حسين عجيب
الحوار المتمدن-العدد: 1947 - 2007 / 6 / 15 - 07:47
المحور:
الادب والفن
من هنا لا شيء يبدأ. هنا لاشيء ينتهي, ولا شيء يموت. هي صور وظلال منكسرة,تعبر الأجساد والعقول,بفعل قوة العادة والتكرار,الملامح مشتركة مع الخوف مع الرهبة والمجهول.
بسرعة يتحوّل بياض الصفحات والأيام إلى أثر, بقايا جرح قديم,لا يندمل ولا يميت.
أن يشبه حزيران أيلول أو شباط,أن تماثل ساعة الصباح الهزيع الأخير من الليل,يعني بوضوح لا يقبل التأويل,أنك عالق في الطور الثالث للحياة...الشيخوخة, الحكمة, أسماء متكررة للموت.
تشعل السيجارة من الثانية وتنتبه,ثقل الزمن صار فوق شعرك وعينيك,أنت أيضا موضوع رغبتك. صباح آخر عليّ أن أواجهه بمفردي, تهمس لنفسك أو تصرخ.
لا أعرف كيف صارت الحكاية سجنا, والأبواب المشلّعة والمتكسّرة وهي تبتعد, بيتا أحمله معي كيفما اتجهت. غبار الزمن تراكم فوق البيت والباب والنافذة.
انقطعت الكهرباء وأطفأت جهاز الكمبيوتر.
...............................................................................................................
الورقة البيضاء تختلف عن واجهة الكمبيوتر, والكتابة بالقلم تختلف عنها بالتدوين الحر للمشاعر والأفكار بمجرد نقرة خفيفة على الماوس,بدأ حنين الورقة والقلم يتحوّل إلى عبء,هي إشارة اكتئاب أغلب الظن_قانون الجهد الأدنى معكوسا.
*
يومي هذا يشبه قصة"ليلة ناعمة" لبوتزاتي. المواجهات الدامية في غزة بين فتح وحماس, تحوّلت إلى حرب أهلية صريحة. تفجير مرقد الإمامين العسكريين في العراق. تفجير سيارة مفخخة قرب الحمام العسكري في بيروت, ويتبين في الخبر لاحقا مقتل النائب مروان عيدو وولده وبعض مرافقيه مع لاعبين من فريق النجمة تصادف مرورهما وقت التفجير....!
صباح اعتيادي وكسول! ليلة ناعمة, لا فرق!
تصادف مرورها..أو مروره..أو مرورهم.. فوقع الموت أو عادوا بدون ذراع أو عين أو رجل, والسبب أن تصادف مروره.. ا.. م...
أكثر ما يثير قلقي ودهشتي وخوفي _وأكثر اشمئزازي وقرفي_ سهولة الموت والدعوة إليه والحضّ عليه وممارسته على الغير, مقابل التكتّم والسريّة والذعر من الكلام في ثقافة الموت!
الغضب يملأ العالم الداخلي للفرد والعدوانيّة تغطيّ على القانون والأخلاق والعلاقات في العالم الخارجي,قطبين ومنبعين للجحيم المفتوح في بلاد العرب أوطاني.
أغلبية القتلى ممن تصادف مرورهم, وأما القصد والعمد وغريزة الموت, فهي في الفكرة أولا لتسود وتتعمّم في الغباء العاطفي وغريزة الموت وهي تنشر خيمتها السوداء ثقافة وفكر.
في كلّ لحظة موت تخسر البشرية تاريخها كلّه.
*
بعدما مللت من الدوران بين المحطات التلفزيونية والأخبار, وفشلت في التواصل مع أحبائي وأصدقائي في بيروت, أضع كأسي وأشرب وحيدا أكثر من مسمار.
أن تكون موضوعا لتهم جائرة وبلا أساس,بعدها, ستشارك في إطلاق أحكام مهلكة بحق آخرين بدون تعقّل ولا دليل, تدخل في دائرة الشكّ المعذّبة_من الحكمة الآن_ أن ترى في ما مضى إشارات, أنه حان الوقت للانتقال إلى الموقف المعرفي.
الدم يغسل بالماء
والمرارة قد تشفى بالحب.
*
بعد الجامعة في الطريق الداخل إلى اللاذقية,دوار الزراعة, عليه أعمال فنيّة(ليست جميلة) حسب ذائقتي وكان الأجمل أن تبقى الساحة للأشجار والورود, المنعطف على اليمين, يوصل إلى إشارة مرور وتقاطع, الشرق إلى الضاحية وبسنادا وبكسا والمشيرفة_ الغرب إلى مركز اللاذقية والشيخ ضاهر والبحر_ على خطّ مستقيم حتى نهاية أوتستراد المشاحير, مكتبة المحبّة على الزاوية الغربية, في المدخل الثاني بعدها, درج يصعد إلى الطابق الثالث, شقة فريدة السعيدة وحسين المؤجّرة منذ سنة 2002, الباب يفتح بالمفتاح بسهولة, المطبخ على اليمين والبلكون مواجه لبحر سوريا والمتوسط...البحر ذاته المتصل والواصل بين القارات والعوالم القديمة, على يسار المدخل غرفتين, في الغربية تنام فريدة السعيدة بعد العاشرة, وفي الثانية حيث يضرب على الآلة الكاتبة كهل رمادي, أمامه الكمبيوتر والحائط الشمالي وبمتناول يده أجمل صورة أجمل لوحة وأجمل صورة في الكون,النيل مع زجاجة ماء وكأس وضحكة تسع الكون....هو الآن يملأ كأسه الجديدة,كالعادة مع تذكّر بحر بيروت وهواها وأنفاسها, لا يريد أن يبكي, يشرب بمحبة وبمرارة....بصحتك, يا كلّ من يصله هذا الكلام..........
على اليمين السرير, السرير القديم الذي نام عليه فيصل ملحم, وهو لا يعرف من نام عليه قبله, لقد اشتراه من سوق البالة برفقتي....المهم السرير الذي تنقل معي بين الضاحية ومشروع البعث في مشروع الزراعة, ليستقر هنا وأغلب الظن سأحمله معي إلى بسنادا, فيما لو قيض لنا أن نسكن أخيرا في بيت لا يطردنا منه صاحبه أو مالكه سمّه ما تشاء يا حسين اللعنة عليهم .
خلفي جهة الجنوب والستارة التي رفعتها مرتين أو ثلاث, إلى اليسار المكتبة المعدنية المغبّرة, واجهتها خارطة اللاذقية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
في المنتصف, في منتصف الغرفة,كيان ميتافيزيقي اسمه حسين عجيب, على الأرجح, هو اسم اعتباطي بلا معنى ولا يمكن التأكد منه,بمسافة ذراع الطربيزة العامرة...كأس من عرق الريان السوري العظيم وصحن خيار ومنفضة سجائر وعلبة دخان حمراء طويلة..., و عدّة ورقات, وللدقّة أكثر...مجلّة شرفات التابعة لوزارة الثقافة ولم تستوقفني...ومجموعة كبيرة من الأوراق, على سطحها هذه الكلمات المائية أو الهوائية أو النارية, المكرورة والبائتة:
لي أكثر من ليل
أستند عليه كلما عصتني الذكرى
الليل يصل العذوبة بالعذاب
يحمي ويمزّق
هشاشتي تشبهه,
ومخاوفي أيضا
أتّجه صوب الباب, وأعرف
أكثر من أي وقت مضى....
من يعرف لا يتكلم.
#حسين_عجيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