أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - عبدالحميد برتو - نظرة إلى عالم اليوم (3)















المزيد.....


نظرة إلى عالم اليوم (3)


عبدالحميد برتو
باحث

(Abdul Hamid Barto)


الحوار المتمدن-العدد: 8551 - 2025 / 12 / 9 - 16:13
المحور: السياسة والعلاقات الدولية
    


محطات في عالم متغير

1989 ـ 2000
سادت حالة عامة منذ عام 1989 إلى عام 2000 في معظم دول شرق و وسط أوروبا والبلقان، عُرفت بالانفتاح الواسع والمتسارع والمتوجه على و نحو الغرب. ارتفع مستوى تلك الموجات العارمة من الإنجذاب بسرعة مطالبة بالتغيير، نحو النموذج الرأسمالي الغربي. وإنطلقت خلالها سلسلة أحداث وتظاهرات شعبية واسعة وحتى عاطفية، سُميت بـ"الثورات المخملية" أو "سنوات التغييرات".

ومن نتائج تلك الأحداث كان إنضمام قسم من تلك الدول إلى حلف شمال الأطلسي "الناتو" وإلى الاتحاد الأوروبي، مثل: بولندا، المجر، تشيكيا سلوفينيا وغيرها. جرت عمليات الانضمام التدريجي والمتلاحق عبر مفاوضات مباشرة، بين المؤسسات الغربية (الاتحاد الأوروبي و الناتو) وطالبي العضوية.

تتضمن المفاوضات الإلتزام بضوابط محددة ومسؤوليات تنفيذية. يجب على العضو الجديد النهوض بها. لم تكن جميع الدول طالبة العضوية في المؤسسات الغربية متشابة الظروف. مما جعل عملية الإنضمام سريعة لبعض الأعضاء وأقل سرعة لآخرين. كانت فترات الإنتقال من الأنظمة السابقة إلى الجديدة متقاربة. ولكن فترات الإنضمام الفعلي نضجت بفترات مختلفة، حسب قراءة وتقدير المؤسسات الغربية لوضع البلد المعني. نتوقف أولًا عند التواريخ الفعلية لسقوط حكومات أوروبا الشرقية الاشتراكية بالترتيب الزمني:

ـ بولندا في 4 حزيران/ يونيو 1989
فازت حركة "التضامن" البولندية المعارضة، في أول انتخابات برلمانية جزئية شبه الحرة. أتاح الحزب الحاكم حزب العمال البولندي الموحد فرصة إجرائها. مما أدى إلى تشكيل أول حكومة غير اشتراكية، في مجموعة المنظومة الاشتراكية السابقة لدول شرق أوروبا. تشكلت الحكومة برئاسة تاديوش مازوفيتسكي (1927 ـ 2013). كان مازوفيتسكي صحفيًا وكاتبًا بولنديًا بارزًا. شغل في حقبة ما بعد الاشتراكية منصب أول رئيس وزراء لبولندا الجديدة (1989 - 1991). لعب دورًا مهمًا في حركة التضامن، و كان مساهمًا نشطًا و شخصية محورية، خلال عملية انتقال بولندا إلى اقتصاد السوق. وهو شريك ليخ فاونسا مؤسس وقائد حركة التضامن، الذي قاد التغيير أو الإنقلاب على الاشتراكية في بولندا. عمل فاونسا كهربائيًا في حوض غدانسك لبناء السفن. و من مواليد عام 1943. دشن إنتقال بولندا الخطوة الأولى صوب نهاية الحرب الباردة. مُنِح فاونسا لاحقًا جائزة نوبل للسلام. شغل منصب رئيس جمهورية بولندا بين عامي 1990 ـ 1995. بعد فوزه في انتخابات عام 1990، وهو أول رئيس بولندي في النظام الجديد المتجه غربًا.

