أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - عبدالحميد برتو - نظرة إلى عالم اليوم (8)















المزيد.....



نظرة إلى عالم اليوم (8)


عبدالحميد برتو
باحث

(Abdul Hamid Barto)


الحوار المتمدن-العدد: 8569 - 2025 / 12 / 27 - 22:13
المحور: السياسة والعلاقات الدولية
    


ثانيًا: الصين القوة العالمية الصاعدة
الصين هي ثاني قوة عالمية، حسب تقديرات كل الجهات المعنية، سواءً كانت من موقع الخصومة أو الإرتياح أو حتى من موقع غياب المصلحة. تَجد هذه الحقيقة نقاط إسناد وإعتماد لها، من خلال مؤشرات لا شائبة عليها، في الإقتصاد، التقدم العلمي، التقني والرقمي وغيرها. هذا إلى جانب الموثوقية بسلوكها السياسي الهادئ. يجمع المسؤولون الأمريكيون على أن الصين، تمثل منافسًا حقيقيًا لبلادهم وصاعدًا بعزيمة قوية.

نقاط القوة
يستند الاقرار بأن الصين في الموقع الثاني عالميًا، بعد الولايات المتحدة الأمريكية، على الأعمدة التالية: في الجانب الاقتصادي هي ثاني أكبر اقتصاد و أكبر قوة شرائية. كما تستند التجارة على قاعدة صناعية ضخمة، سلاسل توريد متكاملة وعلى قدرة الدولة في مجالات التخطيط طويلة الأمد. يدعمها من الجانب الديموغرافيا عدد السكان الهائل، وما يخلقه من سوق داخلية ضخمة. هذه الحالة تقدم حوافز فعالة للتجارة، وما تتطلبه حركة التجارة والعمل من مواد أولية، وصناعة تتطلبها الحاجات الواسعة للمجتمع. و ما تخلقه تلك العوامل بدورها من حركة نشطة للمواد الأولية، إلى تنمية الجودة، المعرفة الإنتاجية و الاستهلاكية والتصدير. و ما تخلق تلك العوامل من حيوية داعمة. تعزز عوامل الثقة بالنفس والإرتقاء الإجتماعي.

تقوم الصين على اقتصاد قوى صناعيًا. تشهد التكنولوجيا فيها نموًا متسارعًا، يحميه جيش تقليدي هو الثاني في العالم من حيث القوة. إلى جانب إمتلاك سلاح نووي كبيرالحجم و نفوذ عالمي متوسع. تتربع الصين على قوة صاعدة ذات رؤية طويلة الأمد. أنفقت الصين في عام 2025 نحو 2.69% من الناتج المحلي الإجمالي، على البحث والتطوير، بمجموع حوالي 496 مليار دولار، مع نمو سنوي قوي في الإنفاق. تنمو جهود الصين في مجال الإنفاق على براءات الاختراع والابتكار، بمعدل أسرع بكثير من الولايات المتحدة، بلغ نحو 8.7% سنويًا مقابل 1.7% في الولايات المتحدة. ذلك وفق بيانات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. تصدرت الصينُ العالمَ في عدد طلبات براءات الاختراع لعام 2024 بأكثر من 1.79 مليون طلب، وهو رقم قياسي يعكس نشاطًا ابتكاريًا هائلًا.

حققت الصين في مجالات التكنولوجيا تقدمًا سريعًا و هائلًا. إهتمت بالذكاء الاصطناعي، الاتصالات (5G) و التصنيع المتقدم. باتت منافسًا جديًا و قويًا للولايات المتحدة في مجالات عديدة. ومن ناحية أهمية الموقع تتميز الصين بأهمية واعدة، حيث يلعب عدد السكان و الموقع بالنسبة للصين دور الإمتياز، عند المقارنة مع الولايات المتحدة. من حيث الموقع، فهي تقع في آسيا، التي يبلغ عدد سكانها حوالي 4.84 مليار نسمة، أي أكثر من نصف سكان العالم. هذا العدد يعادل حوالي 58.7% من العدد الكلي لسكان العالم، البالغ حوالي 8.2 مليار نسمة تقريبًا. وإن مساحة آسيا من اليابسة حوالي 31 مليون كم². تشكل ما يقارب 30% من إجمالي مساحة اليابسة، حيث تبلغ المساحة الإجمالية لليابسة في العالم 148.9 مليون كم².

أما قارة أمريكا الشمالية حيث الولايات المتحدة، يبلغ عدد سكانها حوالي 617 مليون نسمة، حسب بيانات الأمم المتحدة والتقديرات الأخرى. تمثل نسبة سكان قارة أمريكا الشمالية حوالي 7.5% من مجموع سكان العالم. تبلغ مساحتها حوالي 24.23 مليون كم². تمثل نسبة حوالي 16.5% من المساحة اليابسة للعالم. جميع هذه الأرقام الاحصائية في المقارنات السابقة، تعود أو تصف الواقع القائم في العام الحالي 2025. تحتل قارة أمريكا الشمالية الموقع الثالث، بين أكبر القارات من حيث المساحة بعد آسيا وأفريقيا. وهي الرابعة من حيث عدد السكان بعد آسيا، أفريقيا و أوروبا. كما تمتلك الصين إمتدادًا بريًا مع قارة أوروبا، وإمتداد شبه بري مع أفريقيا.

دعمت نفوذ الصين الجيوسياسي مبادرة الحزام والطريق. تعتبر مبادرة الحزام والطريق الصينية مشروعًا استراتيجيًا، أطلقته عام 2013 بهدف تعزيز الترابط الاقتصادي والتجاري بين الصين ودول آسيا، أفريقيا، أوروبا وأمريكا اللاتينية. ذلك عبر تطوير البنية التحتية والتعاون الاستثماري. تشمل المبادرة مسارين رئيسيين: الحزام الاقتصادي لطريق الحرير، وهو شبكة طرق وسكك حديدية وأنابيب برّية. ويشمل طريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين موانئ وممرات شحن بحرية.

