواتي تمنيتهن . إحداهن رأفت بها فرفضت ـ التعايش ـ معها ، لاذبح إسلامي ولا بُرْتـَـكيشي ! لا أريدها أن تعيش مع شخص موجود وغائب . لمن إذن وجودها في الفراغ . أنا لا اريد خادمة . المرأة أرفع من أن تخدمني أنا عاشقها وخادمها لكن لاوقت لدي لهذه الكوارث . لكن ماذا عن تلك التي تكتب عنها كل يوم وتبكي لها ضافرا شعرها بقوس قزح بغداد . كذب ! أقول مع نفسي كذب . إنه عالم الرومانسية الثورية المتشظية بالقصائد الجميلة التي ثمارها حب الوطن وعدا ذلك لن يبقى لي سوى صفرة اليد . اريدها بعيدة كأبعد نجمة قصية في السماء حتى تكون ملهمتي . وهي المغرورة تظن بأنها ذات شأن . أبدا ً فأنا لااريد أحدا .. أريدني لقضية ما . وبعد ذلك اُريدني لي !
منذ عامين لم أر أحدا من أصدقائي .. لن أتخلى عنهم لكن مضى القطار بالأمس وها أنا تخيرت سجون المعري ..
يهبط الظلام فأمضي الى أرصفة قرب بساتين وجسور وبحيرات معي قصاصة عليها أبيات لشاعر صوفي أو آخر .. تعجبني قصائد جلال الدين الرومي أكتب بعضها على ورقة وأضعها في جيبي وأمضي في الطرق البعيدة لأستخرجها وأحفظ . فعلت مثل ذلك بشعر الخيام وايليا أبي ماضي ومحيي الدين ابن العربي وقصيدة لاتنتقد الرائعة التي كتبتها شاعرة كويتية . أيضا قصائد لأحمد شوقي وللجواهري الخ .
اليوم يوم كالح بدون سبب . أنا حزين للغاية وبدون سبب . ربما الشعور بالخيبة .. قلة إنتصارات على الجبهة السياسية العالمية . الفرح قليل في عالم كبير أشعر أنه بيتي . لكن الأمل به موجود . وهذا ما جعلني أنهض هذا الصباح رغم الوضع الغائم .
ظهرا رن التلفون ، تحفظت برفعه إذ يجب التأكد أن الرقم ليس غريبا علي فأنا لا أُجيب عموما الاّ على اربعة هم أولادي ، وصديق ما أحتفظ له بود ٍ كبير . كانت كل التلفونات غريبة تركتها ترن . بعد حين تحدثت مع ولدي وهو يخبرني بإمكانية شراء مصابيح للدار هذا اليوم ، فبيتي معتم نوعا ما . الضوء في البيت يقلل الكآبة كما يقولون : مصابيح وشموع وورود ولوحات على الحائط هو الحل مع موسيقى جميلة .
فرحتُ لأنه لابد من مصابيح . خرجت بعد أن رأيت سيارته تقف بإنتظاري .

اليوم هو 2/ 7/ 2011 القصائد تقلل من ثقافتي والإنتاج الغزير والمتواتر . لكن مع ذلك فإني أقرأ بعشرة كتب مرة واحدة والجنون فنون . من هذه الكتب : جنة الورد لحافظ الشيرازي بترجمة رائعة ، كتابا مترجما عن شعر ريلكة مع مفهوم التنافذ الذي كتب عنه الأديب المترجم سحرني خاصة بالعلاقة مابين الشباك عند ريلكة وشباك شاعرنا العظيم السياب إنها قصيدة شباك وفيقة ... يا إلهي كم رائعة هذه القصيدة ومنسابة وحسية . الذي لم يقرأ قصيدة شباك وفيقة عمره خسارة !
في سفرتي الأخيرة الى استوكهولم تعرفتُ على أحد الأصدقاء الأعزاء من عشاق شعر أبي نؤآس والجواهري . قرأ لي قصيدة جربيني التي أعرفها وأحفظ بعضا من مقاطعها . الاّ أنها كانت في فمه وهو يقرؤها تعادل ولادتها . إن الأصيل في الحب وأي حب يقوم بتأدية أصيلة . نعم لقد ألهمتني قراءته قبل شهر من الآن ماكتبته اليوم من مقالة حول قصيدة جربيني .
اليوم 3/7/ 2011 يلازمني القول المأثور بأن الغم يثبط العلم . هذا ماقرأته في كتاب للأستاذ الصديق الراحل هادي العلوي . الشعور بالخيبة ليس عيبا العيب أن يعوّقك هذا الشعور ، ولولا الأمل كما يقولون بطل العمل . خساراتنا كثيرة لكن لينين ماالعمل ؟ .. تطأطئ الرأس ؟ وتجلس ساهما ؟ .. الصمت صحراء لاتنتهي وهو يذكرني ببيت شعر للمتنبي :