يقود الحكومة البولندية الحالية حزب "المنبر المدني"، بقيادة رئيس الوزراء دونالد توسك، وهو سياسي بولندي بارز، مثل بلادة في الاتحاد الأوروبي، تولّى رئاسة الوزراء بين عامي 2007 ـ 2014م. عاد للحكم مرة أخرى في عام 2023م. من خلال تحالف انتخابي ليبرالي ـ وسطي، يعارض حزب القانون والعدالة المحافظ، الذي فشل في الانتخابات الأخيرة. ولكنه مازال مؤثرًا في الحياة السياسية العامة.

ـ المجر في 23 تشرين الأول/ أكتوبر 1989
أُعلنت المجر في 23 تشرين الأول/ أكتوبر 1989 جمهورية ديمقراطية. بعد أن أعلن الحزب الحاكم ـ حزب العمال الاشتراكي المجري حل نفسه. تم تغيير أسم الدولة جمهورية المجر الشعبية من خلال حذف صفة الشعبية منه. إن الحزب الحاكم في المجر، كما معظم بقية الإحزاب الحاكمة الأخرى، سهلت وصول القوى الموالية للغرب إلى السلطة. إذ بادرت إلى فتح الحدود مع النمسا في مايو/ آيار 1989، مما سمح بهروب آلاف الألمان الشرقيين. تميزت المجر بأنها الأشد إندفاعًا صوب التوجه غربًا. كما أسرعت بمنح إمتيازات مغرية للإستثمارات الغربية فيها.

بدأت التحولات بالمجر حين ألقى فكتور أوربان خطابًا في 16 حزيران/ يونيو 1989، بمناسبة إعادة دفن إيمري ناجي وغيره، من الذين قتلوا في انتفاضة 1956، بميدان الأبطال في العاصمة بودابست. طالب أوربان فيه بسحب القوات السوفيتية وإجراء انتخابات حرة. ساهم هذا الخطاب في ظهوره و صعوده السياسي. يُذكر أن إيمري ناجي سياسي مجري بارز، وأحد أهم رموز انتفاضة 1956 ضد الدور السوفيتي في المجر. أصبح لاحقًا رمزًا للتحرر الوطني والديمقراطية، حسب وصف القوى الموالية للغرب. وُلد ناجي عام 1896 في كابولنا ـ شرق المجر. عُين رئيسًا لمجلس الوزراء المجري بين عامي 1953 ـ 1955 لأول مرة بعد وفاة ستالين.

أعيد إختيار ناجي خلال الانتفاضة المجرية عام 1956 رئيسًا للوزراء. نفذ حكم الأعدام به عام 1958 بعد محاكمة ذات طبيعة سياسية. أعيد دفنه باحتفال كبير عام 1989. أصبح من رموز العمل ضد النظام الاشتراكي السابق. يُعرف عنه بأنه شيوعي إصلاحي معتدل. ولكنه ظهر كرمز لمعارضة السياسة السوفيتية. يُعد ناجي شخصية محورية ضد النظام الاشتراكي. تُنسب له إصلاحات خلال رئاسته لحكومة بلاده بين عامي 1953 ـ 1955. منها: إطلاق سراح بعض السجناء السياسيين، تقليص السلطات الأمنية، إصلاحات اقتصادية معتدلة وزيادة المساحة أمام الحريات الشخصية.

أعلن ناجي خلال إنتفاضة 1956 انسحاب المجر من حلف وارشو. و دعا إلى إقامة نظام ديمقراطي تعددي. كما طالب بتدخل الأمم المتحدة ضد ما وصفه بالغزو السوفيتي للمجر. تدخل الاتحاد السوفيتي عسكريًا وسحق الانتفاضة. لجأ ناجي إلى السفارة اليوغسلافية ثم جرى تسليمه لاحقًا. وأخيرًا، اعتُقل وحوكم ثم أُعدم شنقًا في 16 حزيران/ يونيو 1958. أعيد دفنه في حزيران/ يونيو 1989 بقلب العاصمة بودابست. بحضور جماهيري يضم مئات الآلاف. كان هذا الحدث بمثابة علامة فارقة على نهاية النظام السابق. ومن أبرز اللحظات في تلك المناسبة، كان خطاب فيكتور أوربان الرئيس الحالي للمجر.

