حسين عجيب
الحوار المتمدن-العدد: 1941 - 2007 / 6 / 9 - 07:59
المحور:
الادب والفن
أنا نفسي لا أصدّق أنني ساذج إلى هذه الدرجة. أعرف وأشرح للمعارف والأصدقاء, المحافظة على الرصانة أولا في الأفراح والمآسي, لا تعطي رأيا واقتصد في الكلام, عينك في عينيّ الشريك أو الخصم...دوّخه,أشعره بأنك تحيط به وتحاصره من كل الجوانب,لا تكشف أوراقك.
مع ذلك كلّه لساني يسبق عيوني وأذنيّ, وأول ما أصطدم به أكثر ما أخافه.
لماذا أبقي على الفقرة, أو النواح الصريح والفج؟!...لماذا أمحوها, ألأضيف قناعا جديدا على خدع البلاغة والذاكرة والخيال؟
.
.
الفصل اليدوي بين الخوف ومعرفته والشعور به ومن ثم محاولة الوصول للأعمق والأبعد, بشكل عكسي ومتقطّع, لعبة جمل متقاطعة, كأن تقول:
سؤال التسامح هو سؤال الألم.
*
إلى الشام حملت أعواد القشّ,الكثير من الجروح المزمنة,كنت هنا وكنت هناك, والطريق يمتصّ الملامح والذكريات ,رواحنا ومجيئنا بلا جدوى غالبا.
فريدة تعطي السائق أسوارة الذهب, بيننا يرتفع الضحك ونفسد فرصة أمريكا.
جلبة ولغط وكلام يتلاشى في الفراغ.
علاقتي بالمدينة تماثل علاقتي مع المرأة, إما حبّ ورغبة تتقدم مع تحوّل الأيام والشهور إلى بقية العمر, أو علاقة نفور وحذر تتعدّل في بعض التفصيلات والمراحل. لكن الانطباع الأول يؤسس الاتجاه اللاحق دوما.
الشام وفريدة السعيدة, الاستثناء الذي يحدد القواعد لا حقا.
*
عديلي كامل التكنوقراط الوحيد بين معارفي وأصدقائي, أول من يستقبلنا في دمشق, ومع كاس العرق المشغول بعناية في دير ماما, استمع للرأي العميق والهادئ, على غير عادة أهل الأيديولوجيات والسياسة في بلادنا, يجيد الإصغاء والتعبير الواضح والمختصر عن تجربته وأفكاره..... للصباح الشامي طعم التسكع والحرمان الطويل.
مع ياسر الأخ الأوسط , المحامي الذي ينتقي كلماته بصبر, ويترك لنفسه مساحات للتأويل وإعادة النظر, نكمل أوراقي وهي تطير إلى البلاد الغريبة بدوني.
إلى مقهى الروضة ومضر الزميل والصديق في هيئة الشباب ومرارة منتصف العمر_ هذا أبو حالوب_ هل رأيت الحلقة في قناة الجزيرة؟
أجل, كانت مميزة, وهو شخص يثير الفضول. لن يتاح لنا الاتصال بنظير وزيارة قطنا, المكان الأكثر برودة والأكثر حميمية في مراهقتي وشبابي الغارب.
حازم ودارين وأبو زياد مع أصدقاء أتشّوق لرؤيتهم, أكثر ما يدعوني إلى نادي الصحفيين, بعدما أغلقت الفريدي والنادي العمالي و...............................وأنياب الإسلام السياسي تطبق على مركز دمشق أكثر وأكثر.
_هذا بخاري, صديقك أيضا؟
العلامة الفارقة في نادي الصحفيين, سيردّد" عظمة الشام" دون تعليق واضح على حلقة الجزيرة مع نظيره أبو حالوب في مقهى الروضة. أما أحمد جان عثمان_ أكثر السوريين انتماء بالإرادة وضد المولد, يجدد غربته وراء المحيط, ويترك للحكايات والكؤوس المرفوعة, تكمل أساطير سوريا, ثم تغلقها على الفراغ والنميمة, وحولنا وفينا ترتفع أسوار المرارة.
رأسي يدور ويداي فارغتان, لا وقت للندم.
أنا أيضا ضاعت أحلامي بين أرصفة دمشق واللاذقية.