تقوم الأهداف الأساسية للمبادرة باختصار، على: تسهيل التجارة وحركة السلع، ربط الأسواق، تقليل تكاليف النقل، توسيع النفوذ الاقتصادي والسياسي للصين و دعم التنمية في الدول المشاركة. تشارك في هذه المبادرة أكثر من 140 دولة، وتُعد من أكبر المشاريع الجيو-اقتصادية في التاريخ الحديث. كل المؤشرات القائمة تؤكد على إتساع نفوذ الصين المتزايد في آسيا، أفريقيا وأمريكا اللاتينية.

يحاصر الغرب الصين في مجالات التكنولوجيا المتقدمة جدًا، مثل: آلات تصنيع الرقائق المتقدمة، معدات الطباعة الضوئية ذات الدقة العالية والذكاء الاصطناعي عالي الأداء. فرضت الولايات المتحدة قيود تصدير على التكنولوجيا المتقدمة، خاصة في مجال الرقائق وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي المتطورة. أصدرت الصين قرارات تطلب من الشركات والمنشآت المحلية أن تعتمد أكثر على رقائق محلية بدل الأجنبية. تبذل جهود محلية لتعويض الاعتماد الأجنبي، وتحقيق ترقيات محلية للمعدات الأجنبية. تقوم شركات صينية بتحديث معدات تصنيع أجنبية قديمة، وتحسينها لتعمل بكفاءة أعلى، خاصة إذا وجد نقص في خيارات محلية متقدمة. تعمل الصين بجد على كسر الاعتماد على الخارج الغربي. عبر الاستثمار في تطوير معدات محلية وإنتاج رقائق متطورة خاصة بها. عبر سياسات تحفيزية لتقليل الاعتماد الأجنبي.

جاءت معادلة ظريفة في كتاب "الصين والسعي لبناء المستقبل"، للكاتب الأمريكي من أصل صيني دان وانغ للمقارنة بين أمريكا والصين. كانت المعادلة ذات دلالات عميقة. تفيد بأن الصين أمة يقودها مهندسون و الولايات المتحدة أمة يحكمها محامون. إن الكاتب يقارن نوعية العقلية السائدة في أوساط صناع القرار الذين يحكمون البلدين. فالمهندس ينصب تفكير على البناء الدقيق، المتوازن والفعال. أما المحامي فيركز على المحاججة. تتحول كل خطوة بالنسبة للمحامي إلى معركة قضائية أو سياسية. والمهندس يركير على دقة سير خطوات كل منتج يصممه. ثم يقدم أمثلة على الحالتين في معظم مجالات الحياة الأساسية في البلدين.

نقاط الضعف
جرى تناول المسألة السكانية في الصين، بما تحمله من عوامل قوة إقتصادية ـ إجتماعية. لكن هناك ملاحظة حول دور الشيخوخة السكانية السريعة. هذه النقطة تحمل مؤشرات إيجابية وسلبية. يصب الايجابي منها بمجرى تحسن الخدمات العامة. لكنه من جانب آخر، يتحول إلى نقطة سكانية سلبية، إذا اقترن بانخفاض معدلات الولادة.

ومن نقاط الضعف يوجد اعتماد جزئي على التكنولوجيا الأجنبية المتقدمة. ذلك في وقت يحاصر الغربُ الصينَ في مجالات التكنولوجيا المتقدمة جدًا، مثل: آلات تصنيع الرقائق المتقدمة، معدات الطباعة الضوئية ذات الدقة العالية والذكاء الاصطناعي عالي الأداء. فرضت الولايات المتحدة قيود تصدير على التكنولوجيا المتقدمة إلى الصين، خاصة في مجال الرقائق وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي المتطورة. أصدرت الصين قرارات تطلب من الشركات والمنشآت المحلية، أن تعتمد أكثر على رقائق محلية بدل الأجنبية. تبذل جهود محلية لتعويض الاعتماد الأجنبي. تعمل الصين بجد لكسر هذا الاعتماد. عبر الاستثمار في تطوير معدات محلية وإنتاج رقائق خاصة بها. عبر سياسات تحفيزية لتقليل الاعتماد الأجنبي.

تعاني الصين من وجود توترات فيما يتعلق بمسألة تايوان و بحر الصين الجنوبي. تنظر الصين والغرب إلى قضية تايوان من منطلقات تاريخية وقانونية وسياسية مختلفة جذريًا. ولهذا فهي من أكثر القضايا حساسية في السياسة الدولية اليوم. تنظر الصين إلى مشكلة تايوان من منطلقات وطنية. تعتبر الصين تايوان جزءًا لا يتجزأ من أراضيها منذ أقدم العصور التاريخية. تعتبرها قضية سيادة ووحدة وطنية. وإن انفصال تايوان هو نتيجة للحرب الأهلية الصينية (1945–1949)، حين انسحبت حكومة الكومينتانغ إلى الجزيرة بعد انتصار الشيوعيين. ترى الصين أن الوضع الحالي مؤقت وغير شرعي. تصر الصين على إعتماد مبدأ الصين الواحدة. وأن حكومة بكين هي الممثل الشرعي الوحيد لها. هذا المبدأ شرط أساسي لإقامة علاقات ديبلوماسية مع الصين، تلتزم به معظم دول العالم رسميًا.

رفضت الصين الاستقلال التايواني. ترى أي إعلان استقلال من تايوان خطًا أحمر يبرر استخدام القوة. تفضل بكين إعادة التوحيد السلمي، لكنها تؤكد أن الخيار العسكري قائم. تمثل تايوان للصين مسألة كرامة وطنية وإرثًا من قرن الإذلال والتدخلات الأجنبية. يستخدم الحزب الشيوعي الصيني القضية التايوانية لتعزيز الشرعية الوطنية الداخلية.