ـ جمهورية ألمانيا الديمقراطية ـ ألمانيا الشرقية: تغيّر النظام في 9 تشرين الثاني/ نوفمبر 1989. بعد سقوط جدار برلين، الذي مَثّل رمزًا لإنقسام ألمانيا. سقطت الحكومة في الأيام التالية. ثم توحد شطرى ألمانيا رسميًا في 3 تشرين الأول/ أكتوبر 1990. وذلك بإنضمام الشرقية إلى الغربية.

ـ بلغاريا: بدأ تغيّر النظام في 10 تشرين الثاني/ نوفمبر 1989. تمت الإطاحة بالرئيس تودور جيفكوف من رئاسة الحزب والحكومة. بدأت بعد ذلك ما عُرف بخطة تنفيذ الإصلاحات السياسية والإقتصادية الواسعة. تحولت بلغاريا إلى اقتصاد السوق بشكل تدريجي، عبر الانتقال الديمقراطي السلمي بموجب "حوارات الطاولة المستديرة" (1990)، الخصخصة الجماعية، التحول نحو السوق الحرة. ثم تم عام 2007 الانضمام إلى عضوية الاتحاد الأوروبي، مما عزز التكامل والتوافق في السوق مع المعايير الأوروبية. إهتمت صوفيا بقطاعات إقتصادية تعتقد أنها تناسبها أكثر، مثل: الزراعة، الصناعات التحويلية، تكنولوجيا المعلومات. كما إنتهجت ذات الأسلوب، الذي سارت عليه بقية الدول المتحولة. وهو إعتماد نظام الضرائب المنخفضة لتشجيع قدوم الاستثمارات الأجنبية.

ـ تشيكوسلوفاكيا: بدأت عمليات التحول هادئة في 17 تشرين الثاني/ نوفمبر إلى 29 كانون الأول/ ديسمبر 1989م. لتنتقل السلطات إلى القوى الجديدة. عُرفت التحولات فيها بـ"الثورة المخملية". وقد أدت تلك التظاهرات السلمية إلى استقالة القيادة الشيوعية وانتخاب فاتسلاف هافل رئيسًا للجمهورية. ومن بين أسرع الإجراءات كانت عمليات إعادة الممتلكات من أرض وبيوت وغيرها إلى أصحابها السابقين و ورثتهم. بعد نحو أربعة أعوام، تم الانفصال بين تشيكيا وسلوفاكيا، بشكل رسمي في 1 كانون الثاني/ يناير 1993، فيما يُعرف باسم الطلاق المخملي، والذي أنهى جمهورية تشيكوسلوفاكيا بشكل سلمي دون أي صراع.

ومن آخر التطورات السياسية في تشيكيا، حقق الملياردير التشيكي أندريه بابيش، المعروف بـ"ترامب التشيك" وزعيم الحزب اليميني "أنو"، فوزًا في الإنتخابات البرلمانية الأخيرة، التي عُقدت في تشرين الأول/ اكتوبر 2025. تولى بابيش رئاسة الحكومة في بلاده، من خلال تحالف يميني. توجد تقديرات وتحليلات تشير إلى أنه سيعزز الاتجاه الشعبوي في وسط أوروبا. وقد سبق بابيش بهذا الاتجاه قادة في بعض دول شرق أوروبا، مثل: رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان ورئيس وزراء سلوفاكيا روبرت فيكو. يُذكر أن بابيش سبق له أن ترأس حكومة جمهورية التشيك للمرة الأولى، في الفترة من 6 كانون الأول/ ديسمبر 2017 إلى 17 كانون الأول/ ديسمبر 2021.

