أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ليث الجادر - إقليم البصرة: حين تتحول المطالب الاجتماعية إلى إدارة للانهيار














المزيد.....

إقليم البصرة: حين تتحول المطالب الاجتماعية إلى إدارة للانهيار


ليث الجادر

الحوار المتمدن-العدد: 8571 - 2025 / 12 / 29 - 14:04
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لا يمكن فهم عودة مطلب تحويل البصرة إلى إقليم خارج السياق البنيوي للدولة الريعية العراقية. فالمسألة لا تتعلق بالبصرة بوصفها حالة استثنائية، بل بوصفها تجلياً مكثفاً لمنطق الريع عند لحظة الانسداد. هنا لا يعود الدستور عقداً سياسياً، بل يتحول إلى أداة ضغط تستخدمها الأطراف حين تفشل الدولة في أداء وظائفها الأساسية.
تحويل البصرة إلى إقليم داخل دولة ريعية متفككة لا ينتج لامركزية رشيدة، بل يُنتج لادولة محلية: سلطة ريعية مصغّرة، منفصلة عن أي إطار سيادي جامع، وقابلة للاختطاف السياسي والأمني. فالدولة الغائبة في المركز لا تُستعاد عبر استنساخها بصيغ إدارية محلية، بل يُعاد إنتاج غيابها بأشكال متعددة.
الريع بوصفه منتجاً للتفكك
في الدولة الريعية، لا تُدار الأطراف بوصفها مجتمعات، بل بوصفها مخازن موارد. وحين يعجز المركز عن إعادة توزيع الريع بما يضمن الحد الأدنى من الاستقرار، تبدأ الأطراف بالبحث عن صيغ تفاوضية بديلة، لا لتغيير بنية السلطة، بل لتحسين شروط التفاوض معها. هنا تظهر الأقاليم لا كفعل سياسي، بل كحل إداري داخل الانسداد.
البصرة، بما تمثله من ثقل نفطي وملاحي، ليست محافظة “مظلومة” فقط، بل عقدة الريع العراقية. لذلك، فإن مطلب الإقليم لا يعبّر عن صعود سياسة محلية، بل عن تآكل السياسة ذاتها وتحولها إلى إدارة تقنية للصراع على الموارد.
الوهم الإداري والواقع الجيوسياسي
تُقدَّم فكرة إقليم البصرة أحياناً بوصفها انتقالاً نحو حكم ذاتي فعّال. غير أن هذا الطرح يتجاهل الواقع الجيوسياسي القائم. فالبصرة، وفق موازين القوة الفعلية، ليست فضاءً محايداً يمكن أن يُدار بمنطق إداري صرف، بل بيئة مرشحة للتحول إلى إمارة إسلامية شيعية، مرتبطة عضوياً بإيران اقتصادياً وأمنياً.
هذا المسار لا يقوم على النوايا، بل على الشروط الموضوعية:
سلاح خارج الدولة،
اقتصاد نفطي بلا رقابة سيادية،
وحدود مفتوحة على نفوذ إقليمي مباشر.
في مثل هذه الشروط، لا يكون الإقليم خطوة نحو التنظيم، بل نحو تثبيت التفكك.
التوظيف الإيراني بوصفه وظيفة ريعية
تذهب بعض القراءات إلى ربط عودة ملف الإقليم بمساعٍ إيرانية، تحسّباً لاحتمال تراجع نفوذها في حكومة المركز، ويُستشهد بنداءات علنية صدرت عن قادة مليشيات ولائية دعت أهالي البصرة إلى دعم المشروع. هذا الطرح ليس وهماً، لكنه يصبح مضللاً حين يُقدَّم بوصفه تفسيراً كاملاً.
فالبصرة تمثل لإيران عمقاً اقتصادياً ولوجستياً على الخليج، ومع اهتزاز السيطرة على بغداد يصبح تفكيك النفوذ إلى مساحات محلية خياراً عقلانياً. كما أن التحول اللافت في خطاب قوى كانت ترفض أي فدرلة جنوبية ثم باتت تروّج لها اليوم لا يُفهم إلا بوصفه تحول مصلحة لا مبدأ.
لكن اختزال المطلب بهذا البعد الخارجي يُخفي الحقيقة الأعمق:
إقليم البصرة لم تصنعه إيران، بل صنعه فشل الدولة الريعية. الدور الإقليمي هنا ليس اقتحاماً لدولة قائمة، بل ملء لفراغ سيادي أنتجته بنية الريع نفسها.
الخطر البنيوي
الخطر الحقيقي لا يكمن في فكرة الإقليم، بل في اختطافها داخل منطق الريع. حين تُنزَع من كونها أداة ضغط اجتماعي، وتُعاد صياغتها كمشروع أمني لإعادة تموضع قوى مسلحة، يتحول الإقليم من مطلب لإدارة الثروة والمسؤولية المحلية إلى ريع محلي محروس بالسلاح، لا يختلف عن ريع بغداد إلا بالعنوان الجغرافي.
الأقاليم وانقراض المعارضة
في هذا السياق، لا يمكن فصل مطلب الإقليم عن انقراض المعارضة الطبقية. فحين يغيب الصراع الاجتماعي المنظم، تتحول المطالب من تغيير بنية السلطة إلى مطالب إدارية داخلها. لا يجري التنازع على من يحكم، بل على من يدير. ولا يُطرح سؤال العدالة، بل سؤال الصلاحيات.
لهذا، لا يخدم مشروع إقليم البصرة الطبقات المحلية الضعيفة. فالريع يبقى ريعاً، والفساد يبقى فساداً، مع تغيير الجهة التي توقّع العقود وتحرسها. ومن دون سلطة سيادية أعلى قادرة على فرض قواعد عامة وتفكيك الريع، لا معنى لأي وعود تنموية.
الكونفدرالية بوصفها تنظيماً للواقع لا إنكاراً له
في مقابل ذلك، تُطرَح الكونفدرالية العراقية بوصفها استجابة اضطرارية لانهيار شرط الدولة الريعية. فهي لا تُنشئ واقع التفكك، بل تنظّمه وتضع له حدوداً مكتوبة. وتحافظ، في الحد الأدنى، على وحدة الكيان شكلياً، مع الاعتراف بتعدد مراكز القرار، ووضع سقوف واضحة للتدخلات الإقليمية بدل تركها تعمل في الظل.
ضمن هذا التصور، لا تُفهم البصرة ككيان معزول أو إمارة محتملة، بل كجزء من كيان أوسع يمكن تسميته بلاد وادي الرافدين، أحد أطراف كونفدرالية تقوم على وحدة المجال الاقتصادي والتاريخ الاجتماعي، لا على الطائفة ولا على الريع.
خلاصة
إقليم البصرة ليس حلاً، بل إدارة للانهيار داخل منطق الريع:
ترسيخ للادولة، إعادة إنتاج للفساد، وتمهيد لسلطات محلية مختطفة.
أما الكونفدرالية، فرغم محدوديتها، فتمثل الصيغة الممكنة لتنظيم التفكك القائم إذا كان الهدف خدمة المجتمع لا الشبكات، والإنسان لا السلطة، والدولة كفكرة لا كغنيمة.



