محمود حمد
الحوار المتمدن-العدد: 1929 - 2007 / 5 / 28 - 04:45
المحور:
الادب والفن
جبلٌ من كردستان تَخًَفى فَجراً في سبعيناتِ القَرنِ الماضي..
ومَضى..
يَخرِقُ أنياباً مُصْطَكَّة..
أضيقُ من خُرمِ الأُبرةِ..
يَبحثُ عنّي..
تُنْبِئهُ الريحُ بِضَيمٍ يَجتاحُ الأهلَ على أطرافِ الهورِ..
يَدخلُ "عاصمةَ الجوعِ" (1)بلا وَجَلٍ قَبلَ صياحِ الديكِ..
باغَتَني وأنا ارسمُ لوحةَ شَفَقٍ..
................فَوقَ صِريفةَ أهلي بـ "خرابةِ سِعْدَة" (2)..
حَمَّلَني شَوقاً عَبِقاً..
من شَجَرِ الجَوزِ..
إلى حَقلِ العَنْبَرِ..
أمضينا بِضْعَ ظلامٍ دونَ سُهادٍ..
نَحْكي ..
عن نَفقٍ يُخْرِجُني من جوفِ الذِئبِ الهائجِ..
لدروبِ الحريةِ..
..................
تسألُني بُستانُ "القَصَبِ السُكَرِ" ..
عن أخبارِ "الجبلِ الشامخِ" يَنشرُ زَهواً..
ومَهيباً يَخطو في "سوقِ النجارين"..
يَتَعثَرُ بالفُقرِ المُتَراكمِ في الطرقاتِ..
أُخبِرُها:
هذا من وطنٍ لايُذْعِن..
وبلادٍ لا تَعرفُ إذلالَ الروحِ..
يَسألُها "الجَبلُ الشامخُ" :
أينَ مدينتُكُم؟
لا ألْحَظُ مِنها حَجَراً فَوقَ الأرضِ؟
وبِصَوتٍ مَحزونٍ:
بِمَقابِرِهِمْ تَحتَ أديمِ الأرضِ..
لا يَظهرُ مِنها إلاّ طَفَحُ الفُقرِ الراسخِ فيها..
مُذْ قَسَّمَ آدَمْ أُسرَتَهُ ..
.................سلطاناً وعبيد!
.....................
قالَتْ أمي للضَيفِ المُثقَلِ بالكَرْمِ وأشجارِ البَلوطِ:
كُلُّ منافِذَ بَلدَتِنا مَقموعة..
حتى مَسرى الطيرِ إلى البصرةِ..
ومَشَيْنا ..
......"الجَبَلُ الشامخُ"...
......ولُفافةُ ورقٍ مَكتومٍ..
......وهمومي..
صَوبَ نَخيلِ "المَعْقَلِ"(3)..
آوينا وجُموعُ المُحتشدينَ بِصَخَبِ خَلْفَ الجدرانِ الصَمّاءِ..
وجَلَسنا كالغرباءِ بِصَفِ المُنَتظرين ..
تَخرِمُنا أحداقٌ..
شَرَرٌ مُتَطايرٌ..
كعُيون ذِئابٍ تتأهبُ في عُمُقِ الليلِ..
يَعوي صوتُ قطارِ "البَصرَةِ – بغداد"..
نَتَسَللُ بين زُحامِ المُنْفلتينَ إلى أفواهِ العرباتِ..
تُربِكُنا أجسادُ الناسِ المدفوعةِ للبواباتِ..
نُلْقي أنفُسَنا قَسراً لِشفاهِ البواباتِ..
يَقمَعُني بَغْلٌ من جِفنِ البابِ..
لسيوفِ العجلات..
تُقْطَعُ قَدمي..
أُلقى مأسوراً للحَذَرِ القاتِلِ فَوقَ سَريرِ الآهاتِ..
دَهْراً أَقضي..
دونَ حِراكٍ..
أنْهَضُ مَعْلولاً بَعْدَ قُرونٍ..
أسألُ عن ذاك "الجبلِ الشامخِ" يَكمُنُ في روحي..
مُذْ تِلك الليلةِ ..
في كُلِّ الشُرُفاتِ..
دونَ مُجيبٍ حتى الساعةَ....
أو ..
ومض يُفْقِئُ تِلك الظُلُماتِ..!
(1)عاصمة الجوع:محافظة ميسان جنوب العراق.
(2)خرابة سعدة:اكبر مجمع لأكواخ الفقراء في مدينة العمارة في خمسينات القرن الماضي.
(4)المعقل:من بين اعرق مناطق البصرة وتقع فيها محطة القطار الرئيسية.
#محمود_حمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