ـ رومانيا: قامت الثورة الرومانية في 22 ـ 25 كانون الأول/ ديسمبر 1989. كانت ثورة عنيفة في ممارساتها. لم تأخذ أسلوب شقيقاتها في دول المنظومة السابقة. انتهت بإسقاط النظام و إعدام الزعيم نيكولاي تشاوشيسكو وزوجته في محاكمة سريعة. تم إطلاق النار عليهما سوية في مشهد مروع. كانت رومانيا الوحيدة التي شهدت إسقاطًا دمويًا للنظام الاشتراكي ولحد ما كذلك الثورة في ألبانيا.

ـ ألبانيا: بدأت الاحتجاجات فيها أواخر 1990. تواصلت حتى سقط النظام رسميًا في آذار/ مارس 1991. عبر ثورة مسلحة. بدأت الإصلاحات فيها تدريجيًا بعد أول انتخابات تعددية. اتخذت قيادة الحزب نفسها قرار حل حزب العمل الألباني. استجابة للتحولات السياسية الكبرى في أوروبا الشرقية. أعلن الأمين العام للحزب أحمدو نيشاني في أبريل/ نيسان 1991. حل الحزب بمؤتمر استثنائي للحزب. ثم تحول إلى الحزب الديمقراطي الاشتراكي، تحت قيادة الرئيس آنذاك صالي بريشا وداعميه. يذكر أن الحزب في ألبانيا لم يكن على توافق مع بقية الأحزاب الشيوعية في شرق أوروبا، خاصة مع الحزب الشيوعي في الإتحاد السوفيتي.

إن التحولات العاصفة التي بدأت عام 1989. في شرق أوروبا. وتجسدت بتحطيم المنظومة الإشتراكية بأكملها، في تلك المنطقة من العالم. لا ينبغي ولا يجب النظر إليها وإلى ذلك العام وكأنهما لحظة البداية. تمثل هذه النظرة نظرة قاصرة. لا تتناسب مع خطورة ما حصل بكل المعايير. ينبغي النظر إلى الحالة كثمرة لفترة سابقة. مازالت تلك "الظاهرة" أو الحالة قيد الدراسة، من قبل كل مهتم جاد، ليس بمصير الطبقة العاملة والفلاحين حسب، إنما بمصير شعبه والإنسانية ككل. صحيح هناك مَنْ ألقى اللوم على الجمود العقائدي في قيادات تلك الأحزاب الحاكمة. وهناك مَنْ أشار إلى الفشل في الجانب الإقتصادية، بل وهناك مَنْ تمادى حد ضرب النظرية بكاملها. إن تجربة بهذه الخطورة والعمق تتطلب ما يناسبها في الدراسة والتحليل وعدم ترك الأمر للمعاهد الغربية فقط، خاصة تلك التي لا تتصف بالمهنية أو الحياد أو الاستقلال العلمي في أقل المطالب والمعايير. إن التجربة الإشتراكية في شرق أوروبا، تتطلب دراسات عميقة على أكثر من مستوى: الحزب، الدولة، القيادة، الطبقة، التحالفات السياسية والطبقية، الظروف الملموسة لكل حالة، مقارنات تحليلية نقدية لكل التجارب وتأثير المعادلات الدولية وحتى النشاطات الخاصة وغيرها.

حل حلف وارشو
تم الإعلان الرسمي عن حلّ حلف وارشو في 1 تموز/ يوليو عام 1991. جرى الإعلان في مدينة براغ عاصمة تشيكوسلوفاكيا السابقة. حضر ممثلو الدول الأعضاء: الاتحاد السوفيتي، بولندا، ألمانيا الديمقراطية، تشيكوسلوفاكيا، المجر، بلغاريا، ورومانيا. جاء القرار بعد انهيار الأنظمة الاشتراكية في أوروبا الشرقية وتوحّد ألمانيا وتفكيك الاتحاد السوفيتي الوشيك. قبل ذلك، كانت القيادة العسكرية للحلف قد تم حلّها فعليًا في 25 شباط/ فبراير 1991م، ثم تبعه الحلّ السياسي الرسمي في 1 تموز/ يوليو 1991م، أي قبل نحو 6 أشهر من تفكك الاتحاد السوفيتي نفسه في كانون الأول/ ديسمبر 1991م.