#ليث_الجادر (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما هي فصائل الفراغ؟ تفكيك السلاح بلا مشروع في غزة
- غزة بعد تسليم الرهائن: توازنات هشة ومصير غامض
- حين يختزل الإعلام الجغرافيا: هل قصفت واشنطن داعش في نيجيريا؟
- غزة بين الفراغ الأمني واقتصاد الغاز: قراءة في منطق الثروة ال ...
- قطر وفصائل الفراغ: الفوضى كسلاح إقليمي ضد الخليج
- السلطة الفلسطينية والخليج: من صراع الشرعية إلى تقاسم غزة الض ...
- مصالح الدول في حماس: من أداة توازن قبل طوفان الأقصى إلى عنصر ...
- إعادة تدوير حماس: من مشروع التصفية إلى استراتيجية الاستيعاب
- إسقاط النظام السابق في العراق: ذروة الهيمنة الأميركية… ومنح ...
- العراق بين الكاتونات الإقليمية وجزر الفراغ السيادي: في الجغر ...
- الاستراتيجية الأمريكية: نزع الولاء لإيران، لا نزع سلاح الفصا ...
- لا تحوّل استراتيجي في إيران: تكتيكات تعبويّة لا أكثر
- بريطانيا: ملاذ الإخوان وسط تباين غربي يهدد التحالف الأنجلو-أ ...
- هل بدأ ينفذ صبر اليهود الإسرائيليين في الهرم السياسي الأمريك ...
- انتفاضة التقدميين: بيرني ساندرز ونادي القتال يقودان التمرد ا ...
- نسبه المعوزين للطعام في الولايات المتحده تتخطى ١٢، ...
- إيران تستعد لليوم الأسود: الرسالة التي لا تريد تل أبيب سماعه ...
- نداء إلى الشيوعيين العراقيين..استفيقوا ..أنها مجرد كبوه
- تعافي اقتصاد إسرائيل وانكماش الاقتصاد الإيراني: مقارنة بين ق ...
- اليمين الأمريكي كوابح اليمين الإسرائيلي: الإسلام السياسي وال ...


المزيد.....




- شرطيان يساعدان بتنفيذ -ولادة طارئة- فجر عيد الميلاد
- كأس الأمم الأفريقية.. الجزائر تتأهل إلى ثمن النهائي ومحرز ول ...
- هروب العشرات من مصحة لعلاج الإدمان في مصر، ما السبب؟
- حماس تؤكد مقتل أبو عبيدة ومحمد ‌السنوار وفق المتحدث الجديد ب ...
- كتائب القسام تؤكد مقتل ناطقها العسكري أبو عبيدة في غارة إسرا ...
- تايلاند تتهم كمبوديا بانتهاك وقف إطلاق النار بعد رصد مسيرات ...
- السودان 2025: من سلة غذاء العالم إلى أكبر كارثة إنسانية في ا ...
- نتنياهو يلتقي روبيو بفلوريدا قبيل قمته مع ترامب
- نشطاء: التظاهر حق مشروع لكنّ الفتنة وتقسيم سوريا مرفوضان
- مسجد مدمر.. ملاذ أخير لعائلة فلسطينية من الأمطار والبرد القا ...


المزيد.....

- صفحاتٌ لا تُطوى: أفكار حُرة في السياسة والحياة / محمد حسين النجفي
- الانتخابات العراقية وإعادة إنتاج السلطة والأزمة الداخلية للح ... / علي طبله
- الوثيقة التصحيحية المنهجية التأسيسية في النهج التشكيكي النقد ... / علي طبله
- الطبقة، الطائفة، والتبعية قراءة تحليلية منهجية في بلاغ المجل ... / علي طبله
- قراءة في تاريخ الاسلام المبكر / محمد جعفر ال عيسى
- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ليث الجادر - إقليم البصرة: حين تتحول المطالب الاجتماعية إلى إدارة للانهيار