*
على سطح منزل أهلي في بيت يا شوط, أملأ أكبر كأس أجده بعرق الريان العظيم,أشرب ثم أشرب. سررت بحفاوة لؤي_الكلام الجدّي والحميمي_ لم أقطع القطيفة بعد وصولي دمشق. نجدد القهوة مرتين في المكتب...هذه دار بترا يا لؤي!
لؤي حسين هو دار بترا بلا زيادة أو نقصان.
دفء البحر السوري,هشاشة ساحله وجباله, نزواتنا وهي تتقلّب وتتجدّد, تحرقنا مرّة, وتلقينا في الطرق المجهولة مرات.....ومرات.
سذاجتي تتجاوز التصديق, هذا ما أعرفه أكثر مما يظن أصدقائي. ضربات طائشة في المكر واللا متوقع أحيانا, لكنني ببساطة غير مفهومة أفسد وبإصرار متعمّد, ما بنيته و ....مرات أتقصّد تخريب أكثر ما يهمني, وحدها سوزان تفهم ذلك وتتقبّله بصبر ودأب يميّز نبل جنسها.
في هذه اللحظة اتصل غسان صديقي العتيق, بيننا شجون ومودة, لكننا أبناء القهر والخراب السوري العميم, نقامر ونعبث ونجرّب ونخرّب بيد على عكس ما تفعل الثانية وتجهله.
شقاوة الصبيان قربي سامي ونوار, تكشف جذور كآبتي,بين المحرّم والممنوع يستطيل القهر ويتمدّد, الحرمان لا يترك لمشاعر الفرح فسحة ولا زاوية........وحتى خط ,
لا يبقى سوى المجاز والبلاغات الجوفاء.
*
على البلكون الشمالي قرب شجرة المراب وقبالة زهر الرمان, أملأ الكأس النهاري...بيت ياشوط كأس مسكوب وطفولة مهدورة.
لا احتمل يوما في بيت ياشوط بدون عرق.
هل سأكون العام القادم خارج اللاذقية!
هل سأعيش يوما خارج سوريا!
نورما وليندا _أكثر من البقية_ تؤكّدان: أنت لا تحتمل أسبوعا خارج سوريا ياحسين!
ليست المعرفة فقط هي الملاذ الأخير للكائن الحميمي.
قد يكون الشعر أقرب الهويات إلى عالم الداخل, قد تكون السينما, السفر, المال ربما, ما يدريني أنني سأكون مهووس مال وغنى لو أتيحت لي فرصة حقيقية!
الجنس(المضاجعة, النياكة, النكاح) تلك الكلمة السحرية فوق الباب المسحور, وهي تخلط الكلام بالتشنّج الجسدي العنيف, والمدوّخ في لذّته وغموضه!
ماذا لو رغبت في معاشرتي مجددا امرأة مشتهاة بيضاء أو سمراء, كيف سأفهم عبارة: المعرفة هي الملاذ الأخير للكائن الحميمي ساعتها!؟
سأشرب كأسي , واتبعه بآخر
ثم أشرب الكأس الجديد
ولا أرتوي أبدا
*
تتدخّل فريدة في شربي وتعترض عليه_أكثر من علاقة عاطفية لو تمّت_ صحيح نادرا ما أحظى بعلاقة حميمة ومتبادلة مع امرأة, لكنها ....تحصل كل عدة سنوات, ولا تتوقف فريدة عندها, كما تلاحقني بشأن الكأس. لحسن حظي نظرها ضعيف وهي لا تضع النظارة اليوم, ابتسامتها الملغزة غير مفهومة, هل رأت الكأس يا ترى؟
أشرب وأستمتع, أمام بصري الألوف من أزهار الجلنار, وحبيبات التفاح والمراب, أقطف واحدة وأتلّذذ بالطعم القابض مع المرورة, ثم جرعة كبيرة ونفس عميق من سيجارتي.....
نسيمات الصيف تلفح وجهي, ما أجمل أن تكون حيا, تتنفس, وترى وتسمع وتشم, وتشرب وتتخيل وتحلم .....
عصفور يقف للحظة أمامي, تلتقي عيوننا, ويهرب مذعورا.
كنت لأضمّد جراحه, وأقدم له الطعام , وكان ليغنّي ويبهج نهاري
حمل خوفه وطار في البعيد
وبقيت أثرثر بصمت وأحلم.
.
.
لا تستطيع السير في طريقين معا, ربما لحسن الحظ.
#حسين_عجيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