لكن سرعان ما ظهرت أولى إشارات التردد والحذر في روسيا. بعد مرحلة بوريس يلتسين الموالية للغرب. بوريس يلتسين (1931 ـ 2007) هو أول رئيس للاتحاد الروسي. امتدت ولايته من عام 1991 إلى عام 1999. كان في البداية من مؤيدي ميخائيل غورباتشوف. ثم تحول إلى أحد أقوى معارضيه السياسيين. كان يلتسين خلال أواخر الثمانينات عضوًا في المكتب السياسي للحزب الشيوعي في الاتحاد السوفيتي. لكن أواخر عام 1987 احتج وقدم استقالته. هذه حالة نادرة إذ لم يحدث من قبل، أن استقال أحد أعضاء المكتب السياسي للحزب.

انتخب يلتسين في 29 مايس/ مايو 1990م. رئيسًا لمجلس السوفييت الأعلى الروسي. و تم انتخابه في 12 حزيران/ يونيو 1991م. بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، بالاقتراع الشعبي المباشر، لمنصب رئيس جمهورية روسيا الاتحادية. ثم أعيد انتخابه في انتخابات عام 1996م. إستمر في الرئاسة الروسية حتى استقالته في 31 كانون الأول/ ديسمبر 1999م. رشّح يلتسين رئيس الوزراء آنذاك، فلاديمير بوتين، ليخلفه في المنصب. وصل بوتين إلى رئاسة روسيا لأول مرة في 7 مايو/ آيار 2000. بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية، التي جرت في آذار/ مارس 2000م. كان قد تولى رئاسة الوزراء ورئاسة البلاد بالوكالة قبل ذلك في نهاية عام 1999م. بعد استقالة بوريس يلتسين. مثّل بوتين بداية عودة النزعة القومية الروسية والعداء للغرب أو الإختلاف معه تدريجيًا.

وُلد فلاديمير بوتين في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 1952 في مدينة لينينغراد. قضى طفولة صعبة وقاسية، حيث نشأ في عائلة متواضعة بعد الحرب العالمية الثانية. درس القانون في جامعة لينينغراد الحكومية. تخرج منها عام 1975. بعد التخرج أنضم إلى جهاز الاستخبارات السوفيتيKGB) ). عمل لسنوات في هذا الجهار، من بينها فترة خلال الثمانينات عمل بمدينة دريسدن في ألمانيا الديمقراطية. بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، ترك العمل النشط في الـ KGB الذي أصبح لاحقًا FSB جهاز الأمن الفيدرالي الروسي.

عاد بوتين إلى روسيا ليبدأ مسارًا سياسيًا جديدًا. بعد عودته عمل في سانت بطرسبرغ بمناصب محلية، ثم انتقل إلى موسكو وتقلد مناصب في الإدارة الرئاسية. تم تعيينه في عام 1998 مديرًا لجهاز الأمن الفيدرالي الروسي (FSB). كان له دور كبير في بنية النظام الأمني.