وللخود مني ساعة ثم بيننا
فلاة ٌ الى غير اللقاء تُجاب ُ

لاينصح عظيم عظماء الدهر في ـ الشعر ـ الشاعر التركي ناظم حكمت بجلوس السجين ساهما عند قدم الجدار ، عليه بالعمل . لا أنصح نفسي أن أستسلم في بيت موحش يندر أن يدخله أحد أن أترك لرأسي يتراخى مثل أسير . أنهض مذعورا كمن مست كرامته . لا وألف لا . أتذكر قولا للجواهري عندما سألوه عن حزنه . قال أنا أحزن لكن لا أدع الحزن يخترقني . الذكريات تحوطني كالأفعى لكن يجب أن أرش حبل جسدها وهي حول عنقي بأي سائل يُزبلطني من جسدها القاتل! . يجب أن أزوغ وأروغ . اُعجبت بكلمة سأزوغ غدا وأذهب الى السينما تاركا المدرسة ، لقد قالها علاء الأسواني في حوار بين أبن وأب في رواية نيران صديقة . كانت تعجبني كلمة " لوف " أي اُكَلـُب أي اهرب واترك المكان وانشد الراحة . كنت أقول ذلك لصديقي بعد أن أمل وأكل من العمل والدراسة في الدورة السينمائية ببغداد أيام 1974 وقبل التعرف على كارثة الكوارث المرأة التي حطمتني زوغانا ولوفانا .
لابد من المـَلـَصان من قبضة الموت أعني الشعور بالكآبة والخيبة ووجع الأيام وجفاء الأحباب . إبك ِ إصرخ اركض مسافات طويلة إشرب إذا شئت إبنة الشعير أو الكرم أو البلح ... إشرب عراقا منقوصا منه الألف ألف الغربة . أقصد إشرب عرق و " إتفوخ ْ ! " وبالتعبير العراقي إركَعْ لكْ " نص بطل ! " تجد نفسك مقبولا وكما يقول صديق ما بعد أن أشرب النص أقعد وزِن ْ ! .. وقد قال الشاعر وهو من أعظم نطاسيي داء الكآبة " شنهو الدوه الموصوف للونته عاده ... نص عرق تالي الليل ويجره ساده " .. ووصيتي للمستجدين أن يضعوا ربع القدح عرقا وثلاثة أرباعه ماء مع قطعة ثلج ... والشرب على نار هادئة على شكل قبلات أي قبّل ْ شفوف الكاس .. لاتستعجل فهنا حقا وفعلا ينطبق المثل في العجلة الندامة . وتناسبك اغنية غني لي شوي شوي . أو شويه شويه ياشميسه .
حاول " نصيحة 45 سنة خبرة وتقاعد" أن تستمع لاغنية غلبت أصالح أو يللي كان يشجيك أنيني . والسلطنة في الثلث الأخير من اُغنية أغار من نسمة الجنوب ِ . وآخر الليل : " غريبة من بعد عينج يايمه " لوحيدة خليل العظيمة أو " كذاب " للفنان طالب الغرغولي أو للشجي الصوت والصورة قحطان العطار سيّد أسياد الوجع العراقي في الآه والونة : آه الوطن ، وونة الغربة .
اليوم إنتبهت الى كتاب أنهيت نصفه مسرعا . أي أن مستوى القراء 50 بالمائة . والخطر أن تقرأ خاصة الشعر بسرعة لأنك إذا أردت أن تحترم المتكلم فعليك بالإصغاء له بدرجة ممتازة . إذا أردت أن لاتهين أجمل الكلام الشعر فلا تقرأه بسرعة . ولكني كالعادة أنصح الآخرين وأقع في الخطأ إذ جنيت أيما جناية على المترجم الاستاذ شاكر لعيبي عندما قرأت كتابه عن ريلكه وقصائده المكتوبة مباشرة بالفرنسية قرأته بسرعة ولم يعجبني , ولكني عندما قرأت بتأمل وشاعرية رأيت روعة النصوص المترجمة الى العربية . وعدت فأحببت الشاعر وعرفت لماذا وكيف تتذاوب القصائد الشاعرية شهدا في فم الروح . لا تأثم وتقرأ بسرعة ولاتشرب بسرعة . وعندما تحب لاتتهاو َ بسرعة لأنك تـُـهجَر ويُنظر اليك بقلة . وعندما تعانق لاتعانق كغريق بل كما قال صديقي " اقعد وَزِنْ " وضع حجرا ثقيلا في جيبك .
اليوم يوم جميل لكنه شاق إذ عانيت كثيرا بتدقيق مادتين كتبتهما استغرقت كتابتهما يوما بينما قراءتهما والانتباه للأخطاء ثلاثة أيام ، من يصدق أني أقرأ مادتي التي أكتبها أكثر من سبع مرات وأحيانا عشرة .. كان عمّنا البلشفي لينين يقول : قسْ سبع مرات وقص مرة واحدة . العبرة ليس بجسد الممثل ، لو تحدثنا مسرحيا ، بل بجمال حركته . وليس بالوجه أي وجه بل بكيفية مكيجته . الفيلم بمونتاجه . المرء بإسلوبه . المقالة ، عدا قوتها ، بخلوها من الهنات والأخطاء .
اليوم الذي تنجز فيه عملا مجديا يمنحك يومين من الحياة . لأن الإنسان عندما يفرح فانه يتواصل روحا وجسدا بمغناطيسية المكان والزمان . قالوا :