ينظر الغرب إلى قضية تايوان من زاوية نظر مختلفة. لا يعترف الغرب خصوصًا الولايات المتحدة رسميًا بتايوان كدولة مستقلة، لكنه لا يعترف بسيادة الصين عليها عمليًا. يتبنى الغرب سياسة الغموض الاستراتيجي بدلًا من الحسم. يرى الغرب تايوان كديمقراطية مستقلة بحكم الأمر الواقع، ذات حكومة منتخبة واقتصاد متقدم. يُنظر لأي محاولة لفرض الوحدة بالقوة على أنه انتهاك لحق الشعب التايواني في تقرير مصيره. يقوم المحرك الحقيقي لسلوك الغرب بصدد تايوان على أن تايوان في موقع استراتيجي مهم في سلسلة الجزر الأولى التي تحد من التمدد البحري الصيني. السيطرة الصينية عليها ستُغيّر ميزان القوى في شرق آسيا. كما أن تايوان لاعب أساسي في صناعة أشباه الموصلات. يخشى الغرب أن تؤدي سيطرة الصين على تايوان إلى اختلال اقتصادي وتقني عالمي.

الصراع الحقيقي ليس على الأقاليم فقط، بل على من يملك حق إعادة رسم الخريطة الدولية: الدولة القومية، أم إرادة السكان، أم ميزان القوى؟ يبرر الغرب الحالات كلٌّ على حدة، ما يفتح باب ازدواجية المعايير. روسيا والصين توظفان هذه السوابق لإعادة تعريف مفهوم السيادة. التاريخ هنا ليس خلفية، بل سلاح سياسي في الجدل الدولي. تعاني الصين في بحر الصين الجنوبي من مجموعة معقّدة من المشاكل السياسية والعسكرية والقانونية والاقتصادية. لكن ما يقلل من خطر تلك الخلافات والمشاكل السياسة المرنةُ التي تمارسها الصين في التعامل معها، إذ تعطي للوقت فرصته للتسوية.

تطالب الصين بمعظم بحر الصين الجنوبي، استنادًا إلى ما يُعرف بـخط التسع نقاط، لكن هذه المطالب تتداخل مع مطالب دول أخرى، أهمها: فيتنام، الفلبين، ماليزيا، بروناي و تايوان. تتركز الخلافات خصوصًا حول جزر سبراتلي و باراسيل. تنفذ الولايات المتحدة حرية الملاحة قرب المناطق التي تطالب بها الصين. ترى الصين ذلك تدخلًا في شؤونها وتهديدًا لأمنها القومي. إن دعم واشنطن لدول مثل الفلبين يزيد من الضغط الاستراتيجي على بكين. مما يؤكد أهمية بحر الصين الجنوبي، أن نحو ثلث التجارة البحرية العالمية تمر عبره. كما يُعتقد أنه يحتوي على احتياطيات كبيرة من النفط والغاز. وهو غني بالثروة السمكية. أن أي تنازل صيني يُنظر إليه داخليًا كخسارة استراتيجية واقتصادية.

تؤثر أزمة بحر الصين الجنوبي على مستقبل النظام الدولي في خمس نقاط مركزية: إضعاف النظام الدولي القائم، تسريع التحول نحو نظام دولي متعدد الأقطاب، تكشف الأزمة تراجع قدرة الولايات المتحدة على فرض النظام وحدها، صعود الصين كقوة مستعدة لتحدي القواعد القائمة والنظام الدولي يتجه من الهيمنة الأمريكية إلى توازن قوى متنافس. إن عسكرة الممرات البحرية العالمية ومنها بحر الصين الجنوبي تعد نموذجًا جديدًا، لتحويل الممرات التجارية إلى ساحات ردع عسكري، ربط التجارة العالمية بالأمن العسكري المباشر. هذا يهدد أمن العولمة وسلاسل الإمداد مستقبلًا. ويخلق سوابق خطيرة في النزاعات الإقليمية. يقسم العالم إلى كتل أمنية متنافسة بدل التعاون الجماعي.

يمكن مقارنة بحر الصين الجنوبي بأزمة الصواريخ الكوبية، من حيث تأثيرهما على النظام الدولي. مثلت أزمة الصواريخ الكوبية حالة صراع مباشر بين قطبين نوويين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي. و هي تهديد مباشر بحرب نووية شاملة. بينما يمثل بحر الصين الجنوبي صراعًا متدرّجًا وطويل الأمد. مواجهة غير مباشرة بين الصين والولايات المتحدة عبر نزاعات إقليمية. إن الفرق الجوهري يمكن في خطر الحالة الأولى كان فوريًا مقابل الحالة الحالية التي تمثل استنزافًا استراتيجيًا طويلًا.

ميزان القوى في أزمة كوبا 1962 توازن رعب نووي واضح. طرفان متكافئان تقريبًا. يوجد في بحر الصين الجنوبي اختلال نسبي. يتمثل بقوة صاعدة الصين في مواجهة قوة مهيمنة أمريكا. ميزان القوى غير مستقر و يتغير بمرور الزمن. هذا يزيد من خطر سوء الحسابات. كانت إدارت الأزمة في كوبا عبر قنوات اتصال مباشرة الخط الساخن لاحقًا. تسوية سرية متبادلة عبر سحب الصواريخ مقابل تنازلات أمريكية. بحر الصين الجنوبي غياب تسوية نهائية. تجري الإدارة حسب متطلبات الأمر الواقع وبناء الجزر وتعزيز الوجود العسكري. وفي المحصلة فأن الأزمة هنا تُدار لا تُحل.

أثرت الأزمة كوبية على النظام الدولي، من خلال تعزيز منطق الردع والاستقرار النووي. قادت إلى اتفاقيات ضبط التسلح. تُضعف أزمة بحر الصين الجنوبي القانون الدولي البحري. تُعزز منطق القوة والمناطق العازلة. ثبّتت أزمة كوبا النظام الدولي، بينما أزمة بحر الصين الجنوبي تُعيد تشكيله. كانت الأزمة الأولى في ساحة للصراع على أرض دول صغيرة هي كوبا. في بحر الصين الجنوبي توجد عدة دول صغيرة متداخلة في النزاع. يوجد خطر انجرار أطراف متعددة لأي صدام. قد يزيد تعقيد الأزمة مقارنة بكوبا.