محطات في سيرة بوتين
ـ في 31 كانون الأول/ ديسمبر 1999م. أعلن بوريس يلتسن استقالته المفاجئة. و رشح بوتين رئيسًا مؤقتًا.
ـ في آذار/ مارس 2000، فاز بوتين في أول انتخابات رئاسية له ليصبح رئيسًا لروسيا.
ـ خلال ولايته الأولى، عمل بوتين على إعادة تركيز السلطة لدى الكرملين، وتقوية الدولة المركزية، وتقليص نفوذ بعض عناصر الأقلية المتنفذة "الأوليغاركيين".
ـ في عام 2008، وبموجب الدستور آنذاك، الذي يمنع إستمرار ولايات لثلاث مرات متتالية، تنحى بوتين إلى منصب رئيس الوزراء، مع بقاء نفوذه قويًا. إذ لا يمكنه الترشح مباشرة حسب الدستور القديم، فشغل منصب رئيس الوزراء من 2008 إلى 2012.
ـ عاد لرئاسة ثالثة عام 2012 ـ 2018. في هذه الفترة أجرى تعديلات دستورية، باتت بموجبها مدة الولاية الرئاسية إلى 6 سنوات.
ـ ثم جاءت رئاسته لولاية رابعة بين عامي 2018 ـ 2024.
ـ ترشح للرئاسة مرة أخرى في عام 2024 بعد إجراء تعديلات دستورية عام 2020 تسمح لبوتين بالترشح لفترتين إضافيتين. كما إن التعديلات الدستورية تعيد تصفير عدد الولايات السابقة، بحيث أصبح بامكانه الترشح من جديد. وبعد فوزه عام 2024، تولى رئاسة روسيا لفترة خامسة.
ـ يسعى الرئيس بوتين إلى تقوية وتعزيز مكانة روسيا محليًا وإقليميًا ودوليًا. ظل بوتين رجل روسيا القوي خلال رئاسته للحكومة أو رئاسة الجمهورية.

بعض معارك بوتين:
أقدم بوتين على العديد من الأعمال النشطة التي تتسم بالعنف لتعزيز دور ومكانة روسيا، منها:
ـ خاضت روسيا حربًا قصيرة ضد جورجيا في عام 2008. وهو صراع كان له أبعاد استراتيجية وسياسية مهمة.
ـ في عام 2014 وضعت روسيا يدها على شبه جزيرة القرم من أوكرانيا، في خطوة أثارت جدلًا دوليًا كبيرًا.
ـ في السنوات الأخيرة، لعب بوتين دورًا محوريًا في النزاع الأوكراني، بما في ذلك الغزو الروسي الشامل عام 2022.
ـ عمل بوتين على ضمّ حلفائه من جهاز المخابرات والـ "سيلوفيك" رجال القوات الأمنية في مؤسسات الدولة. يعني مصطلح سيلوفيك أن الأشخاص المعنيين فيه، هم المسؤولون السياسيون أو الشخصيات النافذة في روسيا، الذين يأتون بخلفية عسكرية أو أمنية، خاصة من أجهزة الاستخبارات السوفيتية (KGB) أو نظيراتها الروسية الحديثة مثل FSB، وهم يُعتبرون نخبة قوية مؤثرة في دوائر السلطة، و في توجيه الاستراتيجيات الوطنية الروسية، وتقول عنهم الأوساط الغربية بأنهم يمثلون "طبقة النبلاء الجدد".

تشير بعض التقديرات حول صفاته الشخصية، بأنه يتسم بالبرود العاطفي والقدرة التنفيذية والإصرار. ساهمت هذه الصفات كثيرًا في فتح طريقه إلى الحكم أمامه. و هناك مَنْ يرى بأن نظام بوتين تسبب في تضييق الحريات، سيطرة الدولة على وسائل الإعلام واضعاف المعارضة الحقيقية. كما هناك مَنْ يشير إلى تراكم الثروة في أيدي شبكة مقربة منه.

بعض النزاعات التي خاضها بوتين
هذا عرض موجز لأهم العمليات أو النزاعات الحربية والأمنية، التي خاضتها روسيا منذ عام 2000 خلال عهد الرئيس فلاديمير بوتين، سواء داخل الأراضي الروسية، التي تُعد ضمن مفهوم النزاعات "الداخلية" مثل الشيشان، وأخرى أقرب إلى عمليات عسكرية أو تدخلات أمنية، لا تحمل صفة تدخل أو حرب خارجية وبعضها في محيطها. بعض تلك النزاعات و العمليات تأخذ صفة حروب كاملة. تندرج ضمن مستوى التدخلات الاستراتيجية الجيوسياسية، مثل: سوريا و أوكرانيا. تهدف التدخلات إلى تعزيز نفوذ روسيا، وليس فقط رد فعل محلي. هناك بعض الدراسات تشير إلى أن روسيا تحت قيادة بوتين طورت استراتيجيتها من تمركز داخلي/محلي ـ الشيشان إلى تدخلات دولية أوسع ـ أوكرانيا، الشرق الأوسط. هذه بعض الأحداث الهامة في مسيرة بوتين:

1 ـ الحرب الشيشانية الثانية:
بدأت الحرب الشيشانية الثانية قبل رئاسة بوتين أواخر التسعينات ـ 1999. استمرت لسنوات في بدايات رئاسته. هذه حرب يمكن وصفها بالحرب الداخلية أو تمرد انفصالي في الشيشان ضد الدولة الروسية. كانت عملية قمع وتمركز عسكري كبير في الشيشان، ضمن ما يُعرف بعمليات مكافحة الإرهاب/ التمرد. على الرغم من إعلان إنهاء العمليات رسميًا في 2009. إلّا إن بعض التوترات مسّت المنطقة الشيشانية بعد ذلك. في نيسان/ أبريل 2009، أعلن بشكل رسمي انتهاء "عملية مكافحة الإرهاب" في الشيشان.

2 ـ أزمة وادي بانكيسي:
كانت بين تشرين الثاني/ نوفمبر 2000. وحتى تشرين الأول/ أكتوبر 2002. في جورجيا، بوادي بانكيسي. كان هناك مسلحون شيشانيون وعناصر جهادية في وادي بانكيسي. هذا الصراع مرتبط جزئيًا بالحرب الشيشانية، والتوترات عبر الحدود بين روسيا وجورجيا. كان النزاع حول وجود مسلحين شيشانيين وجهاديين في الوادي. طالبت روسيا جورجيا بمعالجتهم. تم التهديد من قبل روسيا بالتدخل إذا لم تتخذ جورجيا إجراء ضد هؤلاء المقاتلين.

3 ـ الحرب الروسية ـ الجورجية ـ 2008:
اندلع صراع عسكري مباشر في آب/ أغسطس 2008. بين روسيا وجورجيا، بسبب جنوب أوسيتيا وأبخازيا. بوتين كان رئيسًا خلال هذا النزاع. تدخلت روسيا بقوات، وسبق هذا التوتر مناورات عسكرية قُرب الحدود الجورجية. شارك فيها عدد كبير من القوات الروسية. عززّت روسيا بعد الحرب نفوذها على أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا. اعتُبرت التدخلات جزءًا من استراتيجية موسكو الجيوسياسية.

4 ـ حرب التدخل الروسي في دونباس (أوكرانيا الشرقية):
تُعرف العمليات العسكرية للانفصاليين منذ عام 2014. بـ"نزاع دونباس"، حيث دعمت روسيا الانفصاليين في منطقتَي دونيتسك ولوغانسك. اعترفت روسيا في شباط/ فبراير 2022. بـ"جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبية". أرسلت قوات لحفظ سلام إلى هناك قبل بدء الغزو الكامل و الواسع النطاق.

5 ـ التدخل الروسي في أوكرانيا (2014 ـ دونباس، القرم)
بدأت موسكو في عام 2014. بضم شبه جزيرة القرم، ما اعتُبر تدخلًا عسكريًا وسياسيًا كبيرًا في شرق أوكرانيا. كما دعمت روسيا الانفصاليين في منطقة دونباس (دونيتسك ولوغانسك). هناك استخدام للقوات الروسية، وكذلك جماعات "ميليشيا" موالية لروسيا، لتحريك الصراع وتثبيت النفوذ في تلك المناطق.

6 ـ التدخل الروسي في الحرب الأهلية السورية
بدأ تدخل موسكو العسكري الفعلي بسوريا في أيلول/ سبتمبر 2015. لدعم نظام بشار الأسد. شمل هذا التدخل غارات وضربات جوية، دعم لوجستي، مشورة عسكرية، إرسال قوات خاصة وموارد عسكرية ومشاركة وحدات برية، و أحيانًا كان الهدف المعلن لموسكو "مكافحة الإرهاب". لكن هناك أيضًا أبعاد استراتيجية جيوسياسية كبيرة. هذا التدخل عزّز من وجود روسيا في الشرق الأوسط، وأتاح لها قواعد مهمة (مثل قاعدة حميميم الجوية).