"عود على بدء لأقوام اُوَلْ
يموت بالترك ويحيا بالعملْ "

سأعمل مثل عنقاء ! أنا شوكة في عيون أعدائي وكآبتي في عيون المخبثين علي ّ .
وختاما : كلنا نموت في النهاية لكن الموت حُبّا هو الحياة . إعْمَلْ حتى الموت معناه أنك تحب مدى الحياة ومادام هناك وجود . بهذه الكلمات رحت اُعزي نفسي واُشارك ولدي " نوّار " في وضع المصابيح الجديدة .

لا للظلام .

5/7/2011



#خلدون_جاويد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تطبيقات شِعرية على حياة الشبيبة العاطفية ...
- الشاعر حسين مردان يصرخ بوجه الله ...
- تعالوا نشتم الشعب والوطن ! ...
- هل من فتوى لتحريم خلوة الإبن باُمهِ ؟
- - إن النساء َ بذيئآتٌ حقيرات ُ - للشاعر حسين مردان !.
- - على غرار قصيدة أحمد شوقي - ...
- إحتقار المرأة أم دعوتها للتحرر ؟
- - سلوا قلبي غداة َ سلا وثابا - ...
- شاعر يشتهي الرضاعة من ثدي اُمه ِ !!! ...
- يوميّاتي 2 ...
- التغزل بجدار قديم ...
- صورة - سيدتي الجميلة - ...
- إهدأ يا اُستاذ ! ...
- رحيم الغالبي وعجالة الرحيل المفجع !!! ...
- قصيدة غزلية لم اُمزقها ! ...
- منحة لراحة وإستجمام العراقيين !!! ...
- مدخل ومخرج الى أدونيس والأدنَسة ...
- قصيدة مهداة الى الشاعرة البحرينية السجينة ...
- قصيدة الى شاعرة البحرين السجينة...
- بساطة أم تعقيد ، إستعلاء أم تقبُّل ؟


المزيد.....




- أبو الغيط يُرحب بنتائج التحقيق الأممي المستقل حول الأونروا
- الاتحاد الأوروبي يدعو المانحين لاستئناف تمويل الأونروا بعد إ ...
- مفوض حقوق الإنسان يشعر -بالذعر- من تقارير المقابر الجماعية ف ...
- مسؤول أميركي يحذر: خطر المجاعة مرتفع للغاية في غزة
- اعتقال أكثر من 100 متظاهر خارج منزل تشاك شومر في مدينة نيويو ...
- مسؤولان أمميان يدعوان بريطانيا لإعادة النظر في خطة نقل لاجئي ...
- مفوض أوروبي يطالب بدعم أونروا بسبب الأوضاع في غزة
- ضابط المخابرات الأوكراني السابق بروزوروف يتوقع اعتقالات جديد ...
- الأرجنتين تطلب من الإنتربول اعتقال وزير داخلية إيران
- -الأونروا- تدعو إلى تحقيق في الهجمات ضد موظفيها ومبانيها في ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - خلدون جاويد - يومياتي 3 ...