كانت أزمة الصواريخ الكوبية لحظة ذروة، كادت تُدمّر النظام الدولي، لكنها انتهت بتعزيزه. بحر الصين الجنوبي هو أزمة بطيئة قد لا تنفجر، لكنها تُغيّر قواعد النظام الدولي تدريجيًا. قد تبدو أزمة الصواريخ الكوبية أخطر لحظيًا، لكن أزمة بحر الصين الجنوبي قد تكون أخطر على المدى الطويل للأسباب التالية، إن الخطر البطيء يكون غير المرئي، بينما في كوبا 1962 كان الخطر واضحًا. استغرق الحل لحظة واحدة و قرار واحد. بينما في بحر الصين الجنوبي يكون التآكل تدريجيًا دون لحظة إنذار. الأخطر ليس الانفجار، بل التعوّد على خرق القواعد. أزمة كوبا كادت تُدمّر العالم مرة واحدة. بحر الصين الجنوبي قد يُغيّر العالم ببطء. دون أن ينتبه أحد حتى يصبح التغيير دائمًا.

جاء في وكالة أنباء شينخوا الصينية خبر عاجل. يفيد بأن الرئيس الصيني شي أوضح موقف بلاده المبدئي بشأن تايوان في مكالمة هاتفية مع ترامب: "أوضح الرئيس الصيني شي جين بينغ يوم 24 تشرين الثاني/ نوفمبر 2025 موقف الصين المبدئي بشأن قضية تايوان، وذلك خلال مكالمة هاتفية مع نظيره الأمريكي دونالد ترامب. أكد شي أن عودة تايوان إلى الصين جزء مهم من النظام الدولي بعد الحرب. أشار شي إلى أن الصين والولايات المتحدة حاربتا من قبل جنبا إلى جنب ضد الفاشية والنزعة العسكرية، مضيفًا أنه يتعين عليهما، في الوقت الحاضر، الحماية المشتركة لنتائج الانتصار في الحرب العالمية الثانية. تنسج الصين علاقات دولية تقوم على الإحترام المتبادل. لا تسمح في الوقت نفسه بالتجاوز على مصالحها الوطنية، خاصة تلك التي تربطها بالكرامة الوطنية.

إن السياسة الخارجية المرنة للصين أدت إلى خلق حالة تقارب الهند مع المحور الصيني ـ الروسي. لم يخفي الرئيس ترامب قلقه من التقارب الصيني الروسي الهندي. إذا تواصل وتعمق هذا التفاهم الثلاثي، فإنه يخلق معادلات جديدة في الحالة الدولية. سجلت زيارة الرئيس الهندي الى بكين حالة اهتمام عالمي، بعد ان انقطعت مثل تلك الزيارت اعوام مديد. شهدت خلالها العلاقات بين البلدين توترات حدودية وغيرها. هناك أسباب موضوعية كثيرة لتحسن العلاقات، منها: تزايد التجارة بين البلدين الصين والهند، اعتمدت الهند على الغاز والنفط الروسي والعامل الجغرافي كذلك. برز الإنزعاج الأمريكي من التقارب وإرتفاع معدلات التجارة والمصالح بين الدول الثلاث. تأكد ذلك من خلال اتهام ترامب للصين والهند بتموين الحرب الروسية في اوكرانيا.

ليست الصين وحدها تهدد أمريكا، إنما المحور كله. تتمتن العلاقات الثلاثية عبر تمثيل الصين لمصالح الهند في مجلس الامن لعدم وجودها فيه، الصين هو الشريك الاكبر تجاريًا، يجد النفط الروسي سوقًا له في الهند و الثلاثة كل واحد منهم مهم للآخر. إنهم يشكلون 40% من سكان العالم، ربع الاقتصاد العالمي، 25% احياطات في مختلف المعادن بما فيه النادرة، قوتهم العسكرية هائلة و 30% من اليابسة في العالم.

قال ترامب في الأمم المتحدة: إن الصين وروسيا يمولان الحرب في أوكرانيا، وإن الأوروبين يشعرون بالقلق منه. إن بعض الخطوات الأمريكية تصب في مجرى الطرف الآخر، مثل: سياسة الضرائب الأمريكية الجديدة التي قربت الثلاثة فيما بينهم، وإن سياسة التقارب أو التحالف يخدم الأطراف الثلاثة، من زوايا عدة، والخاسر الأكبر الولايات المتحدة وتضعف أوروبا. إن الهند تخرج من دائرة الدولة الضعيفة وتتحول إلى قطب. كما سيعمل عدد من الدول على التوازن بين القوتين: اندونسيا، البرازيل، السعودية، تركيا و جنوب أفريقيا. تصبح اليابان وكوريا الواجة الأمامي. بدأ الجنوب يقول كلمة ويساهم في رسم المستقبل. ليس على أساس ايديولوجي بل على أساس الواقع.

كان من أشهر الشعارات في أربعينيات وخمسينيات القرن العشرين في الصين، عبارة أو شعار الزعيم الصيني ماو تسي تونغ، الذي تردد في أكثر من مناسبة: "الإمبريالية وكل الرجعيين نمور من ورق". أصبح من أشهر شعارات الثورة الصينية. كان قصد ماو هو أن قوى الاستعمار والرجعية تبدو قوية من الخارج، لكنها في الجوهر ضعيفة، ويمكن هزيمتها عندما ينهض الشعب. وأن العدو يبدو مخيفاً من الخارج لكنه هش داخلياً. ومن بين المناسبات التي وردت فيها تلك العبارة الشهيرة، مقابلة عام 1946 مع الصحفي الأميركي "آنا لويز سترونغ". جرت المقابلة في ذروة الحرب الأهلية الصينية بين الشيوعيين والقوميين (الكومنتانغ)، وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية مباشرة. كررها في الخمسينيات في سياق الحديث عن الولايات المتحدة بعد الحرب الكورية، مؤكدًا أن الإمبريالية تبدو قوية، لكن قوتها غير مستدامة أمام شعوب العالم.

كان ماو يرى أن القوة العسكرية والتكنولوجية للإمبريالية ضخمة، لكنها تفتقر إلى الدعم الشعبي، وتعتمد على القمع والهيمنة، وبالتالي فهي قابلة للانهيار عندما تواجه شعبًا مصممًا على المقاومة. كان ذلك جزءاً من عقيدة الحرب الشعبية التي تبناها الحزب الشيوعي الصيني. أصبحت مهمة لأنها تبث الثقة في الشعوب المستعمَرة، وتمنحها شعورًا أن الاستعمار ليس قوة مطلقة. كما تحولت إلى صيغة متداولة في جميع حركات التحرر الوطني في آسيا وأفريقيا في الخمسينيات والستينيات. استندت الصين إليها في دعايتها السياسية لإظهار أن القوة لا تكمن في السلاح فقط، بل في إرادة الجماهير.