7 ـ غزو روسيا لأوكرانيا عام (2022 – حتى الآن)
أطلقت روسيا في 24 شباط/ فبراير 2022. عملية عسكرية خاصة على أوكرانيا. ثم بدأ الغزو الروسي الشامل. هي عمليّة واسعة النطاق ـ حرب. هذا الغزو يعتبر تصعيدًا كبيرًا للغاية مقارنة بالتدخلات السابقة. ويُعد من أكبر النزاعات منذ الحرب الباردة بالنسبة لروسيا. له تبعات دولية كبيرة، أمنية وسياسية. يؤثر على العلاقات بين روسيا والغرب بشكل عميق، خاصة مع أوروبا، وهو يثير مخاوفها أيضًا. هذا الصراع مستمر حتى الآن، وله تبعات كبيرة على الأمن الإقليمي والدولي. إن ضم روسيا للقرم عام 2014. شكّل نقطة اللاعودة تقريبًا في المواجهة مع الغرب، خاصة دول الاتحاد الأوروبي.

يتبع ...



#عبدالحميد_برتو (هاشتاغ)       Abdul_Hamid_Barto#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نظرة إلى عالم اليوم (2)
- نظرة إلى عالم اليوم (1)
- مع الشاعر سمير الصميدعي
- البحث المتواصل طريق خيرالله سعيد
- التاريخ حجر الزاوية
- حين أبحر جمال العتابي
- رواية -كدمات اليمام- (3 والأخيرة)
- رواية -كدمات اليمام- (2)
- رواية -كدمات اليمام- (1)
- في عالم الذكاء الإصطناعي
- أوامر ترامب العجولة
- إهانة التضحية
- يحيى علوان رحل مسالماً
- حميد الحريزي يرسم واحةَ الهذيان
- جولة مع الروائي راسم الحديثي
- الشاعر والمناضل مخلص خليل
- حين يَتولى مُنصفون مهماتٍ
- باب المنفى
- لحظة مجيدة في نضال الشعب الفلسطيني
- لماذا يحمل الطلبة الراية الأعلى؟


المزيد.....




- خفايا موضة شتاء 2026..من الأقمشة والألوان إلى الإكسسوارات ال ...
- الشرع لـCNN: حاولنا تلافي -دوامة ما بعد النزاع-.. وحدثت -إشك ...
- قصف القوات الجوية السودانية للمدن والأسواق والمدارس أسفر عن ...
- الجنائية الدولية تحكم بالسجن 20 عامًا على قائد سابق في ميليش ...
- كيف يمكن إعادة إعمار سوريا في ظل نقص التمويل وتباين التقديرا ...
- الأوروبيون يجددون دعمهم لزيلينسكي بعد انتقادات ترامب له
- مرصد كوبرنيكوس يتوقع أن يكون عام 2025 ثاني أشد الأعوام حرارة ...
- بالصور.. ليلة فرح لم تنَم فيها سوريا
- اللجنة الانتخابية بأوغندا تدين العنف ضد المعارضة وتطالب بتحق ...
- لحظات مبهجة.. كلب مفقود يعود إلى أصحابه بعد 5 سنوات


المزيد.....

- النظام الإقليمي العربي المعاصر أمام تحديات الانكشاف والسقوط / محمد مراد
- افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار ... / حاتم الجوهرى
- الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن / مرزوق الحلالي
- أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا ... / مجدى عبد الهادى
- الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال ... / ياسر سعد السلوم
- التّعاون وضبط النفس  من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة ... / حامد فضل الله
- إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية / حامد فضل الله
- دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل ... / بشار سلوت
- أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث / الاء ناصر باكير
- اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم / علاء هادي الحطاب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - عبدالحميد برتو - نظرة إلى عالم اليوم (3)