لعب ثلاثة قادة صينين أدوارًا مهمة في التغيّرات السياسة الداخلية الصينية. كانت البداية في مرحلة التأسيس، بقيادة قائد الحزب الشيوعي الصيني ماو تسي تونغ (1949–1976)، على يده وبفكره تم بناء دولة شيوعية مركزية. حققت قفزة كبرى في الزراعة، التصنيع و التعليم وغير ذلك. جرت كل تلك التطورات تحت حملات من التعبئة الجماهيرية والثقافية. ثم تنفيذ سياسة اقتصادية مخطّطة بالكامل و تحت هيمنة الحزب و الدولة.

جاءت مرحلة دنغ شياو بينغ (1978–1992) التي اعتمدت سياسة الإصلاح والانفتاح. طرحت وسائل إضافية تحت عناوين بارزة: التحول نحو اقتصاد سوق اشتراكي، السماح بالملكية الخاصة تدريجياً، جذب الاستثمارات الأجنبية و تخفيف سيطرة الدولة على الزراعة والصناعة من أجل توسيع المشاركة الشعبية والابداع الفردي والجماعي. أعقبت ذلك مرحلة التحديث السريع (1992–2012). شهدت هذه المرحلة نموًا اقتصاديًا ضخمًا. تحولت الصين خلالها إلى مصنع العالم. ومن أبرز معالم هذه المرحلة: تطوير المدن والبنى التحتية، انضمام الصين عام 2001 إلى منظمة التجارة العالمية و التركيز على الاستقرار السياسي مع انفتاح اقتصادي واسع. انضمت كذلك إلى منظمة شنغهاي للتعاون (SCO)، التي تأسست عام 2001 إلى جانب روسيا، كازاخستان، قيرغيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان، والتي تضم الآن اثنتي عشرة دولة في المنطقة الأوراسية - من الهند إلى كوريا الشمالية. و تُمثّل ٤٠٪ من سكان العالم و٨٠٪ من مساحة اليابسة القارية بين الشرق الأقصى وأوروبا الغربية.

وأخيرًا، عهد الرئيس شي جين بينغ (2012 ـ حتى اليوم). بدأ الرئيس شي بخطوة هامة تمحورت حول تعزيز دور الحزب الشيوعي الصيني في كل جوانب الحياة. و شدد الرقابة على الحياة الداخلية للحزب باعتباره طليعة التغيّر الفعال. إهتم بأمن البلاد الرقمي و مكافحة الفساد. وبنى سياسة "النهوض العظيم للأمة الصينية". اعتمد التركيز على الابتكار، التكنولوجيا الذاتية، الاكتفاء الوطني.

وبصدد التغيّرات في علاقات الصين الدولية. اعتمدت خلال السنوات (1949 ـ 1972) سياسة مواجهة الإمبريالية والتحالف مع السوفييت. بعد ذلك تصادمت السياسة الصينية مع سياسة الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفيتي، ثم وقع انشقاق صيني ـ سوفيتي كبير. اعتمدت الصين سياسة العالم الثالث ضد الإمبريالية. ونشأت علاقات باردة مع الغرب.

بدأت سياسة الانفتاح على الغرب خلال الأعوام (1972 ـ 1990). كانت علامة بارزة زيارة الرئيس الأمريكي نيكسون لبكين (1972) التي قلبت المعادلة المعرفة. وتحولت إلى تعاون صيني ـ أميركي لموازنة الاتحاد السوفيتي. مثلت تلك الفترة بداية اندماج الصين في النظام الدولي.

برزت الصين على هيئة قوة اقتصادية صاعدة بين عامي (1990 ـ 2012)، حيث سياسة الصعود السلمي، توثيق العلاقات التجارية العالمية، تركيز على التجارة والتنمية وليس المواجهة. بعد 2012 تبنت دورًا عالميًا طَموحًا وأكثر قوة. تجسد بمبادرة الحزام والطريق، حضور عسكري متزايد في آسيا، خاصة في بحر الصين الجنوبي. تنافس استراتيجي مع الولايات المتحدة في المجالات التجارية، التقنية و جيوسياسية و تعزيز التحالفات مع روسيا والعالم النامي. استخدام القوة الاقتصادية والنفوذ التكنولوجي عالمياً.

مبادرة الحزام والطريق
ينظر الغرب بعدم إرتياح شديد إلى هذه المبادرة. يحاول تفسير القروض التي تمنحها الصيني للدول الأخرى بطريقة مسيئة. يعتقد الكثيرون من المتابعين للوضع الاقتصادي العالمي، أن تقويم الدول الغربية للقروض الصينية ليس منصفًا. ففي المقارنة بين القروض الصينية وما تقدمه الدول الغربية من قروض إلى دول الجنوب. تتضح الفوارق الجدية. تقدم الصين قروضًا بأسعار فائدة أقل، فترة سماح أطول و دون شروط أو تدخل في الشؤون الداخلية. بينما تضع الدول الغربية شروطًا مجحفة يفرضها البنك والصندوق الدوليين.

تقوم القروض الغربية على تعوم العملة المحلية، بيع القطاع العام والتدخل في الشؤون السياسية والاجتماعية الداخلية. فتحت القروض الصينية آفاقًا رحبة أمام القطاع الخاص و القطاع التعاوني. أقامت شركات مساهمة بين الدولة والأفراد. ساهم ذلك التنوع في تعزيز التنافس لصالح المناخ الإنتاجي الإيجابي وكذلك جودة المنتجات. وبما يطور البحوث والاختراعات ويفتح باضطرار آفاقًا جديدةً أمام التطور العلمي والتقني. تفخر الصين بأنها وفرت حياة كريمة لجميع مواطنيها. كما ارتقت بالتعليم والخدمات الصحية والعامة إلى مستويات تفوق الغرب وساهمت بمساعدة الآخرين أيضًا.

بلغت القيمة الإجمالية لصفقات عقود إنشاء واستثمارات في المحور والطرق عام 2024 حوالي 122 مليار دولار، و حوالي 124 مليار دولار في النصف الأول من 2025. لقد شهدت عقود الإنشاء عام 2024 رقمًا قياسيًا. بلغ حوالي 70.7 مليار دولار. واستثمارات مالية 51 مليار دولار. بلغت المشاركات منذ 2013 نحو 1.17 ـ 1.31 تريليون دولار.

بصدد التوزيع الجغرافي والقطاعات البارزة، تصدرت وجهة الاستقبال عام 2025 كل من أفريقيا ووسط آسيا. نالت أفريقيا 39 مليار دولار، آسيا الوسطى 25 مليار دولار و جنوب شرق آسيا حوالي 11.3 مليار. استقبلت كازاخستان حصة كبيرة، كان المبلغ المُشار إليه في تقارير نصف عام 2025 نحو 23 مليار. أما القطاعات التي احتلت المقدمة. كان قطاع الطاقة نفط وغاز ومشروعات الطاقة مُتجددة. كما تمت زيادة كبيرة في تمويل الطاقة الخضراء في عامي 2024 ـ 2025. سجلت صفقات الطاقة المتجددة أرقامًا قياسية، القطاعات المعدنية مناجم، معادن مثل النحاس والليثيوم، اللوجستيات و البنية التحتية للاتصالات. سجل النفط والغاز ارتفاعاً ملحوظاً.

تصاعدت الرقابة الغربية في الأونة الأخيرة على الاستثمارات الصينية في قطاعات حساسة، مما أدى إلى رفض أو تجمد مشاريع في بعض دول أوروبا الشرقية، بسبب تحفظات أمنية وسياسية غربية. تكثّف الصين تمويلها لآسيا الوسطى لأسباب موضوعية كثيرة، منها: القرب الجغرافي، استراتيجية طريق بري قصير، آسيا الوسطى هي جسر بري طبيعي بين الصين وأوراسيا، تكاليف لوجستية أقل ومسارات خطّية للموارد والسكك الحديدية. هذا يقوّي جدوى مشاريع النقل والطاقة في المنطقة.

كما تأخذ الصين بعين الاعتبار أمن الموارد والمواد الخام. تعتبر دولًا مثل كازاخستان نموذجية، حيث لديها موارد معدنية هائلة، مثل النحاس، الليثيوم و المعادن الصناعية. فضلًا عن تأمين وصول هذه الموارد. أصبح تلك القضايا أولوية صناعية واستراتيجية للصين، خصوصاً مع تقوّض بعض سلاسل التوريد التقليدية. تذكر تقارير 2025 وجود استثمارات ضخمة في قطاع المعادن بكازاخستان. كما يُرجَّح أن يكون المناخ السياسي الإقليمي أكثر قبولاً للاستثمارات الصينية. خاصة من زوايا العلاقات التاريخية والمصالح الأمنية المتبادلة من خلال منظمة شنغهاي للتعاون. تُسهِّل تلك العلاقات عقد اتفاقات كبيرة. و لا تعاني من الرفض السياسي مقارنة مع بعض دول أوروبا الشرقية.

توجد عراقيل أمام فرص بناء سلاسل صناعية وخدمات لوجستية جديدة، بسبب المنافسة الغربية وفرض التعريفات. تبحث الشركات الصينية عن قواعد قريبة لإنتاج ومعالجة المعادن وبناء مراكز لوجستية. إن آسيا الوسطى تقدّم ذلك.

تُؤَكّد وثيقة استراتيجية الأمن القومي الأمريكية على ضرورة ضمان استمرارية التّفوق العسكري الإسرائيلي واندماجها بصفة المُهيمن في منطقة الشرق الأوسط، لأن "أمن إسرائيل جزء من الأمن القومي الأمريكي". وهي تلعب دورًا أساسيًا في تأمين تدفق الطاقة بأسعار رخيصة، وتعزيز الشراكة مع الأنظمة المُطبّعة بصورة رسمية أو بصورة غير رسمية. والعمل على عرقلة مبادرة الحزام والطريق.

تقلص اهتمام الصين بشرق أوروبا. بسبب وجود مخاوف أمنية وسياسية من جانب الاتحاد الأوروبي والحلفاء الغربيين. وإن دول شرق أوروبا، بعضها عضو في الاتحاد الأوروبي أو على علاقة وثيقة معه. تتعرض مشاريع البنية التحتية فيها للاستجواب الأمني، وتشريعات أوروبية صارمة حول تدفقات رأس المال والاستثمارات الأجنبية في قطاعات حساسة. هذا يجعل بعض الصفقات أصعب أو أقلّ جاذبية. كما توجد مخاطر سياسية داخلية لدى الدول المستقبِلة في شرق أوروبا. وهناك انقسام سياسي/مجتمعي تجاه الصين في بعض البلدان، مما يؤدي إلى تعطيل صفقات أو مطالبات بشروط أكثر صرامة.

تركت المخاوف الأوروبية الشرقية العائد الاستراتيجي أقل نسبياً بالمقارنة بآسيا الوسطى. تمنح آسيا الوسطى الصين وصولاً مباشرًا إلى موارد و معابر برية إلى أوروبا و غرب آسيا. بينما عقود في شرق أوروبا قد تكون أقلّ ربحية أو تخضع لمعايير أوروبية صارمة تحدّ من مرونة الصين في توقيع الصفقات.

تعمل العلاقة مع روسيا في إطار أوراسيا والصين، بما يشابه توافقات ثلاثية مع موسكو أو تحرص على عدم إزعاج التوازنات مع روسيا. هذا يفتح مجالات تعاون أوسع في آسيا الوسطى، التي تقع تقليديًا ضمن النفوذ الروسي، ولكنها الآن أكثر تقبلاً للاستثمارات الصينية بشرط التنسيق. يوجد تركيز متزايد على الطاقة النظيفة والمعادن الاستراتيجية في العقود والاستثمارات الخارجية. شهدت حركة القروض الصينية تحوّلًا من قروض سيادية ضخمة إلى استثمارات شركة خاصة، عبر شراكات محلية لتقليل مخاطر الديون السياسية. تزايد النشاط الصيني منذ عام 2024 في أفريقيا وآسيا الوسطى نسبيًّا، على حساب مناطق مثل أمريكا اللاتينية وشرق أوروبا.

تمثلت بعض ردود الفعل الغربية الحالية بالقلق الأمني و الجيو ـ استراتيجي. يراقب الغرب بقلق توسيع النفوذ العسكري الروسي في القارة الأفريقية، خاصة بعض الدول الأوروبية والولايات المتحدة، عبر فيلق أفريقيا، تستبدل موسكو مجموعة فاغنر، مما يمنح وجودًا شبه رسميًا تابعًا لوزارة الدفاع الروسية. وليس مجرد مرتزقة خاصين، وهذا يزيد من القدرات الروسية في توفير التدريب، الحماية والدعم اللوجستي. سلمت موسكو عربات مدرعة حديثة إلى مالي مما يعكس رغبتها في تعزيز قدراتها الأمنية بدول الساحل. يخشى الغرب من أن يكون للصين ركيزة في مثل هذه النشاطات أيضًا.

تحالف أوكُوس (AUKUS)
توجد بعض الهواجس عند بعض الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي ـ الناتو. و هو كما معلوم المرتكز العسكري التاريخي للدول الغربية في فترة الحرب الباردة. تسعى واشنطن في الوقت نفسه الى إقامة تحالفات جديدة في مناطق أخرى. تمثلت بتشكيل تحالف أوكُوس (AUKUS) ، ربما حرّك هذا التحالف العسكري في الوقت نفسه هواجس تحوم حول تنامي قوة الصين وتأثيراتها المحتملة أيضًا.

تحالف أوكُوس (AUKUS) هو شراكة أمنية واستراتيجية ثلاثية بين الولايات المتحدة الأمريكية، المملكة المتحدة، وأستراليا، أعلنته هذه الدول في 15 أيلول/ سبتمبر 2021 بهدف تعزيز الأمن والاستقرار في منطقتي المحيطين الهندي والهادئ. ومن أجل دعم الردع العسكري في مواجهة التغيرات الجيوسياسية في تلك المنطقة. هناك مناقشات ومقترحات حول مشاركة دول أخرى في بعض جوانب التحالف، مثل اليابان أو دول أخرى في التعاون التكنولوجي، لكن حتى الآن المشاركة الرسمية تقتصر على الدول الثلاث المذكورة. هو تحالف أمني يهدف إلى تقوية التعاون العسكري والتكنولوجي بين الدول الموقعة، وزيادة القدرات الدفاعية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وردع أي تهديدات استراتيجية كبيرة هناك، خاصة ذلك الذي يُنظر إليه من قبل الأطراف الثلاثة كصعود نفوذ الصين.

يهدف تحالف أوكُوس كما تشير وثائقه إلى تعزيز الأمن والاستقرار في المحيطين الهندي والهادئ. و خلق توازن أمني في المنطقة وردع النفوذ العسكري المتنامي، خاصةً للصين. يعتبر هذا التحالف جزءًا من الاستراتيجية الأمريكية والأوروبية لتأمين المصالح في المنطقة. من أولى مهمات هذا الحلف تزويد أستراليا بغواصات نووية للمرة الأولى في تاريخها، وذلك بهدف زيادة قدرات الردع البحري والحضور العسكري في المنطقة. و لا يقتصر التعاون على الغواصات فقط، بل يشمل أيضًا تطوير وتبادل تقنيات استراتيجية في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي، الحوسبة الكمّية، الأمن السيبراني والأسلحة المتقدمة. و تنسيق الجهود الدفاعية وتبادل المعلومات والخبرات لضمان الجاهزية والثقة المتبادلة بين الدول الثلاث. على الرغم من التعاون في مجال الغواصات النووية، أكدت الأطراف التزامها بنظام عدم الانتشار النووي العالمي وضرورة احترام الضمانات الدولية في هذا المجال.

يرى مراقبون غربيون بأن أوكُوس اتفاقية تاريخية لمواجهة تنامي النفوذ الصيني. كان ردّ الفعل الصيني قد تمثل بشن انتقاد قوي للتحالف، و رأت فيه ما يعكس عقلية الحرب الباردة، و هو تصرف من شأنه إعادة توتير الوضع الدولي وزيادة سباق التسلح. كما اعتبرته انتهاكًا لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة. وصف دبلوماسي صيني الاتفاق بأنه نموذج أخرق. يتحدى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، بسبب نقل تكنولوجيا نووية حساسة إلى استراليا، وهي دولة غير حائزة على أسلحة نووية. ترى الصين أن تحالف (أوكُوس) قد يؤدي إلى الإساءة لقواعد النظام الإقليمي. وأنه قد يضر بمصالح الصين. وقد يوسع الانقسامات بين القوى الكبرى. و يهدد التحالف استقرار المنطقة، وأنه جزء من تصعيد استراتيجي ضدها. مما يعزز التوترات العسكرية والأمنية في آسيا والمحيط الهادئ.

أدّت اتفاقية أوكُوس إلى أزمة خطيرة في العلاقات بين فرنسا من جهة والولايات المتحدة واستراليا من جهة أخرى. ذلك بسبب إلغاء صفقة غواصات فرنسية بقيمة عشرات مليارات الدولارات مع أستراليا. وصفت فرنسا ما حدث بأنه طعنة في الظهر. وصف مسؤولون فرنسيون الإلغاء بأنه انتهاك للثقة. دفع باريس إلى استدعاء سفيرها للتشاور احتجاجًا على ما اعتبروه تجاهلًا لشريك أوروبي قوي. المفارقة في هذا التطور أن الاتحاد الأوروبي لا يعارض بصفة عامة أهداف التحالف، إلا أن فرنسا نفسها كانت من أشد المنتقدين بسبب فقدان دورها وتأثيرها في المنطقة. رأت باريس في أوكُوس صفعة دبلوماسية واقتصادية وعِلة في التعاون الاستراتيجي بين الحلفاء التقليديين، مما أثار جدلًا واسعًا داخل أوروبا حول علاقتها بالولايات المتحدة.

ظهرت ردود فعل من دول ومنظمات أخرى. من أبرزها أعراب ماليزيا وبعض دول جنوب شرق آسيا عن مخاوف من سباق تسلح نووي في المنطقة، بسبب زيادة القوة البحرية وتعميق التعاون الاستراتيجي العسكري في المنطقة. كما أدانت كوريا الشمالية أوكُوس بشدة، واعتبرتها أمرًا غير مرغوب فيه، يقوّض التوازن الاستراتيجي في المحيط الهادئ. هناك خشية من أن يُعيد الاتفاق تشكيل ميزان القوى في المنطقة، مما قد يزيد من التوترات.

بعد التأزم مع واشنطن، سعت باريس إلى تعزيز علاقاتها الدفاعية مع دول أخرى مثل الهند، في محاولة لتوسيع تحالفاتها الأمنية خارج الإطار التقليدي الأطلسي. كما عززت فرنسا من جهودها في تعزيز دورها في الخليج والمنطقة العربية من خلال زيارات رئاسية وحوارات أمنية، وهو توجه استراتيجي مستقل عن أوكُوس. تحاول دول الخليج عدم الانحياز بشكل كامل، إما للولايات المتحدة أو الصين في المنافسة الاستراتيجية بينهما. فبينما تعتمد الدول الخليجية تقليديًا على الحماية الأمريكية، تميل أيضًا لتعزيز علاقاتها الاقتصادية مع الصين، بما في ذلك التجارة والاستثمارات الكبيرة؛ مما يجعلها حذرة من أي تصعيد أو صراع دولي يقوض مصالحها الاقتصادية أو يفرض عليها اتخاذ مواقف حدية.

على الرغم من عدم صدور مواقف رسمية قوية لدول الخليج تجاه أوكُوس نفسها. إلا أن بعض التحليلات تشير إلى أن التحولات في السياسة الأمنية العالمية، قد تشجع دول الخليج على تعزيز التعاون الإقليمي المشترك، ليكون أقل اعتمادًا على الشركاء الخارجيين فقط، والتعامل بسرعة مع الفراغات الأمنية من خلال وحدات دفاعية خليجية أو شراكات جديدة خارج إطار أمريكي حصري.

رسم العلاقات بين باريس والخليج في ظل أوكُوس. بالرغم من أن فرنسا خليجياً ليست محورية كما هي الولايات المتحدة، فإن الخليج وفرنسا يشتركان في رغبة مشتركة بتعزيز الأمن والاستقرار الإقليمي والاستفادة من التحالفات الدولية خارج نطاق القطبية الأمريكية فقط. ترى فرنسا في الخليج منطقة استراتيجية مهمة لتوسيع نفوذها الأمني والسياسي بعد تراجع بعض الدور الأميركي التقليدي، وهو توجّه انعكس في زيارات ومسارات تعاون مع شريك الخليج في الأمن والاستثمار والتسليح. تحرص دول الخليج بدورها، على المرونة في السياسات الخارجية بحيث تستفيد من شركاء متعددين: أمريكا، أوروبا، الصين و روسيا بدل سياسة الاعتماد على طرف واحد، وذلك لزيادة قدرة البلاد على التخفيف من مخاطر التوترات الدولية والتقلبات في سياسات القوى الكبرى.

يتبع...



#عبدالحميد_برتو (هاشتاغ)       Abdul_Hamid_Barto#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نظرة إلى عالم اليوم (7)
- نظرة إلى عالم اليوم (6)
- نظرة إلى عالم اليوم (5)
- نظرة إلى عالم اليوم (4)
- نظرة إلى عالم اليوم (3)
- نظرة إلى عالم اليوم (2)
- نظرة إلى عالم اليوم (1)
- مع الشاعر سمير الصميدعي
- البحث المتواصل طريق خيرالله سعيد
- التاريخ حجر الزاوية
- حين أبحر جمال العتابي
- رواية -كدمات اليمام- (3 والأخيرة)
- رواية -كدمات اليمام- (2)
- رواية -كدمات اليمام- (1)
- في عالم الذكاء الإصطناعي
- أوامر ترامب العجولة
- إهانة التضحية
- يحيى علوان رحل مسالماً
- حميد الحريزي يرسم واحةَ الهذيان
- جولة مع الروائي راسم الحديثي


المزيد.....




- أمريكا تعلق على اتفاق جديد لوقف القتال بين تايلاند وكمبوديا ...
- شخص يهاجم بسكين نجاة ومادة سائلة.. ويصيب 15 شخصا بينهم خمسة ...
- تايلاند وكمبوديا تتفقان على -وقف فوري- لإطلاق النار بعد أساب ...
- السعودية - شريفة الغوينم: كان حلمي أن أبتكر روبوتا يكشف اكتئ ...
- لبنان: باريس تندد بإطلاق نار إسرائيلي أصاب أحد عناصر اليونيف ...
- نيويورك تايمز: هدى طفلة غزية كافحت المرض لتحيا لكن الحصار قت ...
- دراما الجامعة في -ميد تيرم- طموح الفكرة وسطحية التنفيذ
- باكستان: مستعدون للذهاب لغزة ولا نسعى لنزع سلاح حماس
- إيران: الولايات المتحدة وأوروبا وإسرائيل تشن حربا شاملة علين ...
- هجوم مكثف على كييف وزيلينسكي يبحث جهود السلام مع الأوروبيين ...


المزيد.....

- النظام الإقليمي العربي المعاصر أمام تحديات الانكشاف والسقوط / محمد مراد
- افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار ... / حاتم الجوهرى
- الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن / مرزوق الحلالي
- أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا ... / مجدى عبد الهادى
- الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال ... / ياسر سعد السلوم
- التّعاون وضبط النفس  من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة ... / حامد فضل الله
- إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية / حامد فضل الله
- دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل ... / بشار سلوت
- أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث / الاء ناصر باكير
- اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم / علاء هادي الحطاب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - عبدالحميد برتو - نظرة إلى عالم اليوم (8)